جلسة 10 من يونيه سنة 1964
برياسة السيد المستشار/
أحمد زكي محمد، وبحضور السادة المستشارين: أحمد شمس الدين علي، وعبد المجيد يوسف
الغايش، ومحمد ممتاز نصار، وإبراهيم محمد عمر هندي.
----------------
(125)
الطعن رقم 35 لسنة 32 ق
"أحوال شخصية"
(أ) أحوال شخصية.
"المسائل الخاصة بالمصريين". "ثبوت النسب".
الفراش الصحيح. زواج صحيح
أو فاسد أو وطء بشبهة. ثبوت النسب. الزنا لا يثبت به نسب.
(ب) إثبات. تقدير الدليل.
البينة.
الاطمئنان إلى شهادة
الشهود أو عدم الاطمئنان إليها. أمر موضوعي.
------------
1 - إذا كان ما استظهره
الحكم لا ينبئ عن قيام زواج صحيح أو فاسد أو وطء بشبهة بين الطاعنة والمطعون عليه
مما يعتبر فراشاً صحيحاً يثبت معه نسب الصغير إليه، فإن النعي عليه بمخالفة
القانون فيما قرره من أن الولد المطلوب إثبات نسبه ابن المطعون عليه من الزنا يكون
على غير أساس (1).
2 - الاطمئنان إلى شهادة
الشهود أو عدم الاطمئنان إليها مرده وجدان القاضي وشعوره وهو أمر يستقل به قاضي
الموضوع.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنة رفعت على
المطعون عليه الدعوى رقم 849 سنة 1958 كلي القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية
طلبت فيها الحكم بثبوت نسب الولد "وحيد" إليه وقالت شرحاً لدعواها إنها
تزوجت المطعون عليه بدون وثيقة زواج رسمية ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج ورزقت
منه على فراش الزوجية بالولد المذكور في 12/ 3/ 1958 وأنكر المطعون عليه الدعوى
وطلب رفضها. وبتاريخ 9/ 11/ 1959 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق لتثبت
المدعية بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة أنها رزقت على فراش الزوجية الصحيحة من
المدعى عليه بالولد "وحيد" الذي ولد يوم 12/ 3/ 1958 ولينفي المدعى عليه
ذلك بنفس الطرق. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين عادت وبتاريخ 13/ 6/ 1960
فحكمت حضورياً برفض الدعوى وألزمت المدعية المصروفات وخمسة جنيهات مقابل أتعاب
المحاماة. واستأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد الاستئناف
برقم 154 سنة 77 ق طالبة إلغاءه والحكم لها بطلباتها ومن باب الاحتياط إحالة
الدعوى على التحقيق لتقدم ما لديها من إثبات وأجابتها المحكمة إلى هذا الطلب
وأحالت الدعوى على التحقيق لتثبت المستأنفة بكافة طرق الإثبات أن المستأنف ضده
تزوجها بعقد زواج عرفي وأنه كان يعاشرها معاشرة الأزواج وأنها رزقت منه بالولد
وحيد في 12/ 3/ 1958 على فراش هذه الزوجية ولينفي المستأنف ضده ذلك بالطرق نفسها.
وبعد أن سمعت المحكمة أقوال شهود المستأنفة عادت وبتاريخ 23/ 6/ 1962 فحكمت
"حضورياً برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف فيما قضاه من رفض دعوى
المستأنفة وألزمتها المصروفات وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة" فطعنت
الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب المبينة بالتقرير وعرض الطعن على دائرة
فحص الطعون فقررت إحالته على هذه الدائرة وعند نظره صممت الطاعنة على طلب نقض
الحكم - وطلب المطعون عليه رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها على
مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن حاصل السببين الأول
والثاني أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه فيما أقر الحكم
الابتدائي عليه من أن "الولد المطلوب إثبات نسبه ابن للمطعون عليه من الزنا
الذي لا يثبت به نسب" وفيما أضافه من أن "علاقة الطاعنة بالمطعون عليه
استهتار ومجانة لا يثبت معها النسب" - في حين أن النسب يحتال لإثباته لا
لنفيه والزنا لا يثبت إلا إذا أقر به الطرفان وقررا أن معاشرتهما حرام وهي لا تكون
كذلك إلا إذا كانت المرأة مشغولة بزواج أو محرمة على الرجل بسبب من أسباب التحريم
المقررة في الشريعة الإسلامية وقد نص الفقهاء على أن كل معاشرة بين رجل وامرأة ليس
بأحدهما مانع من الزوجية يثبت معها النسب باعتبارها زوجية فاسدة بغير شهود كما
نصوا على أن كل كلام يدل على الرضا يكون زواجاً شرعياً وصفة كاملة للإيجاب
والقبول، والزنا هنا في واقعة الدعوى منعدم إذ الثابت فيها أن المطعون عليه طلب
زواجه من الطاعنة وطلبت هي تأخير هذا الزواج الكتابي أو الرسمي إلى ظروف أخرى وأنه
عاشرها وتكونت بينهما علاقة حب وصداقة عن تراض كامل يثبت معها النسب وقد شهد شهود
الطاعنة بأن العلاقة بينها وبين المطعون عليه هي علاقة زوجية صحيحة مؤدية لثبوت
النسب وليست مجانة واستهتاراً.
وحيث إن هذا النعي في غير
محله ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم الابتدائي الذي أحال الحكم المطعون فيه إلى أسبابه
يبين أنه بعد أن استعرض أوراق الدعوى وأقوال الطاعنة وشهودها خلص من سياقها إلى أن
"للمدعية بشأن علاقتها بالمدعى عليه أقوال متعددة يناقض بعضها البعض حيث قد
بدأت بالمحضر رقم 22 أحوال يوم 9/ 8/ 1957 قسم عابدين بتقرير أن المدعى عليه
عاشرها برضائها بعد أن مناها بزواجها فلما حملت تنكر لها ثم عادت في ختام أقوالها
لتقرر أن ذلك الزوج الذي كان يمنيها به المدعى عليه قد تم فعلاً وتحررت به ورقة
عرفية أخذها المدعى عليه مع صورتها بدعوى إثبات تاريخها ثم احتفظ بها وما كان أجدر
بالمدعية لو صدقت دعواها أن زواجاً تم بينها وبين المدعى عليه أن تبدأ بتقرير ذلك
وتأكيد أن حملها منه قد تم في حل شرعي لا أن تبدأ بتقرير أن معاشرتها للمدعي عليه
وحملها منه كان سفاحاً ثم تعود بعد أن انتهت من تفصيل أقوالها وكأنها تذكرت شيئاً
فتدعي أنها زوجة وأن حملها كان نتيجة معاشرة مشروعة ثم إنها بشكواها للسيد مدير
عام المستشفيات وإلى السيد وكيل نيابة جنوب القاهرة والسيد وكيل نيابة عابدين تؤكد
أنها ما سمحت بنفسها للمدعى عليه إلا بعد أن تم الزواج بينهما وبعد أن تحرر عن ذلك
الزواج عقد عرفي ثم كان أن تردد عليها المدعى عليه بعد ذلك بمحل إقامتها بفندق
ناسيونال وعاشرها معاشرة الأزواج ثم عادت فنقضت ذلك وقررت بالتحقيقات التي أجريت
عن شروعها في الانتحار وفي شكواها للنيابة أنها عاشرت المدعى عليه بفندق ناسيونال
في غير حل شرعي وبدون أن يكون قد تم بينها وبينه عقد زواج على أنها أمام المحكمة
ذهبت لأكثر من ذلك إذ قررت أن المدعى عليه شاب طائش يريد أن يقضي وطراً منها ويذهب
لشأنه فخلعت عن نفسها ملابسها وسمحت له أن يأتيها على ذلك الأساس ثم أمعنت في
تأكيد أن معاشرة المدعى عليه لها كانت زناً صريحاً غير مستور بتقريرها أن المدعى
عليه ألح في طلب الزواج منها وأن يعقد عليها عقداً شرعياً يكون إثباته بوثيقة
رسمية وأنها هي التي أبت ذلك ورفضته وفضلت عليه أن تكون معاشرتهما سفاحاً ولما
اعترضت إدارة الفندق على تردده عليها غاظها ذلك وتركت الفندق إلى بنسيون شاهدتها
الأولى ليسهل تردد المدعى عليه عليها ومعاشرته لها دون حاجة لأن يتم عقد زواج
بينهما وكذلك فإنها في شكواها لقسم عابدين تقرر أن المدعى عليه عقد عليها من شهر
سابق وأنها قد جاوزت الشهر ونصف الشهر من حملها ثم عادت لتقرر بعد ذلك بيومين في
تحقيقات شروعها في الانتحار ما يفهم منه أن المدعى عليه قد عقد عليها إثر انتقالها
للإقامة بفندق شاهدتها الأولى إذ أنها قررت أنها لما انتقلت إلى ذلك الفندق الأخير
واستأجرت غرفة استأجر المدعى عليه غرفة أخرى به ثم لما أراد دخول حجرتها اعترضت
صاحبة الفندق فأطلعها على أوراق كان قد أعدها أثبت فيها زواجهما وبذلك انتهى
اعتراض صاحبة الفندق وسمحت للمدعي عليه بدخول حجرتها وتيسر له بذلك معاشرتها وهذا
ما أكدته في أقوالها أمام هذه المحكمة إذ قطعت بأن المدعى عليه عقد عليها في اليوم
الثاني مباشرة لانتقالها للإقامة بفندق شاهدتها الأولى وهي تناقض ذلك وتهدمه
بقولها في تحقيق شكواها إلى السيد رئيس نيابة جنوب القاهرة أنها عاشرت المدعى عليه
شهراً بفندق ناسيونال ثم شهرين ببنسيون تيواد لفى هاوس ثم بعد ذلك وقبل بدء النزاع
بينهما بخمسة عشر يوماً فقط عقد عليها وحرر عن ذلك العقد ورقة غير رسمية وإذا كانت
المدعية في شكواها الأولى بقسم عابدين قد قررت أن المدعى عليه إذ عقد عليها وحرر
عن ذلك ورقة عرفية فقد احتفظ بها بحجة تسجيلها فإنها عادت بعد ذلك لتقرر أن المدعى
عليه قد أودعها أوراق ذلك العقد وأنها إذ اكتشفت حملها بحثت عن تلك الأوراق وأيضاً
عن الصور التي تجمعها بالمدعى عليه وخطاباته إليها فلم تجدها حيث كانت تحتفظ بها
في غرفتها ثم عادت مرة ثالثة تقول إن المدعى عليه قد استرد منها أوراق ذلك العقد
العرفي ذات يوم تحريره بدعوى إثبات تاريخه رسمياً بينما في شكواها للسيد مدير عام
المستشفى الجامعي تقول إنها لم تسلمه ورقة الزواج العرفي إلا بعد أن ظهرت عليها
أعراض الحمل" وأن "أقوال المدعية صريحة في أن ولدها ثمرة سفاح لم يكن
لديها شبهة في صفته تلك بل على الضد قد قطعت هي بعلمها بتلك الصفة وإصرارها على أن
يكون ذلك هو حقيقة علاقتها بالمدعى عليه بل وتفضيلها تلك العلاقة على الزواج
الصحيح الثابت بورقة رسمية" - وبالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه بعد
أن أحال الدعوى على التحقيق لتقدم الطاعنة ما لديها من إثبات انتهى في قضائه إلى
أن "المحكمة لا تطمئن إلى شهادة الشهود الذين أحضرتهم المستأنفة وسمعت
المحكمة شهادتهم ذلك لأن الثابت من مراجعة دفتر نزل تيوادلفى هاوس الذي اطلعت عليه
المحكمة والذي دون ما به الحكم المستأنف تدويناً صحيحاً أن المستأنف ضده لم ينزل
بهذا المنزل إلا ليلتين اثنتين حيث نزل به يوم 17 يونيه سنة 1957 ثم ترك الإقامة
به يوم 18 منه ثم نزل به يوم 26/ 6/ 1957 ثم ترك الإقامة به في يوم 27 منه وأن
المستأنفة لم تكن مقيمة بهذا المنزل في الليلة الأخيرة ومفاد هذا أنهما لم يلتقيا
بهذا المنزل إلا ليلة واحدة بينما شهد أمام هذه المحكمة شهودها الأول والثالث
والشاهدتان الأخيرتان وهما من موظفي المنزل كما تقولان إنه كان مقيما بالمنزل وظل
شهرين وكسور كما تقول الشاهدتان الأخيرتان وأن الشاهد الأول كان يسهر معه ومع
المستأنفة طوال الأسبوع الذي قضاه بالمنزل ولما عزل منه كان يحضر للمنزل خمسة أيام
من كل أسبوع من التاسعة مساء إلى الثانية عشرة وقرر الشاهد الثالث أنه رآه بالمنزل
مرتين أو ثلاثة وهذا التناقض بين ما هو مدون بسجل المنزل وبين ما قرره الشهود وعلى
هذا النحو يجعل المحكمة غير مطمئنة لشهادتهم، ومن ناحية ثانية فإن الثابت من
إقرارات المستأنفة أنها عاشرت المستأنف ضده وخلعت ملابسها وخالطها جنسياً أكثر من
مرة بدون زواج بفندق ناسيونال الذي كانت تنزل به أولاً كما أن الثابت من أقوال
شهود المستأنفة أن جميع من كانوا بهذا المنزل شباناً ولم تكن هناك سيدة غير
المستأنفة (أقوال الشاهد الأول) والمعاشرة بين ذكر وأنثى في مثل هذه الأماكن هذا
حالها لا تعتبر معاشرة زوجية يشهد من رآها بالزوجية وإنما هي استهتار ومجانة لا
يثبت بها نسب ولا يوثق معها بشهادة من شهد أنها معاشرة زوجية لما عساها تحوي من
أغراض ودوافع أما شهادة الشاهد الثاني وهو حلاق السيدات فإن التصنع فيها واضح
فبينما يقرر أن أخت المستأنف ضده زبونته إذا به لا يعرف اسمها ثم إنه استقى شهادته
من المستأنفة وفضلاً عن ذلك فإنه مجازف إذ كيف يعرف معلومات عن شخص لم يره إلا
مرتين كما يقول إحداهما من وراء زجاج والثانية عندما جاء يسأل عن المستأنفة وكان
ذلك من خمس سنين وأما الشاهدتان أخت المستأنفة وخادمتها فغير منتجة في الدعوى لأن
الخادمة لم تشهد بشيء مفيد فتكون شهادة الأخرى غير معتبرة شرعاً يضاف إلى ذلك أن
الثانية ذكرت أن حضور الطرفين عندها كان في أغسطس سنة 1957 بينما الثابت من سجل
المنزل المذكور أن أختها كانت بمصر في هذه المدة وقد كان النزاع محتدماً بين
الطرفين في هذا الشهر واتخذ مظاهره بالشكوى للنيابة والبوليس وبما أنه يتعين لكل
ذلك إهدار شهادة الشهود الذين شهدوا أمام هذه المحكمة" وهذا الذي استظهره
الحكمان لا ينبئ عن قيام زواج صحيح أو فاسد أو وطء بشبهة بين الطاعنة والمطعون
عليه مما يعتبر فراشاً صحيحاً يثبت معه نسب الصغير إليه.
وحيث إن حاصل السببين
الثالث والرابع أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه فيما قرره من
أن المحكمة لا تطمئن إلى شهادة الشهود الذين أحضرتهم الطاعنة لأنه ثابت من
إقراراتها أنها عاشرت المطعون عليه وخلعت ملابسها وخالطها جنسياً أكثر من مرة بدون
زواج بفندق ناسيونال فتكون شهادتهم غير مقبولة - في حين أن هذه المخالطة الجنسية
التي سلم بها الحكم هي الزواج بصفة كاملة غير منقوصة وهي الدخول في النكاح الفاسد
الذي نص عليه الفقهاء وفي حين أن شهادة الشهود لها نظام في الأحكام الشرعية
وتحكمها المادة 280 من القانون رقم 78 لسنة 1931 ولا يجوز إهدارها إلا إذا أقام
الدليل القاطع على فسادها أو نقصها أو كذبها أو غير ذلك مما نص عليه شرعاً ويكفي
في تأييد شهادتهم أن المطعون عليه أقر بعلاقته بالطاعنة وأنه اتصل بها وجانسها
مجانسة الجنس للجنس وهذه العلاقة تعتبر فراشاً صحيحاً يثبت به النسب ولا ينتفي.
وحيث إن هذا النعي مردود
في الشق الأول منه بما سبق الرد به على السببين الأول والثاني ومردود في الشق
الثاني بأن الاطمئنان إلى شهادة الشهود أو عدم الاطمئنان إليها مرده وجدان القاضي
وشعوره وهو أمر يستقل به قاضي الموضوع، وفي أسباب الحكم المطعون فيه ما يؤدى -
وعلى ما سبق بيانه - إلى النتيجة التي انتهى إليها.
وحيث إنه لما تقدم يتعين
رفض الطعن.
(1) راجع نقض 17/ 1/ 1962 الطعن 10 س 29 ق أحوال شخصية السنة 13 ص 72.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق