جلسة 24 من أبريل سنة 1963
برياسة السيد/ محمد فؤاد جابر نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد زعفراني سالم، وأحمد زكي محمد، وأحمد أحمد الشامي، وقطب عبد الحميد فراج.
-----------------
(81)
الطعن رقم 225 لسنة 28 القضائية
تعويض. "تقديره" محكمة الموضوع. عمل. "التعويض عن الفصل التعسفي".
تقدير التعويض مسألة موضوعية تستقل به محكمة الموضوع متى أقيم على أسباب سائغة. يمتنع الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 194 لسنة 1956 كلي القاهرة ضد شركة المطعون عليها - وقال في بيان دعواه إنه كان موظفاً بوزارة الأوقاف بالدرجة الثانية ومنتدباً للعمل بالإصلاح الزراعي - وتم الاتفاق بينه وبين الشركة فعينته في 9/ 12/ 1953 وكيلاً عاماً لها بالسودان لمدة خمس سنوات بماهية أساسية قدرها 100 ج مائة جنيه في الشهر بخلاف الملحقات والميزات الأخرى التي تجعل مجموع مرتباته 224 ج و500 م فاستقال من الوظيفة التي كان يشغلها بوزارة الأوقاف وتسلم علمه الجديد وظل يقوم به على خير وجه حتى فوجئ في يوم 3/ 8/ 1955 بخطاب من الشركة تخطره فيه بأنها أغلت انتدابه وأنها أخطرت وزارة الأوقاف بذلك - وأضاف الطاعن أنه لما كان هذا الفصل تعسفياً قد اضطر لإقامة الدعوى ضد الشركة بطلب إلزامها بأن تدفع له مبلغ 11012 ج والفوائد والمصروفات والأتعاب من ذلك مبلغ 9225 ج أجره عن المدة الباقية من العقد ومبلغ 224 ج و500 م مرتب شهر بدل إنذار و526 ج و500 م مكافأة عن مدة الخدمة - ودفعت الشركة الدعوى بأن العلاقة التي تربطها بالطاعن هي علاقة إعارة وليست علاقة عمل ومن ثم لا يرد عليها حكم قانون في الفسخ غير المشروع كما نازعت في مقدار مرتبه وأضافت أن فصله كان بسبب إخلاله بواجباته إخلالاً جسيماً. وبتاريخ 29/ 11/ 1956 قضت محكمة أول درجة: أولاً - برفض الطلبين الخاصين بأجر المدعي الطاعن عن المدة الباقية من العقد ومقابل مهلة الإخطار. ثانياً - وقبل الفصل في موضوع طلب المكافأة عن المدة الخدمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي بكافة طرق الإثبات بأن أجره الأخير مبلغ 224 ج و500 م ولتنفي الشركة المدعى عليها ما تشاء من هذه القيمة بالطرق ذاتها. وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للشق الأول على أن العلاقة بين الطرفين هي علاقة عمل بعقد محدد المدة وأن الشركة لم تكن متعسفة عندما عمدت إلى فسخ تعاقدها مع الطاعن قبل نهاية مدته لما بدالها من تصرفاته التي لم تصل إلى درجة الإخلال الجسيم بما يفرضه عليه عقد العمل من الالتزامات الجوهرية وبعد تنفيذ هذا الحكم في شقه الثاني قضت نفس المحكمة بتاريخ 18/ 3/ 1957 بإلزام الشركة المدعى عليها بأن تدفع للمدعي مبلغ 174 ج و580 م وفوائده القانونية بواقع 5% من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 3/ 6/ 1957 حتى السداد والمصروفات المناسبة. واستأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 1254 سنة 73 ق أمام محكمة استئناف القاهرة طالباً قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الطلبين الخاصين بأجر المستأنف عن المدة الباقية من العقد وبمقابل مهلة الإخطار وبإلزام الشركة بأن تؤدي له مبلغ 10787 ج و500 م مع الفوائد القانونية والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وبتاريخ 4/ 5/ 1958 قضت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وإلزام الشركة المستأنف عليها ممثلة في عضو مجلس إدارتها المنتدب بأن تدفع للمستأنف مبلغ 1385 ج و80 م مع فوائده القانونية بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 3/ 6/ 1956 حتى السداد. وطعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض - وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 24/ 12/ 1961 فقررت إحالته إلى هذه الدائرة - وبعد استيفاء الإجراءات التالية لقرار الإحالة عرض الطعن أخيراً على هذه الدائرة بجلسة 10/ 4/ 1963 حيث صمم الحاضر عن الطاعن على طلباته وأصرت النيابة على رأيها وطلبت نقض الحكم المطعون فيه - ولم تحضر المطعون عليها ولم تبد دفاعاً في الطعن.
ومن حيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب يتحصل السببان الأول والثالث منها في أن الحكم المطعون فيه إذ أجاب الطاعن إلى طلب التعويض ووقف به عند حد تقديره جزافاً بمبلغ 1000 جنيه استناداً إلى ما ذهب إليه من أن حق التعويض خاضع لتقدير المحكمة وأنه لا يصعب على مثل الطاعن الحصول على عمل غير ذلك الذي فقده في الشركة بعد أن كسب حرية التعاقد مع شركات أخرى في المجال الزراعي والاقتصادي وأنه قد التحق فعلاً بعمل آخر منذ شهر مايو سنة 1957 - إذ أقام الحكم قضاءه على هذا النظر يكون قد خالف القانون وشابه قصور وتناقض يعيبانه ويستوجبان نقضه. أما مخالفة القانون فلأن المبادئ العامة في المسئولية العقدية لم تتغير بصدور التشريعات الحديثة العامة والخاصة بالعمال. وتطبيق هذه المبادئ على عقد العمل يؤدى إلى تعويض من فسخ عقده قبل الأجل المتفق عليه عن جميع ما أصابه من ضرر وهذا الضرر يشمل الأجر الذي كان يستحق للعامل عن المدة الباقية من العقد وإذا كان قد التحق بعمل آخر استحق الفرق بين الأجرين القديم والجديد عن مدة الخدمة الباقية وأما القصور والتناقض فآيتهما أنه لا علاقة بين الضرر الذي أصاب الطاعن وبين التحاقه بعمل آخر ولا بين كسب حرية التعاقد وبين الضرر الفعلي الذي حاق به - وقد كان على الحكم المطعون فيه بعد أن سلم بأن مرتب الطاعن هو على ما قررته محكمة أول درجة بمبلغ 209 ج و500 م شهرياً بمقتضى عقد محدد المدة بخمس سنوات وأنه التحق منذ شهر مايو سنة 1957 بعمل آخر بمرتب مقداره 100 ج في الشهر أن يقضي للطاعن على الأقل بالفرق بين المرتبين عن المدة الباقية من العقد وهي 41 شهراً لا أن يصل في منطوقه إلى نتيجة مناقضة لما قرره في أسبابه.
وحيث إن هذا النعي مردود في سببيه - ذلك - أن محكمة الاستئناف بعد أن استظهرت من وقائع النزاع ظروف فسخ الشركة المطعون عليها للعقد المبرم بينها وبين الطاعن انتهت إلى تقرير أن فصله كان تعسفياً ثم عرضت لتقرير التعويض عن هذا الفصل فأوردت "أن المستأنف يطالب بأجره عن المدة الباقية حتى تاريخ انتهاء عقده بمثابة تعويض عن فصله دون مبرر قبل انتهاء مدة العقد" وحيث إنه من المسلم أن حق المستأنف في التعويض عن المدة حتى نهاية العقد ليس حقاً مطلقاً بل هو خاضع لتقدير المحكمة تقدر التعويض بما يتناسب مع الضرر وما يتلاءم مع ظروف المستأنف ونشاطه في مجال العمل الذي تخصص فيه وقدرته على الكسب ومن المسلم أيضاً أخذاً بدفاع المستأنف نفسه أنه اختبر للعمل في الشركة المستأنف عليه لكفايته وخبرته الفنية ومن كانت له مثل هذه المؤهلات والمواهب لا يصعب عليه الحصول على عمل يعوضه عن العمل الذي فقده في الشركة - وهو وإن كان قد خسر عمله في الشركة المستأنف عليها حتى نهاية مدة عقده إلا أنه قد كسب حرية التعاقد والعمل من جديد لدى شركات أخرى في مجال النشاط الزراعي والاقتصادي وهو كما تقول الشركة المستأنف عليها وما قدمته من دليل يسند دفاعها قد التحق بالفعل بعمل آخر إذ قد عين بشركة وادي كوم أمبو في شهر مايو سنة 1957 بمرتب 100 جنيه شهرياً وقبل ذلك عمل بحكومة ليبيا لمدة شهرين ولم ينف المستأنف هذه الواقعة (يراجع المستند المؤرخ 6/ 3/ 1958 حافظة المستأنف عليها رقم 6 دوسيه) والمحكمة مع مراعاة هذه الظروف جميعها تقدر تعويضاً قدره 1000 جنيه لفصله عن عمله بطريق التعسف وترى أن هذا التعويض يتناسب مع الضرر الذي لحقه"، ويبين من هذا الذي أورده الحكم أن محكمة الموضوع وهي بسبيل تقدير ما يستحقه الطاعن من تعويض قد استظهرت من أوراق الدعوى ومستنداتها وظروفها وملابساتها نوع العمل الذي كان يباشرة الطاعن لدى الشركة المطعون عليها وأجره الأصلي وملحقاته ومدة خدمته فيها وظروف فسخ العقد المبرم بينهما ثم التحاق الطاعن فعلاً بعمل آخر وتولت بعد ذلك تحديد مقدار التعويض الذي رأت أن الطالب يستحقه على ضوء كل هذه العوامل مجتمعة. ولما كان تقدير التعويض متى قامت أسبابه ولم يكن في القانون نص ملزم بإتباع معايير معينة في خصوصه هو من سلطة قاضي الموضوع دون معقب عليه فيه. وكانت الأسباب التي أوردتها المحكمة في هذا الصدد سائغة وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها في قضائها لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن في شأن تقدير التعويض لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام هذه المحكمة مما يتعين معه رفض هذين السببين.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون فيما يتعلق بقواعد الإثبات - ذلك أن الشركة المطعون عليها دفعت دعوى الطاعن بأنه التحق بعمل آخر ابتداء من شهر مايو سنة 1957 بمرتب قدره 100 جنيه وأنه قبل ذلك عمل بحكومة ليبيا لمدة شهرين وقد أخذ الحكم المطعون فيه بهذا الدفاع مستنتجاً صحته بما قرره من أن الطاعن لم ينف هذه الواقعة - مع أن قواعد الإثبات تقضي بأن تقيم الشركة المطعون عليها الدليل أولاً على صحة ادعائها إذ الطاعن غير مكلف بنفي ما لم تثبته بعد أن قام من جانبه بإثبات الضرر الذي أصابه من أنه التحق بعقد عمل محدد المدة بخمس سنوات وأنه كان يتقاضى مرتباً شهرياً قدره 209 جنيهات و500 مليم وأن ما أصابه من ضرر يقدر بأجر المدة الباقية من العقد.
ومن حيث إن هذا النعي - مردود - بأنه يبين من أسباب الحكم المطعون فيه التي سبق إيرادها عند مناقشة السببين السابقين أنه استند في إثبات التحاق الطاعن بعمل جديد في شركة وادي كوم أمبو إلى مستند قدمته الشركة المطعون عليها - وإذ كان الطاعن لم يقدم ما يثبت أنه نازع أمام محكمة الموضوع في هذا المستند أو أنه قدم لها ما ينفي دلالته فلا على المحكمة إذ كانت قد أعتدت بهذا المستند وقدرت دلالته في هذا الخصوص مما يتعين معه رفض هذا السبب.
ومن حيث إنه لما تقدم يبين أن الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.
(1) راجع نقض 25/ 6/ 1959 الطعن 62 سنة 25 من السنة العاشرة ص 505.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق