جلسة 20 من يونيه سنة 1963
برياسة السيد/ محمود عياد رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود القاضي، ولطفي علي، ومحمد ممتاز نصار، وحافظ محمد بدوي.
-----------------
(124)
الطعن رقم 134 لسنة 28 القضائية
أحكام عرفية. تعويض. دعوى "عدم سماع الدعوى".
عدم سماع أية دعوى أو دفع يكون الغرض منه الطعن فيما أمرت به أو تولته السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية سواء كان الطعن بطريق مباشر أو غير مباشر. إسباغ هذه الحماية على الأوامر والتدابير التي يتخذها القائمون على تنفيذ الأحكام العرفية ولو كانت هذه الأوامر والتدابير خاطئة وتنطوي على مجاوزة للسلطة ما دام أن الغاية من اتخاذها تحقيق مصلحة عامة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الشركة المطعون عليها أقامت على الطاعنين الدعوى رقم 217 سنة 1951 كلي القاهرة وطلبت فيها إلزامهم برد أوراق النقد التي ضبطت بالرسائل المسجلة المبينة بالصحيفة وهي 3550 جنيهاً إسترلينياً من أوراق نقد شرق أفريقيا، 500 جنيه من أوراق النقد المصرية، 10000 شلن من أوراق النقد الكينية وفي حالة الامتناع عن الرد بإلزامهم بسداد مبلغ 14020 دولاراً أمريكياً أو ما تساويه بالعملة المصرية مع الفوائد في الحالين بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الرد أو السداد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقالت المطعون عليها في بيان دعواها إنه بموجب خمس وثائق تأمين أمنت لديها شركة أمريكان دوس شربدنج على جملة رسائل تحتوي على أوراق النقد المذكورة لإرسالها من نيويورك إلى أسمرة وأديس أبابا وقد صدرت تلك الرسائل تباعاً بطريق الجو في 27 مارس، و18 يوليه سنة 1947 وفي 28 يونيه وأول يوليه و16 أكتوبر سنة 1948 مارة بالقاهرة، وعند وصول الرسائل إلى القاهرة سلمتها مصلحة البريد إلى سلطة الرقابة على الرسائل فضبطتها بمحتواها من أوراق النقد. واضطرت المطعون عليها من أجل ذلك أن تدفع إلى المستأمنين مبالغ التعويض المستحقة لهم وحصلت منهم على مخالصات بوفائها لهم وعقود بحلولها محلهم في الرجوع على الطاعنين - ورفعت الدعوى بطلباتها السالف ذكرها على أساس أن مصلحة البريد وسلطة الرقابة على الرسائل قد خالفتا القانون وليس لأيهما أن تضبط الرسائل التي توجد بمصر بطريق المرور in transit أو مصادرة أوراق النقد التي تكون بداخلها. وقد رفع الطاعنون الدعوى فيما دفعوها به بعدم سماعها عملاً بأحكام القانون رقم 50 لسنة 1950 التي لا تجيز للمحاكم سماع الدعوى التي يكون الغرض منها الطعن في أي عمل تولته السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أو مندوبوها عملاً بالسلطة المخولة لهم بمقتضى نظام الأحكام العرفية سواء كان هذا الطعن بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر وفي 8 إبريل سنة 1954 قضت محكمة القاهرة الابتدائية برفض الدفع بعدم سماع الدعوى والدفوع الأخرى التي أبداها الطاعنون وبإلزامهم بأن يدفعوا للمطعون عليها مبلغ 8020 دولاراً أو ما يعادله بالعملة المصرية وفوائد هذا المبلغ بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد والمصروفات المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من طلبات المطعون عليها. استأنف الطاعنون هذا الحكم إلى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1169 لسنة 71 ق وتمسكوا في استئنافهم بالدفع بعدم سماع الدعوى على أساس أن السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية قد وضعت أوراق النقد تحت الحراسة نظراً لما ثبت من أنها كانت مرسلة إلى بعض الصهيونيين من ذوي النشاط الضار بأمن الدولة وأنه لا يجوز سماع الدعوى بشأن هذا التصرف ولو انطوى على مخالفة القانون. ورفعت الشركة المطعون عليها استئنافاً فرعياً قيد برقم 1132 سنة 72 ق وطلبت الحكم برد باقي أوراق النقد التي لم يحكم بها أو دفع قيمتها إليها، وفي 26 مايو سنة 1957 قضت محكمة استئناف القاهرة برفض الدفع بعدم سماع الدعوى وبإلزام الطاعنين بأن يسلموا المطعون عليها 3550 جنيهاً إسترلينياً من أوراق نقد شرق أفريقيا أو بدفع مبلغ 8020 دولاراً أمريكياً أو ما يعادله من العملة المصرية مع المصروفات المناسبة عن الدرجتين، وقضت في الاستئناف الفرعي برفضه على أساس عدم ثبوت تسلم الطاعنين الرسائل المحتوية على باقي الأوراق النقدية وفي 23 إبريل سنة 1958 قرر الطاعنون بالطعن في الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة برأيها طلبت فيها نقض الحكم المطعون فيه وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 31 مايو سنة 1961 وفيها تمسكت النيابة برأيها السابق وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة فحدد لنظره جلسة 11 إبريل سنة 1963 وفيها صممت النيابة على طلب نقض الحكم.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه خطأه في القانون ذلك أنهم دفعوا لدى محكمة الموضوع بعدم سماع الدعوى استناداً إلى أن المادة 2 من القانون رقم 50 لسنة 1950 تمنع سماع أية دعوى يكون الغرض منها الطعن في أي عمل أجرته السلطة القائمة على تنفيذ الأحكام العرفية أو مندوبوها سواء كان هذا الطعن بطريق مباشر أو غير مباشر وذكروا أن الرسائل المحتوية على أوراق النقد موضوع الدعوى كانت موجهة أثناء حرب فلسطين إلى أحد زعماء الصهيونية الخطرين في شرق أفريقيا وقد قامت الرقابة العامة بضبطها عملاً بالسلطة المخولة لها بموجب الأمر العسكري رقم 1 لسنة 1948 الخاص بالرقابة. وبفض تلك الرسائل وجدت بداخلها الأوراق النقدية المشار إليها فبادرت الرقابة بتسليمها إلى المدير العام لأموال المعتقلين والمراقبين الذي فرض عليها الحراسة عملاً بأحكام الأمر العسكري رقم 26 لسنة 1948 الخاص بوضع نظام لإدارة أموال المعتقلين والمراقبين وغيرهم من الأشخاص والهيئات وبالتطبيق للمادة الأولى من قرار وزير المالية رقم 19 لسنة 1948 والصادر بتاريخ 21 يوليو سنة 1948 نفاذاً للأمر العسكري رقم 26 السالف ذكره. وقد قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع وبسماع الدعوى بمقولة إن مندوبي السلطة القائمة على تنفيذ الأحكام العرفية قد تجاوزوا حدود القانون بما أجروه من ضبط أوراق النقد ووضعها تحت الحراسة مع أنها كانت مارة بمصر ولا تعتبر من قبيل الأموال الموجودة فيها وأن القانون رقم 50 لسنة 1950 لا يضفي الحصانة المقررة فيه إلا على الأعمال والتصرفات التي تدخل في نطاق السلطات المخولة للقائمين على تنفيذ الأحكام العرفية في حين أن أهم ما استهدفه الشارع من إصدار قانون التضمينات رقم 50 لسنة 1950 هو إسدال الستار على التدابير والأعمال التي تنطوي على مجاوزة للسلطة لأن الأعمال والتدابير التي تدخل في نطاق السلطة التي تخولها الأحكام العرفية للقائمين على تنفيذها في غنى عن أية حماية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بني قضاءه برفض الدفع بعدم سماع الدعوى على ما أورده بقوله "إن المادة 2 من القانون رقم 50 لسنة 1950 أضفت الحصانة على الأعمال والإجراءات التي اتخذت عملاً بالسلطة المخولة للقائمين على تنفيذ الأحكام العرفية ويقتضي هذا أن الأعمال والتصرفات التي يتجاوزون فيما نطاق السلطة المخولة لهم بمقتضى نظام الأحكام العرفية لا تتناولها هذه الحصانة... إذ ليس المقصود بنظام الأحكام العرفية منح سلطة مطلقة للقائمين على تنفيذ هذا النظام.... وحيث إنه بخصوص سلطة الرقيب العام بالنسبة للرسائل الواردة بنظام المرور in transit فإن المادة الأولى من الأمر العسكري الخاص بالرقابة تنص على أنه يخضع للرقابة المكاتبات والمطبوعات والصور والطرود التي ترد إلى مصر أو ترسل منها إلى الخارج... وأنه تفريعاً على ذلك تكون الرقابة إذ فضت المظاريف موضوع الدعوى لدعوى للعلم بما تضمنته لم تجاوز سلطتها القانونية إنما كان عليها أن تقف عند هذا الحد ولا تمد يدها إلى ما بهذه المظاريف من نقود وحجزها استناداً إلى الأمر العسكري رقم 26 لسنة 1948 فإن تطبيق هذا الأمر إنما يكون بالنسبة للأموال الموجودة بمصر وليس الأمر كذلك بالنسبة للنقود المودعة بمظاريف مرسلة بطريق المرور لحساب أشخاص مقيمين بالخارج ومما يؤيد هذا النظر نص الفقرة الأخيرة من المادة الأولى من الأمر المذكور التي تنص على أنه يكون إخضاع أموال هؤلاء الأشخاص للإدارة المذكورة بقرار خاص بصدوره وزير المالية. ولما كان القانون رقم 50 لسنة 1950 الصادر برفع الأحكام العرفية التي أعلنت بمناسبة حرب فلسطين ينص في المادة الثانية على أنه "لا تسمع أمام أية جهة قضائية أية دعوى أو طلب أو دفع يكون الغرض منه الطعن في أي إعلان أو تصرف أو أمر أو تدبير أو قرار وبوجه عام أي عمل أمرت به السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أو مندوبوها أو وزير المالية أو أحد الحراس العامين أو مندوبيهم عملاً بالسلطة المخولة لهم بمقتضى نظام الأحكام العرفية وذلك سواء كان هذا الطعن مباشرة عن طريق المطالبة بإبطال شيء مما ذكر أو بسحبه أو بتعديله أم كان الطعن غير مباشر عن طريق المطالبة بتعويض أو بحصول مقاصة أو إبراء من تكليف أو التزام أو برد مال أو باسترجاعه أو باسترداده أو باستحقاقه أو بأي طريق آخر ولا تسري هذه الأحكام على الدعاوى المدنية أو الجنائية التي ترفع بناء على طلب وزير المالية من تصرفات الحراس في شئون وظائفهم" وقد وضع هذا الحكم على غرار الأحكام المقررة بالمرسوم بقانون 114 لسنة 1945 وبالقانون رقم 127 لسنة 1947 اللذين صدوا بمناسبة رفع الأحكام العرفية التي كانت قد أعلنت أثناء الحرب العالمية الأخيرة ولما كان يبين من المناقشات التي دارت في مجلس الشيوخ سواء من القانون رقم 50 لسنة 1950 الذي يحكم واقعة الدعوى أو القانون رقم 127 لسنة 1947 السابق عليه أن القصد من تلك الأحكام هو إعفاء القائمين على تنفيذ الأحكام العرفية من المسئولية عما اتخذوه من إجراءات تجاوزوا بها حدود القانون باعتبار أنهم فعلوا ما تقضي به المصلحة العامة وما يمليه واجب الدفاع عن البلاد أو واجب الحيطة والطمأنينة - مما يقتضي إسباغ الحماية المقررة في القوانين المذكورة على الأوامر والتدابير التي يتخذها القائمون على تنفيذ الأحكام العرفية ولو كانت هذه الأوامر والتدابير خاطئة وتنطوي على مجاوزة للسلطة ما دام أن الغاية من اتخاذها تحقيق مصلحة عامة... لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه بقضائه برفض الدفع بعدم سماع الدعوى استناداً إلى القول بأن الطاعنين قد تجاوزوا سلطتهم القانونية فيما اتخذوه من تدابير يكون مخالفاً للقانون بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
وحيث إن الموضوع صالح للحكم فيه.
وحيث إن الثابت من أوراق الدعوى أن الطاعنين فيما اتخذوه من إجراءات إنما كانوا يستهدفون تحقيق مصلحة عامة ولم تدع المطعون عليها أنهم ابتغوا بها غير هذه الغاية. ويتعين لذلك قبول الدفع بعدم سماع الدعوى.
(1) راجع نقض 14/ 6/ 1961 الطعن 123 س 26 ق السنة 13 ص 795، ونقض 22/ 1/ 1959 الطعن 291 س 24، 2/ 4/ 1959 الطعن 42 س 25 ق السنة العاشرة ص 78، 325 - والمرسوم بقانون 114 لسنة 1945 والقانون 127 لسنة 1947.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق