جلسة 14 من مايو سنة 1980
برئاسة السيد المستشار/ أحمد سيف الدين سابق نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد محمود الباجوري، وإبراهيم محمد هاشم، ومحمد طه سنجر، وصبحي رزق داود.
-------------------
(260)
الطعنان رقما 1213/ 1394 لسنة 49 القضائية
(1 - 3) إيجار. "حجز أكثر من مسكن". قانون.
(1) حق المالك في استعمال واستغلال العين المؤجرة. نطاقه. نفاذ القانون رقم 49 لسنة 1977 مقيداً حقه في الإخلاء م 31 ق قبل صدور حكم نهائي في الدعوى. أثره. وجوب تطبيق أحكامه على العقود المبرمة قبل نفاذه.
(2) حظر احتجاز الشخص مالكاً أو مستأجراً أكثر من مسكن دون مقتض في البلد الواحد. م 8 ق 49 لسنة 1977. مخالفة الحظر. أثره. للمؤجر حق إخلاء المستأجر. علة ذلك.
(3) تأجير المستأجر لمسكن مفروشاً للغير ولو بتصريح من المالك. لا يعد من قبيل المقتضى الذي يبيح له احتجاز أكثر من مسكن في البلد الواحد. المقصود بالمقتضى. هو الحاجة الشخصية للمستأجر للمكان المؤجر وليس الرغبة في المضاربة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه، وباقي الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده اختصموا الطاعن في الدعوى رقم 626 سنة 1976 مدني كلي جنوب القاهرة طالبين الحكم بفسخ عقد إيجار العين المبينة بصحيفة الدعوى وإخلائه منها وتسليمها إليهم، وقالوا بياناً للدعوى، أنه بموجب عقد مؤرخ 1/ 7/ 1968 استأجر الطاعن الشقة آنفة الذكر وقد قام بإحداث تغييرات بها بأن جعل منها شقتين لتأجيرهما مفروشتين بما يضر بهم، كما احتجز أكثر من شقة بالقاهرة مخالفاً بذلك الحظر الوارد بالقانون، وبتاريخ 29/ 3/ 1976 حكمت المحكمة (أولاً) برفض الدفع المبدى من المدعى عليه - الطاعن - بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة، (ثانياً) برفض شق الدعوى الخاص بالإخلاء للتأجير من الباطن، (ثالثاً) بعدم قبول شق الدعوى الخاص باحتجاز الطاعن لشقتين في بلد واحد لرفعها من غير ذي صفة، (رابعاً) وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير الجدول لأداء المأمورية المبينة بالحكم، وبتاريخ 28/ 12/ 1978 حكمت المحكمة برفض الدفع المبدى من الطاعن بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي كامل صفة وبقبولها، (ثانياً) برفض الدعوى، استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم بالاستئناف رقم 627/ 96 ق القاهرة، وبتاريخ 30/ 4/ 1979 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وإخلاء الشقة، طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض بالطعن 1213 سنة 49 ق كما طعن عليه وبذات الأسباب بالطعن رقم 1394/ 49 ق، وقد أمرت المحكمة بضمهما ليصدر فيهما حكم واحد وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها نقض الحكم، وإذ عرض الطعنان على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظرهما وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعنين أقيما على سببين، ينعى الطاعن بأولهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم قضي بالإخلاء تأسيساً على احتجاز الطاعن مسكنين في بلد واحد دون مقتض حالة أنه كان قد قضى في هذا الطلب بتاريخ 29/ 3/ 1976 بعدم قبول الدعوى لرفعها حالة أنه كان ذي صفة لانتفاء مصلحة المطعون ضدهم في طلب الإخلاء المؤسس على احتجاز الطاعن للمسكنين، ولما كان المطعون ضدهم قد قصروا استئنافهم على الحكم الصادر في 28/ 12/ 1976 برفض الدعوى فيكونون قد قبلوا الحكم الصادر في 29/ 3/ 1976 ويصبح نهائياً وحائزاً قوة الشيء المحكوم فيه، مما يكون معه الحكم المطعون فيه وقد قضى بالإخلاء لاحتجاز الطاعن مسكنين في بلد واحد قد قضي بما لم يطلبه الخصوم وخالف قوة الأمر المقضي.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كانت المادة 229/ 1 من قانون المرافعات تنص على أن استئناف الحكم المنهي للخصومة يستتبع حتماً استئناف جميع الأحكام التي سبق صدورها في القضية ما لم تكن قد قبلت صراحة وذلك مع مراعاة ما نصت عليه المادة 232 من ذات القانون، وتنص المادة رقم 232 على أن "الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بما رفع عنه الاستئناف فقط" فتحدد سلطة المحكمة الاستئنافية بما رفع عنه الاستئناف أي ما تناولته صحيفة الاستئناف وما أعلنوا عنه في طلباتهم الختامية ماذا كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر أن المطعون ضدهم استندوا على سبين (أولهما) حجز الطاعن مسكنين في بلد واحد، (ثانيهما) استعماله لعين النزاع بطريقة تتنافى مع شروط الإيجار المنقولة وتضر بمصلحتهم كما أبان الحكم بمدوناته بجلسة 5/ 3/ 1976 قدم المستأنفون أمام محكمة أول درجة مذكرة شرحوا فيها وقائع الدعوى ودفاعهم الذي يخلص في أن المستأنف عليه - الطاعن - يحتجز مسكنين في بلد واحد وأصابهم ضرر من إحداثه تغييرات في شقة النزاع، وكان الثابت من صحيفة الاستئناف أنها تضمنت النعي على الحكم في أنه لم يناقش دفاع المستأنفين المبين بمذكرتهم المقدمة لجلسة 15/ 3/ 1976 والتي كانوا قد تمسكوا فيها، كما أوضحت مدونات الحكم، بطلب إخلاء الطاعن لاحتجازه مسكنين في بلد واحد، مفاد ذلك أنهم لم يقبلوا صراحة الحكم الصادر بتاريخ 15/ 3/ 1976 القاضي بعدم قبول الدعوى بالنسبة لطلبهم إخلاء الطاعن لاحتجازه مسكنين في بلد واحد، وظلوا متمسكين بهذا السبب في الاستئناف فلا يعتبر الحكم المطعون فيه إذ فصل فيه، قد حكم بما لم يطلبه المستأنفون.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول، إن المالكة السابقة للعقار وكانت قد صرحت له بتأجير عين النزاع مفروشة بما يتوافر به المقتضى لاحتجازه هذه العين بالإضافة إلي العين التي يسكنها فضلاً عن أنه يلزم لتطبيق المادة الخامسة من القانون رقم 52 لسنة 1969 أن يثبت المتمسك بتطبيقها أن له مصلحة في طلب الإخلاء ولكن الحكم لم يستظهر قيام مصلحة للمطعون ضدهم في ذلك ولو يعتبر التصريح بالتأجير مفروشاً مقتض يبرر احتجاز أكثر من مسكن فيكون معيباً بالقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن الأصل أن لمالك الشيء وحده في حدود القانون - حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه، مراعياً في ذلك ما تقضي به القوانين والمراسيم واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة، أو بالمصلحة الخاصة عملاً بالمادتين 802، 806 من القانون المدني مما مؤداه أن يكون للمالك أن يؤجر الأماكن التي يملكها، وأن يطلب إخلاء المكان المؤجر إذا انتهت المدة المتفق عليها، أو قام سبب لفسخ عقد الإيجار وأن يختار مستأجره، وأن يستعمل العين في أي وجه مشروع يراه، غير أن المشرع رأى بمناسبة أزمة الإسكان، تقييد حق المؤجر في طلب الإخلاء، لانتهاء المدة المتفق عليها أو لفسخ العقد الذي نشأ صحيحاً ولم يبطل أو ينفسخ بقوة القانون وأثناء مدته، إلا للأسباب التي نص عليها في المادة 31 من القانون رقم 49 لسنة 1977، الذي يحكم واقعة الدعوى لنفاذه قبل أن تستقر المراكز القانونية للخصوم بصدور حكم نهائي ولتعلقه بالنظام العام فيما أورده من نصوص آمرة، فتسري بأثر فوري على آثار العقود حتى إذا كانت قد أبرمت قبل سريان القانون كما نص في المادة الثامنة من القانون رقم 49 لسنة 1977 على أنه "لا يجوز أن يحتجز في البلد الواحد أكثر من مسكن دون مقتض" بما يدل على أن المشرع قد حظر على كل من المالك أو المستأجر أن يحتفظ بأكثر من مسكن في البلد الواحد دون مبرر، ونص في المادة 76 على عقاب كل من يخالف الحظر المذكور، وعلى أن يحكم فضلاً عن العقوبة بإنهاء عقد المسكن أو المساكن المحتجزة بالمخالفة لحكم القانون، وهذا ما يحيل قيام الإبحار مخالفاً للنظام العام، فيبطل إذا توافر سبب الحظر عند التعاقد، أما إذا كان توافر هذا السبب في وقت لاحق فإنه يؤدي لانفساخ العقد، ويكون للمؤجر باعتباره طرفاً في العقد أن يطلب إخلاء المخالف، وتتوافر له مصلحة قائمة يقرها القانون في إخراج المستأجر الذي بطل عقده أو انفسخ حتى يسترد حريته في استغلال العين على الوجه الذي يراه، خاصة وقد أوجبت المادة 76 عند ثبوت المخالفة الحكم بالجزاء الجنائي والحكم بإنهاء العقد لصالح المؤجر، ولا يتعارض هذا وما نصت عليه المادة 31 من القانون رقم 49 لسنة 1977 التي تنص على أسباب لإنهاء عقد إيجار قائم ومنتج لآثاره. لأن مخالفة حظر الاحتفاظ بأكثر من مسكن يترتب عليها زوال العقد بمجرد وقوع المخالفة إعمالاً لأحكام القانون دون أن يتعلق ذلك بإرادة المؤجر لما كان ذلك وكان تأجير المستأجر المسكن المؤجر مفروشاً ولو بتصريح من المالك لا يعد من قبيل المقتضى الذي عنته المادة الثامنة من القانون 49 لسنة 1977، ذلك أن المستفاد منه أن المشرع منع المضاربة على الأماكن المعدة للسكنى فيما لا يتعارض مع المشروعات التجارية التي تتخذ من المباني عنصراً من عناصرها كالفنادق - بمنعه استئجارها لإعادة تأجيرها مفروشة أو خالية، فهو ممنوع من احتجاز أكثر من مسكن بقصد المضاربة بالتأجير مفروشاً سواء كان ذلك بموافقة المؤجر أو بغير موافقته، يؤيد ذلك أنه صرح للمستأجر في المادة 40 - على سبيل الاستثناء - بأن يؤجر المكان المؤجر له لاستعماله الشخصي مفروشاً أو خالياً، في الحالات التي حددها، دون حاجة للحصول على موافقة المؤجر، بما مؤداه أنه في غير الحالات المذكورة لا يجوز التأجير من الباطن بغير موافقة المؤجر، وأنه إذا حصل المستأجر على موافقة المؤجر بالتأجير من الباطن، فإن هذه الموافقة لا تعطيه الحق إلا في تأجير المكان الذي يستأجره لاستعماله الشخصي، ولا تحوله الحق في الاستئجار للمضاربة بالتأجير مفروشاً، وما أورده المشرع في الفقرة قبل الأخيرة من المادة 40 من أنه "يشترط ألا يزيد مجموع ما يقوم المستأجر وزوجته وأولاده القصر بتأجيره مفروشاً على شقة واحدة في نفس المدنية" ينصرف لحالة احتجاز المستأجر وزوجته وأولاده القصر أكثر من مسكن في نفس المدنية عند توافر المقتضى لذلك، ولا يفيد السماح لهم باستئجار مكان خلاف المكان المخصص لاستعمالهم الشخصي لتأجيره مفروشاً، وقد منع المشرع المالك في المادة 39 من أن يؤجر أكثر من وحدة واحدة مفروشة في العقار الذي يملكه واعتبره في تطبيق هذه المادة وزوجه وأولاده مالكاً واحداً، وإذا اتخذت الملكية شكل وحدات مفرزة في عقارات، فلا يكون له سوى تأجير وحدتين مفروشتين في كل مدينة مهما تعددت الوحدات المملوكة له، ولا يتصور - أن يكون المشرع قد فضل المستأجر على المالك بحيث يسمح له أن يؤجر من الباطن عدداً غير محدود من المساكن وهو ما يؤدي إليه السماح له بأن يستأجر بقصد المضاربة وإعادة التأجير، ويضاف لهذا أن المقتضى الذي يبيح للشخص احتجاز أكثر من مسكن في المدينة الواحدة طبقاً للمادة الثامنة، وفقاً لما يستفاد من النص وحكمته - هو السبب المبرر الذي ينبع من حاجة المستأجر لاستعماله الشخصي، فلا ينصرف للرغبة في المضاربة، لما كان ما تقدم فيكون النعي على الحكم المطعون فيه لهذا السبب غير سليم.
لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق