جلسة 28 من يناير سنة 1956
برياسة السيد الأستاذ عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: مصطفى فاضل، وعبد العزيز سليمان وكيلى المحكمة، وأحمد العروسى، حسن داود، محمود ابراهيم اسماعيل، ومحمود عياد، ومصطفى كامل، ومحمد فؤاد جابر، واسحق عبد السيد، ومحمد عبد الرحمن يوسف، ومحمد عبد الواحد على، ومحمود محمد مجاهد، ومحمد محمد حسنين، وأحمد قوشه المستشارين.
----------------
(2)
الطلب رقم 3 سنة 25 القضائية "تنازع الاختصاص"
(أ) تنازع الاختصاص. اختصاص. وقف. قسمة.
حكم صدر من المحكمة المدنية بثبوت ملكية وقف لحق الانتفاع بحصة خصص بها بموجب قسمة مهايأة لأطيان شائعة بينه وبين وقف آخر باعتبار أن القسمة أصبحت بمثابة قسمة إفراز. حكم آخر من المحكمة الشرعية بفرز وتجنيب نصيب الوقف الآخر فى الأطيان على خلاف القسمة المذكورة. حكمان متناقضان.
(ب) تنازع الاختصاص. وقف. قسمة.
إباحة القسمة فى الوقف الواحد بين مستحقيه بالقانون رقم 48 لسنة 1946. بقاء القسمة بين الوقفين جائزة كما كان عليه حكمها قبل صدور هذا القانون.
(ج) تنازع الاختصاص. اختصاص. وقف. محاكم شرعية. محاكم مدنية.
دعوى قسمة عين شائعة بين وقفين. عدم اختصاص المحاكم الشرعية بنظرها قبل صدور قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949. اختصاص المحاكم المدنية بنظرها.
(د) تنازع الاختصاص. اختصاص. محاكم مدنية. وقف.
قسمة عين شائعة بين وقفين. عدم تعلقها بأصل الوقف. عدم خروجها من اختصاص المحاكم المدنية. المادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية.
2 - أباحت المادة 40 من القانون رقم 48 لسنة 1946 قسمة الوقف الواحد بين مستحقيه قسمة جبر واختصاص ولم يتعرض المشرع فى هذا القانون للقسمة بين الوقفين فبقيت جائزة كما كان عليه حكمها قبل صدوره. وما كان هناك من داع لمعالجة تشريعية فى هذا الخصوص إذ فى قسمة الجبر والاختصاص بين وقفين شائعين ما يحقق الغرض الذى سعى إليه المشرع بإجازة قسمة الوقف بين المستحقين قسمة لازمة.
3 - إذا رفع الوقف طلبا لفرز نصيبه فى عين شائعة بينه وبين وقف آخر إلى المحكمة الشرعية بعد صدور قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 فان هذا الطلب يكون قد رفع إلى محكمة غير مختصة بالنظر فيه، ذلك أن قسمة العين الشائعة بين وقفين هى مما يدخل فيه اختصاص المحاكم المدنية حسبما يستفاد من المادة 16 من القانون المذكور.
4 - لم تكن المادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية تخرج من اختصاص المحاكم المدنية فيما يتعلق بمسائل الوقف إلا ما كان متعلقا منها بأصله. ولا تعلق لقسمة العين الشائعة بين وقفين بأصل الوقف.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الأوراق فى أن ابراهيم على نصره والد المدعى عليه - وأحمد على نصره - والد الطالب - كانا يملكان اطيانا زراعية مقدارها 22 فدانا شيوعا بينهما - منها 11 فدانا و14 قيراطا و7 أسهم بناحية شبرا دمنهور وباقيها بناحية "نقرها" مركز دمنهور - وفى أول سبتمبر سنة 1909 وقف المالكان الأطيان المذكورة واشترطا المنفعة مناصفة بينهما على أن تؤول حصة كل منهما بعد وفاته لأولاده الذكور - وجعلا لنفسيهما النظر طول حياتهما وبعد وفاتهما لأرشد أبناء كل منهما مشتركين - وفى سنة 1913 أقام ابراهيم على نصره الدعوى رقم 1838 سنة 1913 مدنى جزئى دمنهور بصفته الشخصية وطلب فيها الحكم بفرز نصيبه فى الأطيان متجاهلا إنشاء الوقف وبعد أن انتقلت محكمة دمنهور الجزئية إلى المحكمة الشرعية واطلعت على حجة الوقف تصالح الطرفان على قسمة الأطيان الموقوفة بينهما قسمة مهايأة على أن يخصص أحمد على نصره بأطيان ناحية "نقرها" وأخوه ابراهيم بأطيان ناحية "شبرا دمنهور" وصدقت المحكمة الجزئية على الصلح ونفذ محضر الصلح على يد محضر باستلام ابراهيم على نصره ما خصص به - استمر كل من الواقفين واضعا يده على نصيبه - وفى سنة 1936 توفى أحمد على نصره وخلفه ابنه مصطفى "الطالب" فى النظر منضما إلى عمه ابراهيم على نصره وفى سنة 1938 باع ابراهيم على نصره أطيان ناحية "شبرا دمنهور" إلى زوجته زكيه عوض الخوص وذلك بعقد مسجل ثم توفى فى سنة 1942 - وفى 3 من يناير سنة 1943 صدر قرار من هيئة التصرفات باقامة ابنه "خليل" ناظرا منضما إلى الناظر الآخر وهو مصطفى احمد على نصره - الطالب - وقدم خليل ابراهيم على نصره هذا القرار لتنفيذه باستلام النصف على الشيوع فى الأطيان الموقوفة جميعها - استشكل فى تنفيذ هذا القرار وقضى بوقف تنفيذه تأسيسا على أن القسمة الحاصلة فى سنة 1913 وان كانت لا تؤثر على الوقف إلا أنه لا يجوز نقضها إلا باتفاق الطرفين أو برفع دعوى جديدة - رفع خليل ابراهيم نصره الدعوى رقم 8 سنة 1943 - 1944 محكمة دمنهور الشرعية بطلب نقض القسمة المذكورة وحكم له ابتدائيا واستئنافيا بطلباته وذلك تأسيسا على أن محضر الصلح الحاصل بين الواقفين والمصدق عليه فى سنة 1913 قد ورد به صراحة أن القسمة هى قسمة مهايأة وأنه لا تأثير لها على الوقف بالمرة، وعلى أن قسمة المهايأة غير ملزمة يجوز للمستحقين أو لأحدهم أن يطلب نقضها فى أى وقت درءا لما قد يترتب عليها من ضرر. وقد صدر الحكم النهائى بنقض القسمة فى 2 من أكتوبر سنة 1944 - بعد ذلك طلب مصطفى أحمد على نصره من هيئة التصرفات بالمحكمة الشرعية عزل خليل ابراهيم نصره من النظر على "الوقفين" وانفراده هو بالنظر - وحكم ابتدائيا برفض هذا الطلب ثم قضت المحكمة العليا الشرعية فى 21 من سبتمبر سنة 1946 بالغاء هذا القرار وباخراج خليل ابراهيم نصره من النظر على وقف عمه أحمد على نصره وجاء فى أسباب هذا الحكم أن المحكمة العليا الشرعية - ترى أن إنشاء الوقف على هذا الوجه - المبين بحجة الوقف - يجعله وقفين مختلفين باختلاف الواقف واختلاف الجهة وكان الطالب - مصطفى احمد على نصره - بصفته ناظرا على وقف والده قد أقام أيضا الدعوى رقم 90 سنة 1946 مدنى كلى دمنهور على خليل ابراهيم على نصره بصفته ناظرا على وقف والده - طلب فيها الحكم بثبوت ملكية وقف أحمد على نصره لحق الانتفاع بالحصتين اللتين خصص بهما بموجب القسمة الحاصلة فى سنة 1913 وببطلان عقد البيع الصادر من ابراهيم على نصره إلى زوجته وببطلان الحكم الذى صدر من المحكمة الشرعية وقضى بنقض القسمة - دفع - خليل ابراهيم نصره بعدم جواز نظر الدعوى المذكورة لسبق الفصل فيها من المحكمة الشرعية - وفى 25 من ديسمبر سنة 1947 حكمت محكمة دمنهور الابتدائية الوطنية فى أسباب حكمها برفض هذا الدفع وفى منطوق حكمها بالطلبين الأول والثانى من طلبات مصطفى احمد على نصره وقالت عن الطلب الثالث فى الأسباب "إنها لا ترى التعرض له بعد أن قضى بعدم تنفيذه - الحكم الصادر من المحكمة الشرعية - لصدوره من جهة غير مختصة" استؤنف هذا الحكم وعاد المستأنف فتمسك أمام محكمة استئناف الإسكندرية بعدم جواز نظر الدعوى - وفى 22 من مايو سنة 1949 حكمت المحكمة المذكورة بقبول الاستئناف شكلا وبرفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وفى الموضوع برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف - بعد ذلك آل النظر على وقف ابراهيم على نصره للمدعى عليه عبد المنعم ابراهيم نصره وطلب فى المادة رقم 7 سنة 1952 تصرفات - محكمة دمنهور الشرعية الابتدائية - صدور القرار بفرز وتجنيب نصيب الوقف المشمول بنظارته فى الأطيان جميعها ومقدارها 22 فدانا وتمسك مصطفى أحمد على نصره بأن القسمة الحاصلة فى سنة 1913 لا يجوز نقضها كما دفع بعدم اختصاص هيئة التصرفات بنظر المادة - ندبت الهيئة خبيرا لإجراء القسمة وبعد أن قدم الخبير تقريره أصدرت قرارها فى 22 من أكتوبر سنة 1953 بفرز وتجنيب وقف ابراهيم على نصره طبقا لما هو مدون بتقرير الخبير ومشروع الشهر العقارى - وقد تضمن التقرير ومشروع الشهر تخصيص هذا الوقف بجزء من أطيان ناحية "شبرا دمنهور" وبقطعتين من أطيان ناحية "نقرها" مساحة الأولى 4 فدادين و21 قيراطا ومساحة الثانية 9 أفدنة و21 قيراطا وتضمنت أسباب القرار الرد على ما تمسك به "الطالب" وسبقت الإشارة إليه - استؤنف هذا القرار وعاد المستأنف "الطالب" إلى التمسك بالدفع بعدم اختصاص هيئة التصرفات تأسيسا على أنها لا تختص بقسمة الوقف طبقا لنص المادة 40 من القانون رقم 48 لسنة 1946 إلا إذا لم يكن ثمة نزاع بين المستحقين وإذا كانت القسمة بين وقفين متنازعين فى القسمة فإن المحكمة التى تختص بالنظر فى ذلك هى المحكمة القضائية - ودفع المستأنف - الطالب - بعدم جواز سماع الدعوى لسبق الفصل فى موضوعها بأحكام صادرة من المحاكم الوطنية قبل صدور قانون الوقف المشار إليه - وفى 6 من مارس سنة 1954 أصدرت المحكمة العليا قرارها بتأييد القرار المستأنف ثم أقام مصطفى أحمد على نصره - الطالب - بصفته ناظرا على وقف والده وحارسا عليه الدعوى رقم 142 لسنة 1953 محكمة دمنهور الوطنية الابتدائية ضد المدعى عليه بصفته ناظرا وحارسا على وقف والده وعلى أمين مكتب الشهر العقارى طلب فيها الحكم على الأول فى مواجهة الثانى بمنع تعرضه له فى ملكية الأطيان التى خصص بها بموجب القسمة الحاصلة فى سنة 1913 وبمحو التسجيلات المترتبة عليها وذلك تأسيسا على أن القرار الصادر من المحكمة الشرعية بالفرز والتجنيب لم يصدر منها فى حدود ولايتها ولم تأخذ محكمة الدرجة الأولى بوجهة نظره وحكمت فى 23 من ديسمبر سنة 1954 برفض دعواه - فاستأنف هذا الحكم وأعلن تقرير الاستئناف فى 29 من ديسمبر سنة 1954 وفى 12 من مارس سنة 1955 قدم الطالب طلبه هذا إلى هذه المحكمة - طلب فيه الحكم - أولا - وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الشرعية بفرز وتجنيب أطيان الوقف الآخر - ثانيا - وبصفة دائمة بوقف تنفيذ الحكم المشار إليه وبالاستمرار فى تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الوطنية والذى قضى بثبوت ملكية الوقف الذى يمثله الطالب لحق الانتفاع بالحصتين المبينتين بمحضر الصلح الحاصل فى سنة 1913 وبالجلسة المحددة لنظر طلب وقف التنفيذ مؤقتا تنازل الطالب عن هذا الطلب بعد أن قرر المدعى عليه بأنه لن ينفذ الحكم الصادر بالفرز والتجنيب حتى يفصل فى هذه الدعوى.
ومن حيث إن الطالب قدم بعد حجز القضية أخيرا للحكم - عريضة طلب فيها وقف نظر الدعوى حتى يفصل فى الاستئناف المرفوع منه عن الحكم الصادر من محكمة دمنهور الابتدائية فى 23 من ديسمبر سنة 1954 - ولا ترى المحكمة محلا لإجابة هذا الطلب لأن الحكم الأخير لا شأن له بالدعوى المؤسسة على تناقض الحكمين الصادر أحدهما من محكمة استئناف الإسكندرية فى 22 من مايو سنة 1949 وثانيهما من المحكمة الشرعية العليا فى 6 من مارس سنة 1954.
ومن حيث إن المدعى عليه دفع بعدم قبول الطلب قائلا إنه لا تناقض بين منطوقى الحكمين المشار إليهما ذلك لأن الحكم الصادر من المحاكم الوطنية إنما قضى فى النزاع على الانتفاع بالأطيان الموقوفة ولا يتعارض قضاؤها هذا مع قضاء المحكمة الشرعية بقسمتها قسمة جبر واختصاص ولأن المحكمة الشرعية قالت فى أسباب قرارها أن هذا القرار لا يتعارض مع الأحكام السابق صدورها من القضاء الوطنى.
ومن حيث إن النيابة العامة أبدت رأيها كذلك بعدم قبول الطلب وقالت فى بيان ذلك إن لكل من الحكمين المدعى بتناقضهما مجالا مختلفا وموضوعا متميزا ذلك لأن الحكم الصادر من القضاء الوطنى قد فصل فى شأن القسمة التى اتفق عليها الواقفان فى سنة 1913 ووصفها بأنه قسمة مهايأة والحكم الصادر من القضاء الشرعى أقر هذا النظر ولم يعارضه ونظر المادة المطروحة أمامه وهى طلب قسمة الأطيان الموقوفة قسمة جبر واختصاص ولأنه وإن كان القضاء الوطنى قد اعتبر أن القسمة الحاصلة فى سنة 1913 هى قسمة لازمة إلا أنه يبين من دفاع الطالب أنه لا يعتد فى طلبه بهذا النظر ولا يؤسس عليه فى ذاته تناقضا وأنه إنما يتمسك بإنكار اختصاص هيئة التصرفات بالمحكمة الشرعية بالفصل فى دعوى القسمة ولا محل للتعرض للبحث فى مسألة الاختصاص إلا إذا ثبت التناقص.
ومن حيث إن هذا الدفع فى غير محله. ذلك أنه يتضح من الوقائع السابق بيانها أنه بعد أن قضى استئنافيا من المحكمة الشرعية العليا فى 2 من أكتوبر سنة 1944 بنقض القسمة تأسيسا على أنها قسمة مهايأة يجوز للمستحقين أو لأحدهم بقضها فى أى وقت لجأ الطالب إلى القضاء الوطنى فرفع دعواه بطلب ثبوت ملكية وقف والده لحق الانتفاع بالحصتين اللتين خصص بهما بموجب القسمة التى حصلت فى سنة 1913 وتمسك بعدم حجية القرار الصادر من المحكمة الشرعية بنقض القسمة المذكورة على اعتبار أنه صادر من جهة غير مختصة - مما يفيد أنه اعتبر القسمة ملزمة لا يجوز العدول عنها بعد تنفيذها ابتداء من سنة 1913 حتى سنة 1942 وكان ممثل الوقف الآخر يتمسك بأن القسمة غير ملزمة وبحجية القرار الصادر من القضاء الشرعى الصادر بنقضها، ويبين من أسباب الحكم الابتدائى الصادر من محكمة دمنهور الابتدائية الوطنية أنه إذ قضى للمدعى بطلباته فيها استند إلى وضع يد وقف أحمد على نصره على ما خصص به بموجب القسمة الحاصلة فى سنة 1913 ابتداء من تاريخ القسمة حتى سنة 1942 وإلى أن "حق الانتفاع حق عينى تجوز قسمته" كما يبين من أسباب الحكم الاستئنافى الصادر فى النزاع المشار إليه والذى قضى بتأييد الحكم المستأنف أن محكمة الاستئناف قررت أنه مما يتعين إثباته بادئ الرأى أن القسمة موضوع النزاع لم تصدر بين مستحقين فى وقف واحد بل حصلت بين ناظرين لوقفين مختلفين باختلاف الوقف والجهة الموقوف عليها مستندة فى هذا الخصوص إلى ما جاء بحيثيات القرار الصادر من المحكمة الشرعية العليا فى 21 من سبتمبر سنة 1946 ثم قالت إنه تأسيسا على ذلك يكون لكل من الوقفين قسمة نصيبه قسمة إفراز وإنه لما كانت القسمة على هذا الوجه هى من الإجراءات المدنية البحتة فإنها تكون صحيحة إذا اتبع طالبها الإجراءات التى فرضها القانون وأن القسمة الاختيارية لا تجوز قانونا بين جهات الوقف لانعدام أهلية النظار فى إجرائها بخلاف القسمة القضائية فإنها جائزة وتتم بالتصديق عليها من المحاكم المختصة وهى المحاكم الوطنية وأنه متى تقرر جواز قسمة الإفراز بين وقفين أمام المحاكم الوطنية فقسمة المنفعة (المهايأة) فيهما جائزة من باب أولى واختصاص المحاكم الوطنية بنظرها أحرى وأن هذه القسمة الأخيرة إذا لم تجز أن تكون بين المستحقين فى وقف واحد أبديه على الأصح فليس ما يمنع استدامتها بين وقفين قياسا على قسمة الإفراز متى حصلت المصادقة عليها (أى على قسمة المنفعة) واستمر وضع يد المنتفعين كل على حصته مدة تزيد على خمس عشرة سنة لعدم تعلقها بأصل الوقف. ثم طبقت محكمة الاستئناف هذه المبادئ على واقعة الدعوى فقالت أن القسمة قد تمت بالتصديق عليها فى القضية رقم 1838 سنة 1913 مدنى جزئى دمنهور ومضى على وضع يد كل واقف من وقت حصولها إلى تاريخ وفاة الواقف الآخر أكثر من خمس عشرة سنة ثم قالت محكمة الاستئناف تأييدا لوجهة نظرها إنها تستشف من أسباب القرار الصادر فى 21 من سبتمبر سنة 1946 أن المحكمة الشرعية العليا التى أصدرت هذا القرار ترى أن القسمة موضوع النزاع هى قسمة لازمة. وظاهر مما تقدم أن محكمة الاستئناف قد اعتبرت أن القسمة وإن كانت مهايأة فى بادئ الأمر إلا أنها أصبحت بمضى المدة الطويلة بمثابة قسمة إفراز - أى قسمة جبر واختصاص - لا يجوز نقضها ومؤدى ذلك أن حقوق كل من الوقفين قد استقرت على هذا الوضع وأنه لا يجوز لأحدهما أن يعود فيطلب قسمة نصيبه قسمة جبر واختصاص - ولهذا يكون قرار هيئة التصرفات الصادر بعد ذلك بفرز وتجنيب نصيب وقف ابراهيم على نصره فى الأطيان الشائعة على وجه يخالف ما ورد فى القسمة الحاصلة فى سنة 1913 متناقضا مع حكم محكمة الاستئناف الوطنية المشار إليه - ولا يغير من هذا النظر أن تكون المحكمة الشرعية العليا قالت فى أسباب قرارها بشأن الفرز والتجنيب أن هذا القرار لا يتعارض مع الحكم الصادر من المحاكم الوطنية لأنها لم تقصد بذلك حكم محكمة الاستئناف الصادر بتاريخ 22 من مايو سنة 1949 وإنما أشارت على ما هو مبين بأسباب قرارها - إلى الحكم الصادر من القضاء المستعجل قبل اللجوء إلى القضاء الموضوعى - الشرعى والوطنى - بطلب نقض القسمة أو تثبيتها - ولا ينفى قيام هذا التناقض الموضوعى ما قالته النيابة العامة من أن الطالب اعتبر أن دعامته فى طلبه هو تناقض القضاءين الوطنى والشرعى فى مسألة الاختصاص متمسكا بنفى اختصاص المحاكم الشرعية - ذلك لأن تعرض الطالب لبحث مسألة الاختصاص مبنى على افتراض التناقض الموضوعى - الأمر الذى تبينت هذه المحكمة صحته من واقع الحكم الصادر لمصلحة الطالب والقرار المطلوب وقف تنفيذه - أسبابا ومنطوقا.
ومن حيث إنه وقد تقرر هذا التناقض بين الحكمين يتحتم للفصل فى الطلب تعيين أى من الحكمين هو الواجب تنفيذه والحكم الآخر الذى يتعين وقف تنفيذه.
ومن حيث إنه يبين من قرار المحكمة الشرعية العليا الصادر بتاريخ 21 من سبتمبر سنة 1946 فى استئناف التصرفات رقم 183 سنة 1945 و1946 أنها اعتبرت أن إنشاء الوقف على الوجه المبين بحجة الوقف يجعله وقفين مختلفين باختلاف الواقف واختلاف الجهة كما يبين من قرار هيئة التصرفات الصادر من محكمة دمنهور الشرعية فى المادة رقم 7 تصرفات سنة 1952 ومن القرار الصادر بتأييده من المحكمة الشرعية العليا فى 6 من مارس سنة 1954 وهو القرار المطلوب وقف تنفيذه - أن المحكمة الشرعية فصلت فى المادة على أنها قسمة بين وقفين مختلفين لا على أنها قسمة بين مستحقين فى وقف واحد - كما يبين من هذين القرارين أن الطلب المقدم من وقف ابراهيم على نصره بشأن الفرز والتجنيب كان مبنيا على نص المادة 40 من القانون رقم 48 لسنة 1946 التى أجازت لكل واحد من المستحقين فرز حصته فى الوقف متى كان الوقف قابلا للقسمة ولم يكن فيها ضرر بين وكان الوقف الآخر وقف أحمد على نصره - يتمسك بأن هذه المادة لا تسرى على طلب قسمة العين الشائعة بين وقفين مختلفين ولكن المحكمة الشرعية العليا خالفته فى النظر قائلة بأن هذا النظر هو ما قد تبادر فهمه من المادة 40 والمواد التالية لها ولكن "من حيث إن قسمة عين شائعة بين وقفين بحيث يفرز لكل وقف حصته لا يخرج عن أن تكون قسمة المستحقين فى عين شائعة موقوفة وكون الواقف واحدا أو متعددا لا تأثير له فى ذلك مطلقا فإنه من المقرر أن لأحد المستحقين أو لجماعة منهم الحق فى طلب فرز حصة له أو لهم فإذا تقدم جميع المستحقين لأحد الوقفين بطلب فرز حصتهم عن حصة جميع المستحقين فى الوقت الآخر لم يكن هذا إلا قسمة عين موقوفة بين مستحقيها" - وترى هذه المحكمة أن المحكمة الشرعية العليا فى تقريرها هذا قد فسرت المادة 40 من القانون المذكور تفسيرا لا يحتمله نصها ولا توحى به الحكمة التى توخاها المشرع فى هذا الخصوص - ذلك أنه لم يكن ثمة خلاف قبل صدور هذا القانون بشأن جواز قسمة العين الشائعة بين وقفين قسمة جبر واختصاص وذلك أخذا بالرأى الراجح فى مذهب أبى حنيفة - وكان الممتنع هو قسمة الوقف الواحد بين مستحقيه قسمة جبر واختصاص فجاء المشرع فى المادة 40 من القانون بإباحة هذا الذى كان لا سبيل إليه، ولم يتعرض المشرع فى القانون رقم 48 لسنة 1946 للقسمة بين الوقفين فبقى حكمها كما كان عليه قبل صدور هذا القانون وما كان هناك من داع لمعالجة تشريعية فى هذا الخصوص إذ فى قسمة الجبر والاختصاص بين وقفين شائعين ما يحقق الغرض الذى سعى إليه المشرع بإجازة قسمة الوقف بين المستحقين قسمة لازمة.
ومن حيث إنه عن الجهة المختصة بإجراء القسمة بين الوقفين فإن المحاكم الشرعية - قبل إلغائها - كانت ترى أنها هى المختصة بالقسمة استنادا إلى أنها صاحبة الولاية العامة فى مسائل الأوقاف - فى حين أن المحاكم المدنية كانت ترى أنها هى المختصة لأن القسمة هى إجراء مدنى محض لا علاقة له بأصل الوقف - وترى هذه المحكمة أنه إذا كان ثمت قبل صدور قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 ما كان يجوز معه القول باختصاص المحاكم الشرعية فى إجراء القسمة بين وقفين فإن هذا القول ممتنع بعد صدور هذا القانون ذلك أن المادة 16 منه حددت مسائل الوقف التى لا تدخل فى اختصاص المحاكم المدنية فنصت فى الفقرة الأولى منها على أنها "المنازعات والمسائل المتعلقة بانشاء الوقف أو بصحته أو بالاستحقاق فيه أو بتفسير شروطه أو الولاية عليه أو بحصوله فى مرض الموت" الأمر الذى يستفاد منه أن قسمة العين الشائعة بين وقفين - وهى خارجة عن المنازعات والمسائل المشار إليها فى الفقرة الأولى - هى مما يدخل فى اختصاص المحاكم المدنية - ثم أكدت المادة المذكورة هذا المعنى إذ نصت فى الفقرة الثانية منها على اختصاص المحاكم الوطنية بفرز العين الموقوفة إذا كانت شائعة فى ملك غير موقوف الأمر الذى يفيد من باب أولى اختصاصها بالقسمة إذا كانت العين الموقوفة شائعة بين وقفين - ولما كان طلب وقف ابراهيم على نصره المتضمن فرز نصيبه قد رفع إلى المحكمة الشرعى فى سنة 1952 أى بعد صدور قانون نظام القضاء - فإنه يكون قد رفع إلى محكمة غير مختصة بالنظر فيه.
ومن حيث إن المحاكم المدنية هى محاكم القانون العام لا يخرج من اختصاصها إلا ما استثنى بنص صريح - ولم تكن المادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية تخرج من اختصاصها فيما يتعلق بمسائل الوقف إلا ما كان متعلقا منها بأصله - ولما كانت قسمة العين الشائعة بين وقفين لا تعلق لها بأصل الوقف فإن الحكم الصادر من محكمة استئناف الاسكندرية فى 22 من مايو سنة 1949 مؤيدا للحكم الابتدائى الصادر من محكمة دمنهور الإبتدائية فيما قضى به من ثبوت ملكية وقف أحمد على نصره لحق الانتفاع بالحصتين المبينتين فى محضر الصلح المؤرخ فى سنة 1913 تأسيسا على أن القسمة المذكورة أصبحت قسمة ملزمة - هذا الحكم يكون قد صدر من المحاكم المدنية فى حدود اختصاصها وما كان يسوغ للمحكمة الشرعية العليا أن تصدر قرارا بعد ذلك باعتبار القسمة غير ملزمة وبجواز إجراء القسمة من جديد وذلك لما سبق تقريره من نفى الاختصاص عنها عملا بنصوص قانون نظام القضاء ولأنه لو صح القول - على أوسع الفروض - بأن إجراء القسمة بين وقفين كان الاختصاص فيه مشتركا بين المحاكم المدنية والمحاكم الشرعية فإن صدور الحكم من القضاء المدنى على الوجه السابق بيانه كان يحول دون إجراء القسمة من جديد أمام المحاكم الشرعية.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين القضاء بوقف تنفيذ القرار المشار إليه الصادر من المحكمة الشرعية العليا فى 6 من مارس سنة 1954.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق