جلسة 31 من مايو سنة 1980
برئاسة السيد المستشار/ عدلي مصطفى بغدادي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمود حسن رمضان، عبد العزيز عبد العاطي، حسن عثمان عمار رابح لطفي جمعة.
---------------
(305)
الطعن رقم 1066 لسنة 49 القضائية
(1 - 4) إيجار "إيجار الأماكن". قانون. عقد.
(1) المساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية. عدم خضوعها لأحكام القانون 121 لسنة 1947 و564 لسنة 1955، سريانه على المساكن المخصصة لموظفي تلك الجهات دون الأماكن الملحقة بها.
(2) المساكن الملحقة بالمرفق والمنشآت الحكومية. ثبوت أن العلاقة بين المساكن وتلك الجهات نشأت سنة 1967. أثره. لا محل للاستدلال بأحكام القانونين 52 لسنة 1969 و46 لسنة 1977.
(3) عدم سريان تحديد الأجرة في القانون 46 لسنة 1962 على المساكن المملوكة للدولة أو الهيئات أو المؤسسات العامة. القرار التفسيري رقم 2 لسنة 1965. اقتصاره على قواعد تحديد الأجرة بالنسبة للمساكن المخصصة للعمال بتلك الجهات الشاغلين لها بحكم وظائفهم.
(4) تخصيص مسكن بإحدى المؤسسات لمن يقومون بتأدية خدمات للعاملين فيها لا يعد بمجرده عقداً إدارياً إذا ما تخلفت الشروط اللازمة لاعتباره كذلك.
(5) إثبات "قواعد الإثبات". نظام عام.
قواعد الإثبات. عدم تعلقها بالنظام العام. سكوت الخصم عن الاعتراض على الإحالة التحقيق. اعتباره قبولاً ضمنياً لهذا الإجراء.
(6) إيجار "انتهاء العقد".
عقود الإيجار الخاضعة لأحكام القانون المدني. انقضاؤها بانتهاء مدتها. تعليق انتهاء إيجار المسكن على انتهاء مدة استغلال المحل التجاري المؤجر لذات المستأجر. لا مخالفة للقانون.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها أقامت الدعوى رقم 1139 لسنة 1975 مدني كلي دمنهور ضد الطاعن وآخرين للحكم بتمكينها من المسكن المبين بصحيفة الدعوى وإلزام الطاعنة بمبلغ ألفي جنيه تعويضاً، وقالت في بيان ذلك أنها - بعقد إيجار مؤرخ في 7/ 10/ 1967 - استأجرت من الطاعنة المسكن آنف الذكر وظلت شاغلة له حتى فوجئت في 13/ 1/ 1974 بإخطار من الطاعنة لإخلائه فاعترضت ولكن الطاعنة نفذت الإخلاء بالطريق الإداري فأقامت دعواها الماثلة، وأحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق وبعد سماع الشهود قضت للمطعون عليها بالتمكين وبخمسمائة جنيه تعويضاً، واستأنفت الطاعنة الحكم بالاستئناف رقم 396 سنة 34 ق الإسكندرية، وبتاريخ 20/ 3/ 1979 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف في قضائه بالتمكين وبإلغائه فيما جاوز ذلك، طعنت الطاعنة في الشق الأول من الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على ثمانية أسباب تنعى الطاعنة بالثلاثة الأوليات منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم اعتبر العقد المنظم لعلاقة طرفي الدعوى بشأن الانتفاع بالمسكن مثار النزاع عقد إيجار يخضع لأحكام القانون المدني، في حين أنه لا يعدو أن يكون ترخيصاً من الجهة الإدارية - التي تمثلها الطاعنة - إلى المطعون عليها بالانتفاع بذلك المسكن الملحق بمرفق من مرافق الدولة، وهي مديرية التحرير التي تخصص مساكنها للعاملين بها أو المتعاملين معها، وذلك حسبما تدل عليه نصوص العقد المبرم بين الطرفين في 7/ 10/ 1967 مكملة بأحكام القرار رقم 37 لسنة 1963 والقانون رقم 564 لسنة 1955، الذي يستثني تلك المساكن من الخضوع لأحكام القانون المنظم لإيجار الأماكن، هذا إلى أن ذلك المسكن هو في القليل من المساكن التي يتم شغلها بسبب العمل والتي أخرجها القانون رقم 52 لسنة 1969 ومن بعده القانون رقم 49 لسنة 1977، من الخضوع لأحكامها، وإذ كان الترخيص للمطعون عليها يشغل ذلك المسكن إنما كان بسبب الترخيص لها بفتح محل تجاري لتقديم المأكولات للعاملين بمديرية التحرير فإن شغلها له إنما يكون من قبيل الترخيص بالانتفاع الذي ينظمه القانون رقم 564 لسنة 1955، دون القوانين المنظمة للعلاقات الإيجارية العادية وإذ حاد الحكم المطعون فيه عن ذلك وساند قضاءه علاوة على ما تقدم بأحكام القرار التفسيري رقم 1 لسنة 1965 بشأن سريان أحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 على المباني المملوكة للحكومة والمؤسسات العامة، في حين أنه كان عليه تطبيق حكم القرار التفسيري رقم 2 لسنة 1965 الذي أخرج من تلك المباني المساكن التي تشغل بسبب العمل، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن النعي بهذه الأسباب على غير أساس ذلك أنه لما كان النص في المادة الأولى من القانون رقم 564 لسنة 1955 على أنه لا تسري أحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 بشأن إيجارات الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين على المساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية والمخصصة لسكنى موظفي وعمال هذه المرافق - يدل على أن هذا الاستثناء إنما يتعلق بعدم سريان أحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 - دون سواه من القوانين المنظمة لعلاقات المؤجر بالمستأجر وأولها القانون المدني الذي لا يعدو القانون رقم 121 لسنة 1947 أن يكون استثناء منه، هذا إلى اقتصار المساكن المستثناة بنص المادة الأولى من القانون المقدم على تلك المخصصة لغرض محدد هو سكنى موظفي المرافق المشار إليها وعمالها دون ما جاوزها من مساكن - وأن تكون ملحقة بتلك المرافق - إلا أنها ليست مخصصة لهذا الغرض بالذات. لما كان ذلك، وكان الثابت من أوراق الطعن أن المطعون عليها ليست من موظفي الجهة المتعاقدة معها أو من عمالها فإن المسكن مثار النزاع لا يكون بذلك من المساكن التي يشملها الاستثناء آنف الذكر، مما يغني بذاته عن النظر في أثر ذلك الاستثناء في خضوع العلاقة بشأنه لأحكام القانون المدني أو خروجها عنها، ولا يكون ثمة وجه النعي على الحكم المطعون فيه لعدم تطبيقه لأحكام القانون رقم 564 لسنة 1955 على واقعة الدعوى، هذا إلى أنه لما كان الثابت كذلك أن علاقة الطرفين بشأن ذلك - المسكن إنما ترجع إلى سنة 1967 فإنه يحكمها القانون القائم آنئذ دون ما أعقبه من قوانين - ما لم يرد بها ما يسبغ عليها أثراً رجعياً خلافاً للأصل الدستوري العام المقرر في هذا الصدد ولما كان القانونان رقما 52 لسنة 1969، 49 لسنة 1977 - الصادران بعد قيام العلاقة أنفة الذكر - خلواً من نص بذلك، فإنه لا يكون ثم محل للاستدلال بهما في مقام التعريف بالمساكن التي لا تخضع لحكمها ولا يعيب الحكم المطعون فيه التفاتة عنهما، وكذلك فإنه لما كان عدم سريان أحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 بتحديد إيجار الأماكن على المساكن المملوكة للدولة أو الهيئات أو المؤسسات العامة.... المخصصة لعمال معينين بحكم وظائفهم، على ما يقضي به القرار التفسيري التشريعي رقم 2 لسنة 1965 الصادر من اللجنة العليا لتفسير أحكام القانون آنفة الذكر، علاوة على أن أثره لا يجاوز عدم خضوع تلك المساكن لقواعد تحديد الأجرة التي أوردها ذلك القانون دون أن يمتد إلى تكييف طبيعة العلاقة التعاقدية المتصلة بتلك المساكن وما إذا كانت إيجاراً أو ترخيصاً بالانتفاع، فإنه لا ينطبق إلا على المساكن المخصصة لعمال معينين بحكم وظائفهم، مما لا انطباق له على المطعون عليها، الأمر الذي لا يؤثر فيه استناد الحكم المطعون فيه إلى القرار التفسيري رقم 1 لسنة 1965 دون القرار رقم 2 لسنة 1965، مما يكون معه النعي عليه بهذا السبب غير منتج.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسببين الرابع والسابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تحصيل الوقع والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول إن الحكم قد استدل مما حواه العقد من التزام المطعون عليها بالأجرة المحددة فيه على أن العقد إيجار يخضع لحكم القانون على الرغم مما في العقد من شروط استثنائية غير مألوفة تنأى به عن دائرة العقود المدنية وتدرجه ضمن تراخيص الانتفاع الأمر الذي تؤكده ضآلة الأجرة المحددة في العقد وعدم تناسبها مع القيمة الإيجارية الحقيقية، وهذا إلى عدم استساغة القول بتخلي الطاعنة عن تخصيص المسكن للعاملين بتأجيرها إياه إلى المطعون عليها، إذ يندرج الملتزمون بأداء خدمات للعاملين ضمن الفئات الجائز الترخيص لها بالانتفاع بالمسكن عملاً بأحكام القرار رقم 37 لسنة 1963.
وحيث إن النعي في شقه الأول غير مقبول لما يشوبه من تجهيل يحول دون أعمال هذه المحكمة لرقابتها على الحكم المطعون فيه، إذ جاء الطعن خالياً من بيان الشروط الاستثنائية التي ينفرد بها العقد مثار النزاع عن العقود المدنية علاوة على أن تقدير قيمه الأجرة ليس من بين الضوابط التي جرى قضاء هذه المحكمة على اتخاذه أساس لإسباغ الصيغة الإدارية على العقود. والنعي في شقه الآخر مردود بما أورده الحكم الابتدائي المؤرخ في 15/ 2/ 1976 من أن "العبرة في تكييف الاتفاقات ليس بالوصف الذي يخلعه عليها المتعاقدان وإنما العبرة بمضمون الاتفاق وبالقصد المشترك لطرفيه...... وليس يكفي لاعتبار العقد إدارياً أن تكون الإدارة طرفاً فيه أو أن يكون قد حوى شروطاً استثنائية غير مألوفة في مجال القانون الخاص وإنما يشترط لاعتباره كذلك أن يتصل بمرفق عام سواء بتسيره أو إدارته أو بإسناد المعاونة أو المساهمة فيه، هذا إلى أنه لم ينص في العقد المبرم بين الطرفين أن المدعية (المطعون عليها إنما خول لها الانتفاع تبعاً لوظيفتها وأن مساكن المدعى عليها (الطاعنة) لا يقتصر شغلها على العاملين في الحكومة أو في القطاع العام والعقود المتصلة بهذه الأماكن لا تتصل بمرفق عام...... وفضلاً عما تقدم فإن هذا المسكن ليس مرفقاً عاماً أو ملحقاً بمرفق عام بطريق التبعية أو التخصيص، كما أن الجهة المؤجرة لم تهدف من العقد إلى تحقيق مصلحة عامة". وبما أضافه الحكم الاستئنافي إلى ذلك من قوله بأن المستأنفة (الطاعنة) بموافقتها على تأجير المكان للمستأنف عليها الأولى (المطعون عليها) وهي ليست من عمالها ولا موظفيها تعتبر أنها تخلت عن التخصيص بإرادتها فلا يجوز لها من بعده أن تنقض ما وافقت عليه". وإذ كان ما ساقه الحكم المطعون فيه فيما سلف مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من أوراق الدعوى - علاوة على موافقته لحكم القانون. وكان جواز تخصيص المسكن التابع لإحدى المؤسسات لمن يقومون بتأدية خدمات للعاملين فيها، لا يستلزم بذاته اعتبار العقد الصادر منها بشأن المسكن من قبيل العقود الإدارية إذا ما تخلفت في العقد الشروط اللازمة لاعتباره إدارياً. لما كان ذلك، فإن استدلال الطاعنة في نعيها على الحكم المطعون فيه بما جاء بهذا الشق من النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسببين الخامس والسادس على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وذلك بأخذه بشهادة الشهود فيما يخالف الثابت بالكتابة إذ أهدر تنازل المطعون عليها عن المسكن مثار التداعي إلى الغير كتابة بمقولة وقوعها تحت تأثير إكراه في ذلك في حين أنها لم تدع بذلك سواء في صحيفة دعواها أو أمام محكمة الدرجة الأولى مما يعتبر من المحكمة قضاء بما لم يطلبه الخصوم هذا إلى عدم صلاحية شهادة شاهدي المطعون عليها لإثبات الإكراه المدعى به.
وحيث إن النعي في شقه الأول غير مقبول ذلك لما كانت الطاعنة لم تقدم رفق طعنها ما ثبت اعتراضها أمام محكمة الدرجة الأولى على أرجاء التحقيق فيما أحالت المحكمة الدعوى لإثباته، وكانت قواعد الإثبات غير متعلقة بالنظام العام مما يجيز الاتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمناً ويعتبر سكوت الخصم عن الاعتراض على الأجراء مع قدرته على إبدائه قبولاً ضمنياً له، فإنه وبغض النظر عن كون الواقعة التي أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق لإثباتها هي الإدعاء بالإكراه في توقيع التنازل عن المسكن وهي واقعة يجوز إثباتها بطريق الإثبات كافة - يكون النعي على الحكم بما سلف غير مقبول، والنعي في شقه الثاني غير صحيح ذلك أنه لما كان الثابت من مدونات الحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى في 15/ 2/ 1976 أن المطعون عليها أبدت أنها إزاء التنبيه عليها بتسليم المسكن وإلا تم إخلاءه إدارياً لم تجد مناصاً من الرضوخ والتسليم مرغمة، وكانت المحكمة قد استخلصت من ذلك أن المطعون عليها تتمسك بأن الإخلاء تم كرهاً، فإنها لا تكون قد خرجت عن المدلول الظاهر لهذا الدفاع ولا تكون - وقد اقتنعت بتحقيق ذلك الإكراه - قد قضت في الدعوى بما لم يطلبه الخصوم، ولما كان استخلاص ما يطمئن إليه وجدان المحكمة من أقوال الشهود هو من خالص إطلاقاتها ما دامت لم تخرج في ذلك عن نطاق تلك الأقوال ولم تستخلص منها ما لا تؤدي إليه، وكان الحكم المطعون فيه لم يجاوز، فيما ارتآه من وقوع إكراه على المطعون عليها في التنازل عن المسكن حدود سلطات محكمة الموضوع في ذلك فإن النعي عليه بما تقدم يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الأخير من أسباب الطعن وقوع الحكم المطعون فيه في تناقض يبطله إذ رغم استبعاده صفة الترخيص بالانتفاع عن العقد المتعلق بالمسكن مثار النزاع عاد فاستشهد بنص البند السابع منه الذي يقضي بانتهاء مدة العقد بانتهاء الترخيص للمطعون عليها بالمحل الذي تستغله مما يربط ما بين هذين الترخيصين ويدل على اتصال عقد المسكن بالترخيص بالعمل.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه لما كان الأصل في عقود الإيجار الخاضعة لحكم القانون المدني، أنها تنقضي بانتهاء المدة المحددة فيها، وكان لا مخالفة للقانون في تعليق انتهاء مدة إيجار المسكن على انتهاء مدة استغلال المحل التجاري المؤجر للمستأجر ذاته، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه في الدعوى على قوله "إن عقد الإيجار يظل قائماً طوال المدة المتفق عليها فيه وواضح من عقد الإيجار المبرم بين الطرفين أن مدته هي ذات مدة الترخيص للمستأنف عليها بالمحل التجاري...... وإذ لم يقل أحد أن الترخيص بالمحل قد انتهى فإن مدة العقد تظل سارية وليست للمستأنفة - الطاعنة - أن تنهيه بفعل منها دون حكم من القضاء" وكانت الطاعنة لم تنع على الحكم ما أورده من عدم انتهاء مدة الترخيص باستغلال المحل، وكان إنزاله أحكام القانون المدني على عقد إيجار المسكن مثار النزاع لا خروج فيه على نصوص العقد أو نطاق القانون فإن في ذلك ما ينفي عنه التناقض في التسبيب.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق