جلسة 2 من مايو سنة 1963
برياسة السيد المستشار/ الحسيني العوضي، وبحضور السادة المستشارين: محمود القاضي، ومحمود توفيق إسماعيل، وأميل جبران، وحافظ محمد بدوي.
---------------
(91)
الطعن رقم 126 لسنة 28 القضائية
(أ) حكم. "عيوب التدليل". "تناقض". "ما يعد كذلك". إجارة. "التزامات المؤجر".
تقرير الحكم مسئولية الطاعن (المؤجر) عن تعويض الضرر الذي لحق الزراعة بسبب عدم قيامه بإصلاح الآلات الزراعية، وإقراراه في الوقت ذاته بقيام المطعون عليهم (المستأجرين) بإصلاح تلك الآلات. قضاؤه مع ذلك بإلزام الطاعن بتكاليف إصلاحها. تناقض.
(ب) حكم "عيوب التدليل". "قصور". "ما يعد كذلك".
إغفال الحكم الرد على دفاع جوهري يتغير به إن صح وجه الرأي في الدعوى يعيبه بالقصور.
(ج) إجارة. "التزامات المؤجر". "بيع العين المؤجرة". بيع. حكم "عيوب التدليل". "قصور". "ما يعد كذلك".
لا يحظر القانون على المؤجر التصرف في العين المؤجرة بالبيع أثناء سريان عقد الإيجار ولا يحتم انفساخ العقد بحصول البيع في جميع الأحوال. ولا يعتبر به البائع مؤجراً ذلك للغير. الأمر في ذلك مرده إلى اتفاق البائع والمشتري ونفاذ العقد في حق المشتري الجديد وعدم نفاذه طبقاً للمادة 389 مدني قديم. إغفال الحكم الرد على دفاع المؤجر بحصول البيع بعد التأجير وهو دفاع جوهري يتغير به إن صح وجه الرأي في الدعوى، يجعل الحكم مشوباً بالقصور.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق في أن المطعون عليه الأول هو والمرحوم فايز عبد المسيح مورث المطعون عليهما الثانية والثالث - استأجرا من الطاعن بعقد إيجار مؤرخ 25 سبتمبر سنة 1946 325 فداناً لمدة ثلاث سنوات تبدأ من أول نوفمبر سنة 1946 بواقع إيجار الفدان 14 جنيهاً سنوياً. وفي ذات التاريخ حرر الطاعن لهما خطاباً طلب إليهما فيه معاينة الآلات وما لحق بها من تلف بفعل المستأجر السابق وعمل مناقصة عن الإصلاحات للرجوع بها عليه وتعهد لهما بتسليمها عند بدء الإيجار صالحة للاستعمال. وكذلك تسليم المصارف الفرعية مطهرة على أن يقوما بتطهيرها في مدة الإيجار حسب شروط العقد. وقد أقام المستأجران دعوى إثبات الحالة رقم 320 سنة 1947 مستعجل القاهرة ضد الطاعن قضى فيها بتاريخ 7 ديسمبر سنة 1946 بندب خبير ميكانيكي وآخر زراعي لمعاينة آلات الري والحرث الموجودة بالأطيان وتقدير مدى صلاحيتها ومصاريف إصلاحها ومعاينة المصارف وكيفية تطهيرها ومدى ما تأثرت به الزراعة من عدم تطهير المصارف وتلف الآلات. وبتاريخ 17 أبريل سنة 1947 أنذر المستأجران الطاعن إنذاراً رسمياً نبها فيه إلى إصلاح الآلات وإلى استكمال تطهير المصارف وإلا قاما هما بهذا العمل على حسابه. ثم أقام الطاعن دعوى إثبات الحالة رقم 1674 سنة 1947 مستعجل مصر ندب فيها الخبير الزراعي المهندس عبد العزيز والي لمعاينة المصارف الفرعية وبيان ما إذا كانت مطهرة طبقاً للأصول الزراعية ومعاينة المصارف الجامعة. وما إذا كان المستأجران قد طهراها طبقاً لتعهدهما وتأثير ذلك على الزراعة القائمة ثم أقام المطعون عليه الأول هو والمرحوم فايز عبد المسيح مورث باقي المطعون عليهم الدعوى الموضوعية رقم 608 سنة 1948 كلي القاهرة بصحيفة معلنة في 13 يناير سنة 1948 طلبا فيها إلزام الطاعن بتعويض مقداره 5000 جنيه عدلاه فيما بعد إلى 11239 جنيهاً و634 مليماً - وقالا في بيان دعواهما إن الطاعن لم ينفذ تعهده لهما بتطهير المصارف الفرعية وإصلاح الآلات الزراعية كما أنه امتنع عن تسليمهما 27 فداناً من الأطيان المؤجرة باعها الطاعن للغير. وأصدرت المحكمة الابتدائية حكمها في 24 ديسمبر سنة 1951 برفض هذه الدعوى مؤسسة قضاءها على أن المستأجرين (المطعون عليهما) قد أقرا في خطابهما المؤرخ 4 مارس سنة 1947 بأن المقاول قام بتطهير بعض المصارف ولكن التطهير لم يتم على الوجه الأكمل حسب المواصفات التي أعطاها الخبير الزراعي الأول ومفهوم ذلك أنه كان هناك مقاول يباشر تطهير المصارف من قبل المؤجر وأن المستأجرين قد رددا هذه الواقعة في إنذارهما الموجه إلى المؤجر في 17 أبريل سنة 1947 - وأضافت المحكمة أنه لا يترتب على عدم قيام المؤجر بالتزامه في عمل إصلاحات بالعين المؤجرة ضرر بالمستأجرين لأنهما كانا يستطيعان أن يجريا ذلك على نفقة المؤجر. وهو ما أبدياه في إنذارهما السالف ذكره. فضلاً عن أن القانون يلزم مستأجر الأطيان الزراعية بأن يجرى الإصلاحات التي يقتضيها الانتفاع المألوف ومن بينها تطهير وصيانة المساقي والمصارف. خصوصاً وأن المستأجرين قد التزما أمام الخبير الزراعي الأول بتطهير المصارف الجامعة وثبت من تقرير الخبير الزراعي الثاني المهندس عبد العزيز والي أنهما لم يطهراها وأنه لا فائدة من تطهير المصارف الفرعية إذا لم تكن المصارف الجامعة مطهرة - استأنف المستأجران هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة - وقيد الاستئناف برقم 395 سنة 69 ق - وقضت محكمة الاستئناف في 25 أبريل سنة 1945 بقبول الاستئناف شكلاً وقبل الفصل في الموضوع بندب الخبير الزراعي عبد العزيز والي السابق ندبه في دعوى إثبات الحالة رقم 1674 سنة 1947 مستعجل للاطلاع على تقريره السابق والتقريرين المقدمين في دعوى إثبات الحالة رقم 320 سنة 1947 مستعجل القاهرة. وبيان ما تم من تطهير المصارف الفرعية على ضوء خطاب 4 مارس سنة 1947 وإنذار 17 إبريل سنة 1947 والمعاينة التي أجراها من قبل - وإيضاح إن كان لعدم التطهير على الوجه المتفق عليه وعدم إصلاح الآلات أثر في ضعف الزراعة ومداه - وبعد أن قدم الخبير تقريره أصدرت محكمة الاستئناف حكمها في 26 نوفمبر سنة 1957 - بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليهم 1198 ج و758 م والمصروفات المناسبة عن الدرجتين - وقد طعن الطاعن في هذا الحكم وفي الحكم الصادر في 25 أبريل سنة 1954 بتقرير مؤرخ 16 أبريل سنة 1957 - وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فأصدرت قرارها في 17 يونيه سنة 1962 بإحالة الطعن إلى الدائرة المدنية - وتحدد أخيراً لنظر الطعن جلسة 11 أبريل سنة 1963 وفيها صممت النيابة على مذكرتها المتضمنة طلب نقض الحكم.
وحيث إن الطاعن ضمن السببين الثاني والرابع نعياًًً على الحكم المطعون فيه بالقصور - وقال في بيان ذلك - إن المطعون عليهم قرروا في دفاعهم أنهم قاموا بإصلاح الآلات الزراعية واستدلوا على ذلك بفواتير قدموها بمبلغ 312 ج و965 م وإذ أقام الحكم قضاءه بمساءلة الطاعن عن تعويض الضرر الذي لحق الزراعة بسبب عدم القيام بإصلاح الآلات الزراعية يكون متناقضاً مع قضائه في ذات الحكم بإلزام الطاعن بمبلغ 99 ج و700 م على أنه مصاريف إصلاح الآلات وفق ما قدره الخبير الميكانيكي في دعوى إثبات الحالة - كما نعى الطاعن بأنه كان قد تمسك في دفاعه بما أثبته الخبير الزراعي الأول المنتدب في الدعوى رقم 320 سنة 1947 مستعجل مع أن منسوب المصرف الرئيسي عال جداً وأن حالته هذه هي السبب في ارتفاع مستوى الرشح ومن شأنها أن تجعل تطهير المصارف الفرعية والجامعة غير مجد - وبما أثبته الخبير عبد العزيز والي في دعوى إثبات الحالة رقم 1674 سنة 1947 مستعجل من أن المصارف الفرعية والجامعة غير مطهرة - واستدل الطاعن بذلك على أن ما أصاب الزراعة من تلف يرجع إلى عدم تطهير المصارف الجامعة التي يقع الالتزام بتطهيرها على عاتق المطعون عليهم. وقد أغفل الحكم المطعون فيه الرد على هذا الدفاع الجوهري الذي عولت عليه محكمة الدرجة الأولى في قضائها.
وحيث إن هذا النعي سديد في شقيه ذلك أنه في خصوص الشق الأول يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد في أسبابه "أن الطاعن تعهد بإصلاح الآلات - كما هو ثابت من تقرير الخبير الميكانيكي" وأنه لم يقم بتنفيذ تعهده كما ثبت من تقرير الخبير المنتدب في الدعوى رقم 1674 سنة 1947 مستعجل فتسبب عن ذلك حصول أضرار لحقت بالمستأجرين..." ثم أورد الحكم في نهايته ما يلي "وحيث إنه عن مصاريف الإصلاح فقد قدرها الخبير الميكانيكي الدكتور محمد علي صالح الذي احتكم إليه الطرفان في دعوى إثبات الحالة رقم 320 سنة 1947 مستعجل بمبلغ 99 ج و700 م فترى المحكمة الأخذ بهذا التقرير - وحيث إنه لما تقدم يكون جملة ما لحق بالمستأنفين من خسارة وضاع عليهم من كسب من عدم استغلال الأطيان المؤجرة والانتفاع بها حسب شروط التأجير بسبب إخلال المستأنف عليه بالتزاماته هو مبلغ 902 ج و58 وهو ما يعادل النقص في غلة الأرض عن سنة 1947 + 189 ج ما يقابل عدم الاستفادة من 27 ف باعها الطاعن + 99 ج و700 م تكاليف إصلاح الآلات الزراعية = 1190 ج و758 م وهو ما يتعين إلزام المستأنف عليه بدفعه للمستأنفين" - ولما كان الحكم المطعون فيه قد رتب على عدم قيام الطاعن بإصلاح الآلات الزراعية مسئوليته عن تعويض الضرر الذي لحق الزراعة لهذا السبب. وكان في الوقت ذاته قد أقر المطعون عليهم على أنهم قاموا بإصلاح الآلات الزراعية وقضى بإلزام الطاعن بما قدره الخبير الميكانيكي من تكاليف إصلاحها فإنه يكون مشوباً بالتناقض - وفي خصوص ما جاء بالشق الثاني من هذا النعي فإنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه بالتعويض على عدم قيام الطاعن بتطهير المصارف. واستند إلى تقرير الخبير عبد العزيز والي المقدم لمحكمة الاستئناف والذي أثبت فيه أن عدم إتمام التطهير وعدم إصلاح الآلات طبقاً لما اتفق عليه قد نتج عنه ضعف في الزراعة بما يوازي 15% من جملة الزراعة التي كانت عليها وقت المعانية كما يبين من تقريرات الحكم المطعون فيه ومذكرة الطاعن المقدمة لمحكمة الاستئناف والمودع صورتها بملف الطعن أن الطاعن قد تمسك بانتفاء مسئوليته في هذا الخصوص واستدل على ذلك بما أورده هذا الخبير نفسه في تقريره الأول المقدم في دعوى إثبات الحالة رقم 1674 سنة 1947 مستعجل والمقدم صورته بملف الطعن - متضمناً عدم الجدوى من التطهير بسبب ارتفاع المصرف الحكومي بمنسوبه العالي وذلك من شأنه أن يرد مياه الصرف مهما صار تطهير المصارف الفرعية والجامعة - ولما كان مؤدى هذا الدفاع الذي أبداه الطاعن أن الضرر الذي يدعيه المطعون عليهم ليس نتيجة مباشرة لخطئه بل هو نتيجة سبب أجنبي لا يد له فيه - وكان هذا الدفاع من شأنه إذا صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى - لما كان ذلك، فإن التفات الحكم المطعون فيه عن هذا الدفاع الجوهري وعدم الرد عليه يجعله معيباً بالقصور.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب السادس على الحكم الطعون فيه خطأه في القانون - ذلك أنه أقام قضاءه بالتعويض عن عدم انتفاع المطعون عليهم بسبعة وعشرين فداناً ضمن الأطيان المؤجرة على أن الطاعن باعها للغير دون إخطار المستأجرين وأن تأجير هذا القدر يعتبر تأجيراً لملك الغير من أن القانون لا يمنع المالك الذي أجر أطيانه من التصرف فيها بالبيع بعد الإيجار على أن يبقى المستأجر منتفعاً بها بعد حصول البيع - وقد قام الطاعن بتسليم الأطيان جميعها للمستأجرين في أول نوفمبر سنة 1947 ولم يحصل البيع إلا في غضون سنة 1947.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه في هذا الخصوص على ما أورده في قوله "وحيث إنه عن الـ 27 فداناً المستأجرة ضمن الأطيان والتي يدعي المستأنفون عدم الانتفاع بها فإن المستأنف عليه أقر في مذكرته الأخيرة بحصول بيعها للغير دون أن يخطر المستأنفين بهذا البيع فكان الواجب عليه عدم تأجيرها لهم ويعتبر تأجيرها لهم في هذه الحالة تأجيراً لملك الغير ويلزمه بتعويضهم عن الخسارة التي عادت عليهم من عدم استغلالها - ويبين من هذا أن الحكم أسس قضاءه على أن البيع كان سابقاً على الإيجار في حين أن الطاعن قد تمسك في دفاعه الذي أثبته الحكم المطعون فيه بأنه باع الـ 27 فداناً بعد مضي فترة طويلة من تاريخ تسلم المستأجرين للأرض جميعها. وأن هذا البيع ما كان ليمنعهم من الانتفاع بهذه الأرض - ولما كان الحكم لا يبين منه المصدر الذي استقى منه حصول البيع قبل التأجير ولم يرد على دفاع الطاعن السالف بيانه وهو دفاع لو صح يتغير به وجه الرأي في الدعوى - ذلك أن القانون لا يحظر على المؤجر التصرف ببيع الأطيان المؤجرة منه أثناء سريان عقد الإيجار ولا يحتم انفساخ عقد الإيجار بحصول البيع في جميع الأحوال ولا يعتبر به البائع مؤجراً لملك الغير. بل إن الأمر في ذلك مرده إلى اتفاق البائع والمشتري. ونفاذ عقد الإيجار في حق المشتري الجديد أو عدم نفاذه طبقاً لما تنص عليه المادة 389 من القانون المدني القديم - لما كان ذلك، فإن الحكم يكون معيباً بما يستوجب نقضه بغير حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق