جلسة 17 من مايو سنة 1950
برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات أصحاب العزة: حسن إسماعيل الهضيبي بك وفهيم عوض بك وإبراهيم خليل بك ومحمد غنيم بك المستشارين.
-------------
(216)
القضية رقم 1241 سنة 19 القضائية
قذف وسب:
أ - اختصاص.
قذف في حق المجني عليه (وكيل مجلس النواب) لا يتعلق بصفته نائباً أو وكيلا للمجلس. اختصاص محكمة الجنح بالنظر فيه.
ب - نقض.
حكم لم يعتبر المجني عليه موظفاً عمومياً أو ذا صفة نيابية عامة. أخذ المتهم بالمادة 303 ع دون ذكر الفقرة الأولى منها. لا يضيره.
جـ - نقض.
مقال اعتبرته المحكمة قذفا في حين أنه سب. لفت الدفاع إلى المرافعة على أساس السب وتوقيع عقوبة لا تتجاوز المقرر لجريمة السب العلني. لا وجه للتضرر من هذا.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من: 1 - عبد الوهاب محمد غنايم أفندي (الطاعن) 2- محمد عبد الحميد مندور أفندي بأنهما: (أولا) المتهم الأول بصفته رئيساً لتحرير جريدة صوت الأمة قذف علناً في حق الأستاذ علي أيوب بأن أسند إليه واقعة لو كانت صادقة لأوجبت احتقاره عند أهل وطنه، وذلك بأن ذكر أن لوفاة نجله الدكتور محمد علي أيوب أفندي تفسيراً يشين حضرته ولا يجد بين نفسه الشجاعة لذكره بأن نشر بالعدد 424 من جريدة صوت الأمة الصادر في 5 ديسمبر سنة 1947 والذي تم بيعه وتوزيعه على الجمهور مقالا تحت عنوان (رحم الله ابن علي أيوب) ورد به أنه بعد فراغ المجني عليه من الدفاع في إحدى القضايا أخذت الجموع المحتشدة بدار المحكمة تهتف هتافاً عجيبا هو (رحم الله ابن علي أيوب) وإلى الآن لا يزال الكثيرون يتساءلون عن معنى هذا الهتاف ودلالته حتى لقد صمم ذوو العناد منهم على أن يسألوا الأستاذ علي أيوب نفسه تفسير ما عجزوا عن فهمه ولكن هل أوتى الأستاذ علي أيوب الشجاعة الكافية للإدلاء بهذا التفسير؟ وذلك ما ستكشف عنه الأيام، أما نحن فإننا نعرف في تواضع بأننا كنا ولا نزال من بين من يجهلون هذا السر العويص. (ثانياً): المتهمان الأول والثاني سبا الأستاذ علي أيوب علنا بأن أسندا إليه أموراً تخدش الشرف والاعتبار، منها أن نزعته المتأصلة في نفسه هي الدفاع عن تدخل الإنجليز في أخص الشئون المصرية وأنه يتعالى بوظيفة غير صادقة، وذلك بأن ألف المتهم الثاني مقالا نشره المتهم الأول بصفته رئيس تحرير صوت الأمة في العددين 424، 425 في يومي 5 و6/12/1947 اللذين تم بيعهما وتوزيعهما على الجمهور. ومما جاء في هذين المقالين: لقد عرفت إذن الأستاذ علي أيوب مدافعاً عن تدخل الإنجليز في أخص شئوننا وفي أخطر سلطة من سلطاتنا العامة وهي السلطة التشريعية وأن مما يدمى الفؤاد أن يقف رجل مثل الأستاذ علي أيوب ويحاول أن يتعالى بوظيفة غير صادقة، إلى آخر ما أورده في مقاليه السالفي الذكر اللذين ضمنتهما تلك المعاني التي تخدش الشرف والاعتبار.
وطلبت عقابهما بالمواد 195 و198 و200 و302 و303 و306 و307 من قانون العقوبات.
وقد أدعى الأستاذ علي أيوب بك بحق مدني قدره 15000 جنيه على سبيل التعويض قبل المتهمين بالتضامن على أن يخصص ثلثه لمعهد الصحافة بجامعة فؤاد الأول والثلثان لنقابة الصحفيين. وفي أثناء نظر الدعوى أمام محكمة السيدة الجزئية دفع محامي المتهمين بعدم اختصاص المحكمة بنظر دعوى التعويض.
والمحكمة المذكورة بعد أن أتمت سماعها قضت فيها حضوريا عملا بمواد الاتهام بالنسبة للمتهم الأول عن التهمة الأولى والمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات بالنسبة للمتهم الثاني عن التهمتين المسندتين إليه والتهمة الثانية المسندة إلى المتهم الأول أولا: في الدعوى العمومية بحبس المتهم الأول في التهمة الأولى شهرين مع الشغل والنفاذ وإعدام أعداد جريدة صوت الأمة الصادرة في يوم 5/12/1947 التي ضبطت أو تضبط في المستقبل ونشر منطوق الحكم بصدر صحيفة صوت الأمة في ظرف أسبوع من اليوم وبراءة المتهمين مما أسند إليهما في التهمة الثانية بلا مصاريف جنائية. (ثانيا): في الدعوى المدنية برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وجواز نظرها وبإلزام المتهم الأول بأن يدفع للمدعي المدني مبلغ خمسمائة جنيه على سبيل التعويض والمصاريف المدنية المناسبة لهذا المبلغ ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.
فاستأنف كل من المتهم الأول والمدعي بالحقوق المدنية والنيابة هذا الحكم.
ومحكمة مصر الابتدائية "بهيئة استئنافية" بعد أن أتمت سماعها قضت فيها حضوريا للمتهم الثاني والمدعي بالحق المدني وفي غيبة المتهم الأول بقبول الاستئنافات الثلاثة شكلا وفي الموضوع برفضها وبتأييد الحكم المستأنف وألزمت المتهم الأول بالمصروفات المدنية الاستئنافية وأعفت المتهمين من المصروفات الجنائية.
فعارض المحكوم عليه غيابيا (الطاعن) في هذا الحكم، وفي أثناء نظر المعارضة دفع محامي المتهم بما سبق أن دفع به أمام محكمة أول درجة من عدم اختصاص المحكمة بنظر دعوى التعويض، والمحكمة المشار إليها بعد أن أتمت سماعها قضت فيها حضوريا بقبول المعارضة شكلا وفي الموضوع (أولا) برفض الدفع بعدم اختصاص محكمة الجنح بنظر الدعوى وباختصاصها (ثانيا) برفض المعارضة وتأييد الحكم المعارض فيه وألزمت المعارض بالمصروفات المدنية بلا مصروفات جنائية.
فطعن الطاعن في هذا الحكم الأخير بطريق النقض الخ الخ.
المحكمة
وحيث إن أوجه الطعن تتحصل في القول (أولا): بأن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم اختصاص محكمة الجنح بنظر الدعوى قد أخطأ في تأويل القانون رقم 27 لسنة 1910 المعدل بقانون 19 أكتوبر سنة 1925 ذلك لأن المجني عليه له صفة عامة بصفة كونه وكيلا لمجلس النواب. (ثانيا): بأن الحكم لم يعن ببيان أي من فقرتي المادة 303 من قانون العقوبات طبقت في حق الطاعن مع اختلاف أحكام كل منهما. (ثالثا): بأن الواقعة الثابتة في الحكم لا تعتبر في القانون جريمة قذف. ذلك لأن الطاعن لم ينسب للمجني عليه أو إلى ابنه أمراً معيناً يوجب احتقارهما عند أهل وطنهما، ولما كان القانون يقضي بأن يكون الأمر المسند إلى المجني عليه محدداً في غير إبهام أو غموض وكان الحكم لم يستظهر ذلك في أسبابه فإنه يكون قاصراً. هذا إلى حيرة الحكم في استخلاص قصد الطاعن بصدد إسناد الأمر الذي اعتبره مشيناً إذ تارة يقول إن هدفه هو المدعي بالحقوق المدنية وتارة إن الهدف ابنه المتوفى مما يتفرع عنه عدم تعيينه للمجني عليه بالذات وهو أمر جوهري في جريمة القذف، يضاف إلى هذا أن المحكمة قد لفتت نظر الدفاع عن الطاعن للمرافعة في الدعوى على أساس جريمة السب ولكنها لم تشر في الحكم المطعون فيه إلى هذه الجريمة أية إشارة.
وحيث إنه عن الوجه الأول فالحكم المطعون فيه قد تعرض للدفع بعدم الاختصاص ورفضه في قوله "وحيث إن المتهم (الطاعن) دفع بجلسة اليوم بعدم اختصاص محكمة الجنح بنظر هذه الدعوى قولا منه بأن المادة الأولى من القانون رقم 27 لسنة 1910 (المعدل بالقانون الصادر في 19 أكتوبر سنة 1925) جعل الجنح التي تقع بواسطة الصحف من طريق النشر (عدا الجنح المضرة بأفراد الناس) تحكم فيها محاكم الجنايات وذكر أن المقذوف في حقه - ليس من أفراد الناس- إذ هو بحكم كونه نائبا ووكيلا لمجلس النواب ذو صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة. وحيث إن الوقائع الواردة في المقال الذي يساءل عنه المتهم لا ينطبق منها شيء بهاتين الصفتين ولا تمت بصلة ما لا إلى صفته كنائب أو كوكيل لمجلس النواب وهي موجهة إليه بصفته فرداً من أفراد الناس ولهذا لا يكون لهذا الدفع سند من القانون ويتعين لذلك رفضه" وهذا منه صحيح في القانون.
وحيث إنه عن الوجه الثاني فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يعتبر المجني عليه بالنسب إلى هذه الجريمة موظفا عموميا أو ذا صفة نيابية عامة وأخذه بالمادة 303 من قانون العقوبات فإنه يكون قد طبق الفقرة الأولى من تلك المادة، ولا يضيره أنه لم يصرح بها ما دامت تدخل في عموم نص المادة التي طبقت.
وحيث إنه عن الوجه الثالث فإنه لما كانت الجريمة قد وقعت بطريق النشر وكان لمحكمة النقض مراجعة المقال لمعرفة مناحيه ومرامي عباراته، وكانت العبارة التي أوردها الحكم لا تفيد واقعة معينة تكون جريمة قذف بل مفادها إسناد عيب يخدش اعتبار المدعي بالحقوق المدنية مما يكون جريمة سب لا قذف، إلا أنه ليس للطاعن أن يتضرر من ذلك ما دامت المحكمة قد لفتت نظره للدفاع على أساس تهمة السب، والعقوبة المقضى بها عليه تدخل في نطاق العقوبة المقررة في القانون لجريمة السب العلني.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق