جلسة 14 من مارس سنة 1963
برياسة السيد المستشار/ الحسيني العوضي، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، وأميل جبران، ولطفي علي، وحافظ محمد بدوي.
----------------
(48)
الطعن رقم 368 لسنة 28 القضائية
(أ) دعوى "إجراءات نظر الدعوى". "سقوط الخصومة". "النزول عنه". نظام عام. استئناف.
سقوط الخصومة هو مما يتصل بمصلحة الخصم فله التنازل عنه صراحة أو ضمناً. صدور ما يدل على أن الخصم الذي شرع السقوط لمصلحته قد نزل عن التمسك به. لا يصح له أن يعود إلى ما أسقط حقه فيه. إبداء المستأنف عليه طلبات في موضوع الاستئناف مما يفيد أنه اعتبر الخصومة قائمة ومنتجة لآثارها. ليس له بعد ذلك أن يتمسك بسقوط الخصومة.
(ب) نقل. "نقل الأشياء". "مسئولية الناقل". "الالتزام بتسليم البضاعة" "سند النقل لحامله". إثبات.
اشتمال بوليصة الشحن على حق مصلحة السكة الحديد - الناقل - في تسليم البضاعة لأي شخص يكون حاملاً للبوليصة. اعتبارها في حكم سند نقل لحامله. لا يلتزم الناقل في هذه الحالة بتسليم البضاعة للمرسل إليه المعين بالاسم في البوليصة وتبرأ ذمته بتسليمها لحامل البوليصة. مجرد تدوين اسم المرسل إليه بالبوليصة ليس دليلاً بذاته على أنه قد تسلم البضاعة.
(ج) إثبات. "عبء الإثبات". محكمة الموضوع.
عبء إثبات الالتزام يقع على الدائن. متى اعتبرت محكمة الموضوع - في حدود سلطتها التقديرية وبأسباب سائغة - أن الأوراق المقدمة من الدائن لا تفيد في الإثبات جواز الإحالة إلى التحقيق وإلغاء عبء الإثبات على الدائن.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائعه - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 792 سنة 1954 تجاري كلي الإسكندرية ضد المطعون عليه طالباً الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 1229 جنيهاً... من ذلك مبلغ 529 جنيهاً ثمن ستين خنزيراً كان قد شحنها الطاعن إلى المطعون عليه من محطة الرحمانية إلى محطة القباري بالإسكندرية بموجب بوليصتي شحن قدمهما ومبلغ 700 جنيه ثمن لحوم كان قد اشتراها منه المطعون عليه ولم يدفع ثمنها وبعد أن أحالت المحكمة الابتدائية الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي (الطاعن) دعواه وسمعت شهود الطرفين حكمت في 2 من أكتوبر سنة 1956 للمدعى بطلباته فاستأنف المطعون عليه هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية بصحيفة أودعها قلم كتابها في 15 من أكتوبر سنة 1956 وأعلنها إلى الطاعن في 20 من الشهر المذكور وقيد هذا الاستئناف برقم 392 سنة 12 ق تجاري ولدى نظره دفع المستأنف عليه (الطاعن) في جلسة 19 من فبراير سنة 1958 بسقوط الخصومة في هذا الاستئناف لعدم السير فيه بفعل المستأنف مدة تزيد على السنة قائلاً إن الاستئناف رفع في 15 من أكتوبر سنة 1956 وأن أول إجراء من إجراءات الخصومة اتخذ فيه بعد ذلك كان في 18 ديسمبر سنة 1957 وهو تاريخ الجلسة التي حددت لنظره أمام المحكمة وبتاريخ 5 من يونيه سنة 1958 حكمت محكمة الاستئناف برفض الدفع بسقوط الخصومة وبقبول الاستئناف شكلاً وحددت جلسة لنظر الموضوع ثم حكمت في 13 نوفمبر سنة 1958، بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن - وبتقرير تاريخه 30 ديسمبر سنة 1958 طعن الطاعن بطريق النقض في هذا الحكم الأخير وفي الحكم الصادر في 5 يونيه سنة 1958 برفض الدفع بسقوط الخصومة وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 18 أكتوبر سنة 1961 وفيها صممت النيابة على رأيها الذي أبدته في المذكرة التي قدمتها والتي طلبت فيها نقض الحكم في خصوص ما قضى به من رفض الدفع بسقوط الخصومة وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبعد استيفاء الإجراءات اللاحقة للإحالة حدد لنظره جلسة 14 فبراير سنة 1963 وفيها تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب ينعى الطاعن في أولها على حكم 5 يونيه سنة 1958 أنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه فيما قضى به من رفض الدفع بسقوط الخصومة في الاستئناف وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن المطعون عليه أعلن صحيفة استئنافه في 20 أكتوبر سنة 1956 ولم يتخذ بعد ذلك أي إجراء في شأن هذا الاستئناف إلى أن حددت للمرافعة فيه جلسة 18 ديسمبر سنة 1957، بعد أن كانت قد انقضت مدة تزيد على السنة من تاريخ آخر إجراء صحيح وهو إعلان صحيفة الاستئناف ولقد كان على المطعون عليه المستأنف إذا أراد تفادي سقوط الخصومة بمضي هذه المدة أن يقوم بإعلان الطاعن الذي كان مستأنفاً عليه قبل انقضاء السنة معذراً إياه بأن يقدم مذكرة بدفاعه وإلا اعتبر الحكم الذي يصدر في الاستئناف حضورياً في حقه وإذا لم يفعل فإنه يكون قد تسبب بإهماله في تعطيل السير في الاستئناف مدة تزيد على السنة بما يحقق شروط المادة 301 من قانون المرافعات ويضيف الطاعن أن محكمة الاستئناف قد أخطأت فيما استندت إليه في قضائها برفض الدفع بسقوط الخصومة من أن الإجراءات التي اتخذت في الاستئناف رقم 398 سنة 12 ق الخاص بطلب وقف النفاذ المعجل الذي شمل به الحكم المستأنف تعتبر قاطعة لمدة سقوط الخصومة في الاستئناف رقم 392 سنة 12 ق الخاص بموضوع الحكم المستأنف ذلك أن كلاً من الاستئنافين المذكورين يعتبر مستقلاً عن الآخر ومختلفاً عنه في إجراءاته وموضوعه ومن ثم فإن الإجراءات التي تتخذ في أحدهما لا تقطع مدة سقوط الخصومة في الآخر.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أنه يبين من حكم 5 يونيه سنة 1958 المطعون فيه أنه أقام قضاءه برفض الدفع بسقوط الخصومة في الاستئناف على دعامتين الأولى أن إجراءات المرافعة التي اتخذت في طلب وقف النفاذ المعجل المشمول به الحكم المستأنف والذي قيد برقم 397 سنة 12 ق استئناف الإسكندرية تعتبر قاطعة لمدة سقوط الخصومة في الاستئناف الخاص بالموضوع. الثانية أن الطرفين حضرا في جلسة 18 ديسمبر سنة 1957 التي حددت لنظر الاستئناف بعد تحضيره في قلم الكتاب وأبديا فيها طلبات في موضوع الاستئناف ولم يدفع المستأنف عليه (الطاعن) بسقوط الخصومة في هذه الجلسة وإنما أبدي هذا الدفع لأول مرة بجلسة 19 فبراير سنة 1958 - ولما كان سقوط الخصومة لمضي أكثر من سنة على آخر إجراء صحيح هو مما يتصل بمصلحة الخصم فله التنازل عنه صراحة أو ضمناً. فإذا بدأ من الخصم الذي شرع السقوط لمصلحته ما يدل على أنه قد نزل عن التمسك به فلاً يجوز له بعد ذلك أن يعود فيما أسقط حقه فيه - ولما كان الثابت من تدوينات الحكم المطعون فيه أن الطاعن الذي كان مستأنفاً عليه أمام محكمة الاستئناف لم يتمسك بسقوط الخصومة في جلسة 18 من ديسمبر سنة 1957 التي حددت لنظر الاستئناف بعد تحضيره في قلم الكتاب بل إنه أبدى طلبات في موضوع الاستئناف مما مفاده أنه اعتبر الخصومة قائمة ومنتجة لآثارها فإنه لا يحل بعد ذلك أن يعود ويتمسك بسقوط الخصومة ومن ثم تكون الدعامة الثانية التي أقام عليها الحكم قضاءه برفض الدفع بسقوط الخصومة صحيحة في القانون وكافية بذاتها لحمل الحكم في هذا الخصوص ومن ثم فلا محل لبحث ما أثاره الطاعن في سبب الطعن خاصاً بالدعامة الأخرى التي بني عليها الحكم قضاءه هذا.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن حكم 13 نوفمبر سنة 1958 الذي قضى في موضوع الاستئناف قد خالف القانون بمخالفته قواعد الإثبات وخطئه في تطبيقها ذلك أنه أقام قضاءه على عدم إمكان محاجة المطعون عليه بما ورد في بوليصتي الشحن ما دام أنه لم يشترك في تحريرهما أو يوقع عليهما - هذا في حين أن هاتين البوليصتين وقد حررهما موظف عام في حدود سلطته واختصاصه مثبتاً فيهما ما تم على يديه من أن ستين خنزيراً قد شحنت من الطاعن إلى المطعون عليه فإنهما تعتبران ورقتين رسميتين وحجة على الكافة بما دون فيهما خاصاً بحصول الشحن من الطاعن إلى المطعون عليه وبعدد الماشية المشحونة ومن ثم فلا يجوز إطراحهما بالنسبة لهذين الأمرين ما دام لم يطعن فيهما بالتزوير كما أن الأشياء المشحونة تعتبر ملكاً للمرسل إليه وتلتزم مصلحة السكة الحديد بتسليمها إليه أو إلى من ينوب عنه وإلا كانت مسئولة قبله وعلى من يدعي عدم حصول التسليم على هذا النحو أن يقيم الدليل على صحة ما يدعيه ومن ثم فقد كان محكمة الاستئناف وقد ادعى المطعون عليه أنه لم يتسلم المواشي التي أرسلت إليه وأن الطاعن هو الذي استلمها أن تكفله بإثبات ما يدعيه وإذا لم يفعل وألقت عبء الإثبات على الطاعن فإنها تكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه ذكر عن بوليصتي الشحن المقدمتين من الطاعن "أنه لا يجوز الاحتجاج بهما ضد المطعون عليه لمجرد تدوين اسمه فيهما باعتباره المرسل إليه وذلك لأنه ليس لزاماً أن يقوم المرسل إليه باستلام البضاعة بنفسه بل إن مصلحة السكة الحديد قد أجازت تسليمها لأي شخص يكون حاملاً لبوليصة الشحن معتبرة إياه أنه هو صاحب البضاعة أو نائبه فيكفى إذن تقديم هذه البوليصة لتسليم البضاعة وقد أصدرت المصلحة تعليمات بذلك مدونة في ظاهر البوليصة وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه لا مخالفة فيه لقواعد الإثبات ذلك أنه وإن كان اسم المطعون عليه قد ذكر في كل من البوليصتين باعتباره المرسل إليه إلا أن ما دون فيهما من أن لمصلحة السكة الحديدية الحق في تسليم البضاعة لأي شخص يكون حاملاً للبوليصة من شأنه أن يفقد هذا البيان أهميته ويجعل حكم هذه البوليصة حكم سند النقل الذي لحامله وبالتالي فلاً تلتزم المصلحة الناقلة بتسليم البضاعة للمرسل إليه المعين بالاسم في البوليصة بل إن ذمتها تبرأ بتسليمها لحامل البوليصة ومتى كان الأمر كذلك وكانت البوليصتان لا تحملان توقيع المطعون عليه أو نائبه باستلام الماشية المشحونة بموجبهما فإن مجرد تدوين اسمه فيهما بوصفه "المرسل إليه" لا يدل بذاته على أنه قد تسلم هذه الماشية فعلاً ويكون الحكم المطعون فيه مصيباً فيما انتهى إليه من أن هاتين البوليصتين لا تعتبران حجة على المطعون عليه في خصوص استلامه تلك الماشية - ولما كانت المادة 389 من القانون المدني تقضى بأن على الدائن إثبات الالتزام وكانت محكمة الموضوع قد اعتبرت في حدود سلطتها التقديرية وللأسباب السائغة التي أوردتها أن الأوراق التي قدمها الطاعن لإثبات دعواه لا تفيد في هذا الإثبات فإنها تكون محقة عندما ألقت عليه عبء الإثبات في حكمها الصادر بالإحالة إلى للتحقيق.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور في التسبيب ذلك أنه في سبيل التقليل من قيمة بوليصتي الشحن في الإثبات ذهب إلى حد القول بأن المطعون عليه علل سبب تدوين اسمه في البوليصتين بوصفه المرسل إليه تعليلاً مقبولاً بقوله إن الطاعن أراد تهريب الخنازير المشحونة من دائنيه وتفادي توقيعهم الحجز عليها وذلك بنسبة ملكيتها إلى شخص آخر غيره عند تصديرها إلى الإسكندرية ويقول الطاعن إن الحكم إذ قبل هذا التعليل دون أن يقدم الدليل على صحته ودون أن تعني المحكمة بتحقيق ما زعمه المطعون عليه من أن الطاعن مدين وأنه يخشى توقيع الحجز ضده من دائنيه يكون معيباً بالقصور خصوصاً وأن تدوين اسم المطعون عليه في بوليصتي الشحن على أنه المرسل إليه لا يمنع دائني الطاعن - إن صح أن له دائنين - من توقيع الحجز على الماشية المصدرة طالما أن هاتين البوليصتين تحملان اسم مدينهم الطاعن بوصفه المرسل لهذه الماشية.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن لما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى محاجه المطعون عليه ببوليصتي الشحن لمجرد تدوين اسمه فيهما بوصفه "المرسل إليه" فإنه لم يكن بعد ذلك بحاجة إلى تعليل سبب ورود هذا الاسم في البوليصتين وبالتالي يكون ما أورده الحكم خاصاً باعتباره تعليل المطعون عليه لذلك تعليلاً مقبولاً، تزيداً يستقيم الحكم بدونه فمهما كان في هذا التزيد من خطأ فإنه لا يؤثر في سلامة الحكم.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الرابع على الحكم المطعون فيه فساد الاستدلال فيما قرره من أنه ثبت له من القضية السابقة التي صدر فيها أمر الأداء لصالح المطعون عليه ضد الطاعن بمبلغ خمسمائة جنيه أن المطعون عليه كان قد استوقع الطاعن على سند بهذا المبلغ مما استدل منه الحكم المطعون فيه على أن المعاملة بين الطرفين كانت تثبت بالكتابة وأنه لو كان الطاعن صادقاً في دعواه لحصل من المطعون عليه على سند بدينه الذي يطالبه به في الدعوى الحالية ويقول الطاعن إن استدلال الحكم بما استدل به في هذا المقام قد قام على مالاً وجود له في الأوراق ذلك أنه قد طعن بالتزوير في السند الذي صدر أمر الأداء في الدعوى السابقة على أساسه وأنه وإن كان قد قضى ابتدائياً ضده برفض ادعائه بالتزوير إلا أنه لم يتم الفصل في الاستئناف الذي رفعه هذا الحكم.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن استدلال الحكم المطعون فيه بما استدل به على أن المعاملة بين الطرفين كانت تجري بالكتابة هو استدلال سائغ مستمد من أوراق الدعوى السابقة التي صدر فيها أمر الأداء، لصالح المطعون عليه ضد الطاعن وطالما أنه قد قضى برفض ادعاء الطاعن بتزوير السند الذي صدر أمر الأداء على أساسه بحكم حائز لحجة الأمر المقصى فإنه لا تثريب على الحكم المطعون فيه إذا هو بني استدلاله على اعتبار هذا السند صحيحاً خاصة وأن الطاعن لم يقدم ما يدل على أنه رفع استئنافاً عن الحكم الذي قضى برفض ادعائه بتزوير ذلك السند.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق