باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الحادي عشر من فبراير سنة 2023م،
الموافق العشرين من رجب سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد
الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن
سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 124 لسنة 36
قضائية دستورية
المقامة من
.............
ضد
1- رئيس الجمهوريـة
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير العـــدل
4- رئيس محكمة النقض، رئيس مجلس القضاء الأعلى
5- وزير الماليـــة
6- وزير الدولة للتنمية الإدارية
------------------
" الإجراءات "
بتاريخ الخامس عشر من يوليو سنة 2014، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى
قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية قانون السلطة
القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، فيما خلت منه
نصوصه من تقرير الحق في حافز الإثابة، للحاصلين على درجتي الماجستير والدكتوراه،
وعدم دستورية المادة السادسة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 734 لسنة 2005 في شأن
قواعد وإجراءات منح حافز أداء متميز للعاملين المدنيين بالدولة الحاصلين على درجة
الدكتوراه وما يعادلها ودرجة الماجستير وما يعادلها، والمادة الأولى من قـرار
وزيـر الدولة للتنميـة الإداريــة رقــم 48 لسنة 2009 بشأن ضوابط استحقاق الحافز
المنصوص عليه في قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 734 لسنة 2005 وأحوال تخفيضه والحرمان
منه، فيما تضمنتاه من عدم سريانهما - في شأن استحقاق حافز أداء متميز- على
العاملين بالكادرات الخاصة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت في أولاهما الحكم برفض الدعوى،
وفي ثانيتهما الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة
إصدار الحكم بجلسة اليوم.
----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن المدعي، وآخرين، كانوا قد أقاموا أمام محكمة استئناف القاهرة، الدعوى رقم
1709 لسنة 131 قضائية رجال قضاء، ضد المدعى عليهم، طالبين الحكم، بصفة أصلية: 1-
أحقيتهم في الحصول على حافز إثابة شهري مقابل حصولهم على درجـة الدكتوراه في
القانون، مقداره مائتا جنيـه، أسـوة بالعاملين المدنيين بالدولة. 2- إلزام المدعى
عليه الأول بإصدار قرار يخولهم الحصول على هـــذا الحافـــز. 3- تطبيق قرار رئيس
مجلس الوزراء رقم 734 لسنة 2005 عليهم. 4- إلزام المدعى عليه الرابع بإصدار قرار
بمنحهم حافز الإثابة المشار إليه، وذلك بموجب التفويض الصادر من المدعى عليه
الثاني لمجلس القضاء الأعلى، باعتبار الأخير هو المنوط به إعمال موازنة وزارة
العدل، وفقًا لضوابط استحقاق هذا الحافز وأحوال تخفيضه والحرمان منه. 5- صرف
الحافز المشار إليه من تاريخ رفع الدعوى. واحتياطيًا: وقف السير في الدعوى تعليقًا،
والتصريح لهم بإقامة الدعوى الدستورية طعنًا على دستورية قانون السلطة القضائية
فيما خلت منه نصوصه، من تقرير الحق في الحصول على بدل الإثابة المطالب به، وقراري
رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة للتنمية الإدارية السالف بيانهما. وقالوا شرحًا
لدعواهم إنهم حصلوا أثناء عملهم بالقضاء على درجتي الماجستير والدكتوراه في
القانون، وإزاء خلو نصوص قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 46 لسنة 1972 من تقرير حافز أداء متميز للحاصلين من أعضاء السلطة
القضائية على تلك الدرجات العلمية، وقصر قرار رئيس مجلس الــوزراء رقم 734 لسنة
2005 منح هذا الحافز على العاملين المدنيين بالدولة، دون المعاملين بكادرات خاصة،
وفقًا لصريح نص المادة السادسة من هذا القرار، الأمر الذي رددته المادة الأولى من
قرار وزير الدولة للتنمية الإدارية رقم 48 لسنة 2009، بما يخل بمبدأ المساواة. وبجلسة
14/ 6/ 2014، طلب الحاضر عن المدعين التصريح لهم بإقامة الطعن بعدم الدستورية
المنوه عنه بصحيفة الدعوى الموضوعية، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت
لهم بالجلسة ذاتها بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام المدعي - وحده - الدعوى
المعروضة.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة القضائية التي
تباشرها تثبيتًا للشرعية الدستورية، مناطها تلك النصوص القانونية التي أقرتها
السلطة التشريعية أو التي أصدرتها السلطة التنفيذية في حدود صلاحياتها التي بينها
الدستور، وبالتالي يخـرج عن نطاقهــا إلزام هاتين السلطتين بإقرار قانون أو إصدار
قرار بقانون في موضوع معين. إذ إن ذلك مما تستقل بتقديره تلك السلطتان وفقًا
لأحكام الدستور، ولا يجوز بالتالي حملهما على التدخل لإصدار تشريع في زمن محدد أو
على نحو معين.
وحيث كان ما تقدم، وكان المدعي قد أقــام دعــواه المعروضة، طالبًا الحكــم
- في شق منها - بعدم دستورية قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية
بقانون رقم 46 لسنة 1972، فيما لم يتضمنه من تقرير الحق في الحصول على حافـز
إثابـة لأعضاء السلطة القضائية الحاصلين على درجتي الماجستير والدكتوراه، أسوة
بغيرهم من المخاطبين بقوانين الوظيفة العامة، فإن هذا الطلب ينحل بهذه المثابة إلى
إضافة حكم جديد إلى قانون السلطة القضائية، بتقرير حافز إثابة شهري يقابل التميز
العلمي بالحصول على درجة الدكتوراه أو الماجستير وما يعادلهما أثناء الخدمة، وهو
ما مؤداه إلزام السلطة التشريعية بتعديـل أحكام ذلك القانون على النحـو السالف
بيانه، الأمر الذي يخرج عن ولاية هذه المحكمة في مجال الرقابة على دستورية
القوانين واللوائح التي حددتها المادة (192) من الدستور القائم، والفقرة أولاً من
المادة (25) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، مما يتعين معه القضاء
بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى في هذا الشق منها.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى
لتجهيل صحيفتها؛ بعدم تعيين النصوص الدستورية المدعى مخالفتها، فإنه مــردود بأن
مـن المقرر - في قضـــاء هـــذه المحكمة- أن ما نصت عليه المادة (30) من قانون
المحكمة الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، من أن القرار الصادر
من محكمة الموضوع بإحالة مسألة دستورية بذاتها إلى هذه المحكمة للفصل في مطابقة
النصوص القانونية التي تثيرها للدستور، أو خروجها عليه، وكذلك صحيفة الدعـوى التي
يرفعها إليهـا خصم للفصـل في بطلان النصوص المطعـون عليهـا أو صحتها، يتعين أن
يتضمنا بيان النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور ومواقع بطلانها، إنما
يتغيا ألا يكون هذا القرار، أو تلك الصحيفة منطويين على التجهيل بالمسائل
الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها؛ ضمانًا لتحديدها تحديدًا كافيًا
يبلور مضمونها ونطاقها، فلا تثير - بماهيتها أو مداها - خفاء يحول دون إعداد ذوي
الشأن جميعًا - ومن بينهم الحكومة - لدفاعهم بأوجهه المختلفة خلال المواعيد التي
حددتها المادة (37) من قانون المحكمة الدستورية العليا، بل يكون بيانها لازمًا
لمباشرة هيئة المفوضين - بعد انقضاء هذه المواعيد - لمهامها في شأن تحضير
جوانبها، ثم إبدائها رأيًا محايدًا يكشف عن حكم الدستور والقانون بشأنها، وفقًا
لما تقضي به المادة (40) من هذا القانون، ولما كان التجهيل بالمسائل الدستورية يفترض
أن يكون بيانها قد غمض فعلاً بما يحول عقلاً دون تجليتها، فإذا كان إعمال النظر
في شأنها - ومن خلال الربط المنطقي للوقائع المؤدية إليها - يفصح عن حقيقتها، وما
قصد إليه حكم الإحالة أو الطاعن حقًّا من إثارتها، فإن القول بمخالفة نص المادة
(30) المشار إليها، يكون لغوًا. لما كان ذلك، وكانت صحيفة الدعوى قد أبانت بجلاء
موضع المخالفة للدستور - حسبما ارتآها المدعي - مشيرًا إلى أن النصوص التشريعية
المطعون عليها قد أخلت بمبدأ المساواة، فإنه يكون قد كشف عن موضع العوار
الدستوري، ويضحى واضح الدلالة في النعي بمخالفة النصين المطعون عليهما من قراري
رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة للتنمية الإدارية المشار إليهما، لنص المادة (53)
من الدستور الحالي، وأوجه المخالفة، بما تبرأ معه صحيفة الدعوى من قالة التجهيل
بنصوص الدستور المدعى مخالفتها، ولزامه الالتفات عن الدفع بعدم قبول الدعوى.
وحيث إن المادة السادسة من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 734 لسنة 2005
فــي شـأن قواعـد وإجـراءات منح حافـز أداء متميز للعاملين المدنيين بالدولـة
الحاصلين على درجة الدكتوراه وما يعادلها ودرجة الماجستير وما يعادلها، تنص على
أنه لا تسري أحكام هذا القرار على العاملين بكادرات خاصة .
وتنص المادة الأولى من قرار وزير الدولة للتنمية الإدارية رقم 48 لسنة
2009 بشأن ضوابط استحقاق الحافز المنصوص عليه في قرار رئيس الوزراء رقم 734 لسنة
2005 وأحوال تخفيضه والحرمان منه، على أنه يسري قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 734
لسنة 2005 المشار إليه على العاملين الحاصلين على درجة الدكتوراه وما يعادلها أو
درجة الماجستير وما يعادلها الخاضعين لأحكام نظام العاملين المدنيين بالدولة، ولا
تسري أحكام هذا القرار على العاملين بكادرات خاصة.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية،
مناطها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قيام رابطة منطقية بينها وبين المصلحة
القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على
الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعي المطعون
فيه لا يحول دون النظر والفصل في الطعن بعدم الدستورية من قبل من طبق عليهم ذلك
النص خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وتبعًا لذلك
توافرت لهم مصلحة شخصية في الطعن بعدم دستوريته.
متى كان ما تقدم، وكانت طلبات المدعي في دعواه الموضوعية، تنصب على
الحكم بأحقيته في حافز الإثابة لحصوله أثناء خدمته على مؤهل علمي أعلى من الدرجة
الجامعية الأولى، وكان تقرير هذا الحافز قد انتظم قواعد وإجراءات منحه قرار رئيس
مجلس الوزراء رقم 734 لسنة 2005، ونص في المادة السادسة منه، على عدم سريان أحكام
هذا القرار على العاملين بكادرات خاصة، وتردد الحكم ذاته في عجز المادة الأولى من
قرار وزير التنمية الإدارية رقم 48 لسنة 2009، الأمر الذي يحول دون سريان قواعد
وإجراءات منح ذلك الحافز على المدعي، بحسبانه من أعضاء السلطة القضائية، وهم من
المعاملين بكادرات خاصة. ومن ثم فإن الفصل في دستورية النصين المشار إليهما يكون
له انعكاس أكيد على الفصل في النزاع الموضوعي، تتوافر للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة
في الطعن عليهما. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما نصت عليه هاتان المادتان من
أنه لا تسري أحكام هذا القرار على العاملين بكادرات خاصة ، وذلك في مجال إعمالهما
على أعضاء السلطة القضائية، دون غيرهم من المعاملين بكادرات خاصة. ولا ينال من ذلك
الإلغاء الضمني للقرارين المار ذكرهما بمقتضى قانون الخدمة المدنية الصــادر
بالقانون رقم 81 لسنة 2016، إذ أعادت المادة (39) منه، والمادتان (124 و125) من
لائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1216 لسنة 2017، تنظيم
المسألة ذاتها على نحو مغاير لتنظيمها السابق في المادة (52) من قانون نظام
العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، وقراري رئيس مجلس
الوزراء، ووزير الدولة للتنمية الإدارية المشار إليهما، اللذين طبقت أحكامهما على
المدعي، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه، وتظل مصلحته الشخصية في الطعن
بعدم دستوريتهما قائمة.
وحيث إن المادة (68) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972 تنص على أن تحدد مرتبات القضاة بجميع درجاتهم
وفقًا للجدول الملحق بهذا القانون ولا يصح أن يقرر لأحد منهم مرتب بصفة شخصية أو
أن يعامل معاملة استثنائية بأية صورة .
وحيث إن جدول الوظائف والمرتبات والبدلات الملحق بقانون السلطة
القضائية المشار إليه والمستبدل بالقانون رقم 32 لسنة 1983، قد حدد المخصصات
السنوية للمخاطبين بأحكام قانون السلطة القضائية في المرتب وبدل القضاء، وبدل
التمثيل، والعلاوة الدورية السنوية، على النحو المبين تفصيلاً بالفئات المقررة لكل
وظيفة من وظائف السلطة القضائية، وقواعد تطبيق جدول المرتبات المكملة له.
وحيث إن من المقرر أن سمات الكادر الخاص تطغى فيه طبيعة العمل محل
الوظيفة على التنظيم القانوني لها بحيث تدمغه بطابعها، وتسبغ هذا الطابع على ذلك
التنظيم، فيفرض طبيعته وآثاره عليه. وقد عدد المشرع في القانون رقم 32 لسنة 1983
الكادرات الخاصة، بما يكشف عن هذه الطبيعة الخاصة والإطار المتميز لها. وإذا كان
هذا هو وضع الكادر الخاص في دائرة الوظيفة العامة، فإنه يكون مفهومًا
- وباعتباره تنظيمًا خاصًّا - أن يمثل الأصل في تنظيم شئون الخاضعين
لأحكامه، فإذا قصــر هذا التنظيم، أو سكت عن ترتيب أمر ما، وجب وبلا ريب الرجوع
للشريعة العامة لتلك الوظيفة، وعلى هذا تجري دائمًا التشريعات المنظمة للوظيفة
العامة، على أن يكون لهذا الرجوع حدوده وضوابطه، فإذا كان منطق التفسير يقبل
استدعاء أحكام الوظيفة العامة للتطبيق على الخاضعين لنظام خاص، فيما لم يرد فيه
حكم، فإن ذلك مشروط بألا يتضمن النظام العام للتوظف أحكامًا تتعارض مع أحكام
القانون الخاص، أو تتنافى مع مقتضاها، أو تتنافر مع مفادها، أو مع طبيعة عمل تلك
الكادرات، ومتطلباته.
متى كان ما تقدم، وكان جدول الوظائف والمرتبات والبدلات الملحق بقانون
السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1972، المستبدل
بالقانون رقم 32 لسنة 1983، قد خلا من تقرير مخصص مالي باسم حافز تميز علمي
المنصوص عليه في المادة (52) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الذي صدر
قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 734 لسنة 2005 بقواعد وإجراءات منحه للعاملين الحاصلين
على درجة الدكتوراه ومـا يعادلها، ودرجة الماجستير وما يعادلها، فإن مؤدى ذلك أن
المشرع في قانون السلطة القضائية، قد تناول بالتنظيم المستحقات المالية لأعضائها،
بما يمتنع معه الرجوع إلى ما عداه في شأنها، ولازم ذلك عدم سريان المعاملة المالية
للمخاطبين بأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة في خصوص حافز الأداء
عليهم، خاصة بعد أن حصرت المادة (1) منه، نطاق تطبيق أحكامه عليهم، فيما لم
تتناوله بالتنظيم القوانين والقرارات الخاصة بهم، وذلك كله شريطة اتفاقه مع طبيعة
عملهم والأوضاع الخاصة بهم، ويتواكب ذلك مع ما قرره الدستور في المادة (186) منه،
من أن القضاة مستقلون غير قابلين للعزل، لا سلطان عليهم في عملهم لغير القانون،
كما أوجب تنظيم أوضاعهم بما يحفظ استقلالهم وحيدتهم، ومؤدى ذلك استبعاد كل ما
يناقض تلك الأوضاع والغايات، ويتعارض مع طبيعة عمل القاضي والولاية التي يضطلع بها
وموجباتها، ومن ذلك تقرير حافز يقابل التميز العلمي للحاصلين على درجة الدكتوراه
وما يعادلها، ودرجة الماجستير وما يعادلها، التي قررها قانون نظام العاملين
المدنيين بالدولة ونص القراريــن المطعــون عليهما، إذ لا تتفق قواعد وضوابط منحها
مع طبيعة عمل القاضي، وما يجب كفالته له من حيدة واستقلال حرص الدستور على
توكيدها، ومن ثم فقد أعرض المشرع عن إقرار ذلك الحافز للمخاطبين بأحكام قانون
السلطة القضائية، فضلاً عن أن تطبيق ذلك الحافز على أعضائها من شأنه إهدار قاعدة
عدم جواز أن يقل مرتب وبدلات من يشغل إحدى الوظائف القضائية عن مرتب وبدلات من
يليه في الأقدمية في الوظيفة ذاتها، المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من البند
تاسعًا من قواعد تطبيق جدول المرتبات، الملحق بقانون السلطة القضائية والمستبدلة
بالقانون رقم 11 لسنة 1981.
وحيث إن ما نعاه المدعي من إخلال النصين المطعون عليهما بمبدأ
المساواة بين المواطنين، المنصوص عليه في المادة (53) من دستور سنة 2014، فمردود
بأن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) من الدستور مبدأ المساواة، باعتباره
إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية،
وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه، على كفالة تحقيق المساواة لجميع
المواطنين أمام القانون، في الحقوق والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب،
إلا أن ذلك لا يعني - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تعامل فئاتهم
على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم
هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس
موضوعية، ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4 و53) المشار إليهما، بما
مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل
تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها
إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا
كان النص المطعون فيه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث
يستحيل منطقيًّا ربطه بها أو اعتباره مدخلًا إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا،
وغير مستند إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة. كما جرى قضاء هذه
المحكمة على أن مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني معاملة المواطنين جميعًا وفق قواعد
موحدة، ذلك أن التنظيم التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سواء من
خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون
غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل النصوص التي ينظم بها المشرع
موضوعًا معينًا عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التي
لجأ إليها منطقيًّا، وليس واهنًا، أو منتحلاً، بما يخل بالأسس التي يقوم عليها
التمييز المبرر دستوريًّا.
وحيث إن التنظيم القانوني الحاكم للأوضاع المالية للقضاة فى قانون
السلطة القضائية، الذي خلا من تطبيق أحكام مماثلة لتلك التي تضمنها قرار رئيس مجلس
الوزراء، وقرار وزير الدولة للتنمية الإدارية المشار إليهما، يجد سنده في اختلاف
طبيعة عمل القاضي عن غيره من العاملين، على ما يستوجبه كفالة استقلال السلطة
القضائية، الذي أكدت عليه المادة (184) من الدستور، وكذلك استقلال القضاة، الذي
حرص الدستور على توكيده في المادة (186) منه، لما يمثله استقلال القضاء وحصانته
وحيدته من ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات بصريح نص المادة (94) من الدستور،
ليغدو تقرير هذه المعاملة، مواكبًا لتلك الأغراض التي يهدف المشرع إلى بلوغها من وراء
ذلك التنظيم، كافلاً تحقيقها، ولتضحى تلك الأحكام مستندة إلى أسس موضوعية تبررها،
وغير متضمنة تمييزًا تحكميًّا يتعارض مع مبدأ المساواة الذي كفله الدستور في
المادتين (4 و53) منه.
متى كان ما تقدم، وكان تطبيق الحافز المنصوص عليه في قانون نظام
العاملين المدنيين بالدولة، وقراري رئيس مجلس الوزراء رقم 734 لسنة 2005، ووزير
الدولة للتنمية الإدارية رقم 48 لسنة 2009 - قبل إلغائهما - على أعضاء السلطة
القضائية الحاصلين أثناء خدمتهم على مؤهلات علمية أعلى من الدرجة الجامعية الأولى
يحول دونه - كما سلف البيان - تنظيم المعاملة المالية لأعضاء هذه السلطة على نحو
يغاير تنظيمها في قوانين الوظيفة العامة؛ الأمر الذي يبرره اختلاف المركز القانوني
لعضو السلطة القضائية، في شأن معاملته المالية، عن المركز القانوني لسواه من
المعاملين بنظم الوظيفة العامة، ومن ثم فإن النعي بإخلالهما بمبدأ المساواة أمام
القانون يكون فاقدًا لسنده، جديرًا برفضه.
وحيث إن النصين المطعون فيهما لا يتعارضان مع أي حكم آخر من أحكام
الدستور، الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى في شأن طلب الحكم بعدم
دستورية قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانـــون رقــم 46
لسنة 1972، فيما لم يتضمنه من تقرير حافز إثابة لأعضاء السلطة القضائية الحاصلين
علـــى درجتي الدكتوراه والماجستير ومـــا يعادلهما أثنـاء الخدمـة، ورفض ما عدا
ذلك من طلبات، ومصادرة الكفالة وألزمت المدعي المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق