باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت العاشر من يونيه سنة 2023م،
الموافق الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة 1444 ه.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد
سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني
نواب رئيس المحكمة وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة
المفوضين وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 109 لسنة 36
قضائية دستورية.
المقامة من
شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى
ضد
1 - رئيس الجمهورية
2 - رئيس مجلس الوزراء
3 - وزير التأمينات
4 - وزير المالية
5 - الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي
------------------
" الإجراءات "
بتاريخ الرابع والعشرين من يونية سنة 2014، أودعت الشركة المدعية
صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية
البند (ي) من المادة (1) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري،
والمادة (143) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين طلبت فيهما الحكم أصليًّا: بعدم قبول
الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وقدمت الهيئة المدعى عليها الخامسة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 11/ 3/ 2023، وفيها قدمت
الشركة المدعية مذكرة صممت فيها على طلباتها. وقدمت الهيئة المدعى عليها الخامسة
مذكرة طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها. كما قدمت
حافظة مستندات طويت على اتفاق صلح مع الشركة المدعية، وطلب الحاضر عن الشركة أجلًا
للتحقق من التصالح، فقررت المحكمة استمرار نظر الدعوى لجلسة 8/ 4/ 2023، وفيها لم
تمثل الشركة المدعية، وقررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم.
----------------
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق-
في أن الشركة المدعية أقامت أمام محكمة طنطا الابتدائية مأمورية المحلة الكبرى،
الدعوى رقم 31 لسنة 2014 مدني كلي، ضد الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي - المدعى
عليها الخامسة -، بطلب الحكم بوقف إجراءات الحجز الإداري الموقع منها على أموال
الشركة المدعية وعدم الاعتداد به، وندب خبير لبحث المديونية سند الحجز، وبراءة
ذمتها من المبالغ محل ذلك الحجز لبطلان إجراءاته وعدم مشروعية سنده؛ وذلك تأسيسًا
على أن الهيئة المدعى عليها الخامسة أوقعت بتاريخ 6/ 11/ 2013، حجزًا إداريًّا على
بعض ممتلكاتها؛ وفاءً لمديونية مقدارها (30326572,21) جنيهًا، قيمة اشتراكات
تأمينية عن أشهر يونيه ويوليه وأغسطس 2013. وقد جاءت تلك التقديرات على غير أسس
واقعية، فضلًا عن وجود نزاع حول مقدار المبالغ محل ذلك الحجز. كما أن طريق الحجز
الإداري حجبها عن المنازعة في المديونية، إذ جعل بيد الهيئة سندًا توقع به الحجز،
فأقام منها خصمًا وحكمًا، دون أن يكفل للشركة المدعية حق الدفاع بالمخالفة
للدستور. وحال نظر الدعوى دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية البند (ي) من المادة
(1) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري، والمادة (143) من قانون
التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، وإذ قدرت تلك المحكمة جدية
الدفع، وصرحت بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الشركة الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (1) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز
الإداري تنص على أنه يجوز أن تتبع إجراءات الحجز الإداري المبينة بهذا القانون عند
عدم الوفاء بالمستحقات الآتية في مواعيدها المحددة بالقوانين والمراسيم والقرارات
الخاصة بها وفي الأماكن وللأشخاص الذين يعينهم الوزراء المختصون: ............
(ي) المبالغ الأخرى التي نصت القوانين الخاصة بها على تحصيلها بطريق
الحجز الإداري.
ونصت المادة (143) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79
لسنة 1975 على أنه يكون للمبالغ المستحقة للهيئة المختصة بمقتضى أحكام هذا القانون
امتياز على جميع أموال المدين من منقول وعقار وتستوفي مباشرة بعد المصروفات
القضائية، وللهيئة المختصة حق تحصيل هذه المبالغ بطريق الحجز الإداري، ويجوز لها
تقسيط المبالغ المستحقة على صاحب العمل وذلك بالشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار
من وزير التأمينات .
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة -
وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها قيام علاقة منطقية بينها وبين المصلحة في
الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في
الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع، ولا تتحقق تلك المصلحة إلا باجتماع شرطين،
أولهما: أن يقوم الدليل على أن ضررًا واقعيًّا مباشرًا ممكنًا تداركه قد لحق
بالمدعي، وثانيهما: أن يكون مرد هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون فيه.
متي كان ذلك، وكان نص البند (ي) من المادة (1) من القانون رقم 308
لسنة 1955، المار بيانه، يحيل في شأن تحديد المبالغ التي تتبع إجراءات الحجز
الإداري لاقتضائها إلى القوانين الخاصة بها، ولم يتضمن في ذاته حكمًا موضوعيًّا
محددًا مسَّ حقَّا للشركة المدعية، فإن المصلحة في الطعن عليه تكون منتفية؛ إذ لن
يحقق الفصل في دستورية هذا النص فائدة عملية لها، يتأثر بمقتضاها مركزها القانوني
في الدعوى الموضوعية، بحسبان انطواء القانون الخاص المحال إليه، دون النص المحيل،
على الحكم الموضوعي الذي يتأثر به المركز القانوني للمخاطبين بالنص التشريعي
المدعي مخالفته للدستور. ومن ثم تكون الدعوى المعروضة غير مقبولة بالنسبة إلى هذا
الشق من الطلبات، وهو ما يتعين القضاء به.
وحيث إن النزاع الموضوعي تدور رحاه حول طلب الشركة المدعية عدم
الاعتداد بالحجز الإداري الذي أوقعته على أموالها الهيئة المدعى عليها الخامسة،
إعمالًا لنص المادة (143) من قانون التأمين الاجتماعي المار بيانه، الذي منحها
الحق في تحصيل المبالغ المستحقة لها بطريق الحجز الإداري، ومن ثم يكون للقضاء في
دستورية هذا النص أثره وانعكاسه الأكيد على النزاع الموضوعي والطلبات المطروحة
فيه، وقضاء محكمة الموضوع في تلك الطلبات. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما تضمنه
نص المادة (143) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، من
تخويل الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي الحق في تحصيل المبالغ المستحقة لها
بمقتضى أحكام هذا القانون بطريق الحجز الإداري، وذلك دون سائر أحكام النص الأخرى.
ولا ينال من توافر المصلحة في الدعوى المعروضة إلغاء قانون التأمين
الاجتماعي الصادر بالقانون 79 لسنة 1975، المشتمل على النص المطعون فيه، بموجب
القانون رقم 148 لسنة 2019 بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات؛ ذلك أن
المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن إلغاء النص التشريعي المطعون فيه لا يحول دون
النظر والفصل في الطعن عليه بعدم الدستورية من قبل من طبق عليهم ذلك القانون خلال
فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وتبعًا لذلك توافرت لهم
مصلحة شخصية في الطعن بعدم دستوريته. إذ كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد طبق في
مواجهة الشركة المدعية، بحسبانه السند التشريعي الذي استظلت به الهيئة القومية
للتأمين الاجتماعي عند توقيع الحجز على منقولات الشركة، فإن إلغاء النص المشار
إليه، على نحو ما سلف، لا يحول دون تحقق مصلحة الشركة المدعية في الطعن عليه.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفته لأحكام
المواد (53 و94 و97) من الدستور، إذ منح الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، وهي من
أشخاص القانون الخاص، الحق في الانفراد بتقدير الديون التي تدعيها، وسلوك طريق
الحجز الإداري لاقتضائها، بموجب إجراء استثنائي لا يجوز التوسع في تطبيقه ومنحِه
لغير المرافق العامة، كما أن أموال الشركة المدعية أموال عامة، لا يجوز أن تكون
محلًّا للتنفيذ الجبري دون ضمانات الدفاع عنها بما ينافي الحق في التقاضي.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الدستور قد
خطا بمادته السابعة عشرة خطوة أبعد في اتجاه دعم التأمين الاجتماعي، حين ناط
بالدولة أن تكفل لمواطنيها خدماتهم التأمينية الاجتماعية، بما في ذلك تقرير معاش
لمواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم في الحدود التي يبينها القانون،
وأضفى حماية خاصة لأموال التأمينات والمعاشات، بحسبانها، وعوائدها، حقَّا
للمستفيدين منها، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعي التي يمتد نطاقها إلى الأشخاص
المشمولين بها، هي التي تكفل لكل مواطن الحد الأدنى لمعيشة كريمة لا تمتهن فيها
آدميته، والتي توفر لحريته الشخصية مناخها الملائم، ولضمانة الحق في الحياة أهم روافدها،
وللحقوق التي يمليها التضامن بين أفراد الجماعة التي يعيش في محيطها مقوماتها، بما
يؤكد انتماءه إليها. تلك هي الأسس الجوهرية التي لا يقوم المجتمع من دونها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدولة القانونية، طبقًا
لنص المادة (94) من الدستور الحالي، هي التي تتوافر لكل مواطن في كنفها الضمانة
الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها في إطار من المشروعية،
وهي ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته، لتصبح القاعدة القانونية
محورًا لكل تنظيم، وحدًّا لكل سلطة، ورادعًا ضد العدوان عليها، وكان الأصل في كل
تنظيم تشريعي أن يكون منطويًا على تقسيم أو تصنيف من خلال الأعباء التي يلقيها على
البعض أو المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، ويتعين دومًا لضمان اتفاق هذا
التنظيم مع الدستور، أن تتوافر علاقة منطقية بين الأغراض المشروعة التي اعتنقها
المشرع في موضوع محدد، وفاء بمصلحة عامة لها اعتبارها، والوسائل التي اتخذها
طريقًا لبلوغها، فلا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها هذا الموضوع عن أهدافها،
بل يجب أن تعد مدخلًا إليها.
كما أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لكل حق دائرة يعمل فيها، ولا
يتنفس إلا من خلالها، ويعتبر صونها لازمًا لفعالية ممارسته، فلا يجوز أن يقتحمها
المشرع، ولا أن ينظم الحق موضوعها إلا فيما وراء حدودها الخارجية، شأن حق التقاضي
في ذلك شأن غيره من الحقوق التي لا يجوز القول بمصادرتها أو انتقاصها من أطرافها،
إلا إذا أهدرها المشرع أو قيد من نطاقها، مؤثرًا بذلك في مجالها الحيوي. وتنظيم
المشرع لحق التقاضي لا يتقيد بأشكال جامدة لا يجوز أن يتحول المشرع عنها، ولا
بأنماط محددة تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، وإنما يقدر المشرع لكل
حالة ما يناسبها على ضوء الأوضاع التي تباشر هذا الحق عملًا في إطارها، وبما لا
يصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة
القضائية من عقالها انحرافًا عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين
هذين الأمرين قوامًا، باعتبارها شكلًا للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر
اعتدالًا.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن القواعد التي
تضمنها قانون الحجز الإداري غايتها أن يكون بيد أشخاص القانون العام وسائل ميسرة
تمكنها من تحصيل حقوقها وهى بحسب طبيعتها أموال عامة تمثل الطاقة المحركة لحسن سير
المرافق العامة وانتظامها، فلا يتقيد اقتضاؤها جبرًا عن مدينيها بالقواعد التي
فصلها قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التنفيذ الجبري، وإنما تعتبر
استثناء منها، وامتيازًا لصالحها، وهذه الطبيعة الاستثنائية لقواعد الحجز الإداري
تقتضي أن يكون نطاق تطبيقها مرتبطًا بأهدافها ومتصلًا بتسيير جهة الإدارة
لمرافقها، فلا يجوز نقل هذه القواعد إلى غير مجالها، ولا إعمالها في غير نطاقها
الضيق الذي يتحدد باستهداف حسن سير المرافق العامة وانتظامها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى كذلك على أنه إذا كان الأصل المقرر
في قانون المرافعات المدنية والتجارية، أن التنفيذ جبرًا على أموال المدين - بما
له من آثار خطيرة عليه - لا يكون إلا بسند تنفيذي استظل به دائنه قبل التنفيذ، ولم
يبلغه إلا بطريق تحقق به دينه وصحته وصار حقيقة قانونية أو قضائية يجوز التنفيذ
بمقتضاها، إلا أنه خروجًا على الأصل العام جاءت أحكام قانون الحجز الإداري رقم 308
لسنة 1955 بأوضاع استثنائية، منها أن جعلت الأمر المكتوب الصادر من الوزير أو رئيس
المصلحة أو المدير أو ممثل الشخص الاعتباري العام حسب الأحوال، أو من ينيبه كل من
هؤلاء كتابة، معادلًا للسند التنفيذي الذي يجوز التنفيذ به وفقًا لأحكام قانون
المرافعات المدنية والتجارية، وهذا الاستثناء تبرره المصلحة العامة في أن تتوافر
لدى أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها على النحو الذي يحقق
سير المرافق العامة وانتظامها، وذلك دون إخلال بحق المدين المحجوز عليه في اللجوء
إلى القضاء، للمنازعة في أصل المبالغ المطلوبة أو في صحة إجراءات الحجز أو
باسترداد الأشياء المحجوزة، وفى هذه الحالة توقف بنص القانون - مادة (27) من قانون
الحجز الإداري - إجراءات الحجز والبيع الإداريين إلى أن يُفصل نهائيًّا في النزاع؛
ومن ثم فإن قانون الحجز الإداري وإن قرر امتيازًا لصالح أشخاص القانون العام، حين
جعل قرارها بوجود ديون تدعيها على آخرين، يفيد أن قولها بثبوتها وتحديدها
لمقدارها، يعتبر سندًا تنفيذيًّا بما يغنيها عن اللجوء إلى القضاء لإثباتها، إلا
أن هذا القول لا يخولها سوى ميزة أن يكون قرارها بالديون التي تطلبها من مدينيها
سابقًا على التدليل عليها من جهتها، وناقلًا لهم مهمة نفيها، وعليها في هذه الحالة
الأخيرة إثبات صحة ما تدعيه في هذا الشأن بما لديها من وثائق ومستندات، حتى يتسنى
لها المضي في إجراءات تحصيل هذه الديون.
متى كان ما تقدم، وكانت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي - تعد طبقًا
لنص المادة (9) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 -
هيئة عامة تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة، وتدخل في عداد أشخاص القانون
العام، بحكم قيامها على شأن من شئون التضامن الاجتماعي، هو التأمين الاجتماعي،
والذي ناط الدستور بالدولة - في المادة (17) منه - كفالة توفير خدماته ومدها إلى
المواطنين بجميع فئاتهم، بحسبان مظلة التأمين الاجتماعي هي التي تكفل بمداها
واقعًا أفضل يؤمن المواطن في غده، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعي التي يقوم
عليها المجتمع، كما أن المشرع الدستوري وإن اعتبر أموال التأمينات والمعاشات
أموالاً خاصة، إلا أنه نص على تمتعها بجميع أوجه وأشكال الحماية المقررة للأموال
العامة، ويأتي تحصيلها بطريق الحجز الإداري من بين أوجه حمايتها، كما ألزم النص
الدستوري المشار إليه الدولة بضمان أموال التأمينات والمعاشات، وهو ضمان لا ينصرف
- فحسب - إلى تلك الأموال بعد تكوينها، بل يمتد - أيضًا - ليشمل وسائل اقتضائها.
ومن ثم قرر النص المطعون فيه لتلك الهيئة بعض اختصاصات السلطة العامة، ومن بينها
الحق في اقتضاء المبالغ المستحقة لها بمقتضى أحكام قانون التأمين الاجتماعي، بطريق
الحجز الإداري وفقًا لأحكام القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري. ولما
كانت القواعد التي تضمنها هذا القانون غايتها أن تكون بيد أشخاص القانون العام
وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها، فلا يتقيد اقتضاؤها جبرًا عن مدينيها
بالقواعد التي فصلها قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التنفيذ الجبري،
وإنما تعتبر استثناء منها، وامتيازًا مقررًا لصالحها، ذلك أن قرارها بإسناد ديون
تدعيها على آخرين، الصادر طبقًا لنص المادة (2) من هذا القانون، يفيد أن قولها
بوجودها وتحديدها لمقدارها، يعتبر سندًا بها يغنيها عن اللجوء إلى القضاء
لإثباتها. وإذا كان مرد هذا التنظيم - كما سلف البيان - هو تمكين الشخص العام من
استئداء الديون التي يطلبها لنفسه من مدينيه - أيًّا كانت طبيعتها - بوسائل يجاوز
بها ما يكون مألوفًا من صور التعامل في علائق الأفراد بعضهم ببعض؛ ليستطيع عن
طريقها الوفاء بالتزاماته في إشباع الحاجات العامة، فقد قابل المشرع تقرير تلك
المزية لأشخاص القانون العام بكفالة حق المدين المحجوز عليه وذوي الشأن ممن تتأثر
مصالحهم بذلك الحجز في المنازعة أمام القضاء في أصل الدين، أو في صحة إجراءات
الحجز، أو في ملكية الأشياء المحجوزة واستردادها، ورتب في المادة (27) من القانون
المذكور على رفع هذه المنازعة وقف إجراءات الحجز والبيع الإداريين، وذلك لحين
الفصل نهائيًّا في النزاع، محققًا - بذلك - التوازن بين أطراف العلاقة القانونية
الواحدة، ومقيمًا في الوقت ذاته علاقة منطقية بين تقرير هذه المزية، والأغراض التي
اعتنقها المشرع وتغيَّا بلوغها، والتي تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي
يقوم عليها هذا التنظيم. الأمر الذي تكون معه الأحكام التي تضمنها النص المطعون
فيه غير مصادمة لنصوص المواد (53 و94 و97) من الدستور.
وحيث إنه عن النعي على النص المطعون فيه بإهداره الحماية اللازمة
للأموال المملوكة للدولة، بإجازة توقيع الحجز الإداري عليها، بالمخالفة لمبادئ
سيادة القانون والحق في المساواة والفصل بين السلطات، فإنه في غير محله، بحسبانه
ينحل إلى ادعاء بمخالفة النص المطعون فيه للمادة (87) من القانون المدني، التي
حظرت الحجز على الأموال العامة، فإنه وأيًّا كان وجه الرأي في مدى التعارض بين
هذين النصين، فإن هذا الادعاء يخرج النظر فيه عن الاختصاص المحدد للمحكمة
الدستورية العليا، لما هو مقرر بقضائها من أن مناط اختصاصها بالفصل في دستورية
القوانين واللوائح أن يكون أساس الطعن هو مخالفة التشريع لنص دستوري، ولا شأن لها
بالتعارض بين نصين تشريعيين جمعهما قانون واحد، أو تفرقا بين قانونين مختلفين، ما
لم يكن هذا التعارض منطويًا - بذاته - على مخالفة دستورية، وإذ خلت مناعي الشركة
المدعية من بيان وجه مخالفة النص المطعون فيه لمبدأ المساواة، الأمر الذى يتعين
معه الالتفات عن هذا النعي.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف حكمًا آخر من أحكام الدستور، فإن
القضاء برفض الدعوى يكون متعينًا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية
المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق