جلسة 24 من مايو سنة 1992
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ إسماعيل عبد الحميد إبراهيم وعادل محمد زكي فرغلي وفريد نزيه تناغو وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.
----------------
(163)
الطعن رقم 2514 لسنة 37 القضائية
جامعات - طلاب - قرار إعلان النتيجة - الرقابة القضائية عليه.
محاكم مجلس الدولة تباشر الرقابة على مشروعية قرارات السلطة التنفيذية بفروعها وهيئاتها جميعاً إلا أنها لا تحل نفسها محل السلطة التنفيذية في أداء اختصاصاتها وواجباتها ومسئولياتها - رقابة القضاء الإداري على قرار إعلان نتيجة الامتحان للطالب تمتد إلى بحث مشروعية هذا القرار ومدى مطابقته للقانون واللوائح وقيامه على السبب المبرر له قانوناً - لا تمتد الرقابة القضائية إلى تقدير مدى صحة الإجابة في حد ذاتها أو مقدار الدرجة المستحقة عن تلك الإجابة - أساس ذلك: أن هذا التقدير الفني هو من صميم عمل الجامعة وأعضاء هيئة التدريس فيها بما يتمتعون به من تأهيل وصلاحيات علمية وفنية - لا محل للرقابة القضائية على التقدير الفني ما دام لم يشبه عيب إساءة استعمال السلطة - تطبيق.
إجراءات الطعن
أودعت الأستاذة/ نادية عبد المنعم المحامية بصفتها وكيلة عن السيد الدكتور رئيس جامعة القاهرة في يوم الأربعاء الموافق 22/ 5/ 1991 قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 2514 لسنة 37 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - دائرة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 7/ 5/ 1991 في الدعوى رقم 7548 لسنة 44 قضائية والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وبوقف القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم منح المدعي "الطبيب/ عمرو محمد عبد الفتاح عياد" بكالوريوس الطب والجراحة بتقدير عام "ممتاز مع مرتبة الشرف" وما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام جامعة القاهرة بمصروفات هذا الطلب وبتنفيذ الحكم بموجب مسودته بغير إعلان مع إحالة طلب الإلغاء إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيره وإيداع تقرير بالرأي القانوني فيه وطلبت جامعة القاهرة في ختام تقرير الطعن القضاء بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وقد أودع مفوض الدولة السيد الأستاذ المستشار/ علي رضا ملف الطعن تقريراً بالرأي القانوني انتهى فيه إلى أنه يرى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الطلب المستعجل مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 17/ 6/ 1991 والجلسات التالية لها على النحو المبين بمحاضرها حيث حضر محامي الجامعة ومحامي المطعون ضده وقدم كل منهما مستنداته وعدة مذكرات بدفاعه كما استمعت الدائرة إلى أقوال السيد الدكتور عميد كلية الطب والسادة الدكاترة أعضاء هيئة التدريس بها الذين قاموا بتصحيح أوراق إجابة المطعون ضده في مادتي الباطنة والجراحة، ثم قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة التي نظرته بجلسة 3/ 11/ 1991 والجلسات التالية على النحو المبين بمحاضرها واستمعت المحكمة إلى مرافعة الدفاع عن جامعة القاهرة والدفاع عن المطعون ضده وقدم كل منهما مستنداته ومذكراته التي صمم فيها على طلباته، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على منطوقه وأسبابه لدى النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فإن عناصر هذه المنازعة تتلخص في أن المدعي السيد الطبيب/ عمرو محمد عبد الفتاح عياد طبيب الامتياز بكلية طب قصر العيني بجامعة القاهرة أقام دعواه بالصحيفة المودعة بقلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 24/ 9/ 1990 والتي اختصم فيها السيد رئيس جامعة القاهرة والسيد الدكتور عميد كلية الطب بجامعة القاهرة وطلب في ختامها الحكم أولاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن تمكين المدعي من الاطلاع على أوراق الامتحان التحريري في مادتي الباطنة والجراحة، وما يترتب على ذلك من تصحيح الخطأ المادي في تعديل ترتيب الطالب استناداً إلى هذا التقييم والالتزام بمراتب الشرف في تحديد ترتيب الخريجين - ثانياً - في الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجامعة والكلية بالمصروفات.
وأسس المدعي دعواه على أنه التحق بكلية الطب في العام الدراسي 1983 وتخرج فيها في ديسمبر 1989 وكان نجاحه في الامتحان طوال الأعوام السابقة على السنة السادسة بتقدير(ممتاز) إلا أنه حدث تغيير مفاجئ في تقدير السنة السادسة وهي الأخيرة حيث هبط تقديره إلى "جيد جداً" وقد حصل في مادة الباطنة على تقدير "جيد" ويشمل التحريري والشفهي في حين أن تقديره في الشفهي فقط "ممتاز" مما يعني أنه رسب في التحريري في هذه المادة كما أصبح ترتيبه رقم 92 بعد أن كان من الأوائل طيلة السنوات السابقة كما أخطأت الكلية في عدم الاعتداد بمرتبة الشرف في تحديد ترتيبه في الدفعة، ولهذا السبب حاول المدعي الاطلاع على أوراق إجابته في الامتحان التحريري في مادتي الباطنة والجراحة وسدد الرسوم المقررة إلا أن السيد الدكتور عميد الكلية بعد أن وصلته هذه الأوراق رفض اطلاع المدعى عليها الأمر الذي دعاه إلى إنذار الجامعة والكلية بإجابته إلى الاطلاع على هذه الأوراق وما يترتب على ذلك من تغيير ترتيبه في التخرج تبعاً لما يتم من تصحيح الأخطاء المادية في أوراق إجابة مادتي الباطنة والجراحة وكذلك طبقاً لمراتب الشرف التي حصل عليها خلال سنوات الدراسة، ومن ثم انتهى المدعي إلى طلب الحكم بطلباته السالفة وبجلسة 7/ 5/ 1991 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم منح المدعي بكالوريوس الطب والجراحة بتقدير عام ممتاز مع مرتبة الشرف وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت جامعة القاهرة بمصروفات هذا الطلب وأمرت بتنفيذ الحكم بموجب مسودته وبغير إعلان، وبإحالة طلب الإلغاء إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيره وإيداع تقرير بالرأي القانوني فيه وأسست المحكمة حكمها على أن المدعي يستهدف بدعواه الحكم بقبولها شكلاً وبصفة عاجلة بوقف تنفيذ "القرار السلبي بامتناع كلية الطب بجامعة القاهرة عن منحه درجة البكالوريوس في الطب والجراحة بتقدير عام ممتاز مع مرتبة الشرف وتعديل ترتيبه بين الخريجين على هذا الأساس وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار" وأضافت المحكمة أن الطعن في القرارات السلبية لا يتقيد بميعاد ما دامت حالة الامتناع قائمة ومستمرة ومن ثم تكون الدعوى مقبولة شكلاً. والبادي من الأوراق وبالقدر اللازم للفصل في الطلب العاجل وفي ضوء نكول الجامعة عن الرد على المدعي وعدم تقديمها أية مستندات أن المدعي قد التحق بكلية الطب عام 1983 ونجح في السنوات الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة بتقدير عام ممتاز وحصل المدعي في السنة السادسة على تقدير عام جيد جداً، وطلب من الكلية تمكينه من الاطلاع على أوراق إجابته في الامتحان التحريري لمادتي الباطنة والجراحة وسدد الرسم المقرر إلا أن الكلية لم تجبه إلى طلبه، كما لم تقدم الجامعة هذه الأوراق إلى المحكمة على مدى أربع جلسات كما لم تدلل على عدم جدية مزاعم المدعي، وبالتالي فإن القرار الطعين يكون غير قائم على سند من القانون بحسب الظاهر من الأمر. وأضافت المحكمة أن المدعي يذكر أنه حصل على تقدير عام ممتاز في السنوات المشار إليها وأن الكلية أخطأت ومنحته تقدير عام جيد جداً في السنة السادسة ورفضت اطلاعه على أوراق إجابته التحريرية في مادتي الباطنة والجراحة بعد أن اطلع السيد الدكتور عميد الكلية عليها وهو ما يؤكد وقوع خطأ في رصد نتيجته في هاتين المادتين أدى إلى هبوط تقديره من ممتاز إلى جيد جداً، ومتى كان مما يظاهر المدعي في أقواله نكول الجامعة وقعودها عن تقديم أوراق إجابته إلى المحكمة أو الرد على تلك الأقوال عزوفاً عما طلبته المحكمة مما يعد تسليماً منها بطلبات المدعي ومن ثم يغدو قرارها وقد وقع مخالفاً لصحيح حكم القانون وهو ما يوجب الحكم بإلزامها بتعديل درجات المدعي على الوجه الصحيح ومنحه بكالوريوس الطب والجراحة بتقدير عام ممتاز مع مرتبة الشرف وما يترتب على ذلك من آثار وتعديل ترتيب الخريجين ومنحهم مراتب الشرف وفقاً لحكم المادة 85 من اللائحة التنفيذية.
وعلى ذلك انتهت محكمة القضاء الإداري إلى القضاء بحكمها السالف.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله للأسباب الآتية: - أولاً - أن المدعي طلب تمكينه من الاطلاع على أوراق إجابته في مادتي الباطنة والجراحة وتصحيح الخطأ المادي فقط إذا وجد إلا أن الحكم المطعون فيه قضى بما لم يطلبه الخصوم حينما انتهى إلى منح المدعي تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف.
ثانياً: أن نظام العمل يجرى في جميع الكليات على أن الطالب المتظلم يتقدم بتظلمه خلال خمسة عشر يوماً من إعلان النتيجة فيشكل عميد الكلية لجنة من الأساتذة للتأكد من عدم وجود خطأ مادي في رصد الدرجات، وفي حالة وجود هذا الخطأ يصحح ويخطر الطالب بذلك دون أن يتاح له الاطلاع بنفسه على الأوراق وإلا لأصبح الأمر فوضى، وهذا ما حدث بالنسبة لحالة المدعي الذي تظلم فعرض تظلمه على اللجنة المشكلة لبحث تظلمات الطلبة فلم تجد أي خطأ في الأوراق.
ثالثاً - أن الحكم المطعون فيه أخطأ أيضاً حينما نصب نفسه محل الجهة الإدارية المنوط بها تقدير الدرجات التي يستحقها المدعي في الامتحان تقديراً فنياً وهي الجهة المختصة بذلك وهي التي وضعت التقدير الذي يستحقه في الامتحان إلا أن الحكم المطعون فيه أحل نفسه محلها ومنح المدعي التقدير الذي انتهى إليه رغم أن حصول الطالب على تقدير ممتاز في السنوات السابقة على السنة النهائية لا يعني بالضرورة حصوله على ذات التقدير في السنة الأخيرة وإلا لما كانت هناك حاجة لامتحانه فيها.
ومن ثم انتهت الجهة الإدارية الطاعنة إلى طلب الحكم بطلباتها السالفة.
من حيث إن الطعن الماثل ينحصر فيما قضى به الحكم المطعون فيه في الشق المستعجل من الخصومة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن سلطة وقف تنفيذ القرار الإداري مشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها ومردهما إلى مبدأ سيادة القانون والذي يقوم عليه نظام الحكم في الدولة وتخضع له السلطات الإدارية والذي نصت عليه أحكام المادة (64) والمادة (65) من الدستور كأصل دستوري أساسي انبنى عليه حظر تحصين أي قرار أو تصرف إداري من رقابة القضاء من جهة (م 67) وأقام مجلس الدولة كهيئة قضائية مستقلة تختص بالمنازعات الإدارية بحسب ما قضت به صراحة المادة (172) من الدستور من ناحية أخرى ليتولى بواسطة محاكم المنازعات الإدارية الرقابة القانونية التي تسلطها هذه المحاكم على القرارات الإدارية على أساس وزنها بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية وسيادة القانون فيجب على القضاء الإداري ألا يحكم بوقف تنفيذ أي قرار إداري إلا إذا تبين له حسب الظاهر من الأوراق أن طلب وقف تنفيذ هذا القرار يقوم على ركنين معاً الأول ركن الاستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها والثاني ركن الجدية وهو متصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب بعدم مشروعية القرار قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية وكلا الركنين من الحدود القانونية التي تحد سلطة القاضي الإداري وتخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر بمراعاة القواعد الأساسية السالف بيانها وتحقيقاً للشرعية وسيادة القانون على أن الطعن يطرح المنازعة في الحكم المطعون فيه برمتها ويفتح الباب أمام هذه المحكمة لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون والمشروعية وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه مما ينص عليه في قانون مجلس الدولة فتلغيه وتنزل بذلك حكم القانون على المنازعة ما دامت مهيأة للفصل في موضوعها على الوجه الصحيح ما دام المراد هو مبدأ الشرعية نزولاً على سيادة أحكام القانون في روابط القانون الإداري التي تختلف في طبيعتها عن روابط القانونين: المدني والتجاري.
ومن حيث إن المادة 172 من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49/ 1972 تنص على أن "تمنح الجامعات الخاضعة لأحكام هذا القانون بناء على طلب مجالس كلياتها الدرجات العلمية والدبلومات المبينة في اللائحة التنفيذية ولا يمنح تلك الدرجات والدبلومات إلا من أدى بنجاح الامتحانات المقررة للحصول عليها وفق أحكام اللائحة التنفيذية لهذا القانون وأحكام اللائحة الداخلية للكليات والمعاهد ونصت المادة 173 من هذا القانون على أن يشترط لنجاح الطالب في الامتحانات أن ترضى لجنة الامتحانات عن فهمه وتحصيله وفقاً لأحكام اللائحة التنفيذية وأحكام اللوائح الداخلية، وقد نصت المادة 85 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات على أن يقدر نجاح الطالب في درجة الليسانس أو البكالوريوس بأحد القديرات الآتية: ممتاز مع مرتبة الشرف - جيد جداً مع مرتبة الشرف - ممتاز - جيد جداً - جيد - مقبول.
ومن حيث إن قضاء المحكمة قد جرى على أنه طبقاً لأحكام الدستور والقانون فإن رقابة القضاء الإداري على القرارات الإدارية هي رقابة مشروعية يسلطها على القرار المطعون فيه على أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية فيلغيها أو يوقف تنفيذها حينما يتبين صدورها بالمخالفة لأحكام القانون أو انحرافها عن الغاية الوحيدة التي حددها الدستور والقانون لسلامة تصرفات جهة الإدارة وهي تحقيق المصلحة العامة ومن المقرر وفق قضاء هذه المحكمة المستقر أن القضاء الإداري وهو يباشر رقابة الإلغاء ووقف التنفيذ على القرارات الإدارية المطعون فيها فإنه لا يحل نفسه محل الجهة الإدارية في أداء اختصاصاتها وواجباتها المنصوص عليها في القانون أو في مباشرة نشاطها في تسيير المرافق العامة المخول لها طبقاً للدستور والقانون، ذلك أن سيادة القانون هي أساس الحكم في الدولة طبقاً للمادة 64 من الدستور كما أنه تخضع الدولة للقانون وتحقيقاً لذلك فقد نص الدستور على أن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات طبقاً للمادة 65 منه وقد أناطت المادة 137 من الدستور برئيس الجمهورية رئاسة السلطة التنفيذية وممارستها على الوجه المبين في الدستور، ونظمت المواد (153 - 160) مباشرة الحكومة والوزراء وأعضاء السلطة التنفيذية لواجباتهم واختصاصاتهم في خدمة المصالح العامة للشعب ونصت المادة 165 على أن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها وأكدت المادة 166 من الدستور استقلال القضاء كما نصت المادة 172 على أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية.
ومن حيث إنه بالبناء على ما سبق فإن محاكم مجلس الدولة تباشر متمتعة بالاستقلال الكامل الرقابة على مشروعية قرارات السلطة التنفيذية بفروعها وهيئاتها جميعاً إلا أنها لا تحل نفسها محل السلطة التنفيذية في أداء اختصاصاتها وواجباتها ومسئولياتها المحددة في الدستور والقانون، وفي خصوصية الطعن على نتائج امتحانات طلبة الجامعات فإن رقابة القضاء الإداري على قرار إعلان نتيجة الامتحان للطالب تمتد إلى مدى مشروعية هذا القرار ومطابقته للقانون واللوائح وقيامه على السبب المبرر له قانوناً وهو يتمثل في أداء الطالب للامتحان وحقه في أن تصحح كافة إجاباته وأن يعطى عنها الدرجة المقررة لها وأن تكون محصلة هذه الدرجة صحيحة في رصدها وجمعها وأن يكون التقدير النهائي الحاصل عليه الطالب متفقاً مع ما ورد في قوانين تنظيم الجامعات واللوائح التنفيذية والداخلية إلا أن هذه الرقابة القضائية لا تمتد إلى تقدير مدى صحة الإجابة في حد ذاتها أو مقدار الدرجة المستحقة عن تلك الإجابة باعتبار أن هذا التقدير الفني هو من صميم عمل الجامعة وأعضاء هيئة التدريس فيها بما يتمتعون به من تأهيل وصلاحيات علمية وفنية رفيعة المستوى وما لهم من قدر علمي ومركز أدبي رفيع المستوى وبالغ السمو يجعل تقديرهم الفني لما تستحقه إجابة الطالب من درجات هو تقدير فني نهائي يقدره الأستاذ المصحح بضميره العلمي وهو يؤدي رسالته السامية في خدمة وطنه وهذا غير قابل للتعقيب عليه، ما لم يثبت أن هذه السلطة العلمية والفنية التقديرية الواسعة المخولة للأستاذ الجامعي في هذا الشأن قد فقدت الاعتبارات الأساسية التي تقوم عليها بأن شابها عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها وهو ما يؤدي إلى سقوطها من علوها وقابليتها للإلغاء والإبطال ومن حيث إنه على هدي المبادئ العامة السالف ذكرها وبناء على أن البادي من ظاهر الأوراق والمستندات المودعة بملف الطعن وبالقدر اللازم للفصل في الشق المستعجل من الخصومة والمتعلق بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه أن المدعي قد تخرج في كلية الطب جامعة القاهرة في دور ديسمبر عام 1989 وحصل على بكالوريوس الطب والجراحة بتقدير عام جيد جداً مع مرتبة الشرف بمجموع كلي 1605 درجة من الحد الأقصى ومقداره 1950 درجة ويقدر ذلك طبقاً للقواعد المقررة في الامتحان بكلية الطب جامعة القاهرة بتقدير عام جيد جداً، باعتبار أن تقدير ممتاز يمنح للطالب الحاصل على 85% فأكثر من الحد الأقصى المشار إليه كما نال هذا الطالب مرتبة الشرف كنتيجة لتقديراته في امتحان السنوات السابقة على امتحان البكالوريوس.
ومن حيث إن البادي من ظاهر الأوراق أيضاً وخاصة أصل أوراق إجابة المدعي التحريرية في امتحانات مادتي الباطنة والجراحة التي قدمتها جامعة القاهرة أثناء نظر الطعن أمام هذه المحكمة - أنه قد حصل في مادة الجراحة في الورقة الأولى على 68 درجة من 100 درجة وفي الورقة الثانية على 63 درجة من 100 درجة وفي مادة الباطنة في الورقة الأولى على 46 درجة من 100 درجة وفي الورقة الثانية على 55 درجة من 100 درجة والبادي من أوراق الإجابة التحريرية المشار إليها أن إجابات المدعي كلها قد صححت ومنح عنها الدرجة التي قدرها الأستاذ المصحح وقد لاحظت المحكمة أن إجابة السؤال الثالث في الكراسة الأولى لمادة الجراحة أعطيت عنه الدرجة على غلاف ورقة الإجابة في الجزء المسمى (بالمرآة) مقترنة بتوقيع الأستاذ المصحح دون أن تثبت هذه الدرجة داخل الكراسة بخلاف سائر الإجابات بكراسات المادتين المذكورتين فقد أثبتت الدرجات المعطاة عنها داخل الكراسة وخارجها على الغلاف (بالمرآة) كما لاحظت المحكمة أن بعض الدرجات المعطاة بالكراسة الأولى لمادة الباطنة قد كتبت بالقلم الرصاص داخل الكراسة ثم أثبتت على غلاف الكراسة (بالمرآة) بالقلم الحبر الجاف ومهر الغلاف بتوقيع الأساتذة من أسفل ويبدو بذلك أن جميع الإجابات الواردة بالكراسات قد منح الطالب عنها الدرجات التي قدرها الأساتذة المصححون وأن جميع الدرجات الممنوحة للطالب أثبتت بالقلم الحبر الجاف على غلاف كل كراسة إجابة في المرآة ومهرت جميعها بتوقيع الأساتذة، كما تبين أيضاً أن جمع ورصد كافة الدرجات الحاصل عليها الطالب من إجاباته جاء جمعاً ورصداً صحيحاً.
ومن حيث إن الثابت كذلك أن دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا استدعت بجلستها المعقودة بتاريخ 30/ 9/ 1991 الأساتذة المصححين لإجابات المدعي التحريرية في مادتي الجراحة والباطنة فحضروا جميعهم عدا الأستاذ الدكتور محمد سعد الدين حافظ مصحح إجابة السؤال الخامس والسؤال السادس بالكراسة الثانية لمادة الجراحة والذي أشار عميد الكلية إلى أنه معار للخارج وقد قرر جميع الأساتذة أنهم هم الذين قاموا بتصحيح إجابات المدعي ووضعوا الدرجات المستحقة له الواردة بكراسات الإجابة التحريرية ووقعوا على غلاف كل كراسة بالدرجات المعطاة للطالب والتي رأوا استحقاقه لها.
ومن حيث إنه على مقتضى الأصول العامة السالف بيانها والتي يجب أن تجرى عليها رقابة القضاء الإداري على قرارات إعلان نتيجة امتحانات الطلاب فإن المطاعن التي يوجهها المدعي إلى الدرجات الحاصل عليها في إجاباته التحريرية في مادتي الباطنة والجراحة لا تقوم على سند صحيح من القانون أو الواقع ولا ترقى إلى مرتبة العيوب المؤدية إلى عدم مشروعية القرار المطعون فيه وذلك بحسب الظاهر من الأوراق وبالقدر اللازم للفصل في الشق المستعجل من الدعوى، ودون مساس بأصل الإلغاء وذلك لأنه قد استبان من التحقيق الذي أجرته دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا والذي استوضحت فيه جميع الأساتذة المصححين لإجابات الطالب المذكور عدا أحدهم الموجود في إعارة بخارج البلاد أن هؤلاء الأساتذة هم الذين قاموا بتصحيح ووضع الدرجات المثبتة بأوراق وكراسات الإجابة التحريرية المشار إليها ووقعوا بإمضاءاتهم على غلاف الكراسة قرين الدرجات المعطاة للطالب، ومن ثم يكون بذلك ما آثاره المدعي من حصول عبث بدرجاته بهذه الكراسات هو ادعاء غير صحيح، ويؤكد ذلك ما ذكره هؤلاء الأساتذة من أن تلك هي الدرجات ذاتها الدرجات التي قرروها لإجابات الطالب المذكور دون عبث فيها كما أنه قد اطلعت هذه المحكمة على هذه الكراسات بعد ضمها لملف الطن فلم تجد في ظاهرها ما يؤدي إلى التدليل على ثبوت حصول هذا العبث أو حدوث أي انحراف أو إساءة لاستعمال السلطة في هذا الصدد ومن ثم يكون ما آثاره المدعي من أن تصحيح إجاباته التحريرية مشوب بالانحراف غير مستند أيضاً لأساس صحيح تظاهره الأوراق ومن حيث إنه بالإضافة إلى ما سبق فإن بعض الدرجات الممنوحة في داخل الكراسة بالقلم الرصاص وهي بالتحديد في الكراسة الأولى لمادة الباطنة قد تبين للمحكمة أن المصححين قد أثبتوها ذاتها بالقلم الحبر الجاف بغلاف الكراسة بالمرآة كما مهرت هذه الدرجات بتوقيع الأساتذة عليها وهو الأمر الذي تطمئن إليه المحكمة بحسب ظاهر هذه المستندات على أن الدرجات الواردة بالغلاف هي المقررة فعلاً بواسطة الأساتذة المصححين الأمر الذي يجعل وضع هذه الدرجات بمنأى عن أي مطعن عليها وهذا هو الحال أيضاً بالنسبة للسؤال الثالث في الكراسة الأولى لمادة الجراحة الذي أعطيت عنه الدرجة بغلاف الكراسة بالمرآة دون إثباتها داخل الكراسة فذلك لا يؤدي بذاته وحده إلى بطلان تصحيح هذه الورقة أو بطلان الدرجة المعطاة للطالب فيها ما دام أن الثابت أن الأستاذ المصحح هو الذي قدر هذه الدرجة للطالب فعلاً وهو الذي رصدها له عن إجابته المذكورة، وهو ما أقر به الأستاذ عند سؤاله أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا. كما أنه لا حجة في القول بأن ذلك قد يكون مخالفاً للتعليمات الإدارية المنظمة لتصحيح أوراق الإجابة ذلك أنه مردود على هذا القول بأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على التمييز بين الشكليات الجوهرية والشكليات الثانوية في القرارات الإدارية فقواعد الشكل في إصدار القرار الإداري ليست كأصل عام هدفاً في ذاتها أو طقوسها لا مندوحة من اتباعها مما يرتب البطلان الحتمي للقرار والتصرف الإداري وإنما هي إجراءات تستهدف تنظيم العمل وتحقيق الضمانات التي تكفل المصلحة العامة ومصلحة الأفراد على السواء ويتعين حتماً عند أية مخالفة لتلك الإجراءات أن يتم التمييز بين الشكليات الجوهرية التي تنال من تلك المصلحة وغيرها من الشكليات الثانوية فلا يبطل القرار لعيب شكلي إلا إذا نص القانون على البطلان عند إغفال الإجراء أو كان الإجراء جوهرياً في ذاته يترتب على إغفاله تفويت المصلحة التي عني القانون بضمانها وبتأمينها للدولة أو للأفراد على سواء وإذا ما حدث خلل أو مخالفة للإجراءات الشكلية فإنه لا يرتب عيب البطلان إذا ما تحققت رغم مخالفة الغاية والحكمة التي قصد المشرع تحقيقها من الإجراء الشكلي الذي نص عليه وبهذه المثابة فإن المثالب الشكلية التي استند إليها المدعي ليعيب تصحيح إجاباته هي في واقع الأمر من قبيل الشكليات الثانوية التي لا يؤدي إغفالها إلى بطلان عملية التصحيح ذاتها ما دامت أنها لا تؤثر في حقيقة كون أن إجاباته جميعها قد تم تصحيحها وأعطيت عنها الدرجات التي قدر المصححون استحقاقه لها، وتم رصد هذه الدرجات وجمعها على وجه صحيح، وخلت عملية التصحيح بحسب ظاهر الأوراق من أي أمر يدعو للاعتقاد بأنه قد شابها إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها وهو الأمر الذي لا مناص معه من الانتهاء إلى سلامة وصحة عملية التصحيح المشار إليها، وصحة النتيجة التي أعلنتها الجامعة عن امتحان الطالب المذكور ولا يجدي المدعي بعد ذلك مجادلته في صحة تقدير الدرجات التي يستحقها أو بأنه كان يستحق أكثر من الدرجات التي أعطاها له الأساتذة المصححون إذ يدخل تحديد هذه الدرجات في نطاق السلطة التقديرية العلمية والفنية الواسعة المخولة لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات بواسطة القوانين المنظمة للجامعات واللوائح التنفيذية التي درجت على النص على أنه يشترط لنجاح الطالب أن ترضى لجنة الامتحان عن فهمه وتحصيله وهو ما نصت عليه المادة 173 من القانون رقم 49/ 1972 بشأن تنظيم الجامعات، ومن ثم فلا يجوز الحلول محل الجامعة وهي الجهة الإدارية المنوط بها تقدير الدرجة المستحقة للطالب في هذا الشأن وفق ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة حسبما سلف البيان.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه وكان قد قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه استناداً إلى نكول الجهة الإدارية عن تقديم دفاعها ومستنداتها وأوراق إجابة الطالب المشار إليها رغم تكليفها بذلك فإنه وقد قدمت الجهة الإدارية للمحكمة كافة المستندات اللازمة للفصل فيه وأبدت دفاعها فيها، فقد انتفت القرينة التي قام عليها.
ومن حيث إن الطعن في هذا الحكم ينقل النزاع برمته إلى هذه المحكمة لتقضي فيه وفق أحكام الدستور والقانون نزولاً على مبدأ سيادة أحكام القانون في رابطة هي من روابط القانون العام: حكم محكمة القضاء الإداري الطعون فيه وأصبح لا مناص من تنحيته وإنزال حكم القانون على الواقعة على وجه صحيح يتفق مع ما هو مستخلص من الأوراق والمستندات المودعة ملف الطعن ومع ما هو مستقر من الأصول العامة والمبادئ القانونية الصحيحة في هذا الشأن ولما كان القرار المطعون فيه والمتمثل في إعلان نتيجة المدعي وحصوله على تقدير عام جيد جداً مع مرتبة الشرف في بكالوريوس الطب والجراحة قد جاء بحسب ظاهر الأوراق مبرءاً من أي عيب من عيوب عدم المشروعية وقد استخلص من أصول ثابتة في الأوراق مؤدية إليه من حيث الواقع والقانون، وكانت المطاعن التي وجهها المدعي إلى هذا القرار توصلاً للحصول على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف غير مستندة لأساس صحيح فإنه لا مناص من القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض وقف تنفيذ هذا القرار لعدم استناد هذا الطلب على أساس قانوني جدي وصحيح مع إلزام المدعي "المطعون ضده" بالمصروفات عملاً بالمادة 184 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المطعون ضده بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق