باسم الشعب
المحكمةالدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبتالرابع عشر من فبراير سنـة 2015م، الموافـق الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة 1436هـ .
برئاسة السيد المستشار / عدلى محمود منصور رئيس المحكمة
وعضويةالسادة المستشارين : الدكتور حنفى على جبالى والسيد عبدالمنعم حشيش وسعيد مرعى عمـــــــرو ورجب عبد الحكيم سليـــــم وبولــس فهمى إسكندر والدكتور حمدان حسن فهمى نواب رئيس المحكمة
وحضورالسيد المستشار / محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضورالسيد / محمد ناجى عبد السميع أمينالسر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجـدول المحكمـة الدستورية العليـا برقـم 88 لسنة 36 قضائية "دستورية " .
المقامة من
السيد / أحمد فراج على فــــــــــــــــــــراج
ضــــــــــــــد
1- السيد رئيس الجمهوريــــــــــــة
2- السيد وزير العـــــــــــــــــــــــــــــــدل
3- السيد المستشار النائب العـام
4- السيد رئيس مجلس الوزراء
الإجــــــــــراءات
بتاريخ 21/5/2014، أودع المدعى صحيفةهذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبًا الحكم بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 6 لسنة2012 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبتفيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضرالجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمــــــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة .
وحيث إن الوقائع، على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق، تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد أحالت المدعى إلى المحاكمة الجنائية بالقضية رقم 22912 لسنة 2012 جنايات مينا البصل المقيدة برقم 4068 كلى غرب إسكندرية بوصف أنه فى يوم 6/11/2012، بدائرة قسم مينا البصل بمحافظة الإسكندرية، أحرز بغير ترخيص سلاحين ناريين غير مششخنين، وأحرز ذخائر مما تستخدم على السلاحين محل الاتهام السابق دون أن يكون مرخصًا له بحيازتها أو إحرازها، واتجر بغير ترخيص فى سلاحين ناريين غير مششخنين. وطلبت النيابة العامة عقابه بالمواد (1/1) و(6) و(12/1) و(26/1، 4) و(28/2) و(30/1) من القانون رقم 394 لسنة 1954فى شأن الأسلحة والذخائر المعدل بالقانونين رقمى 26 لسنة 1978 و165 لسنة 1981والمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 والجدول رقم (2) المرفق بهذا القانون. وتدوولتالدعوى الجنائية أمام محكمة جنايات الإسكندرية، وبجلسة 28/4/2014، دفع المدعى بعدمدستورية المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فيما تضمنه من عدم جواز استعمال المادة (17)من قانون العقوبات، فقررت تلك المحكمة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 22/6/2014، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة .
وحيث إن المادة (26) من القانون رقم 394لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر مستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 تنصعلى أن :
الفقرة الأولى : " يعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أو يحرزبالذات أو بالواسطة بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليها بالجدول رقم (2) المرافق" .
الفقرة الثانية : " ويعاقب بالسجن المشدد وغرامة لا تجاوز خمسة عشر ألف جنيه كل من يحوز أو يحرز بالذات أو بالواسطة بغير ترخيص سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليهابالقسم الأول من الجدول رقم (3) المرافق " .
الفقرة الثالثة : " وتكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه إذاكان الجانى حائزًا أو محرزًا بالذات أو بالواسطة سلاحًا من الأسلحة المنصوص عليهابالقسم الثانى من الجدول رقم (3) .
الفقرة الرابعة : " ويعاقب بالسجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه كل من يحوز أو يحرز بالذات أو بالواسطة ذخائر مما تستعمل فى الأسلحة المنصوص عليها بالجدولين رقم(2 و3) " .
الفقرة الخامسة : " وتكون العقوبة السجن المؤبد وغرامة لا تجاوز عشرين ألف جنيه إذاكان الجانى من الأشخاص المذكورين بالبنود من (ب) إلى (و) من المادة (7) من هذاالقانون .
الفقرة السادسة : " ومع عدم الإخلال بأحكام الباب الثانى مكررًا من قانون العقوبات تكون العقوبة السجن المشدد أو المؤبد ......... " .
الفقرة السابعة : " واستثناءً من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات لا يجوزالنزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فى هذه المادة " .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة تعدشرطًا لقبول الدعوى الدستورية، ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمةفى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فىالطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، متى كان ذلك، وكان المدعى قدأحيل إلى المحاكمة الجنائية بوصف أنه 1 – أحرز بغير ترخيص سلاحين ناريين غيرمششخنين 2 – أحرز بدون ترخيص ذخائر مما تستخدم على هذين السلاحين 3 – اتجر بدونترخيص فى سلاحين ناريين غير مششخنين، وطلبت النيابة عقابه بالمواد (1/1 و6 و12/1 و26/1،4 و28/2 و30/1) من القانون رقم 394 لسنة 1954 بشأن الأسلحة والذخائر معدلاًبالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، وكان الدفع بعدم الدستورية الذى أبداه المدعىأمام محكمة الموضوع يتوخى فى حقيقته القضاء بعدم دستورية ما قضت به الفقرة السابعةمن المادة (26) من القانون المذكور من عدم جواز النزول بالعقوبة المحددة للجرائمالواردة فى هذه المادة استثناءً من حكم المادة (17) من قانون العقوبات أملاً منه فى أن تستعيد محكمة الموضوع سلطتها التقديرية فى اختيار العقوبة التى تراها مناسبة للجرائم المنسوب إلى المدعى ارتكابها، ومن ثم فإن مصلحة المدعى الشخصية المباشرةفى الدعوى الدستورية الماثلة تنحصر فى الطعن على الفقرة السابعة من المادة (26) منالقانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر معدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فيما نصت عليه من (واستثناء من أحكام المادة (17) من قانون العقوبات لايجوز النزول بالعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فى هذه المادة) .
وحيث إن الجريمتين المنسوب إلى المدعى ارتكابهماوهما إحراز سلاحين ناريين غير مششخنين بدون ترخيص وإحراز ذخائر مما تستخدم علىهذين السلاحين دون ترخيص واردتان بالفقرتين الأولى والرابعة من المادة (26) منقانون الأسلحة والذخائر المشار إليه، ومن ثم فإن نطاق الدعوى الماثلة يتحدد بنصالفقرة الأخيرة من المادة (26) من قانون الأسلحة والذخائر فى مجال إعماله بالنسبةللجريمتين المنصوص عليهما فى الفقرتين الأولى والرابعة من المادة ذاتها.
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبقأن حسمت المسألة الدستورية المثارة بالنسبة للجريمة الواردة بنص الفقرة الرابعة منالمادة (26) من قانون الأسلحة والذخائر المشار إليه، وذلك بقضائها الصادر بجلسة 8/11/2014،فى القضية رقم 196 لسنة 35 قضائية دستورية والذى قضى ( بعدم دستورية نص الفقرةالأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائرالمستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فيما تضمنه مناستثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجريمتين المنصوصعليهما بالفقرتين الثالثة والرابعة من المادة ذاتها)، وقد نشر هذا الحكم بالجريدةالرسمية بالعدد رقم 45 مكرر (ب) بتاريخ 12/11/2014، ومن ثم وعملاً بحكم المادتين (48و49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 فإنالخصومة فى هذا الشق من الدعوى تغدو منتهية .
وحيث إن المدعى ينعى على المرسوم بقانونرقم 6 لسنة 2012 المشار إليه أنه صدر بالمخالفة للأوضاع الدستورية المقررةبالدستور الصادر فى عام 1971 والذى كان ساريًا لدى تفويض رئيس الجمهورية الأسبقللمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى إدارة شئون البلاد، وأنه بعد إجراء الاستفتاء علىتعديل بعض مواد هذا الدستور فى 19/3/2011، قام هذا المجلس بإضافة (52) مادة أخرىدون استفتاء الشعب عليها، وأصدر فى 30/3/2011، إعلانًا دستوريًا أعطت المادة (56) منهللمجلس ذاته سلطة التشريع بالمخالفة لنص المادة (3) من دستور عام 1971، ومن ثم فإنكافة المراسيم بقوانين التى صدرت استنادًا لهذا الإعلان الدستورى – ومن بينهاالمرسوم بقانون المطعون عليه – تكون غير دستورية لصدورها ممن لا صفة له .
ومن حيث إن استيثاق هذه المحكمة مناستيفاء النصوص التشريعية المطعون فيها للأوضاع الشكلية المقررة دستوريًا فى شأنإصدارها، يعد أمرًا سابقًا بالضرورة على خوضها فى عيوبها الموضوعية. لما كان ذلك،وكانت هذه المحكمة قد سبق أن عرض عليها أمر دستورية بعض نصوص المرسوم بقانون رقم 6لسنة 2012 فى حكمها الصادر بجلسة 8/11/2014، فى القضية رقم 196 لسنة 35 ق "دستورية"،والذى قضى " بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر مستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6لسنة 2012 فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوباتبالنسبة للجريمتين المنصوص عليهما بالفقرتين الثالثة والرابعة من المادة ذاتها "،وذلك لمخالفته لأحكام موضوعية فى الدستور الصادر عام 2014 تضمنتها المواد (94) و(96)و(99) و(184) و(186) منه، مما مؤداه استيفاء المرسوم بقانون المشار إليه للأوضاعالشكلية المقررة فى شأن إصداره، بما يحول دون بحثها من جديد، ومن ثم فإن المناعىالشكلية التى نسبها المدعى إلى المرسوم بقانون الطعين تكون غير مقبولة .
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين،من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستورالقائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً - وعلى ما جرى عليه قضاءهذه المحكمة- صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه وأن نصوص هذاالدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقامالصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار مايخالفها من تشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة . ومن ثم فإن هذه المحكمةتباشر رقابتها على النص المطعون عليه - محددًا نطاقًا على النحو المتقدم بيانه - منخلال أحكام الوثيقة الدستورية الصادرة فى 18 يناير سنة 2014 .
وحيث إن المدعى ينعى على نص الفقرةالأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائرالمستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 أنها قيدت سلطة القاضى فى تطبيق أحكامالمادة (17) من قانون العقوبات، الأمر الذى يُعد تعديًا على استقلال القضاء، كماأنه يخالف مبدأ المساواة .
وحيثإن هذا النعى سديد فى جوهره، ذلك أن الدستور كفل فى مادته السادسة والتسعين، الحقفى المحاكمة المنصفة بما تنص عليه من أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمةقانونية عادلة، تُكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه . وهو حق نص عليه الإعلانالعالمى لحقوق الإنسان فى مادتيه العاشرة والحادية عشرة التى تقرر أولاهما : أنلكل شخص حقًّا مكتملاً ومتكافئًا مع غيره فى محاكمة علنية، ومنصفة، تقوم عليهامحكمة مستقلة ومحايدة، تتولى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية، أو فى التهمةالجنائية الموجهة إليه . وتُرَدِّدُ ثانيتهما : فى فقرتها الأولى حق كل شخص وجهتإليه تهمة جنائية، فى أن تُفترض براءته إلى أن تثبت إدانته فى محاكمة علنية تُوفرله فيها الضمانات الضرورية لدفاعه، وهذه الفقرة تؤكد قاعدة استقر العمل علىتطبيقها فى الدول الديمقراطية، وتقع فى إطارها مجموعة من الضمانات الأساسية تكفلبتكاملها مفهومًا للعدالة يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة المعمول بها فىالدول المتحضرة، وهى بذلك تتصل بتشكيل المحكمة، وقواعد تنظيمها، وطبيعة القواعدالإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية، كما أنها تعتبرفى نطاق الاتهام الجنائى، وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى كفلها الدستور، ولايجوز بالتالى تفسير هذه القاعدة تفسيرًا ضيقًا، إذ هى ضمان مبدئى لرد العدوان عنحقوق المواطن وحرياته الأساسية، وهى التى تكفل تمتعه بها فى إطار من الفرصالمتكافئة، ولأن نطاقها - وإن كان لا يقتصر على الاتهام الجنائى - إنما يمتد إلىكل دعوى ولو كانت الحقوق المثارة فيها من طبيعة مدنية، إلا أن المحاكمة المنصفةتعتبر أكثر لزومًا فى الدعوى الجنائية وذلك أيًّا كانت طبيعة الجريمة، وبغض النظرعن درجة خطورتها .
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، تتمثل ضوابطالمحاكمة المنصفة فى مجموعة من القواعد المبدئية التى تعكس مضامينها نطاقًا متكاملالملامح، يتوخى بالأسس التى يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحولبضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقًا منإيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التى تنال من الحريةالشخصية، ولضمان أن تتقيد الدولة عند مباشرتها لسلطاتها فى مجال فرض العقوبة صونًاللنظام الاجتماعى، بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التى ينافيها أن تكونإدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التى تتم محاكمته علىضوئها، مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة بل يتعين أنتلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التى تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى منالحماية، التى لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها .
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمةأن الأصل فى العقوبة هو معقوليتها، فلا يكون التدخل فيها إلا بقدر، نأيًا بها عنأن تكون إيلامًا غير مبرر، يؤكد قسوتها فى غير ضرورة، ذلك أن القانون الجنائى، وإناتفق مع غيره من القوانين فى تنظيم بعض العلائق التى يرتبط بها الأفراد فيما بينبعضهم البعض، أو من خلال مجتمعهم بقصد ضبطها، إلا أن القانون الجنائى يفارقها فىاتخاذ العقوبة أداة لتقويم ما يصدر عنهم من أفعال نهاهم عن ارتكابها . وهو بذلكيتغيا أن يحدد - ومن منظور اجتماعى - ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، وأنيسيطر عليها بوسائل يكون قبولها اجتماعيًّا ممكنًا، بما مؤداه أن الجزاء علىأفعالهم لا يكون مبررًا إلا إذا كان مفيدًا من وجهة اجتماعية، فإن كان مجاوزًا تلكالحدود التى لا يكون معها ضروريًّا، غدا مخالفًا للدستور .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى علىأن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطًا ثابتًا، أو النظر إليهم باعتبار أنصورة واحدة تجمعهم لتصبهم فى قالبها، بما مؤداه أن الأصل فى العقوبة هو تفريدها لاتعميمها، وتقرير استثناء تشريعى من هذا الأصل - أيًّا كانت الأغراض التى يتوخاها -مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغايرفيها، وهو ما يعنى إيقاع جزاء فى غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزنالجريمة وملابساتها والظروف الشخصية لمرتكبها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض .ذلك أن مشروعية العقوبة - من زاوية دستورية - مناطها أن يباشر كل قاض سلطته فىمجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرًا لها، فى الحدود المقررة قانونًا، فذلك وحدهالطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرًا لآثار الجريمة من منظور عادل يتعلق بهاوبمرتكبها .
وحيث إنه من المقرر أن شخصية العقوبةوتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يكون قانونًا مسئولاً عن ارتكابها على ضوءدوره فيها، ونواياه التى قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقًالخياراته بشأنها . متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً فى إطار الخصائصالجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم فى مجالتفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التى أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها فى كل حالةبذاتها؛ مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبضبالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملاً مجردًا يعزلها عن بيئتها دالاًّ على قسوتهاأو مجاوزتها حد الاعتدال، جامدًا، فجًّا، منافيًا لقيم الحق والعدل .
وحيث إن الدستور الصادر عام 2014 إذ نصفى المادة (94) منه على خضوع الدولة للقانون وأن استقلال القضاء، وحصانته، وحيدته،ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات، كما أكد على هذه المبادئ فى المادتين (184)و(186) من الدستور ذاته، فقد دلَّ على أن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى كافةمظاهر نشاطها- وأيًّا كانت طبيعة سلطاتها - بقواعد قانونية تعلو عليها وتكونبذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لمتعد امتيازًا شخصيًّا لأحد ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها، ولأن الدولةالقانونية هى التى يتوافر لكل مواطن فى كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقهوحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها فى إطار من المشروعية، وهى ضمانة يدعمها القضاءمن خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محورًا لكل تنظيم، وحدًّا لكلسلطة، ورادعًا من كل عدوان .
وحيث إنه من المقرر قانونًا أن العقوبةالتخييرية، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازى بعقوبة أصلية أشد - عند توافرعذر قانونى جوازى مخفف للعقوبة - أو إجازة استعمال الرأفة فى مواد الجناياتبالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك عملاً بنصالمادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقاف تنفيذ عقوبتى الغرامة أو الحبس الذى لاتزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروفالعينية التى لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانونعلى ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هى أدوات تشريعية يتسـاندإليها القاضى - بحسب ظروف كل دعوى - لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة، ومن ثم ففىالأحوال التى يمتنع عليه إعمال إحدى هذه الأدوات، فإن الاختصاص المنوط به فى تفريدالعقوبة يكون قد انتقص منه، بما يفتئت على استقلاله وحريته فى تقدير العقوبة،وينطوى على تدخل محظور فى شئون العدالة والقضايا .
وحيث إن العقوبة المقررة لجريمة حيازةسلاح نارى من الأسلحة المنصوص عليها بالجدول رقم (2) المرفق بالقانون رقم 394 لسنة1954 معدلاً بالمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 والمسندة للمتهم فى الدعوى الموضوعيةهى السجن وغرامة لا تجاوز خمسة آلاف جنيه، ومن ثم فإن هذه العقوبة تعد من العقوباتغير التخييرية، والتى لم يُنص على أعذار قانونية جوازية مخففة لها، ويمتنع بالنصالمطعون فيه النزول عنها فيما لو اتضح لقاضى الموضوع قسوتها فى ضوء أحوال الجريمةالتى تقتضى رأفته، بما يحول بينه وبين إعمال سلطته فى تفريد العقوبة .
وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النصالمطعون فيه يكون قد أهدر من خلال الانتقاص من سلطة القاضى فى تفريد العقوبة،جانبًا جوهريًا من الوظيفة القضائية، وجاء منطويًا كذلك على تدخل فى شئون العدالة،مقيدًا الحرية الشخصية فى غير ضرورة، ونائيًا عن ضوابط المحاكمة المنصفة، ومخلاًبمبدأ خضوع الدولة للقانون، وواقعًا بالتالى فى حمأة مخالفة أحكام المواد (94)، (96)،(99)، (184)، (186) من الدستور .
فلهــــذه الأسبــــاب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرةا لأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر،المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 فيما تضمنه مناستثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات بالنسبة للجريمة المنصوص عليها بالفقرة الأولى من المادة ذاتها ، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة .