جلسة 11 من يونيه سنة 1980
برئاسة السيد المستشار/ أحمد سيف الدين سابق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمود الباجوري، إبراهيم محمد هاشم، ومحمد طه سنجر، إبراهيم محمد فراج.
------------------
(325)
الطعن رقم 72 لسنة 45 القضائية
(1) اختصاص "الاختصاص القيمي". دفوع. نقض.
الدفع بعدم الاختصاص القيمي. عدم جواز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. علة ذلك.
(2) إيجار. "إيجار الأماكن". "احتجاز أكثر من مسكن". استئناف. "نطاقه".
دعوى إخلاء العين لانتهاء عقد الإيجار بوفاة المستأجر. تمسك المؤجر في مذكرته باحتجاز المدعى عليه لمسكن آخر. صدور الحكم لصالحه بالإخلاء. استئناف المحكوم عليه. أثره. اعتبار هذا السبب مطروحاً على المحكمة الاستئنافية.
(3) إيجار. قانون.
وفاة المستأجر في ظل أحكام القانون رقم 121 لسنة 1947. القضاء بإخلاء الوارث لاحتجازه أكثر من مسكن في ذات المدنية. لا خطأ. علة ذلك.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وباقي أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى رقم 3954 لسنة 1971 مدني كلي شمال القاهرة بطلب الحكم بانتهاء عقد الإيجار الصادر من مورثهم إلى مورث الطاعنة والمؤرخ 14/ 7/ 1935 - وإلزامها بتسليمهم العين المؤجرة ومنع تعرضها لهم فيها، وبعد إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون ضدهم عدم إقامة الطاعنة في هذه العين حتى وفاة مورثها وسماع شهود الطرفين حكمت المحكمة في 1/ 4/ 1972 بانتهاء عقد الإيجار موضوع الدعوى وتسليم العين المؤجرة للمطعون ضدهم استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 1507 لسنة 89 ق القاهرة، وبتاريخ 12/ 12/ 1974 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب تنعى الطاعنة بالسبب الثاني منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك تقول إن المحكمة فصلت في الدعوى باعتبارها داخلة في اختصاصها في حين أن الاختصاص في شأنها ينعقد للمحكمة الجزئية لأن المنازعة فيها لم تنشأ عن تطبيق القانون رقم 121 لسنة 1974 وأن قيمتها تقل عن مائتين وخمسين جنيهاً.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه وإن كان الاختصاص القيمي يتعلق بالنظام العام إلا أنه لا يجوز - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض لما يخالطه من واقع كان يجب طرحه على محكمة الموضوع هو التحقق من مقدار المقابل النقدي عن المدة التي قام النزاع على امتداد العقد إليها. لما كان ذلك، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه، وباقي أوراق الطعن قد خلت مما يفيد إبداء الطاعنة أمام محكمة الموضوع دفعا بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، فإن النعي عليه بأنه يقض بعدم اختصاص المحكمة يكون غير مقبول.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك تقول إن الحكم استند إلى واقعة جديدة أنها تحتجز مسكنين في بلد واحد - رغم عدم سبق إثارتها في درجتي التقاضي، وأن المطعون ضدهم وإن ضمنوها مذكرتهم المقدمة لمحكمة الاستئناف، إلا أنها لم تقدم إلا في فترة حجز الاستئناف للحكم رداً على مذكرة دفاعها المودعة خلالها.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان الاستئناف وفقاً لنص المادتين 232، 233 من قانون المرافعات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ينقل الدعوى إلى المحكمة الاستئنافية بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف. فتلتزم بالفصل في كافة الدفوع وأوجه الدفاع التي تمسك بها المستأنف عليه أمام محكمة أول درجة سواء ما أغفلت الفصل فيه أو ما فصلت لغير مصلحته دون حاجة لاستئناف فرعي منه شريطة أن يكون الحكم المستأنف قد قضى لصالحه بالطلبات محل الاستئناف، وكان البين من الأوراق أن المطعون ضدهم تمسكوا في مذكرتهم المقدمة قبل قفل باب المرافعة أمام محكمة أول درجة، بأن الطاعنة تحتجز مسكناً آخر خلاف شقة النزاع في ذات المدينة، بالمخالفة لقوانين إيجار الأماكن كما تمسكوا بذلك في مذكرتهم المقدمة إلى المحكمة الاستئنافية خلال فترة حجز الاستئناف للحكم، وكان الحكم المستأنف قد صدر لصالحهم، فإن هذا الدفاع يعتبر مطروحاً أمام المحكمة الاستئنافية رغم إغفال محكمة أول درجة الفصل فيه ما دام لم يتنازل المطعون ضدهم عنه، ويكون النعي على الحكم المطعون عليه تصديه للفصل فيه على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة أن الحكم خضع العلاقة الإيجارية موضوع الدعوى لأحكام القانون رقم 121 لسنة 1947، في حين أن قواعده استثنائية لا يجوز القياس عليها أو التوسع في تفسيرها، وقد خلت من تنظيم الآثار المترتبة على وفاة المستأجر أو اشتراط إقامة ورثته في العين المؤجرة وقت وفاته، لاستمرار العلاقة الإيجارية بالنسبة لهم مما يتعين معه إعمال أحكام القانون العام في هذا الخصوص، وهي تعطي الورثة الحق في البقاء في العين المؤجرة بعد وفاة مورثهم إذ تنتقل إليهم الحقوق والالتزامات المتولدة عن عقد الإيجار.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه وإن كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قوانين إيجار الأماكن تشريعات استثنائية فلا تسري إلا في النطاق المحدد لها بمقتضي النصوص الواردة فيها، وأنها متى خلت من قواعد تنظيم بعض الآثار المترتبة على عقد الإيجار فإن القواعد المقررة بشأنها في القانون المدني تكون هي الواجبة التطبيق باعتبارها القواعد العامة في المواد المدنية والتجارية، إلا أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على سند من عدم استمرار العلاقة الإيجارية مع الطاعنة بعد وفاة مورثها - المستأجر الأصلي - نظراً لوجود مسكن آخر لها في ذات المدينة، وعدم جواز احتجازها أكثر من مسكن في ذات المدنية طبقاً لنص المادة 10 من قانون إيجار الأماكن رقم 121 لسنة 1947 وهو نص خاص يقيد ما ورد بالتقنين المدني من قاعدة عامة تقضي باستمرار العلاقة الإيجارية مع ورثة المستأجر بعد وفاته، فإن النعي عليه لإعماله هذا النص يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة أنه على فرض احتجازها أكثر من مسكن في المدينة الواحدة، فإنه ليس للمطعون ضده مصلحة في طلب إخلائها من أحدهما لعدم دخوله ضمن أسباب الإخلاء الواردة على سبيل الحصر في المادتين 2، 3 من القانون رقم 121 لسنة 1947، ولأن الهدف من هذا الحظر هو تهيئة السبيل أمام الطلاب السكنى ليصلوا إلى بغيتهم فيجوز لهم وحدهم طلب الإخلاء في هذه الحالة. هذا فضلاً عن أن المادة 10 من هذا القانون وإن حظرت الجمع بين مسكنين في مدينة واحدة إلا أنها لم ترتب جزاء مدنياً على مخالفة ذلك اكتفاء الجزاء الجنائي الذي أصبح بعد تعديل المادة 16 منه بالقانون رقم 55 لسنة 1958 قاصراً على الملاك دون المستأجر، إذ قضى الحكم المطعون فيه رغم ذلك بإخلاء العين المؤجرة تأسيساً على مخالفة نص المادة 10 سالفة الإشارة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه ولئن كانت نصوص القانون رقم 121 لسنة 1947 الذي يحكم واقعة الدعوى التي تمت في ظله بوفاة المورث - المستأجر الأصلي - قد خلت من قواعد تنظيم الآثار المترتبة على وفاة المستأجر مما يتعين معه الرجوع في شأنها للقواعد العامة المقررة في القانون المدني والتي تقضي وفقاً للمادة 601 بعدم انتهاء الإيجار بموت المؤجر أو المستأجر واستمرار العلاقة الإيجارية قائمة مع ورثته ما لم يطلبوا إنهاء العقد، إلا أنه لما كانت المادة 10 من القانون رقم 121 لسنة 1947 قد حظرت على الشخص الواحد أن يحتجز في البلد الواحد أكثر من مسكن واحد، فإن هذا النعي بقدر ما يكون سبباً لجواز طلب إخلاء المساكن المحتجزة بالمخالفة له، فإنه ولا شك يعد قيداً على الأحوال التي يكون استمرار العلاقة الإيجارية فيها أو امتدادها مستمداً من نصوص القانون لأنه من غير المقبول أن يقرر المشرع استمرار هذه العلاقة مع وارث المستأجر بعد وفاته مع حظره عليه البقاء في العين المؤجرة لاحتجازه عيناً أخرى ولذا فقد عمد إلى أن ينص صراحة في قانوني إيجار الأماكن اللاحقين رقمي 52 لسنة 1969 و49 لسنة 1977 على أن امتداد العلاقة الإيجارية مع ورثة المستأجر وقرابته المقيمين معه وقت الوفاة لا يخل بما هو مقرر من عدم جواز احتجاز الشخص الواحد أكثر من مسكن في البلد الواحد دون مقتضى لما كان ما تقدم فإنه تقوم للمطعون ضدهم مصلحة في التمسك بهذا القيد توصلاً إلى نفي موجب استمرار العلاقة الإيجارية مع الطاعنة بعد وفاة زوجها المستأجر لعين النزاع، ويكون النعي على الحكم المطعون عليه في هذا الخصوص على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف بأنها قطعت الصلة بملكها الكائن بعزبة النخل، وأقامت مع زوجها قبل وأقامت مع زوجها قبل وفاته في عين النزاع لملاءمتها مع كبرهما في السن واتساعها، وللخلاف الذي دب بينها وبين أبنائها وتركها ملكها لهم بالإيجار ليقيمون فيه مع أسرهم، كما قدمت العديد من المستندات المثبتة لإقامتها في عين النزاع مع زوجها وقت وفاته ورغم جوهريه هذا الدفاع الذي يتوافر به المقتضى لحجزها أكثر من مسكن مع افتراض حصوله المثبت لإقامتها في هذه العين فقد أغفل الحكم المطعون فيه الرد عليه ويمحص الأدلة المؤيدة له.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان الدفع الذي تلتزم المحكمة بالرد عليه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو الذي يرد على وجه صريح جازم، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن دفاع الطاعنة أمام محكمة الموضوع لم يقم على أساس قيام المقتضى لاحتجازها أكثر من مسكن في المدينة الواحدة، وإنما انصب على مجرد نفي هذه الواقعة بادعاء إقامتها مع زوجها بعين النزاع قبل وفاته وتركها الإقامة بملكها الكائن بعزبة النخل من وقت إتمام هذا الزوج، فإن ما ساقته الطاعنة من أسباب مبررة لانتقالها من ملكها للإقامة مع زوجها لا يشكل دفعاً بقيام المقتضى المبرر لشغلها المسكنين معاً، فلا يعيب الحكم المطعون فيه إذا لم يعتد بها أو يرد عليها، ويكون النعي عليه بالقصور في خصوص ما تقدم على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب السادس على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة أن الحكم استند في نفي إقامتها بعين النزاع بل وبعد وفاة الزوج إلى ثبوت إعلانها بصحيفة الدعوى في مسكن آخر، في حين أن هذا الإعلان لم يتم فيه، ثم أنه خاص بفترة تالية للوفاة فلا يجوز الاستدلال به على فترة سابقة عليه، وأيضاً فإنه يتنافى مع ما قرره المطعون ضدهم في مذكرتهم المقدمة إلى محكمة أول درجة من أنها مقيمة في شقة النزاع. هذا فضلاً عن اعتماده في ذلك إلى قيام المستأجر بنقل التليفون من عين النزاع إلى هذا المسكن، لا يقطع في إقامتها قبل الوفاة لأن نقله كان بمناسبة فتح المتوفى عيادة بيطرية في ناحية عزبة النحل، وأيضاً فإنه استند إلى أقوال الشهود رغم تناقضها.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أنه انصب على الأسباب التي قامت عليها محكمة أول درجة قضاءها، في حين أن الحكم المطعون فيه وإن أيد هذا القضاء إلا أنه اتخذ لنفسه أسباباً مستقلة لم ينكر فيها على الطاعنة إقامتها في عين النزاع وقت وفاة المستأجر.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق