جلسة 10 من مايو سنة 1978
برئاسة السيد المستشار
محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور إبراهيم
صالح، محمد الباجوري، محمد رمضان وإبراهيم فراج.
---------------
(239)
الطعن رقم 12 لسنة 46 ق
"أحوال شخصية"
(1، 2) أحوال شخصية
"الطلاق" إثبات "البينة"
(1) الشهادة في اصطلاح الفقهاء. ماهيتها. إجازة
الشهادة بالتسامع في المذهب الحنفي في أحوال معينة ليس من بينها ثبوت أو نفي الضرر
المبيح للتطليق.
(2)الضرر الذي لا يستطاع معه دوام العشرة بين الزوجين. معيار شخصي.
لمحكمة الموضوع سلطة تقديره. لا يشترط أن تكون الحالة ميئوساً منها.
(3)إثبات "القرائن" "البينة". "أحوال شخصية".
جواز الإثبات بالقرائن في
الفقه الحنفي. من القرائن ما هو أقوى من البينة والإقرار. القرينة القاطعة.
ماهيتها.
(4)أحوال شخصية "الطلاق". دعوى. حكم "حجية"
إقرار الزوجة في دعوى
الطاعة باستعدادها للإقامة مع زوجها. ليس حجة عليها في دعوى التطليق المقامة منها
ضده ولا تكشف عن عدم استحالة العشرة بينهما.
---------------
1 - الشهادة في اصطلاح
الفقهاء - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي إخبار صادق في مجلس الحكم بلفظ
الشهادة لإثبات حق على الغير، والأصل فيها إنه لا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء لم
يعاينه بالعين أو بالسماع بنفسه، واستثنى فقهاء الحنفية من هذا الأصل مواضع أجازوا
فيها الشهادة بالتسامع استحساناً ليس من بينهما ثبوت أو نفي الضرر المبيح للتطليق.
2 - المقرر في قضاء هذه
المحكمة أن معيار الضرر الذي لا يستطاع معه دوام العشرة بين الزوجين في معنى
المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 معيار شخصي وليس مادياً، وإذ كان
الحكم المطعون فيه قد استخلص قيام حالة الشقاق بين الزوجين وأنه لا يرجى زوالها
بأسباب مؤدية لها مأخذها، واستقاها من فارق السن بينهما ومن مركزها الاجتماعي دون
تحقق الضرر بإيذاء الزوج زوجته بالقول وبالفعل بما لا يليق بأمثالها وهو ما تستقل
به محكمة الموضوع طالما كان استخلاصها سائغاً، فإن ما يسوقه الطاعن من استلزام أن
تكون الحالة ميئوساً منها لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل غير
مقبول.
3 - من المقرر في قضاء
هذه المحكمة - أن من القرائن ما نص عليه الشارع أو استنبطه الفقهاء باجتهادهم
ومنها ما يستنبطه القاضي من دلائل الحال وشواهده، وكتب الحنفية مملوءة باعتبار
القرائن في مواضع كثيرة، اعتباراً بأن القضاء "فهم"، ومن القرائن
القاطعة ما لا يسوغ تعطيل شهادته إذ منها ما هو أقوى من البينة والإقرار وهما
خبران يتطرق إليهما الكذب والصدق، إلا أنه لما كانت القرينة القاطعة هي ما يستخلصه
المشرع أو القاضي من أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول، وهي أمارة ظاهرة تفيد العلم
عن طريق الاستنتاج بما لا يقبل شكاً أو احتمالاً، وهي بهذه المثابة تغني عن
المشاهدة.
4 - المناط في دعوى
الطاعة هو هجر الزوجة زوجها وإخلالها بواجب الإقامة المشتركة والقرار في منزل
الزوجية، وسبب وجوب نفقة الزوجة ما يترتب على الزوجية الصحيحة من حق الزوج في
احتباس الزوجة لأجله ودخولها طاعته، فإذا فوتته المرأة على الرجل بغير حق فلا نفقة
لها وتعد ناشزاً، لما كان ذلك وكان يشترط لصحة الإقرار شرعياً وجوب أن يفيد ثبوت
الحق المقر به على سبيل اليقين والجزم، فلو شابته مظنة أو أعتوره شك في بواعث
صدوره فلا يؤاخذ به صاحبه، ولا يعتبر من قبيل الإقرار بمعناه، لما كان ما تقدم
وكان ما صرحت به المطعون عليها في دعوى الطاعة المرددة بينها وبين الطاعن من إبداء
استعدادها للإقامة مع وزجها في المسكن الشرعي الذي يعده، قد يحمل على استهدافها أن
تدرأ عن نفسها وصف النشوز وبالتالي الحرمان من النفقة، وهو بهذه المثابة ليس إلا
وسيلة دفاع تفرضها طبيعة الدعوى التي صدر فيها، ولا يدل بذاته على أن العشرة بينها
وبين زوجها ليست مستحيلة، ولا ينطوي على إقرار بذلك تؤخذ بآصرته، فلا على الحكم إن
هو التفت عما يتمسك به الطاعن في هذا الخصوص.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت
الدعوى رقم....... أحوال شخصية "نفس" أمام محكمة الجيزة الابتدائية ضد
الطاعن طالبة الحكم بتطليقها منه طلقة بائنة للضرر. وقالت تبياناً لدعواها أنها
زوجة الطاعن بمقتضي عقد صحيح شرعي مؤرخ 1/ 6/ 1965، ولا تزال على عصمته وفي طاعته،
وقد تركت عملها حرصاً منها على مرضاته. وإذ سامها أنواعاً من المضارة ضرباً وسباً،
وامتنع عن الإنفاق عليها، وتزايد إيذاؤه أثر ما انتابه من عجز جنسي صاحبه جنون
الغيرة بسبب فارق السن بينهما، فقد أقامت الدعوى. وبتاريخ 24/ 11/ 1974 حكمت
المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون عليها أن الطاعن يضربها ويؤذيها
بما يتجاوز حد التأديب وبما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، وبعد سماع
شهود الطرفين عادت وبتاريخ 29/ 6/ 1975 فحكمت برفض الدعوى. استأنفت المطعون عليها
هذا الحكم بالاستئناف رقم....... أحوال شخصية القاهرة طالبة القضاء لها بطلباتها،
وبتاريخ 4/ 4/ 1976 قضت محكمة الاستئناف بتطليق المطعون عليها على زوجها الطاعن.
طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أيدت فيها الرأي
برفض الطعن. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر،
وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على
أربعة أسباب، ينعى الطاعن بالسببين الأول والرابع منها على الحكم المطعون فيه
مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أقام قضاءه بالتطليق على سند من أقوال
شاهدي المطعون عليها، في حين إنها شهادة سماعية نقلاً عمن أشهدتهما، فكانت المطعون
عليها مصدر الدعوى ودليلها، وسيقت هذه الشهادة في موضع لا تقبل فيه شرعاً مما
يبطلها، لأن شهادة السماع وردت على سبيل الاستثناء الذي يقتصر على موضع النعي ولا
يقاس عليه غيره، هذا إلى أن المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 لا تجيز
الحكم بالتطليق إلا في الحالات الميئوس منها، والتي لا يستطيع فيها الزوجان أن
يقيما حدود الله، الأمر المفتقد في واقع الدعوى، إذ لم يضر الطاعن زوجته بل كان
يحسن معاملتها وينفق عليها حتى بعد تردد الخصومات بينهما، وهو ما يعيب الحكم
بمخالفة القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك
أنه وإن كانت الشهادة في اصطلاح الفقهاء وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي
إخبار صادق في مجلس الحكم بلفظ الشهادة لإثبات حق على الغير، ولئن كان الأصل فيها
أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء لم يعاينه بالعين أو بالسماع بنفسه، ولئن استثنى
فقهاء الحنفية من هذا الأصل مواضع أجازو فيها الشهادة بالتسامع استحساناً ليس من
بينها ثبوت أو نفي الضرر المبيح للتطليق، إلا أنه لما كان الطاعن لم يقدم صورة
رسمية من محضر التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة، والذي بنى الحكم المطعون فيه
قضاؤها على أقوال الشهود فيه، كي تستطيع محكمة النقض مراقبة مدى ما يثيره بسبب
النعي خاصاً بشهادة السماع، وكان البين من أسباب الحكم المطعون فيه فيما نقله عن
أقوال شاهدي المطعون عليها أنها ليست شهادة سماع، بل أنهما قررا بحصول اعتداء من
الطاعن على المطعون عليها بالضرب في المجلس العائلي الذي عقد لمحاولة الإصلاح بين
الزوجين عن مشاهدة وعيان، وتكون أقوالهما بهذه المثابة صحيحة ومقبولة شرعاً، إذ
قامت على أصل الضرر، وبرئت من شبهة التسامع، ويكون النعي في هذا الخصوص وارد على
غير محل. لما كان ذلك وكان لا يعيب الحكم ما استطرد إليه من حديث عن شهادة التسامع
ومدى اعتبارها من الأدلة، وهو في معرض الرد على ما أثاره الطاعن خاصاً بها، لأن
هذا الحديث - أياً كان وجه الرأي فيه - لم يكن لازماً لحمل قضائه. لما كان ما تقدم
وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن معيار الضرر الذي لا يستطاع معه دوام العشرة
بين الزوجين في معنى المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 معيار شخصي وليس
مادياً، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص قيام حالة الشقاق بين الزوجين وأنه لا يرجى
زوالها بأسباب مؤدية لها مأخذها واستقاها من فارق السن بينهما ومن مركزها
الاجتماعي، ومن تحقق الضرر بإيذاء الزوج زوجته بالقول وبالفعل بما لا يليق
بأمثالها، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع طالما كان استخلاصها سائغاً، فإن ما
يسوقه الطاعن من استلزام أن تكون الحالة ميئوس منها لا يعدو أن يكون جدلاً
موضوعياً في تقدير الدليل غير مقبول، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم
أهدر دلالة القرينة القاطعة التي استنبطها الحكم الابتدائي من خلو أوراق الدعوى من
دليل مادي يؤازرها وقضى لذلك برفضها، في حين أن القرينة القاطعة من الأدلة الشرعية
في فقه المذهب الحنفي، مما يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك
أنه وإن كان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن من القرائن ما نص عليه الشارع
أو استنبطه الفقهاء باجتهادهم ومنها ما يستنبطه القاضي من دلائل الحال وشواهده،
وكتب الحنفية مملوءة باعتبار القرائن في مواضع كثيرة، اعتباراً بأن القضاء
"فهم" ومن القرائن القاطعة ما لا يسوغ تعطيل شهادته إذ منها ما هو أقوى
من البينة والإقرار وهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب، إلا أنه لما كانت
القرينة القاطعة هي ما يستخلصه المشرع أو القاضي من أمر معلوم للدلالة على أمر
مجهول، وهي أمارة ظاهرة تفيد العلم عن طريق الاستنتاج بما لا يقبل شكاً أو
احتمالاً، وهي بهذه المثابة تغنى عن المشاهدة، وكان ما ساقه حكم محكمة أول درجة من
أن شهود المطعون عليها لم يبينوا واقعة محددة لاعتداء الطاعن عليها لم يكن من قبيل
استخلاص القرينة بل هو تقدير لأقوال الشهود، وكانت محكمة الدرجة الثانية ليست
ملزمة إذا هي ألغت الحكم الابتدائي بالرد على جميع ما ورد به ما دامت أسبابها
كافية لحمل قضائها، وحسبما أن تورد الدليل السائغ لما قضت به، وكانت محكمة
الاستئناف قد اعتمدت أقوال هؤلاء الشهود نتيجة اطمئنانها إليها وبمقتضى سلطتها في
الترجيح بين البينات، فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى
بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول أن
المطعون عليها أقرت في دعوى الطاعة المقامة عليها باستعدادها للإقامة معه، مما يدل
على أن العشرة بينهما ليست مستحيلة، وقد أغفل الحكم المطعون فيه دلالة هذا الإقرار
فيكون قد خالف القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك
أنه لما كان المناط في دعوى الطاعة هو هجر الزوجة زوجها وإخلالها بواجب الإقامة
المشتركة والقرار في منزل الزوجية، وكان سبب وجوب نفقة الزوجة ما يترتب على
الزوجية الصحيحة من حق الزوج في احتباس الزوجة لأجله ودخولها طاعته، فإذا فوتته
المرأة على الرجل بغير حق فلا نفقة لها وتعد ناشزاً. لما كان ذلك وكان يشترط لصحة
الإقرار شرعاً وجوب أن يفيد ثبوت الحق المقر به على سبيل اليقين والجزم فلو شابته
مظنة أو اعتوره شك في بواعث صدوره فلا يؤاخذ به صاحبه، ولا يعتبر من قبيل الإقرار
بمعناه، لما كان ما تقدم وكان ما صرحت به المطعون عليها في دعوى الطاعة المرددة
بينها وبين الطاعن من إبداء استعدادها للإقامة مع وزجها في المسكن الشرعي الذي
يعده، قد يحمل على استهدافها أن تدرأ عن نفسها وصف النشوز وبالتالي الحرمان من
النفقة، وهو بهذه المثابة ليس إلا وسيلة دفاع تفرضها طبيعة الدعوى التي صدر فيها
لا يدل بذاته على أن العشرة بينها وبين زوجها ليست مستحيلة، ولا ينطوي على إقرار
بذلك تؤخذ بآصرته، ولا على الحكم إن هو التفت عما يتمسك به الطاعن في ذلك الخصوص،
ويكون النعي على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض
الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق