جلسة 7 من مارس سنة 1946
برياسة حضرة أحمد نشأت بك وحضور حضرات: محمد المفتى الجزايرلى بك وأحمد فهمى إبراهيم بك ومحمد توفيق إبراهيم بك وسليمان حافظ بك المستشارين.
(43)
القضية رقم 112 سنة 14 القضائية
تسجيل:
ا - قسمة. المادة الثانية من القانون رقم 18 لسنة 1923. حكمها يسرى على القسمة العقارية ولو كانت الملكية من طريق الإرث.
ب - عقد ناقل للملكية. تسجيله. سوء النية أو التواطؤ. لا يفسد أثر التسجيل.
جـ - الغير فى حكم المادة الثانية من قانون التسجيل. صاحب التصرف المسجل يعتبر منهم بصرف النظر عن حسن نيته.
2 - إن الشارع فى القانون رقم 18 لسنة 1923 قد رفع تسجيل العقد الناقل للملكية فوق مستوى الدور الذى كان يؤديه من قبل، فجعل له من الأثر ما لم يكن له فى ظل القانون المدنى، إذ اعتبره هو ذاته الناقل للملكية - لا يمنع من ذلك سوء نية المتصرف أو تواطؤه مع المتصرف إليه إضراراً بصاحب عقد آخر ناقل للملكية أو مقرر لها. ولقد أشار فى المذكرة الإيضاحية إلى أنه يريد أن لا يجعل من سوء نية المتصرف إليه أو تواطئه سبباً يفسد عليه تسجيله تأسيساً على حسن النية الواجب توافره فى المعاقدات أو على مقتضيات العدالة، اكتفاءً بحق المتضرر فى الرجوع على من أضر به بالتعويض عن الضرر الذى لحقه.
ومن جهة أخرى يستفاد من المادة الثانية من ذلك القانون أن الشارع وإن كان قد استبقى للعقود المقررة أثرها السابق فى تقرير الملكية، فيما بين المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير بالتسجيل، فإنه أبقى تسجيلها أقل خطراً من تسجيل العقود الناقلة، إذ اشترط لكى ينتج التسجيل أثره أن لا يكون العقد المقرر قد لابسه التدليس.
ومن مقتضى هذه التفرقة التى أرادها القانون ين العقود الناقلة للملكية وغيرها من الحقوق العينية وبين العقود المقررة لهذه الحقوق أنه فى مقام المفاضلة بين عقد ناقل وآخر مقرر يفضل العقد الناقل بتسجيله دون اعتبار لسوء نية صاحبه أو تواطئه مع المتصرف (2).
3 - يعتبر من الغير فى حكم المادة الثانية من قانون التسجيل صاحب التصرف المسجل حسنت نيته أم ساءت، وإذن فالقسمة غير المسجلة لا تكون بأى حال حجة على من صدر له تصرف مسجل.
الوقائع
تتحصل وقائع الطعن فى أنه فى 25 و27 من فبراير و2 و11 من مارس سنة 1940 رفع الطاعن الدعوى على المطعون ضدهم أمام محكمة مصر الابتدائية وأورد فى صحيفتها أن المرحوم حنا بك باخوم توفى فى 2 من يوليو سنة 1936 عن ابنة فهيم بك الطاعن وبناته السيدتين إيلين وسيسيل والآنسة روضة المطعون ضدهن والمرحومة السيدة بهجة مورثة طرفى الخصومة، وخلف لهم عقارات منها ما كان قد وقفه فى حياته ومنها ما بقى على ملكه إلى حين وفاته، وأن الورثة قد اتفقوا على قسمة هذه الأعيان وعهدوا إلى أحد المهندسين بتقسيمها بينهم، فقام بمأموريته وأعد مشروعاً للقسمة أقره الورثة جميعاً بمحضر مؤرخ فى 15 من مارس سنة 1937. لكن المرحومة السيدة بهجة لم تلبث حتى تصرفت فى أربعة قراريط وأربعة أخماس من القيراط على الشيوع فى كل عقار من التركة إلى المطعون ضدهما الخامسة والسادسة، وهما بنتا أختها سيسيل. وذلك بموجب عقد مؤرخ فى 31 من أكتوبر سنة 1938 ومسجل فى 21 من نوفمبر سنة 1938 قاصدة بذلك إهدار القسمة السابقة، وطلب الطاعن فى دعواه الحكم أصلياً ببطلان هذا العقد وثبوت ملكيته فى أربعة قراريط وأربعة أخماس من القيراط شائعة فى الأعيان المبينة بصحيفة الدعوى لصوريته المطلقة ومن باب الاحتياط بإلغائه فيما زاد على ثلاثة قراريط وخمس القيراط شائعة فى تلك الأعيان وثبوت ملكيته فى هذا القدر على أساس أن العقد يستر وصية أو أنه صدر من المتصرفة وهى فى مرض الموت. وكان مما أخذه الطاعن على هذا العقد أنه وقع على حصة المتصرفة فى عقارات التركة بعد قسمتها بين الورثة قسمة يحاج بها المتصرف إليهم دون ما حاجة لتسجيلها، وعلى فرض أن تسجيلها واجب فإن تسجيل العقد لابسه من التدليس ما يفسد أثره بالنسبة إلى القسمة السابقة ولو أنها لم تسجل.
وفى 30 من يونيو سنة 1940 قضت محكمة مصر ببطلان ذلك العقد وبثبوت ملكية الطاعن فى أربعة قراريط وخمس من أربعة وعشرين قيراطاً شائعة فى الأعيان المبينة بصحيفة دعواه الخ.
وفى 30 من أبريل سنة 1944 حكمت محكمة استئناف مصر بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن مع إلزامه بمصروفات درجتى التقاضى وألفى قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما. وقد أعلن بهذا الحكم فطعن فيه بطريق النقض بتقرير أعلن به المطعون ضدهم طالباً نقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً ببطلان العقد المؤرخ فى 31 من أكتوبر سنة 1938 والمسجل فى 21 من نوفمبر سنة 1938 ومن باب الاحتياط بإحالة القضية إلى محكمة استئناف مصر لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى الخ.
وقد أودع الطاعن مذكرته ومستنداته فى الميعاد كما أودع المطعون ضدهم مذكرتهم فى الميعاد كذلك وأودعت النيابة مذكرة برأيها. وبجلسة 28 من فبراير سنة 1945 نظر الطعن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم أرجئ الحكم فيه إلى جلسة اليوم حيث صدر بالآتى:
المحكمة
وحيث إن الطاعن بنى طعنه على سببين:
وحيث إن السبب الأول محصله أن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ طبق المادة الثانية من القانون رقم 18 لسنة 1923 على القسمة العقارية بين الورثة خطأ جره إلى القول بوجوب تسجيلها كيما تكون حجة على الغير مع أن هذه القسمة ليست إلا إقراراً وتركيزاً لحق الإرث وهو - تطبيقاً للمادة 610 من القانون المدنى - يثبت فى حق كل إنسان بثبوت الوراثة.
وحيث إن المادة الثانية من القانون رقم 18 لسنة 1923 توجب تسجيل "العقود والأحكام المقررة لحقوق الملكية أو الحقوق العينية العقارية الأخرى المشار إليها فى المادة السابقة بما فيها القسمة العقارية" وإلا فلا تكون حجة على الغير. والنص بإطلاقه على هذه الصورة لا يفرق بين القسمة فى العقار الآيل بطريق الإرث وبينها فى العقار الآيل بغير ذلك من طرق انتقال الملك، ومن ثم يكون سارياً على القسمة العقارية بصرف النظر عن مصدر ملكية الشركاء.
وحيث إنه لا وجه لتخصيص هذا النص بقسمة العقار غير الموروث بزعم أن عبارة "المشار إليها فى المادة السابقة" يجب صرفها إلى "حقوق الملكية أو الحقوق العينية الأخرى" وأن الشارع إنما يقصد بذلك الحقوق التى تؤول بمقتضى العقود الصادرة بين الأحياء - لا وجه لهذا التخصيص لأنه قائم على تفسير للنص غير صحيح. ذلك أن إشارته إلى المادة السابقة أنها تنعطف ولا بد على "العقود والأحكام المقررة..." يريد بذلك تلك التى وصفتها المادة الأولى بقولها "الصادرة بين الأحياء". والقسمة عقد ينطبق عليه هذا الوصف.
وحيث إنه لا يمنع من تطبيق المادة الثانية من القانون رقم 18 لسنة 1923 على القسمة العقارية بين الورثة إبقاء هذا القانون على المادة 610 من القانون المدنى، لأن هذه المادة إنما تقصد ملكية العقار بالحالة التى تكون عليها عند أيلولتها بالإرث، أى ملكية شائعة فى حالة تعدد الورثة، وهذه الملكية الشائعة هى التى تثبت فى حق كل إنسان بثبوت الوراثة دون ما حاجة إلى تسجيل فإن أريد أن تستحيل إلى ملكية مفرزة بالقسمة وجب تسجيل عقد القسمة ليكون حجة على الغير. والقول بأن المادة 610 من القانون المدنى هى وحدها التى يجب أن تنطبق على القسمة العقارية بين الورثة دون ما عداها من قسمة المال الشائع تأسيساً على المادة 457 - التى تعتبر أن المتقاسم لم يكن يملك سوى الملك المفرز الذى اختص به - هذا القول مردود بأنه يؤدى إلى اعتبار القسمة العقارية فى غير المال الموروث، إذا كان سند الشركاء مسجلا، حجة على الغير بدون تسجيل عقدها.
وحيث إن السبب الثانى للطعن مبناه أن الحكم المطعون فيه خالف المادة الثانية من القانون رقم 18 لسنة 1923 لأنه لم يعتبر أن علم المطعون ضدهما الخامسة والسادسة بقسمة العقار الموروثة يفسد عقد التصرف المسجل الصادر إليهما من المرحومة السيدة بهجة ويحفظ للقسمة كل قوتها رغم عدم تسجيلها. ويؤسس الطاعن هذا السبب على أن القانون المشار إليه فرق بين العقود التى تنقل الملكية وغيرها من الحقوق العينية فى العقار وبين العقود التى تقرر تلك الحقوق من ناحية حسن النية وسوئها، فهو إذ جرد النوع الأول من أثره فى نقل الملكية، حتى فيما بين المتعاقدين أنفسهم إذا لم يحصل التسجيل، لم يعد يهمه أن يكون صاحب العقد عالماً بما سبقه من تصرفات أو غير عالم بها، خلافاً لما كان عليه الحال قبل صدور هذا القانون لما كانت العقود الناقلة للملكية وغيرها من الحقوق العينية العقارية - كالعقود المقررة لها - تنتج بذاتها هذا الأثر فيما بين المتعاقدين وبالنسبة إلى غيرهم بطريق علمهم بها العلم الحكمى الذى يفترض بحصول التسجيل أو العلم الحقيقى الذى كان يسمى سوء النية، مما يترتب عليه - وقد زال هذا السلطان الذى كان للعقد الناقل وصار التسجيل هو أداة نقل الملكية - أن يصبح العقد الناقل إذا لم يسجل غير صالح لمواجهة عقد مثله مسجل ولو كان صاحبه سيئ النية. أما العقود المقررة فقد أبقى لها القانون رقم 23 لسنة 1923 أثرها السابق عليه فى تقرير الملكية فيما بين المتعاقدين بمجرد انعقادها وبالنسبة إلى غيرهم بعلمهم بها حكماً أو حقيقة مما ينبنى عليه أن يكون العقد المقرر حجة على الغير - سواء أكان صاحب عقد مثله أم صاحب عقد ناقل - إذا كان سيئ النية نزولاً على حكم القاعدة العامة التى تحول دون المدلس والانتفاع بتدليسه.
وحيث إن المستفاد من نص المادة الأولى من القانون رقم 18 لسنة 1923 على ضوء ما ورد بشأنها فى المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أن الشارع وإن كان قد جرد التعاقد من الأثر الذى كان له فى نقل الملكية فقد ارتفع بتسجيل العقد الناقل فوق مستوى الدور الذى كان يؤديه من قبل، وجعل له من الأثر ما لم يكن له فى ظل القانون المدنى إذ اعتبره بنفسه هو الناقل للملكية - لا يمنع من ذلك سوء نية المتصرف أو تواطؤه مع المتصرف إليه إضراراً بصاحب عقد آخر ناقل للملكية أو مقرر لها، مشيراً فى المذكرة الإيضاحية إلى أنه يريد أن لا يجعل من سوء نية المتصرف إليه أو تواطئه سبباً يفسد عليه تسجيله تأسيساً على حسن النية الواجب توافره فى المعاقدات أو على مقتضيات العدالة اكتفاءً بحق المتضرر فى الرجوع على من أضر به بالتعويض عن الضرر الذى لحقه. كما يستفاد من المادة الثانية من القانون المشار إليه أن الشارع وإن كان قد استبقى للعقود المقررة أثرها السابق فى تقرير الملكية فيما بين المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير بالتسجيل فإنه أبقى تسجيلها أقل خطراً من تسجيل العقود الناقلة إذ اشترط لكى ينتج أثره ألا يكون العقد المقرر قد لابسه التدليس - تلك هى التفرقة التى أرادها القانون رقم 18 لسنة 1923 بين العقود الناقلة للملكية وغيرها من الحقوق العينية فى العقار وبين العقود المقررة لهذه الحقوق ومن مقتضاها أنه فى مقام المفاضلة بين عقد ناقل وآخر مقرر يفضل العقد الناقل بتسجيله دون اعتبار لسوء نية صاحبه أو تواطئه مع المتصرف، إعمالاً لنص المادة الأولى من هذا القانون، أما العقد المقرر فلا يفضل بالتسجيل إلا إذا كان لم يلابسه التدليس إعمالاً للمادة الثانية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ فضل التصرف المسجل على القسمة غير المسجلة لم يخالف المادة الثانية من قانون التسجيل بل عمل بما تقتضيه. ذلك أنها تنص على أن عدم تسجيل العقود والأحكام المقررة لحقوق الملكية أو غيرها من الحقوق العينية العقارية يترتب عليه أنها "لا تكون حجة على الغير" ولا شك أن من الغير - فيما تفيده المادة الثانية (3) - صاحب التصرف المسجل حسنت نيته أم ساءت، ثم إنه ليس صحيحاً قول الطاعن إن كلمة "الغير" فى النص ملحقة بنعت مستتر وجوباً هو حسن النية، لأن إطلاق الاسم دون نعت يقتضى عدم تخصيصه به من جهة، ومن جهة أخرى فإن الشارع لو كان يقصد هذا النعت حقيقة فقد كان حرياً به وقد صاغ المادة الأولى على الصورة التى يستفاد منها أنه جعل التسجيل فى العقود الناقلة للملكية هو الناقل لها بصرف النظر عن نية أصحابها، وقد زاد هذا المعنى بياناً فى مذكرته الإيضاحية - كان حرياً به وقد فعل ذلك أن لا يستر نعت "الغير" فى المادة الثانية بل كان عليه أن يفصح عنه وجوباً.
وحيث إنه لما تقدم يبين أن الحكم المطعون فيه لم يخطئ فى تطبيق نص من نصوص القانون ولا هو خالف حكماً من أحكامه ومن ثم يكون الطعن على غير أساس.
(1) لما استبدل بقانون التسجيل قانون تنظيم الشهر العقارى رقم 114 لسنة 1946 الصادر فى 11 أغسطس سنة 1946 نصت الفقرة الثانية من المادة 10 من هذا القانون (المقابلة للمادة الثانية من القانون القديم) على أن "حكمها يسرى على القسمة العقارية ولو كان محلها أموالا موروثة". وجاء فى المذكرة الإيضاحية (رقم 19) أن هذا النص قد أورد "قطعاً لكل شبهة وحسما لما ثار حول هذه المسألة من خلاف".
(2) حذف الشارع من نص المادة 9 من قانون تنظيم الشهر العقارى ما كانت تنص عليه المادة الثانية من قانون التسجيل على أن العقود والأحكام المقررة لا تكون حجة على الغير - ولو كانت مسجلة - إذا داخلها التدليس.
وقد جاء فى المذكرة الإيضاحية للقانون الجديد أنه لم يُر محل للنص على التدليس، لا بالنسبة إلى التصرفات المقررة للحقوق العينية ولا بالنسبة للتصرفات المنشئة لهذه الحقوق، اكتفاءً بتطبيق القواعد العامة فى هذا الشأن.
وعلى ذلك فإن حجة الحكم المستفادة من عقد المقارنة بين المادتين الأولى والثانية من قانون التسجيل قد أصبحت غير قائمة فى ظل القانون الجديد.
على أن هذا لا ينفى حتما بقاء حكم القانون الجديد موافقاً لحكم القانون السابق فيما خلصت إليه محكمة النقض. وقد سبقت الإشارة إلى هذه المسألة فى التعليق على حكم 3 يونيه سنة 1943 المنشور فى الجزء الرابع من هذه المجموعة تحت رقم 67 صفحة 183 وما يليها.
(3) هكذا وردت فى الحكم وهو خطأ مادى والمقصود بداهة "المادة الثانية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق