جلسة 23 من ديسمبر سنة 1965
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: إبراهيم الجافي، ومحمد صادق الرشيدي، وإبراهيم علام، وسليم راشد أبو زيد.
------------------
(208)
الطعن رقم 212 لسنة 31 القضائية
إجارة. "أركان عقد الإيجار". "تحديد الأجرة".
وجوب الاتفاق بين المؤجر والمستأجر على الأجرة. عدم جواز تحديدها بإرادة المؤجر المنفردة. تقدير لجنة وزارة الأوقاف لأجرة الأرض المؤجرة لا يكون ملزماً للمستأجر إلا بقبوله.
تعذر اتفاق الطرفين على تحديد الأجرة مؤداه بطلان العقد لانعدام ركن من أركانه والتزام المستأجر بالتعويض في حالة الانتفاع.
تحديد الأجرة بأجر المثل في حالة سكوت الطرفين عن تحديدها بالعقد أو اتفاقهما على الأجرة وتعذر إثبات هذا الاتفاق.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع, على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن, تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 5132 سنة 1953 مدني كلي القاهرة على وزارة الأوقاف المطعون ضدها طالبين الحكم بإلزامها بأن تقدم لهم حساباً عن ريع أعيان وقف المرحوم حسين أبو إصبع ابتداءً من شهر فبراير سنة 1941 حتى الآن على أساس الاتفاق الحاصل في 5 من فبراير سنة 1941 (ثانياً) وفي حالة امتناع الوزارة عن تقديم الحساب يحكم بندب خبير لعمل هذا الحساب (ثالثاً) ببراءة ذمتهم من أجرة الحكر المقضى بها وما استجد منها لغاية الآن ومن مصاريف الدعوى رقم 1819 سنة 1930 مدني كلي مصر وكذلك مصاريف الدعوى رقم 1017 سنة 1937 الجيزة الجزئية (رابعاً) بعدم أحقية الوزارة (المطعون ضدها) في تنفيذ حكم فسخ التحكير لإزالة المباني (خامساً) بإلزام الوزارة بأن تسلم الطاعنين عقارات الوقف المبينة بصحيفة الدعوى. وقال الطاعنون شرحاً للدعوى إن وقف المرحوم حسين باشا أبو إصبع وحرمه، الذي كان مشمولاً بنظر الطاعن الأول، يملك مباني العقار رقم 334 بشارع الخليج المصري المقام على أرض محكرة من وقفي الحنفي والخلدني المشمولين بنظر الوزارة المطعون ضدها وقد أقامت هذه الوزارة الدعوى رقم 1819 سنة 1930 كلي مصر ضد ناظر وقف حسين باشا أبو إصبع المحتكر طالبة إلزامه بأن يدفع لها مبلغ 23 ج و180 م قيمة الحكر المتأخر من سنة 1925 إلى سنة 1929 وما يستجد ابتداءً من سنة 1930 بواقع 28 ج و925 م سنوياً وفي 23 من أكتوبر سنة 1930 قضي للوزارة بهذه الطلبات كما أقامت الدعوى رقم 1047 سنة 1937 أمام محكمة الجيزة الجزئية ضد ناظر الوقف المذكور طالبة الحكم بفسخ التحكير وإزالة المباني المقامة على الأرض المحكرة وفي 25 من مايو سنة 1937 قضي غيابياً بفسخ عقد التحكير وإزالة ما على الأرض المحكرة من المباني في ظرف خمسة عشر يوماً وعارض ناظر وقف أبو إصبع في هذا الحكم وفي 8 من فبراير سنة 1938 قضى برفض المعارضة وتأييد الحكم المعارض فيه. وبورقة مؤرخة 5 فبراير سنة 1941 أقر ناظر وقف أبو إصبع بأن قيمة الحكر المستحق للوزارة حتى سنة 1940 والمصروفات هي مبلغ 347 ج و805 م وفوض الوزارة في أن تقوم بتحصيل إيجار أعيان الوقف من المستأجرين خصماً مما هو مستحق لها على ألا تنفذ الوزارة حكم الفسخ والإزالة - وقال الطاعنون إنه لما كان حكم الفسخ قد زال أثره بالاتفاق على عدم تنفيذه ومضى أكثر من خمس عشرة سنة على صدوره وكان ما حصلته الوزارة من مستأجري أعيان الوقف يزيد على أجرة الحكر المستحقة لها فقد رفعوا هذه الدعوى بطلباتهم السابقة بعد صيرورة أعيان الوقف ملكاً لهم بمقتضى القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء الوقف على غير الخيرات. وبجلسة 10 من يناير سنة 1955 قضت المحكمة بندب خبير حسابي لتصفية الحساب اعتباراً من شهر فبراير سنة 1941 حتى تاريخ تقديم التقرير وقدم الخبير تقريره الذي انتهى فيه إلى أن إجمالي القيمة الإيجارية للمدرسة والورشة التابعين للوقف حتى آخر يناير سنة 1956 هو مبلغ 2311 ج و625 م وأن ما حصلته الوزارة فعلاً من تلك الأجرة هو مبلغ 768 ج و988 م وأنها مسئولة عن تحصيل الباقي وقدره 1542 ج و637 م كما أن جملة المستحق للوزارة قبل الوقف من أجرة الحكر حتى نهاية سنة 1956 هو مبلغ 811 ج و565 م على أساس أن الأجرة السنوية 28 ج و925 م فيكون للطاعنين في ذمة الوزارة مبلغ 1500 ج و60 م مع حق الأخيرة في خصم العوائد التي تكون قد سددت منها أو من المستأجرين وعلى أثر تقديم هذا التقرير طلب الطاعنون الحكم بإلزام الوزارة المطعون ضدها بمبلغ 1221 ج و60 م بالإضافة إلى طلباتهم الأصلية. وقد تمسكت الوزارة بأن الحكم رقم 1017 سنة 1937 مدني جزئي الجيزة القاضي بفسخ عقد التحكير قد نفذ اختياراً ولم يسقط كما يدعي الطاعنون وأنه بعد صدور هذا الحكم أصبحت العلاقة بينها وبين الطاعنين علاقة مؤجر بمستأجر وقد قبل ناظر الوقف هذا الوضع بإقراره المؤرخ 5 من فبراير سنة 1941 وأن الاتفاق على وقف تنفيذ الإزالة لم يمنع من تنفيذ حكم فسخ الحكر وأن لجنة التقدير بالوزارة قدرت أجرة الأرض بمبلغ 8 ج و700 م شهرياً وهو ما يعادل أجرة المثل وفي 15 من ديسمبر سنة 1958 قضت المحكمة بإلزام المطعون ضده بصفته بأن يدفع للطاعنين مبلغ 1221 ج و60 م وبسقوط حكم فسخ الحكر والإزالة الصادر في الدعوى رقم 1017 سنة 1937 مدني الجيزة الجزئية لعدم تنفيذه في المدة المقررة قانوناً وبتسليم المدعين (الطاعنين) الأعيان الموضحة بصحيفة الدعوى. استأنفت وزارة الأوقاف (المطعون ضدها) هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1532 سنة 76 ق طالبة إلغاءه والحكم برفض الدعوى استناداً إلى دفاعها الذي أبدته أمام محكمة أول درجة وفي 26 من مارس سنة 1961 قضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليهم (الطاعنين) فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة طلبت فيها نقض الحكم وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت بجلسة 8 من فبراير سنة 1964 إحالته إلى هذه الدائرة.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالوجه الثالث من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون ذلك أنه أسس قضاءه باعتبار الحكم القاضي بفسخ عقد التحكير قائماً ولم يسقط بمضي المدة على ما أقر به الطاعن الأول بصفته ناظراً للوقف في كتابه المؤرخ 21 من مايو سنة 1939 والموجه إلى الوزارة من استعداده للاتفاق معها على حقوقها الناشئة عن ذلك الحكم وما أقر به في إقراره المؤرخ 5 من فبراير سنة 1941 من موافقته على مبدأ استئجاره من الوزارة الأرض المحكرة للوقف مع أنه من المقرر قانوناً أن اعتراف الناظر على الوقف بما يضره لا يسري عليه، وإذ كان ما أقر به الطاعن الأول بصفته ناظراً للوقف في الورقتين المشار إليهما لا يفيد الوقف فإن الحكم المطعون فيه إذ استند إليهما في قضائه يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه لما كان الثابت من الأوراق أنه حكم على الوقف نهائياً في 8 من فبراير سنة 1938 في الدعوى رقم 1017 سنة 1937 الجيزة بفسخ عقد التحكير وإزالة ما على الأرض المحكرة من المباني التي أقامها الوقف فإن ناظر هذا الوقف إذ أبدى في كتابه المؤرخ 21 من مايو سنة 1939 استعداده للاتفاق مع الوزارة على حقوقها الناشئة عن ذلك الحكم وتقسيط أجرة الحكر المتأخرة على الوقف والمقضى بها أيضاً نهائياً للوزارة وذلك مقابل قبولها وقف تنفيذ الحكم بإزالة المباني القائمة على الأرض المحكرة وإذ وافق في كتابه المؤرخ 5 من فبراير سنة 1941 على استئجار الوقف للأرض المحكرة بعد أن أصبحت ملكيتها حرة للوزارة بموجب حكم قضائي نهائي فإن ما أقر به الناظر في كتابيه السابقين ليس فيه ما يضر الوقف إذ الناظر لم يقر للوزارة بحقوق على الوقف غير التي حكم بها نهائياً لها بل إن فيما أقر به في هذين الكتابين منفعة للوقف إذ ترتب على هذا الإقرار تفادي تنفيذ الحكم القاضي بإزالة مباني الوقف المقامة على الأرض المحكرة وتقسيط أجرة الحكر المتأخرة عليه ومن ثم يكون النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون لاستناده إلى ما أقر به الناظر في الورقتين المذكورتين على غير أساس.
وحيث إن باقي أوجه الطعن تقوم على تعييب الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إنهم تمسكوا في المذكرتين المقدمتين منهم إلى محكمة الاستئناف بأن ناظر الوقف عندما علم بأن الوزارة قدرت للأرض أجرة قدرها 8 ج و700 م شهرياً تظلم من هذا التقدير بكتابه المؤرخ 5 من فبراير سنة 1941 وأن الوزارة قبلت تظلمه بدليل أنها استمرت بعد وصول هذا الخطاب إليها تقيد الأجرة في دفاترها بواقع 28 ج و925 م سنوياً في المدة من سنة 1941 إلى سنة 1955 كما بان للخبير الذي عينته المحكمة عند اطلاعه على تلك الدفاتر وأثبته في محاضر أعماله كما تمسكوا في دفاعهم بأن قرار قومسيون الوزارة بتقدير الأجرة بواقع 8 ج و700 م شهرياً لا يكفي وحده لتعديل الأجرة السارية بل يجب لسريان الأجرة المعدلة في حق الوقف أن يقبل الناظر هذا التقدير أو يصدر حكم به على الوقف - لكن الحكم المطعون فيه أغفل هذا الدفاع. فلم يعرض له أصلاً ولم يرد عليه وبذلك جاء مشوباً بالقصور كما أنه إذ اعتمد تقدير الوزارة للأجرة بواقع 8 ج 700 م شهرياً على الرغم من تسليمه بأن ناظر الوقف لم يقبل هذا التقدير وتظلم منه وإذ اعتبر قرار قومسيون الوزارة بتقدير الأجرة بهذا المبلغ ملزماً للوقف يكون مخالفاً للقانون إذ أن تحديد المؤجر للأجرة بإرادته المنفردة لا يكون ملزماً للمستأجر ما لم يقبله أو يصدر حكم بإلزامه به.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه يبين من الصورتين الرسميتين للمذكرتين المقدمتين من الطاعنين إلى محكمة الاستئناف أنهم تمسكوا في الأولى منهما بأن ناظر الوقف تظلم للوزارة بكتابه المؤرخ 5 من فبراير سنة 1941 من تقديرها الأجرة بمبلغ 8 ج و700 م شهرياً ودللوا على قبول الوزارة لهذا التظلم بما ظهر للخبير الذي عينته المحكمة عند اطلاعه على دفاتر الوزارة من أنها استمرت تقيد الأجرة المستحقة على الوقف على اعتبار أنها 28 ج و925 م سنوياً وهي نفس الأجرة التي كانت مقدرة للحكر وقال الطاعنون في مذكرتهم الثانية إن قرار قومسيون الوزارة بتعديل هذه الأجرة وزيادتها إلى 8 ج و700 م شهرياً لا يعتبر ملزماً للوقف لأنه لم يقبله - ولما كان الحكم المطعون فيه قد أغفل الرد على هذا الدفاع وأسس قضاءه باعتماد الأجرة التي حددتها اللجنة المختصة "القومسيون" بالوزارة على قوله "وبما أنه وقد أصبحت العلاقة بين المستأنف عليه (الطاعن الأول بصفته) والوزارة هي علاقة مستأجر بمؤجر وقد حددت الوزارة أجرة للأرض قدرها 8 ج و700 م شهرياً فتظلم المستأجر من هذا التقدير بإقراره المؤرخ 5/ 2/ 1941 إلا أن الوزارة لم تعر تظلمه التفاتاً وظل التقدير سالف الذكر على ما هو عليه حتى تاريخ رفع الدعوى الحالية في سنة 1953 الأمر الذي يتعين معه احتساب الأجرة حسبما انتهى إليه تقدير الوزارة وبالتالي يكون جملة الإيجار المطلوب للوزارة اعتباراً من 1/ 1/ 1941 حتى 1/ 2/ 1957 حيث انتهى الخبير وحدد المستأنف عليه طلباته الختامية هو مبلغ 1679 ج و100 م" ومفاد ذلك أن الحكم اعتبر تقدير الوزارة للأجرة ملزماً للطاعنين على الرغم من عدم قبول ناظر الوقف لهذا التقدير وتظلمه منه، وهذا غير صحيح في القانون ذلك أن تقدير اللجنة المختصة بتقدير الإيجارات في الوزارة لأجرة الأرض المؤجرة للطاعن الأول بصفته لا يكون ملزماً له إلا إذا قبله صراحة أو ضمناً أو صدر حكم قضائي باعتماد هذا التقدير إذ لا يجوز للمؤجر أن يحدد الأجرة بإرادته المنفردة بل يجب الاتفاق عليها بينه وبين المستأجر، وحكم القانون سواء في التقنين المدني الملغي أو القائم أنه إذا تعذر عند التعاقد الاتفاق على الأجرة بأن حاول المتعاقدان الاتفاق عليها ولم يستطيعا فإن الإيجار يكون باطلاً لانعدام ركن من أركانه فإذا انتفع المستأجر في هذه الحالة بالعين المؤجرة مدة من الزمن التزم بدفع تعويض عن هذا الانتفاع، أما إذا أغفل المتعاقدان الاتفاق على الأجرة فسكتا عن تحديدها في العقد وعن بيان كيفية تقديرها أو إذا اتفقا عليها ولكن تعذر على أي منهما إثبات ما تم الاتفاق عليه فإن القانون يقضي بأن تكون الأجرة في هذين الفرضين هي أجرة المثل وقت تمام العقد وفي مكان الشيء المؤجر إن كان عقاراً. مع ملاحظة أن عقد الإيجار محل النزاع وقد عقد في ظل التقنين المدني الملغى ولا نزاع بين الطرفين على أنه بدئ في تنفيذه فإنه ما لم يوجد بيد المستأجر سند مخالصة بالأجرة أو يوجد لدى أحد المتعاقدين دليل كتابي آخر فإن الأجرة المدعى بحصول الاتفاق عليها لا تثبت في حالة عدم إقرار المدعى عليه بمقدارها إلا بتقدير أهل الخبرة لها على أساس أجر المثل للعين المؤجرة وإذ كان الحكم المطعون فيه قد غفل عن تطبيق هذه القواعد واعتبر تقدير الوزارة للأجرة ملزماً للطاعنين على الرغم من تسليم الحكم بأن ناظر الوقف لم يرتض هذا التقدير وتظلم منه عندما علم به فإنه يكون مخالفاً القانون كما أنه إذ أغفل الرد على دفاع الطاعنين في هذا الخصوص يكون معيباً بالقصور ومن ثم يتعين نقضه. ولا عبرة بما جاء بدفاع الوزارة المطعون ضدها أمام هذه المحكمة من أن الأجرة التي قدرتها والتي اعتمدها الحكم المطعون فيه هي أجرة المثل إذ علاوة على عدم قيام الدليل على ذلك فإنه ما دام ناظر الوقف قد نازع في هذا التقدير من بادئ الأمر ولم يقبله فإنه لو ثبت انعقاد الإيجار صحيحاً طبقاً للقواعد المتقدمة وأن الأمر اقتصر على إثبات ما اتفق عليه الطرفان بشأن مقدار الأجرة فإن القانون المدني الملغى الذي يحكم العقد قد جعل في هذه الحالة القول لأهل الخبرة في تحديد أجر المثل ما لم يوجد دليل كتابي على مقدارها أما ما تقوله الوزارة من قبول الطاعنين لتقديرها قبولاً ضمنياً فإنه ما دام الحكم المطعون فيه لم يستند في قضائه إلى حصول مثل هذا القبول فإن محكمة النقض لا تستطيع بحث هذا الدفاع لتعلقه بأمر موضوعي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق