جلسة 6 من يونيه سنة 1963
برياسة السيد المستشار/ الحسيني العوضي، وبحضور السادة المستشارين: محمود القاضي، وأميل جبران، ولطفي علي، ومحمد ممتاز نصار.
----------------
(110)
الطعن رقم 215 لسنة 28 القضائية
إجارة. "التزامات المؤجر". حكم. "حجية الأمر المقضي". دعوى. إثبات "قرائن قانونية".
صدور حكم نهائي بين الطرفين في دعوى سابقة بأحقية المستأجر في حبس قدر من الأجرة مقابل عدم استعماله المصعد بالعين المؤجرة. فصله في أسبابه المتصلة بالمنطوق في مسألة كلية حاصلها أن ثمة التزام على عاتق المؤجر بتمكين المستأجر من استعمال المصعد وأن المؤجر قد أخل بهذا الالتزام بما يحق معه للمستأجر الامتناع عن سداد جزء من الأجرة. امتناع العودة إلى مناقشة هذه المسألة ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في تلك الدعوى أو أثيرت ولم يبحثها ذلك الحكم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق في أن الطاعن يشغل بالعمارة رقم 33 بشارع قصر النيل معرضاً لتجارة الأثاث ومسكناً له وذلك بطريق الاستئجار من المطعون عليه الأول بموجب العقدين المؤرخين في 9 يونيه سنة 1953 وأول إبريل سنة 1954 بأجرة شهرية مقدارها في العقد الأول 135 ج خفضت إلى 114 ج و750 م وفي العقد الثاني إلى 12 ج و750 م - وقد قام خلاف بين الطرفين في سنة 1954 انتهى إلى إيقاف استعمال المصاعد إلى الدور الثاني الذي يشغله المعرض سواء في ذلك المصعد الكبير الذي كان ينقل فيه الأثاث أو المصعد الصغير المعد لنقل عملائه - وذلك انقص الطاعن من الأجرة المستحقة عن شهر يوليه سنة 1954 مبلغ ثلاثين جنيهاً - فاستصدر المطعون عليه الأول أمراً بأداء هذا المبلغ من قاضي محكمة عابدين فعارض الطاعن فيه وبني معارضته على أن المبلغ الذي احتجزه هو مقابل حرمانه من الانتفاع - وأصدرت محكمة عابدين حكمها بتاريخ 19 أكتوبر سنة 1954 بندب خبير هندسي لمعاينة وفحص المصاعد الكهربائية الموجودة بالعمارة وبيان مدى صلاحيتها للعمل وأسباب تعطيلها عن الصعود للدور الثاني وتقرير الأضرار - ولما قدم الخبير تقريره قضي في المعارضة بتاريخ 21 يونيه سنة 1955 بإلغاء أمر الأداء ورفض دعوى المؤجر - وأسست المحكمة قضاءها على أحكام القانون في عقد الإيجار وما تجوزه المادتان 161، 246 مدني من الحق للمستأجر في حبس الأجرة تحت يده كلها أو بعضها وفي الدفع بعدم تنفيذ التزامه - ورأت المحكمة أن ما استقطعه الطاعن من الأجرة هو جزاء مناسب لإخلال المؤجر بالتزاماته - واستأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم لدى محكمة القاهرة الابتدائية وقضى في 4 يونيه سنة 1957 بعدم جواز الاستئناف وأشارت محكمة القاهرة في حكمها إلى أن النزاع بين الطرفين خاص بأجرة شهر يوليه سنة 1954 فقط - ولما حلت أجرة الشهور التالية لم يؤدها الطاعن كاملة بل استقطع منها الثلاثين جنيهاً مضيفاً إليها مبلغ 15 ج مقابل الإخلال بالانتفاع عن المدة السابقة التي لم يحصل خصم عنها اعتباراً من تاريخ وقف المصاعد - فأقام المطعون عليه الأول أمام دائرة الإيجارات الدعوى رقم 2678 سنة 1956 كلي القاهرة طلب فيها الحكم على الطاعن بالإخلاء استناداً إلى عدم الوفاء بالمبالغ المستقطعة من الأجرة حتى آخر مايو سنة 1956 والتي بلغ مقدارها 405 ج - وأصدرت دائرة الإيجارات بمحكمة القاهرة حكمها في 27 أكتوبر سنة 1956 بالإخلاء - تأسيساً على أنه إذا صح أن للمستأجر الحق في حبس الأجرة لعدم تمكنه من الانتفاع عملاً بالمادتين 161 و246 مدني فإنه قد قدر مقابل حرمانه من الانتفاع الكامل بمبلغ 30 جنيهاً شهرياً ولا ينصرف حقه في الحبس إلى مبلغ الـ 15 جنيهاً التي استقطعها نظير عدم الانتفاع الكامل في المدة السابقة - وتكون المنازعة في أداء هذا المبلغ غير جدية ولا تبيح للمستأجر إجراء المقاصة عن هذا المبلغ لعدم توفر الشروط القانونية - وقد استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد الاستئناف برقم 1173 سنة 73 ق طالبا إلغاء الحكم المستأنف والحكم أصلياً برفض الدعوى أو بعدم اختصاص المحكمة الابتدائية بنظرها - واحتياطياً بوقف الدعوى لحين تصفية النزاع حول الأجرة التي يحبسها الطاعن تحت يده مقابل الإخلال بالانتفاع. ودفع المطعون عليه الأول بعدم جواز الاستئناف عملاً بأحكام القانون رقم 121 سنة 1947. وأصدرت محكمة الاستئناف حكمها في 22 ديسمبر سنة 1956 برفض هذا الدفع وبوقف نفاذ الحكم الابتدائي القاضي بالإخلاء تأسيساً على أن النزاع يخرج عن نطاق القانون رقم 121 سنة 1947 لأنه يدور حول حق المستأجر في حبس الأجرة أو جزء منها تحت يده نظير حرمانه من الانتفاع بالعين المؤجرة سواء عن المستقبل أو الماضي - وبتاريخ 27 مايو سنة 1958 أصدرت محكمة الاستئناف حكمها بتأييد الحكم الابتدائي - وقد طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير مؤرخ 3 يوليه سنة 1958 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 23 ديسمبر سنة 1961 وفيها صممت النيابة على مذكرتها المتضمنة طلب رفض الطعن. وأصدرت دائرة الفحص قرارها بإحالة الطعن إلى الدائرة المدنية والتجارية وبتاريخ 27 ديسمبر سنة 1961 أعلن المطعون عليه الأول بتقرير الطعن مؤشراً عليه بقرار الإحالة وبسبب وضع أموال الأخير تحت الحراسة أعلن الطعن بتاريخ 28 ديسمبر سنة 1961 إلى الحارس العام على الأموال الموضوعة تحت الحراسة. وبعد استيفاء الإجراءات حدد لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 16 مايو سنة 1963 وفيها صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطاعن تمسك في الجلسة بزوال صفة المطعون عليهما ببيع العمارة التي تقع بها العين المؤجرة إلى شركة الشرق للتأمين طبقاً للقرار الصادر من رئيس المجلس التنفيذي رقم 14 سنة 1963.
وحيث إنه وإن كان قد صدر قرار من رئيس المجلس التنفيذي في 21 مارس سنة 1963 يخول للحارس العام على أموال الخاضعين لأحكام الأمر رقم 138 سنة 1961 والأوامر اللاحقة له سلطة بيع العقارات المبينة المملوكة للخاضعين للحراسة المذكورة إلى شركات التأمين التابعة للمؤسسة المصرية العامة إلا أن الطاعن لم يقدم دليلاً على أن العمارة - التي تقع بها العين المؤجرة قد بيعت تنفيذاً لهذا القرار - لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون عارياً عن الدليل.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه في السببين الأول والثاني الخطأ في القانون - ذلك أنه سبق أن حبس تحت يده ثلاثين جنيهاً من أجرة شهر يوليه سنة 1954 بسبب إخلال المؤجر بحقه في استعمال المصاعد - ولما طالب المؤجر بهذا المبلغ أصدرت محكمة عابدين حكمها في الدعوى إلى رفعها الطاعن بالمعارضة في أمر الأداء - بإلغاء هذا الأمر تأسيساً على أحقية الطاعن في حبس هذا المبلغ - وكان حسمها للنزاع في هذه الجزئية شاملاً للعلاقة بين الطرفين - فلما رفع المؤجر دعواه بالإخلاء، صدر الحكم المطعون فيه قاضياً بالإخلاء تأسيساً على أنه ليس للطاعن حق في حبس الأجرة بسبب عدم انتفاعه بالمصاعد فناقض بذلك حجية الحكم الانتهائي الصادر من محكمة عابدين - وقد استدل الحكم المطعون فيه على وجهة نظره في اعتبار الطاعن مخلاً بالتزامه في دفع الأجرة بالبند الخامس عشر من عقد الإيجار الذي ينص على أن استعمال المصاعد لا يخول المستأجر أي حق من الحقوق. ورتب على ذلك أن حق الطاعن في استعمال المصاعد ليس خالياً من النزاع فلا تتوافر فيه شروط الحبس أو الدفع بعدم التنفيذ - ووجه الخطأ في ذلك أن الحكم في القضية رقم 1707 سنة 1954 عابدين كان حاسماً في تقرير حق المستأجر في الانتفاع بالمصاعد مما يسقط معه الاستدلال بالبند الخامس عشر من عقد الإيجار.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم رقم 1707 سنة 1954 عابدين والذي صار انتهائياً أن ثمة التزاماً يقع على عاتق المؤجر بتمكين المستأجر من استعمال المصاعد. وأن المؤجر قد أخل بهذا الالتزام ومنع المستأجر من استعمال المصاعد - ويكون الطاعن بذلك محقاً في امتناعه عن سداد جزء من الأجرة رأته المحكمة مناسباً - كما يبين من الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الطاعن فيما أنقصه من الأجرة بسبب حرمانه من الانتفاع بالمصاعد مخلاً بالتزامه بسداد الأجرة - ورتب على ذلك قضاءه بالإخلاء تأسيساً على البند الخامس عشر من عقد الإيجار الذي ينص على أنه "من المتفق عليه أن استعمال المنشآت الخاصة بالمصاعد لا يرتب للمستأجر أي حق من الحقوق بل يعتبر ذلك تسامحاً من المؤجر دون أية مسئولية عليه في حالة توقفها ويتنازل المستأجر تنازلاً صريحاً عن أية مطالبة بشأنها" - وقد أعملت محكمة الاستئناف هذا الشرط ورتبت عليه أنه ليس للمستأجر في هذا الخصوص - حق محدد خال من النزاع وواجب الأداء فليس له أن يحبس الأجرة تحت يده. ويعتبر امتناعه عن الوفاء بما خصمه من الأجرة غير مستند إلى حق - مما يعتبر به العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه طبقاً للشرط الصريح الفاسخ الذي تضمنه البند الخامس من عقد الإيجار - وهذا الذي أسس عليه الحكم المطعون فيه قضاءه قد بني على أساس خاطئ - ذلك أنه اعتبر الطاعن لا حق له في استعمال المصاعد وأن المؤجر ليس ملتزماً بتسييرها ولا بتمكين الطاعن من الانتفاع بها وهو ما يناقض حجية الحكم الانتهائي الصادر من محكمة عابدين الذي قطع في أن تمكين المستأجر من استعمال المصاعد ليس منحة من المؤجر وإنما هو التزام يقع على عاتقه - ولئن كان هذا الحكم قد قضى بأحقية المستأجر في حبس ثلاثين جنيهاً من أجرة شهر يوليه سنة 1954 إلا أنه فصل في أسبابه المتصلة بالمنطوق في المسألة الكلية السالف بيانها والتي يمتنع معها العودة إلى مناقشة هذه المسألة ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى أو أثيرت ولم يبحثها الحكم الصادر فيها - وإذ جانب الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بالإخلاء اعتماداً على هذا الأساس الخاطئ الذي ناقض فيه حجية الشيء المحكوم فيه فإنه يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه بغير حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.
(1) راجع نقض 12/ 4/ 1962 الطعن 319 س 26 ق السنة 13 ص 441، ونقض 25/ 1/ 1962 الطعن 392 س 26 ق السنة 13 ص 127.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق