جلسة 27 من يوليو سنة 1991
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: محمود عبد المنعم موافي وإسماعيل عبد الحميد ود. محمود صفوت عثمان وأحمد شمس الدين خفاجي - المستشارين.
--------------------
(166)
الطعن رقم 1598 لسنة 30 القضائية
دعوى - عوارض سير الدعوى - انتهاء الخصومة في الدعوى - (دعوى الإلغاء) (قرار إداري) سلطة المحكمة في وقف تنفيذ القرار الإداري مشتقة من سلطة الإلغاء
- يشترط لقبول طلب وقف التنفيذ أن يكون ثمة قرار إداري نهائي موجود وقائم ومنتج لآثاره عند إقامة الدعوى - عدم وجود القرار قبل إقامة الدعوى يجعلها غير مقبولة - إذا وجد القرار عند إقامة الدعوى وزال أثناء نظرها بأن استجابت جهة الإدارة لطلب المدعي ففي هذه الحالة يكون ركن المحل قد زال وتصبح الدعوى غير ذات موضوع ويتعين الحكم بانتهاء الخصومة فيها - تطبيق.
إجراءات الطعن
بتاريخ 30 من إبريل سنة 1984 أودع السيد الأستاذ/ عبد الحليم حسن رمضان المحامي قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1598 لسنة 30 ق عليا ضد كل من السيدين: رئيس الجمهورية ووزير الداخلية، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 17/ 4/ 1984 في الدعوى رقم 3498/ 38 ق المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهما والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً، وفي الطلب المستعجل برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب والأمر بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتقدم تقريراً بالرأي القانوني في طلب الإلغاء.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة لتقرير الطعن - الحكم بقبوله شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول طلباته الواردة بعريضة الدعوى وإلزام المطعون ضدهما المصروفات مع الأمر بتنفيذ الحكم بموجب مسودته وبدون إعلان.
وقد أودع الأستاذ الدكتور/ فاروق عبد البر، مفوض الدولة لدى المحكمة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة ارتأى في ختامه تأجيل نظر الطعن وتحديد ميعاد لا يجاوز ثلاثة أشهر للطاعن لرفع دعوى الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا وإبقاء الفصل في المصروفات.
وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فأمرت بإحالته إلى هذه المحكمة وعينت لنظره أمامها جلسة 13/ 10/ 1984 وتداولت المحكمة نظره بها وبالجلسات التالية وبجلسة 1/ 12/ 1984 دفع الطاعن بعدم دستورية القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب، المعدل بالقانون رقم 114 لسنة 1983، ورأت المحكمة جدية الدفع، فقررت تأجيل نظر الطعن لجلسة 2/ 3/ 1985 وحددت ميعاداً غايته آخر يناير سنة 1985 حتى يقوم الطاعن برفع دعوى عدم دستورية القانون المشار إليه خلال هذا الميعاد وبجلسة 2/ 3/ 1985 قرر الحاضر عن الطاعن أنه قام برفع الدفع بعدم دستورية القانون رقم 38/ 72 وحددت جلسة 27/ 3/ 1985 لنظره فقررت المحكمة بذات الجلسة وقف الطعن. بجلسة 15/ 4/ 89 صدر حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 8 لسنة 7 قضائية دستورية، قاضياً بعدم قبول الدعوى وألزمت الحكومة المصروفات تأسيساً على أنه قد سبق لها أن قضت بتاريخ 16 من مايو سنة 1987 في الدعوى رقم 131/ 6 ق. دستورية، بعدم دستورية المادتين الخامسة مكرر والسادسة (1) من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 114 لسنة 1983 وأن قضاءها له حجية مطلقة حسمت الخصومة بشأن عدم دستورية هذين النصين حسماً قاطعاً مانعاً من نظر أي طعن يثور من جديد بشأنهما وبالتالي فإن المصلحة في الدعوى الماثلة بالنسبة للطعن عليهما تكون قد انتفت وبالتالي يتعين الحكم بعدم قبولها، ومن ثم استأنفت المحكمة نظر الطعن بجلسة 16/ 12/ 1989 وبالجلسات التالية، وعلى النحو الثابت بمحاضرها وقررت إصدار الحكم بجلسة 27/ 1/ 1990، وبها قررت إعادة الطعن للمرافعة لجلسة 3/ 3/ 1990 وعلى هيئة مفوضي الدولة إعداد تقرير تكميلي في موضوع الطعن بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا وأودع الأستاذ المستشار/ عادل الشربيني، مفوض الدولة لدى المحكمة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة، ارتأى في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً، وإلزام وزارة الداخلية بالمصروفات، وتداولت المحكمة نظر الطعن بالجلسات التالية، على النحو الثابت بمحاضرها، وقررت إصدار الحكم فيه بجلسة 2/ 3/ 1991، وبها قررت إعادة الطعن للمرافعة بناء على طلب الطاعن المؤرخ 14/ 2/ 1991 ثم تداولت نظره بتلك الجلسة وبالجلسات التالية، على النحو الثابت بمحاضرها، إلى أن قررت إصدار الحكم بجلسة 20/ 7/ 1991 حيث قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 27/ 7/ 1991، وبها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الطاعن قد وجه هذا الطعن إلى كل من السيدين وزير الداخلية ورئيس الجمهورية.
وحيث إن القرار المطعون فيه محل الدعوى التي طلب فيها الطاعن وقف تنفيذه وإلغائّه قد صدر من السيد وزير الداخلية وحده مستنداً إلى أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 بشأن تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، والقانون رقم 38 لسنة 1972 بشأن مجلس الشعب ولم يصدر القرار الطعين من السيد رئيس الجمهورية أو لم يصدق عليه أو يعتمد منه بناء على أية نصوص تقرر ذلك في الدستور أو القانون.
ومن حيث إن المادة (157) من الدستور تنص صراحة على أن الوزير هو الرئيس الإداري الأعلى لوزارته ويتولى رسم سياسة الوزارة في حدود السياسة العامة للدولة ويقوم بتنفيذها.
ولما كان الطاعن قد اختصم وزير الداخلية مصدر القرار والمسئول عنه قانوناً وسياسياً أمام القضاء وأمام مجلس الشعب طبقاً لأحكام المواد (126)، (128) من الدستور والتي تنص على أن الوزراء مسئولون أمام مجلس الشعب عن السياسة العامة للدولة وكل وزير مسئول عن أعمال وزارته.
ومن ثم فإنه لا شأن لغير وزير الداخلية بهذا النزاع.
ومن حيث إنه بمراعاة ما سلف بيانه فإن الطعن استوفى الأوضاع الشكلية المقررة لقبوله شكلاً في مواجهة السيد وزير الداخلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراقها - تتحصل في أنه بتاريخ 10/ 4/ 1984 أقام السيد الأستاذ/ عبد الحليم حسن رمضان الدعوى رقم 3498/ 38 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد كل من رئيس الجمهورية ووزير الداخلية، وطلب في ختام صحيفتها الحكم بقبولها شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه شاملاً كافة آثاره، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار بكل ما ترتب عليه من آثار، وإلزام المدعى عليهما المصروفات. قال تبياناً لدعواه إنه بتاريخ 8/ 4/ 1984 أصدر وزير الداخلية قراراً بفتح باب الترشيح لانتخابات مجلس الشعب فيما بين المواطنين، وحدد القرار يوم السبت 14/ 4/ 1984 لفتح باب الترشيح ويوم 23/ 4/ 1984 ميعاداً لانتهاء قبول أوراق المرشحين وألزم القرار كل مرشح بتقديم صورة معتمدة من قائمة الحزب الذي ينتمي إليه مبيناً فيها إدراج اسمه بصفة أصلية أو احتياطية بين أسماء المرشحين من الحزب في قوائمه. ونعى المدعي على هذا القرار أنه أخل بأحكام المادتين الأولى والثانية من الدستور، فيما يقرر أنه من اتخاذ الديمقراطية أسلوباً للحكم والشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع وأخل بمبدأ تكافؤ الفرص لجميع المصريين المنصوص عليه في المادة (8) من الدستور، وبحق المواطنين في تولي الوظائف العامة وأداء الخدمة العامة والعمل العام، طبقاً لأحكام المادتين 13، 14 من الدستور، وافقدهم حق المساواة في جميع الحقوق والواجبات المنصوص عليه في المادة (40) من الدستور، وصادر حقوقهم في الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي وفقاً لنص المادة (62) من الدستور، وانطوى على تمييز بينهم بسبب الرأي السياسي إذ قصر حق الترشيح على أعضاء الأحزاب السياسية فقط، بالمخالفة لنص المادتين (2)، (26) من الاتفاقية الدولة للحقوق المدنية والسياسية التي قررتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16/ 12/ 1966 والتي وقعتها حكومة مصر في 4/ 8/ 1967 حيث حرم القرار المواطنين المستقلين من حقهم في الترشيح لعضوية مجلس الشعب.
وبجلسة 17/ 4/ 1984 صدر الحكم الطعين على أسباب توجز في أن القانون رقم (38) لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب معدلاً بالقانون رقم 114 لسنة 1983 تبنى نظام الانتخابات بالقائمة بدلاً من نظام الانتخاب الفردي، واعتبر القوائم الحزبية هي الأسلوب الوحيد لعمليتي الترشيح والانتخاب ثم جاء قرار وزير الداخلية رقم 293 لسنة 1984 مفصلاً ما أجمله القانون المذكور، فألزم كل مرشح بتقديم صورة معتمدة من قائمة الحزب الذي ينتمي إليه مبيناً فيها إدراج اسمه بصفة أصلية أو احتياطية، فيكون مشروعاً.
وإنه لا وجه للنعي عليه بعدم الدستورية لأن الدستور نص على قيام النظام السياسي على أساس تعدد الأحزاب، وهي القنوات الشرعية للمشاركة في النظام السياسي، ولا يقبل ممن لا ينتمي إلى أحد الأحزاب السياسية القائمة قانوناً المشاركة في النظام السياسي للبلاد، وأنه ليس بدعاً في التنظيم السياسي أن تكون القوائم الحزبية هي الطريق الوحيد إلى مقاعد مجلس الشعب فقد جرى العرف الدستوري والتشريعي على أن العضوية العاملة بالاتحاد الاشتراكي العربي هي الطريق الأوحد ليس فقط للذهاب إلى مجلس الأمة، ولكن (أيضاً) لتقلد بعض المناصب الخاصة (يقصد العامة) وذلك من مفهوم أن النظام السياسي في الدولة كان قائماً على صيغة تحالف قوى الشعب العاملة ضمن إطار الاتحاد الاشتراكي العربي وأنه لا وجه للقول بإخلال القرار المذكور بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، إذ إنه بعد أن نص الدستور عليها في المادتين 8، 40 منه أحال بالنسبة إلى حق المواطنين، في الانتخاب والترشيح إلى أحكام القانون، الذي نص في المادة خامساً مكرراً والفقرة الأولى من المادة السادسة منه على أن يكون الانتخاب بالقائمة الحزبية ومشترطاً أن يكون المرشح مدرجاً في إحدى هذه القوائم الحزبية، وجاء القرار المطعون فيه منفذاً له، ومقتصراً على مجرد تنفيذ الأحكام العامة والمجردة للشروط الواجب توافرها فيمن يتقدم للترشيح لانتخاب مجلس الشعب، وهي شروط القصد منها تنظيم ممارسة حق الترشيح دون انطوائه على تمييز فئة على أخرى من المواطنين بما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص بينهم فضلاً عن أن النصوص التشريعية التي توسدها هذا القرار تدور في تلك المادتين (5)، (62) من الدستور.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم الطعين للدستور والقانون والخطأ في تطبيقها وتأويلها لأسباب موجزها أن صياغة النظام السياسي على أساس تعدد الأحزاب كسائر دساتير العالم الديمقراطي ليس معناه سلب حقوق المواطنين المستقلين عن الأحزاب السياسية في الترشيح والانتخاب وليس معناه أنه يرفض وجود المستقلين، ولكنه يرفض أن تكون الممارسة السياسية لحزب واحد، وأن إضفاء الحكم الطعين الشرعية على القرار المطعون فيه، فيما قرره من حرمان غير الحزبيين من حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب، برد إلى العرف الدستوري والتشريعي الذي جرى من قبل على جعل العضوية العاملة بالاتحاد الاشتراكي الطريق الأوحد لعضوية مجلس الأمة وتولي المناصب الخاصة (يقصد العامة) يبين الخطأ من ناحيتين:
الأولى: أن هذا العرف المزعوم لم يكن من العرف في شيء، وإنما كان نصوصاً دستورية ومواد تشريعية فرضها نظام الحكم الشمولي الذي كان يقوم على أساس الحزب الواحد الذي تخلصت منه مصر بإعلان دستورها الجديد.
والثانية: إنه ما كان يجوز للحكم الطعين أن يعطي الأشباه والأمثال فيما تحاكم به الطاعن لديه من نظام شاذ انقضى ولا يجوز التشبيه به ولا القياس عليه. وأن النظام السياسي القائم على أساس تعدد الأحزاب هو نظام جماهيري صرف يباشره المواطنون باستقلال أو من خلال الأحزاب السياسية التي هي جمعيات خاصة من أشخاص القانون الخاص، وليست من مؤسسات الحكم، وقد خلط الحكم الطعين بين النظام السياسي ونظام الحكم في فكره وأسبابه وقضائه. كذلك أخطأ الحكم الطعين حين ذهب إلى أن حقوق المواطنين في المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليها في المادتين (8)، (40) من الدستور، قيدتها أحكام المادة الخامسة منه إذ أن هذه الأخيرة إنما قيدت النظام السياسي بإطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور، ومنها مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ المساواة أمام القانون. أما ما ذهب إليه الحكم الطعين من أن المادة (62) من الدستور قيدت حقوق المواطنين في الانتخاب والترشيح بما أنزل عليها القانون رقم 38 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 114 لسنة 1983 وذلك في عبارة: للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني فمردود بأن القانون لا يسلب الحقوق الدستورية المطلقة التي قررها الدستور، ولا يخل بها، ولا يقيدها، فإذا حاد عن ذلك كان غير دستوري، وبأن ما أشارت إليه المادة من أن مساهمة المواطن في الحياة العامة واجب وطني، يفسد استدلال الحكم الطعين بما استدل عليه، حيث تبتر هذه المساهمة بأي نص في قانون أو لائحة يقضي بحرمان المواطن المستقل من حقه في الترشيح لعضوية مجلس الشعب، وانتهى تقرير الطعن إلى طلب الحكم بالطلبات السالف ذكرها.
ومن حيث إن الأساس في رقابة محاكم مجلس الدولة لمشروعية القرارات الإدارية سواء في دعاوى إلغاء هذه القرارات أم في دعاوى التعويض عنها، هو خضوع الدولة للقانون وحق كل مواطن في اللجوء إلى القضاء، ومنه محاكم مجلس الدولة، بحسبانها القاضي الطبيعي صاحب الولاية والاختصاص برقابة تلك المشروعية إلغاء وتعويضاً، وذلك بصريح مواد الدستور في المادة (64) منه التي تنص على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة وفي المادة (68) منه التي حظرت تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء وفي المادة (172) التي نصت على اختصاص مجلس الدولة بالمنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى.
ومن حيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن سلطة وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من سلطة إلغائها وفرع منها حيث إن مردهما معاً إلى الرقابة القانونية التي يبسطها القضاء الإداري على القرار الإداري في دعوى الإلغاء على أساس وزنه بميزان الدستور والقانون، وزناً مناطه مبدأ المشروعية وخضوع الدولة والإدارة للدستور والقانون، ومن ثم يتعين في طلب وقف تنفيذ أي قرار إداري أن يكون مقدماً في نطاق الدعوى بطلب إلغاء هذا القرار ومستنداً إليه بحسبانها خصومة محلها القرار الإداري ذاته استهدافاً لمراقبة مشروعيته على مقتضى صحيح أحكام الدستور والقانون واللوائح المنفذة له، لذلك فقد اضطرد قضاء هذه المحكمة على أنه يشترط لقبول تلك الدعوى ابتداء أن يكون ثمة قرار إداري نهائي موجود وقائم منتج لآثاره عند إقامة الدعوى، فإذا تخلف هذا الشرط بأن لم يوجد القرار الإداري أصلاً وابتداء أو وجد ثم زال قبل رفع الدعوى، سواء بسحبه أو بإلغاء من جانب جهة الإدارة أم بانتهاء فترة تأقيته دون أن ينفذ على أي وجه، وكانت الدعوى غير مقبولة، إذ لم تنصب على قرار إداري موجود وقائم ولم تصادف بذلك محلاً، أما إذا أقيمت دعوى الإلغاء مستندة إلى وجود هذا القرار الإداري النهائي وأصبحت لذلك مقبولة إلا أنه حدث أثناء نظر الدعوى أن زال هذا القرار لأي سبب كأن استجابت الجهة الإدارية إلى طلب المدعي بإلغائه صراحة أو ضمناً وبالتالي يكون بذلك قد زال ركن المحل في دعوى الإلغاء، وهو القرار الإداري محل الطعن في طلب الإلغاء وأضحت دعوى الإلغاء بشأنه غير ذات موضوع مما يتعين معه الحكم بانتهاء الخصومة فيها، لزوال محلها مع إلزام جهة الإدارة المصروفات دون أن يخل ذلك بحق صاحب الشأن في المطالبة بالتعويض عما يكون قد أصابه من أضرار من جراء هذا القرار غير المشرع إبان فترة وجوده وتنفيذه.
ومن حيث إن الثابت بالأوراق أنه سبق للمحكمة الدستورية العليا أن قضت بتاريخ 16 من مايو سنة 1987 في الدعوى رقم 131 لسنة 6 ق دستورية بعدم دستورية المادتين الخامسة مكرراً والسادسة فقرة ( أ ) من القانون رقم 38 لسنة 1973 بشأن مجلس الشعب، المعدل بالقانون رقم 114 لسنة 1983، بما يتوافر معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، لو ظل قائماً، إلا أنه وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم (46) بتاريخ 14/ 2/ 1987 بحل مجلس الشعب استناداً لأحكام المادة 136 من الدستور وهو المجلس الذي كان يستهدف الطاعن من طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه التقدم كفرد بطلب الترشيح لعضويته، ثم صدر القانون رقم (20) لسنة 1990 بإلغاء المادة الخامسة مكرراً التي قننت وفرضت الأخذ بنظام الانتخاب بالقائمة الحزبية وأدت إلى صدور القرار المطعون فيه على النحو الذي صدر به متضمناً حرمان المستقلين عن الأحزاب من حق الترشيح لعضوية مجلس الشعب كما نص على تعديل نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من ذات القانون المشار إليه التي كانت تنص على أن يقدم المرشح طلب الترشيح لعضوية مجلس الشعب كتابة إلى مديرية الأمن بالمحافظة التي يرشح في دائرتها مرفقاً به صورة معتمدة من قائمة الحزب الذي ينتمي إليه مثبتاً بها إدراجه فيها "وأصبحت تنص على أن: يقدم طلب الترشيح لعضوية مجلس الشعب كتابة إلى مديرية الأمن بالمحافظة التي يرغب المرشح الترشيح في إحدى دوائرها الانتخابية... مما مفاده زوال القرار المطعون فيه حتماً بزوال ما ترتب عليه من مراكز وأوضاع قانونية تتعلق بالانتخاب بالقائمة الحزبية وذلك بعد أن تقرر تشريعياً العودة إلى نظام الانتخاب الفردي الذي أزال ما انبنى عليه طعن المدعي من عدم فتح الباب على مصراعيه لسائر المصريين الحائزين للشروط القانونية ممن ينتمون إلى الأحزاب أو يستقلون عنها في الترشيح لعضوية مجلس الشعب.
ومن حيث إنه بناء على ما سلف بيانه أو حل مجلس الشعب الذي تم انتخاب أعضائه طبقاً للقرار فيه، عدل قانون مباشرة الحقوق السياسية متضمناً العودة إلى نظام الترشيح الفردي ومن ثم فإن المنازعة الماثلة تغدو في حقيقة الواقع وفي صحيح حكم القانون غير ذات موضوع ويتعين لذلك الحكم بانتهاء الخصومة في الطعن مثيل حل مجلس الشعب في 24/ 2/ 1987 الذي انتخب بناء على ما تضمنه القرار المطعون فيه وإذ إن الثابت أن المدعي قد أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري تم هذا الطعن وقبل صدور القانون رقم 201 لسنة 1990 الذي ألغى نظام الانتخاب بالقائمة ومن ثم فإنه يتعين الحكم بإلزام الجهة الإدارية المصروفات عملاً بالمادة (184) مرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً في مواجهة وزير الداخلية دون غيره وبانتهاء الخصومة فيه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق