جلسة 15 من يونيه سنة 1991
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمود عبد المنعم موافي، إسماعيل عبد الحميد إبراهيم، د. محمود صفوت عثمان، أحمد شمس الدين خفاجي - نواب رئيس مجلس الدولة.
----------------
(146)
الطعن رقم 1445 لسنة 33 القضائية
اختصاص - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - دعوى تهيئة الدليل (دعوى)
يختص القضاء الإداري بدعوى تهيئة الدليل المرفوعة تبعاً لدعوى موضوعية مما يدخل في اختصاصه - الحكم بعدم قبول دعوى تهيئة الدليل التي تقام استقلالاً عن أي طلب مما يدخل في ولاية محاكم مجلس الدولة - أساس ذلك: أن تنظيم القضاء الإداري لم يتضمن نظاماً للقضاء المستعجل المستقل عن القضاء الموضوعي بعكس الحال في مجال القانون الخاص حيث نظم قانون المرافعات المدنية والتجارية اختصاص قاضي الأمور المستعجلة باتخاذ الإجراءات الوقتية وإثبات حالة ما يخشى زوال معالمه - يصدر قاضي الأمور الوقتية حكمه في الشق العاجل وفقاً لإجراءات معينة دون المساس بموضوع النزاع - أمام محاكم مجلس الدولة لا يحتاج الأمر إلى تهيئة الدليل بدعوى مستعجلة - أساس ذلك: أن الدليل دائماً يتضمنه ملف جهة الإدارة التي تلتزم بتقديم الأوراق المتعلقة بالدعوى فإذا امتنعت عن ذلك قامت قرينة لصالح الخصم - هذه القرينة قابله لإثبات العكس إذا قدمت الإدارة ملف الموضوع في أية مرحلة من مراحل التقاضي - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأحد الموافق 22/ 3/ 1987 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن المطعون ضدهم قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في الحكم الصادر بتاريخ 29/ 1/ 1987 في الدعوى رقم 2590 لسنة 40 ق فيما قضى به من انتهاء الدعوى وإبقاء الفصل في المصروفات، وقد قيد هذا الطعن في الجدول العام للمحكمة تحت رقم 1445 لسنة 33 ق، وطلب الطاعنون في ختام تقرير الطعن واستناداً إلى الأسباب الواردة فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بعدم قبول الدعوى وبعد تحضير الدعوى على النحو الثابت بالأوراق أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت في ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى وإلزام المطعون ضده بالمصروفات، وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة جلسة 4/ 12/ 1989 وقد تدوول الطعن أمامها بالجلسات وفقاً لما هو ثابت بالمحاضر حتى قررت الدائرة بجلسة 7/ 5/ 1990 إحالة الطعن إلى هذه المحكمة وحددت لنظره جلسة 23/ 6/ 1990 وقد نظرت المحكمة الطعن وفقاً لما هو ثابت بالأوراق وتدوول أمامها بالجلسات حتى قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم 15/ 6/ 1991 وقد صدر فيها الحكم التالي وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
من حيث إنه قد جرى قضاء هذه المحكمة على أن الوزير وفقاً لصريح أحكام الدستور هو الرئيس الإداري الأعلى لوزارته وهو المختص دستورياً برسم السياسة العامة لها وتنفيذها وأيضاً هو الذي توجه إليه صحف الدعاوى التي تقام ضد الدولة فيما يتعلق باختصاصها بناء على صريح نصوص قانون المرافعات وإن أعلنت صحف الدعاوى إلى هيئة قضايا الدولة التي تنوب عن وزارات الدولة ومصالحها في ذلك، كذلك فإنه طبقاً لأحكام قانون الحكم المحلي ثم الإدارة المحلية فإن المحافظ هو الرئيس الأعلى لمحافظته وهو الذي يمثلها وحده أمام القضاء أو في مواجهة الغير ومن ثم فإنه يتعين على محاكم مجلس الدولة مراعاة ذلك ولو من تلقاء ذاتها لتعلق تحقيق الصفات وانعقاد الخصومة في المنازعات الإدارية بين ذوي الصفة الصحيحة قانوناً بالنظام العام للتقاضي ولتعلق تمثيل الوزير المختص وحده لوزارته أمام القضاء ودون غيره من معاونيه أو التابعين له في أقسام وإدارات هذه الوزارة بأحكام الدستور والقانون معاً ولتعلق تمثيل المحافظ وحده لمحافظته دون التابعين له في مديرية الأمن أو في غيرها من المديريات التي تتكون منها بحسب هيكلها التنظيمي بأحكام قانون الإدارة المحلية ومن ثم فإنه إذا اختصم وزير الداخلية والمحافظ المختص في الدعوى فلا يوجد ثمة سند أو مبرر لاختصام مأمور مركز بني سويف معهم بصفته ولو كان القرار أو التصرف الإداري قد صدر منه، ومن ثم فإنه لا صفة لغير الوزير أو المحافظ من الخاضعين لرئاسته في الوزارة أو المحافظة التي تخضع لإشرافه.
ومن حيث إنه بمراعاة ما سلف بيانه بشأن إقامة هذا الطعن من وزير الداخلية ومحافظ بني سويف فضلاً عن مأمور مركز شرطة بني سويف فإن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية المتطلبة قانوناً.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة تخلص على ما يبين من الأوراق في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى المدنية رقم 208 لسنة 1984 أمام محكمة مركز بني سويف الجزئية بتاريخ 18/ 4/ 1984 وطلب في ختام هذه الدعوى الحكم بصفة مستعجلة بندب مكتب خبراء وزارة العدل ببني سويف لإثبات حالة المنزل المبين بالصحيفة وما حدث له من هدم وإتلاف للمباني والأبواب والشبابيك وتقدير قيمة الأضرار وتحديد المسئول عن هذه الأضرار مع إلزام المدعى عليهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال المدعي (المطعون ضده) شرحاً لدعواه إنه يملك منزلاً بناحية بياض العرب بمركز بني سويف مساحته 500 متر وحده الشرقي حنا سعد، الحد الغربي والقبلي والبحري أهال وهو عبارة عن بناء من الطوب الأحمر والأسمنت وأسقفه من الخشب والعروق، وهو يتكون من دور واحد ثلاث حجرات ومحاط بسور يرتفع ثلاثة أمتار وأضاف أنه يقيم في هذا المنزل هو وأسرته منذ عام 1975 باعتباره مالكاً له إلا أنه فوجئ برجال الإدارة رئاسة المدعى عليهم (الطاعنين) قائمين بهدم المنزل وطردهم في العراء بلا مأوى الأمر الذي اضطره إلى تقديم بلاغ بالواقعة إلى النيابة العامة قيد تحت رقم 998 لسنة 1984 جنح مركز بني سويف ونظراً لأن أنقاض هذا المنزل ما زالت موجودة على الأرض، فإنه أقام هذه الدعوى لإثبات حالة المنزل وما حدث له من هدم وأضرار للمباني والأسقف والأبواب والشبابيك وتقدير قيمة تعويض هذه الأضرار وتحديد المسئول عنها، وبالجلسة المنعقدة بتاريخ 22/ 10/ 1984 قضت محكمة مركز بني سويف الجزئية بندب مكتب خبراء وزارة العدل ببني سويف ليندب بدوره أحد المختصين خبيراً في الدعوى تكون مهمته معاينة عقار النزاع وتقدير حالته قبل الهدم وبعده وبيان مساحته وارتفاعه والأضرار التي لحقت به من جراء الهدم والمسئول عن هذه الأضرار وبيان واضع اليد على المنزل وقت الهدم......، ولقد باشر الخبير مأموريته وأودع تقريره وانتهى فيه إلى أن عقار الدعوى عبارة عن مبان حديثة ولم يظهر سوى إزالة وهدم السور الخارجي بمسطح (310) متر مربع، وأن الإزالة قد تمت بناء على قرار صدر من الإصلاح الزراعي وقام بتنفيذه مأمور مركز بني سويف في 19/ 4/ 1984 كما أن المدعي (المطعون ضده) هو واضع اليد على عقار الدعوى وقت أن لحقت به التلفيات، وبجلسة المحكمة المعقودة بتاريخ 11/ 11/ 1985 دفع الحاضر عن المدعى عليهم (الطاعنين) بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، ومن باب الاحتياط فقد طلب احتياطياً الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لوزير الداخلية، ومن باب الاحتياط الكلي الحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إنه بجلسة 30/ 12/ 1985 حكمت محكمة بني سويف الجزئية بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، وأقامت المحكمة قضاءها هذا على ما ذهبت إليه محكمة النقض إلى أن القرار الإداري الذي لا تختص جهة القضاء العادي بإلغائه أو تأويله أو تعديله هو ذلك القرار الذي تفصح به الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد إحداث مركز قانوني معين متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه مصلحة عامة، وأياً كانت الصيغة التي يصدر بها القرار....... ومتى كان ذلك فإن القضاء المستعجل لا يختص بحسبانه فرعاً من القضاء المدني بالحكم في أي إجراء وقتي يكون من مؤداه التعرض لمثل هذا القرار الإداري بتأويل أو إلغاء أو وقف تنفيذ ولو كان القرار الإداري مخالفاً للقوانين واللوائح، ومهما أحاط بالدعوى من استعجال وخطر على حقوق الخصوم، إذ أن الاستعجال لا ينشئ له اختصاصاً منعته القوانين كما أن جهة القضاء العادي أصبحت منذ العمل بقانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955 والقوانين التالية له الصادرة في شأن مجلس الدولة غير مختصة بنظر دعاوى التعويض عن القرارات الإدارية المخالفة للقوانين واللوائح، فامتنع بالتالي منذ هذا التاريخ على القضاء المستعجل البت في الدعاوى المستعجلة تهيئة لدعوى تعويض من هذا القبيل، فالوضع الآن هو أن القضاء العادي والمستعجل ممنوع ليس فقط من إلغاء أو تأويل أو وقف تنفيذ القرار الإداري المخالف للقوانين واللوائح، بل كذلك من التعويض عنه، أي أنه ممنوع من ولاية الإلغاء ومن ولاية التعويض معاً، وخلص الحكم إلى أنه بتطبيق ما سلف على واقعة الدعوى فإن الثابت أن قراراً إدارياً صدر لمصلحة عامة بإزالة منزل المدعي وتمت الإزالة على أثر ذلك، فقام المدعي برفع دعواه لإثبات حالة المنزل قبل وبعد الإزالة وتقدير قيمة الأضرار وتحديد المسئول عن حدوثها وإذا كان القضاء العادي ممنوعاً من نظر دعاوى التعويض إذا تعلق بقرار إداري، فمن ثم فإن طلب المدعي في هذه الدعوى بتعيين خبير لإثبات حالة المنزل، وهي دعوى قد رفعت خدمة لدعوى تعويض مستعجلة، فإن هذا الطلب يخرج من اختصاص المحاكم المدنية وبالتالي يخرج عن اختصاص قضاء الأمور المستعجلة بحسبانه فرعاً من القضاء المدني.
وخلصت المحكمة إلى الحكم بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، وقد أحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) حيث قيدت بجدولها العام تحت رقم 2590 لسنة 40 ق التي قضت - بجلستها المنعقدة بتاريخ 29/ 1/ 1987 بانتهاء الدعوى وأبقت الفصل في المصروفات، وقد أقامت المحكمة قضاءها على أنه لما كان الثابت أن الخبير قد أدى المأمورية التي كلفته بها محكمة بني سويف الجزئية وأودع تقريره بإثبات حالة العقار وتحديد الجهة التي قامت بالتنفيذ وبيان الأضرار التي حاقت به مع تحديد واضع اليد عند صدور القرار وإتمام التنفيذ، فإن الدعوى تكون قد أصبحت غير ذي موضوع بعد أن أجيب المدعي (المطعون ضده) إلى طلبه، ويتعين والحالة هذه الحكم بانتهاء الدعوى بعد أن زالت علتها وتحقق المقصود منها.
ومن حيث إن الطاعنين قد أقاموا الطعن الماثل ناعين على الحكم المطعون فيه مجانبته للصواب بقضائه بانتهاء الدعوى، وكان من المتعين عليه أن يحكم بعدم قبول الدعوى لعدم تعلقها بقرار إداري معين، ذلك أن النزاع الماثل لا تختص به محاكم مجلس الدولة نظراً لعدم تعلقه بقرار إداري بعينه، والدعوى لا تخرج في حقيقتها عن أن تكون من دعاوى تهيئة الدليل التي لا تختص محاكم مجلس الدولة بنظرها طبقاً للقانون، لهذا فقد خالف الحكم المطعون فيه القانون وأخطأ في تطبيقه عندما قضى بانتهاء الدعوى، وخلص الطاعنون إلى طلب الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
ومن حيث إنه قد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه إذا كان تحديد طلبات الخصوم والأسباب التي تقوم عليها أمراً يستقل به كل منهم وفقاً لما تمليه عليه مصالحه، إلا أن تكييف هذه الطلبات بقصد استخلاص حقيقتها من العبارات التي يختارونها وتحديد نطاقها بحسب صحيح معناها وغاياتها ومراميها وأثرها في الدعوى بحسب طبيعتها ونوعها أمر من تصريف محاكم مجلس الدولة المختصة بنظر الدعوى إذ إن ذلك من الأمور الأساسية الحاكمة لنظام التقاضي أمامها ومن الأصول العامة المتعلقة بالنظام العام القضائي والتي يتعين التصدي لها بمعرفة المحكمة المختصة من تلقاء ذاتها كلما تبينت الحاجة إلى ذلك وحتى يتسنى للمحكمة تحديد ولايتها واختصاصها والفصل في طلبات الخصوم أمامها سواء من حيث الشكل أو الموضوع على أساس من صحيح حقيقة ما انصرفت إليه وتوجهت إرادة كل منهم.
ومن حيث إنه بناء على ذلك فإن الطاعنين وإن كانوا قد اقتصروا في ختام تقرير الطعن على طلب الحكم بقبوله شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه، إلا أن البادي من سياق تقرير الطعن ومما ورد فيه من عرض لوقائع النزاع وما أثاره الطاعنون من مثالب نعياً على الحكم الطعين ومن أنه قد خالف القانون لقضائه بانتهاء الدعوى دون أن يحكم بعدم قبولها، إن حقيقة طلباتهم لا تكون مقصورة على طلب إلغاء الحكم الطعين وإنما تخلص طلباتهم الحقيقية على نحو ما تستظهره هذه المحكمة في طلب إلغاء الحكم والقضاء مجدداً بعدم قبول الدعوى.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى أمام محكمة مركز بني سويف الجزئية منعقدة بهيئة محكمة للأمور المستعجلة طالباً الحكم بندب مكتب خبراء وزارة العدل ليندب بدوره خبيراً في الدعوى لإثبات حالة عقار النزاع وما لحقه من أضرار عند تنفيذ الإزالة وتقدير قيمة هذه الأضرار وتحديد المسئول عنها..... ولم يضمن دعواه المشار إليها بإثبات حالة العقار أي طلب موضوعي سواء بإلغاء قرار إداري بعينه أو أية طلبات أخرى تندرج في عداد المنازعات الإدارية بمعناها الواسع، كما أنه لم يتقدم أمام محكمة القضاء الإداري بعد إحالة الدعوى إليها بأية طلبات جديدة أو بما يستفاد منه تعديل طلباته الأصلية التي أقام بها الدعوى بداءة بحيث تقوم الدعوى على طلب موضوعي أصلي يمكن الركون إليه لقبول طلبه العاجل بإثبات الحالة باعتبارها مسألة فرعية يهدف من ورائها إلى تهيئة دليل يساند به دعواه الموضوعية ويخشى زواله أو تغيير معالمه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة يجري على أن اختصاص القضاء الإداري يشمل دعوى تهيئة الدليل المرفوعة مرتبطة بدعوى موضوعية مما يدخل في اختصاصه، ولا يمتد هذا الاختصاص إلى دعاوى تهيئة الدليل التي تقام استقلالاً عن أي طلب مما لا يدخل في ولاية محاكم مجلس الدولة وذلك رغم أن دعوى إثبات الحالة أو دعوى تهيئة الدليل قد أجيز إقامتها على استقلال في مجال القانون الخاص لأن إقامة هذه الدعاوى يقوم على تنظيم خاص أتى به قانون المرافعات المدنية بنص خاص وعهد بهذا الاختصاص إلى قاضي الأمور المستعجلة الذي يتحدد اختصاصه باتخاذ إجراءات وقتية أو إثبات حالة ما يخشى زوال معالمه، فيصدر في هذا الشق العاجل أحكامه وفقاً لإجراءات معينة شريطة ألا يمس في أحكامه هذه موضوع النزاع ويتفق ذلك تماماً مع طبيعة المنازعات التي تثار بين الأفراد في نطاق أحكام القانون الخاص وبصفة خاصة القانونان المدني والتجاري..... إلخ وذلك لأنه ليس متيسراً في كل الأحوال في الدعاوى المتعلقة بغير التعاقدات المدنية والتجارية توفير الدليل المعد مقدماً عن الحالة الواقعية التي تنشأ نتيجة لفعل أو تصرف من الخصم، وعلى نحو يكون محل تقدير أمام القضاء وذلك بحسب طبيعة التصرفات والأعمال المدنية والتجارية وعدم حجية ما تتضمنه الأوراق العرفية التي يعدها خصم في مواجهة الطرف الآخر على نحو حاسم للنزاع لعدم تحرير هذه الأوراق أساساً بمعرفة موظفين عموميين ذوي ولاية واختصاص يعملون بموضوعية وعلى استقلال مستهدفين إثبات الحقيقة والصالح العام بحسب أدائهم لواجباتهم في وظائفهم العامة والذي يجعل لما يثبتونه في هذه الأوراق حجية في الإثبات في مواجهة الكافة يحميها القانون سواء فيما يفرضه بشأن هذه الحجية إيجاباً أو سلباً حيث يتعين على من يجحد هذه الأوراق أو ما ورد فيها الطعن عليها بالتزوير، وكذلك تشديد العقاب على أي موظف عمومي يرتكب تغييراً في حقيقة الواقع فيما يحرره في نطاق اختصاصه من أوراق باعتبار ذلك أساساً جناية في تطبيق أحكام قانون المرافعات وهذا كله فضلاً عن التزام الإدارة العامة بحكم طبيعتها العامة وقيامها وفقاً لتنظيمها الرئاسي على إدارة وتسيير المرافق العامة وبواسطة موظفين عموميين يتولون إدارة أموال عامة لتسييرها وهم غير مالكين لها ولا يديرونها لحسابهم ولمصلحتهم وإنما للصالح العام - بأن تثبت كقاعدة عامة كل تصرفاتها بالكتابة وتنظيمها في أوراق وملفات رسمية تتضمن حقائق الوقائع والإجراءات وتقدمها عند أية منازعة بناء على أمر من القضاء الإداري المختص أو من المفوض المختص قانون مجلس الدولة حيث لا يحتاج الأمر في غالب الأحيان إلى تهيئة دليل بدعوى مستعجلة لنظر إحدى المنازعات الإدارية، فالدليل دائماً يتضمن ملف الإدارة العاملة التي تلتزم بأن يثبت في أوراقها كل ما يتعلق بأدائها ونشاطها وتصرفاتها وقراراتها ولا يحتاج الأمر في عديد من الأحيان في هذه المنازعات الإدارية لأكثر من ضم ملف الموضوع وتحديد واقع الحال الذي يدور حوله النزاع من بين ما يتضمنه من أوراق ووثائق، وهذا هو ذاته الذي دعا هذه المحكمة إلى إقرار مبدأ أن امتناع الإدارة عن ضم الأوراق الواردة بالملف الخاص بموضوع النزاع الإداري رغم تكرار طلب القضاء الإداري ذلك يقوم كقرينة على تسليمها بحقيقة الحال فيما يتعلق بموضوع النزاع على النحو الذي يقرره خصومها وإن كانت قرينة تقبل إثبات العكس إذا ما قدمت الإدارة ملف الموضوع في أية مرحلة للتقاضي.
ومن حيث إنه بناء على ذلك جميعه فإنه في نطاق محاكم القضاء الإداري التي لها ولاية واختصاص بإلغاء القرارات الإدارية، ودعاوى القضاء الكامل في المنازعات الإدارية أو دعاوى المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية، فإنه لا يجوز بصريح نصوص قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 قبول الطلب العاجل بوقف تنفيذ القرار الإداري دون أن يكون هذا الطلب مرتبطاً بطلب موضوعي بإلغاء القرار المطلوب وقف تنفيذه وأساس هذه القاعدة أن طلب وقف التنفيذ فرع من الأصل وهو طلب إلغاء القرار فإذا كان الأول يوقف آثاره فإن التالي يفصل في إعدامه منذ وجد بحكم الإلغاء والأول يواجه حالة الاستعجال التي يتعين تداركها بمنع استمرار آثار يترتب عليها نتائج يتعذر تداركها بصفة مؤقتة لا تؤثر في دعوى الإلغاء عند نظر وفحص النزاع حيال الموضوع والبت فيه.
ومع أن قاضي الفرع هو قاضي الأصل فيما يتعلق بولاية واختصاص محاكم مجلس الدولة وفقاً للقواعد العامة فإنه لم يتضمن تنظيم القضاء الإداري نظام القضاء المستعجل المستقل عن القضاء الموضوعي في المنازعات الإدارية التي تختص بها محاكم مجلس الدولة والذي يفصل في الجوانب العاجلة من النزاع على استقلال دون ارتباط بالجانب الموضوعي في المنازعة لعدم الحاجة إلى ذلك كقاعدة عامة تأسيساً على أن هذه المنازعات الإدارية بمعناها الواسع تتعلق بقرارات إدارية أو مطالبات موضوعية تستند إلى القانون مباشرة في أمور تتعلق جميعها بعمل المرافق العامة ونشاط الإدارة وضرورة انتظام سير هذه المرافق بانتظام واطراد، ولها طبيعتها المتميزة كما سلف البيان ولأنه ليس من المتصور بل من غير الجائز أن يتصدى القضاء الإداري للفصل في طلب عاجل سيؤثر بلا شك في عمل وسير المرافق العامة دون أن تتصدى المحكمة ولو من ظاهر الأوراق لموضوع النزاع لتستظهر مدى توافر الجدية في هذا الطلب العاجل، وهي جدية لا تقوم إلا إذا كانت الدعوى مرجحة الكسب، وأساس ذلك على ما سبق قوله: إن قاضي الأصل هو قاضي الفرع، وبذلك يختص القضاء الإداري بنظر دعوى تهيئة الدليل باعتبارها منازعة متفرعة عن النزاع الموضوعي الأصلي الذي يدخل في ولايته القضائية، وبموجب أحكام قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 والذي صدر بعد نفاذ دستور سنة 1971 الذي قضى صراحة في المادة (172) منه بأن تختص محاكم مجلس الدولة بنظر المنازعات الإدارية والتأديبية وأن يختص المجلس بمباشرة غير ذلك من الاختصاصات الأخرى التي يحددها قانونه وهي الاختصاصات المتعلقة بالفتوى والتشريع ومراجعة العقود..... إلخ، ومن ثم فقد صار القضاء الإداري هو قاضي القانون العام في المنازعات الإدارية وهذا الاختصاص أصيل ومانع لغيره وفقاً لصريح نص الدستور وليس استثناءً وتجنيباً من اختصاص القضاء العادي فمحاكم مجلس الدولة هي محاكم القانون العام صاحبة الولاية الدستورية الأصلية في المنازعة الإدارية والتأديبية وفقاً لصريح نص الدستور وتطبيقاً لذلك فقد عمد المشرع في قانون مجلس الدولة نزولاً على أحكام الدستور إلى النص على اختصاصها بنظر سائر المنازعات الإدارية في البند الرابع عشر من المادة العاشرة من القانون المذكور، ومن ثم فإن محاكم مجلس الدولة في ظل هذا القانون تختص بدعوى تهيئة الدليل حين تتوافر في المنازعة المرفوعة أمامها وصف المنازعة الإدارية ولكنها تقبل دعوى إثبات الحالة (تهيئة الدليل) على استقلال إن رفعت غير مرتبطة بدعوى المنازعة الإدارية الموضوعية والتي تبرر اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الفرع المرتبط بالأصل، والتي تمكن هذه المحاكم من تقدير مدى جدية الدعوى الأصلية ومدى لزوم الطلب الفرعي أو الدعوى الفرعية المترتبة عليها ومدى جدواها على أساس سليم من حقيقة الحال وواقع الثابت من الأوراق وبصفة خاصة الملف الإداري المتعلق بموضوع الدعوى الأصلية والذي يضم للدعوى الإدارية من تحت يد الإدارة العامة المختصة.
ومن حيث إنه متى كان ذلك وكان الثابت مما تقدم أن الدعوى الخاصة بتهيئة الدليل في النزاع الماثل قد أقيمت بصفة مستعجلة وعلى استقلال دون أن تكون مرتبطة بدعوى موضوعية محددة تندرج في عداد المنازعات الإدارية التي تختص بها محاكم مجلس الدولة واستمر الأمر كذلك حتى صدر الحكم المطعون فيه فإنها تكون غير مقبولة شكلاً.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد قضى بانتهاء الدعوى الأمر الذي يستفاد منه ضمناً أنها من الدعاوى المقبولة أمام القضاء الإداري ودون أن يبين على نحو سليم الأسباب التي بنت عليها المحكمة هذا القضاء ليتسنى لهذه المحكمة رقابتها وإنزال صحيح حكم القانون عند الطعن على الحكم المذكور.
ومن حيث إنه بناء على ذلك فإنه يكون فضلاً عما شابه من قصور شديد في التسبيب في أمر يتعلق بولاية القضاء الإداري واختصاصه ويرتبط بالنظام العام للتقاضي على ما هو ثابت ومبين فيما سلف بيانه فإن هذا الحكم قد صدر مشوباً بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغائه والحكم مجدداً بعدم قبول دعوى إثبات الحالة التي أقيمت غير مرتبطة بطلب موضوعي يتحقق في شأنه وصف المنازعة الإدارية وعلى ذلك يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى وإلزام المطعون ضده بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً من الطاعنين ذوي الصفة القانونية (وزير الداخلية ومحافظ بني سويف) دون غيرهما، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم ارتباطها بمنازعة إدارية أمام محاكم مجلس الدولة وألزمت المطعون ضده بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق