جلسة 26 من إبريل سنة 1980
برئاسة السيد المستشار/ عدلي مصطفى بغدادي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: د. إبراهيم علي صالح، محمود حسن رمضان، عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل وحسن عثمان عمار.
----------------
(233)
الطعن رقم 152 لسنة 41 القضائية
(1 - 3) اختصاص "اختصاص ولائي". إيجار "إيجار الأراضي الزراعية".
(1) الاختصاص الانفرادي للجان الفصل في المنازعات الزراعية. مناطه. النص على اختصاص اللجنة بنظر بعض المنازعات دون انفرادها بها. لا يحول دون عرضها على المحاكم صاحبة الولاية العامة للفصل فيها.
(2) دعوى المستأجر بصحة ونفاذ عقد الإيجار مع التسليم. اختصاص المحاكم ولجان الفصل في المنازعات الزراعية بنظرها. منازعة المدعى عليه بشأن بطلان العقد للتنازل عن الإيجار للغير. وجوب تقديمه طلباً بذلك إلى اللجنة. المنازعة بشأن مقدار حيازة المدعي وأسرته. لا تعد من حالات الاختصاص الانفرادي للجان المذكورة.
(3) عقود إيجار الأراضي الزراعية المبرمة قبل صدور القانون رقم 17 لسنة 1962، عدم وجوب إيداع نسخة منها مقر الجمعية التعاونية الزراعية. إخلال المؤجر بالتزامه بالإيداع. أثره. لا محل لتمسكه بعدم قبول دعوى المستأجر لهذا السبب. علة ذلك.
(4 - 6) حكم. دعوى. دفوع.
(4) الدفع بعدم قبول الدعوى. ماهيته. تعلقه بالشروط اللازمة لسماع الدعوى وهي الصفة والمصلحة والحق في رفع الدعوى.
(5) تقدير قيام المصلحة في الدعوى أو انتفائها. اتصاله بموضوع الدعوى. قضاء محكمة أول درجة بعدم قبولها. أثره. استنفاد ولايتها.
(6) الدفع بعدم قبول الدعوى. التكييف الصحيح له. العبرة فيه بحقيقة مرماه، وجوب استجلاء المحكمة لماهية الدفع.
(7) إيجار. "إيجار الأراضي الزراعية". حكم. دعوى. دفوع.
القضاء بعدم قبول الدعوى لعدم إيداع نسخة من عقد الإيجار بالجمعية التعاونية الزراعية. لا يعد دفعاً بعدم القبول مما تستنفد به المحكمة ولايتها بالفصل في الموضوع. إلغاء الحكم استئنافياً. أثره. وجوب إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 841 لسنة 1967 مدني كلي القاهرة ضد الطاعنين للحكم بصحة ونفاذ عقد إيجار الأرض الزراعية المبينة به وبصحيفة الدعوى والمؤرخ 19/ 10/ 1961 وبتسليمها إليه، وقال بياناً لذلك أنه بموجب ذلك العقد استأجر عين النزاع وتسلمها، إلا أن أشخاصاً تعرضوا له فيها، في سنة 1962، فاستصدر حكماً بفرض الحراسة القضائية عليها. وإذ أمر محافظ الغربية بتمكين أولئك المعترضين في الحيازة فقد طعن الطاعنون في هذا الأمر أمام القضاء الإداري وقضى لصالحهم بإلغائه ثم طلبوا إنهاء الحراسة فأجيبوا إلى ذلك وأمرت المحكمة بتسليم الأرض إليهم، وإزاء انتفاء ما يحول دون إعادة الأرض إليه فقد أقام على الطاعنين هذه الدعوى. قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى لعدم إيداع عقد الإيجار بالجمعية التعاونية الزراعية. استأنف المطعون عليه هذا الحكم بالاستئناف رقم 820 لسنة 85 ق القاهرة. وبتاريخ 26/ 12/ 1970 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبإجابة المطعون عليه إلى طلباته، طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنون على الحكم المطعون فيه بالوجه الرابع من السبب الأول وبالسبب الثاني مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون أنهم دفعوا أمام محكمة الاستئناف بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى لاختصاص الهيئات التي نص عليها قانون الإصلاح الزراعي إلا أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع استناداً إلى عبارة قاصرة مؤداها أن النزاع يدور حول صحة عقد إيجار ونفاذه مما لا شأن للجنة فض المنازعات الزراعية به، في حين أن الفصل في الدعوى يقضي النظر في مدى التزام أحكام قانون الإصلاح الزراعي في شأن ثبوت اشتغال المستأجر بالزراعة، وما إذا كان يضع اليد بنفسه على الأرض المؤجرة أم يؤجرها لغيره ومقدار ما يحوزه هو وأسرته من الأراضي الزراعية مما يخرج الفصل فيه عن اختصاص المحاكم الأمر الذي يعيب الحكم فيه بمخالفة القانون علاوة على ما يشوبه من قصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط خروج المنازعات الإيجارية الزراعية عن الاختصاص الولائي للمحاكم، هو أن تكون المنازعة مما تنفرد لجنة الفصل في المنازعات الزراعية بالفصل فيه وحدها بنص صريح خروجاً على الأصل العام المقرر بقانون السلطة القضائية من اختصاص المحاكم بالفصل في كافة المنازعات إلا ما استثنى بنص خاص. أما ما غاير ذلك من منازعات أسبغت بعض النصوص على تلك اللجنة اختصاص الفصل فيها دون أن تفردها بذلك انتزاعاً من المحاكم صاحبة الولاية العامة في القضاء، فإنه ليس ثمة ما يحول بين المحاكم وبين الفصل فيها إعمالاً لحقها الأصيل ويكون الاختصاص في شأنها مشتركاً بين اللجنة والمحاكم. لا يمنع نظر أيهما فيها من نظر الأخرى إلى أن تحول دون ذلك قوة الأمر المقضي، ولما كان النص في المادة 3 من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن لجان الفصل في المنازعات الزراعية على أنه "تختص لجنة الفصل في المنازعات الزراعية بنظر المنازعات الناشئة عن العلاقة الإيجارية في الأراضي الزراعية وما في حكمها من الأراضي البور والصحراوية والتابعة للزراعة. وبوجه خاص تختص اللجنة وحدها بالفصل في المسائل الآتية: ( أ ) المنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام المواد 32 إلى 36 مكرراً "ز" من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي. (ب) كل خلاف ينشأ حول استخدام السلف النقدية أو العينية... (ج) جميع الإشكالات المتعلقة بتنفيذ قرارات اللجنة". وبالنص في الفقرة الثانية من المادة 7 من القانون رقم 54 لسنة 1966 على أنه "يمتنع على المحاكم النظر في المنازعات التي تدخل في اختصاص هذه اللجان طبقاً للفقرة 2 من المادة 3 يدل على أنه - باستثناء ما أشير إليه في تلك الفقرة من منازعات - لا يحول بين المحاكم وبين الاختصاص بالفصل في الدعاوى الإيجارية الزراعية مانع من القانون، لما كان ذلك. وكان ما نعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه من أنه يلزم للفصل في طلبات المطعون عليه النظر في مسائل تنفرد بها لجنة الفصل في المنازعات الزراعية، مردوداً بأنه وإن كانت المادة 32 من قانون الإصلاح الزراعي - رقم 178 لسنة 1952 معدلة بالقانونين رقمي 355 لسنة 1954 و52 لسنة 1966، تقضى بأن "يكون تأجير الأراضي الزراعية لمن يتولى زراعتها بنفسه ولا يجوز للمستأجر تأجيرها من الباطن أو التنازل عن الإيجار للغير أو مشاركته فيها. ويقع باطلاً كل تعاقد يتم بالمخالفة للحكم المتقدم ويشمل البطلان أيضاً العقد المبرم بين المؤجر والمستأجر الأصلي. "إلا أنه لما كانت الفقرة الأخيرة من هذه المادة تجرى بأن تقضي بالبطلان لجنة الفصل في المنازعات الزراعية متى طلب إليها ذوو الشأن ذلك" فإن في ذلك ما يفيد أن اختصاص تلك اللجنة معلق على طلب ذوي الشأن إليها القضاء بالبطلان في هذه الحالة، فإذا لم يتقدم هؤلاء بهذا الطلب فلا بطلان، ولما كان الطاعنون لم يقدموا رفق طعنهم ما يفيد أنهم تمسكوا أمام محكمة الموضوع بتقدمهم طلب البطلان إلى اللجنة آنفة الذكر فإنه لا يكون لما أشاروا إليه أمام تلك المحكمة بشأن موقف المطعون عليه من شروط المادة 32 السالف الإشارة إليها، ما يعتبر إثارة لمسألة من المسائل التي تنظمها تلك المادة وتؤدي إلى خروج الدعوى من اختصاص المحكمة، ولما كان ما أثاره الطاعنون أيضاً بشأن مقدار ما يحوزه المطعون عليه وأسرته من الأراضي الزراعية ومدى دخولها في حدود ما يجيزه القانون إنما يستند إلى نص المادة 37 من قانون الإصلاح الزراعي، وهي خارجة عما نصت المادة 3 من القانون رقم 54 لسنة 1966 بشأن ما تنفرد به لجان الفصل في المنازعات الزراعية بما لا يصد المحاكم عن النظر في هذا الأمر. لما كان ما تقدم، وكان لا يعيب الحكم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قصور أسبابه القانونية ما دامت النتيجة التي وصل إليها موافقة لصحيح حكم القانون، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى ثبوت اختصاص المحاكم بنظر الدعوى الماثلة، وكان ذلك منه صحيحاً في القانون، لما تقدمت الإشارة إليه من أسباب قانونية، فإن النعي عليه بمخالفة القانون والقصور في التسبيب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالوجه الثالث من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقولون أنهم تمسكوا أمام محكمة الاستئناف بما أخذ به الحكم الابتدائي من عدم قبول الدعوى لعدم إيداع عقد الإيجار محل التداعي بالجمعية الزراعية نزولاً على حكم المادة 36 من قانون الإصلاح الزراعي، إلى أن الحكم المطعون فيه أطرح هذا الدفع بمقولة أن الملزم بهذا الإيداع هو المؤجر دون المستأجر وأنه لا يسوغ مساءلة المستأجر عما وقع من المؤجر من تقصير، وهو من الحكم مخالف للقانون ذلك أن نص المادة 36 مكرر (ب) من ذلك القانون قد أرست حكماً عاماً قوامه عدم قبول أية منازعة أو دعوى ناشئة عن إيجار أرض زراعية ما لم يكن عقد الإيجار مودعاً بالجمعية التعاونية الزراعية غير مفرقة في ذلك بين المؤجر والمستأجر، لالتزام هذا الأخير عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة 36 مكرر بالإبلاغ عن عدم الإيداع، مما مؤداه تحقق الجزاء المقرر في القانون بغض النظر عن شخص من أخل بالالتزام.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد في مقام الرد على هذا الدفع قوله "إن العقد قد صدر بتاريخ 19/ 10/ 1961 - قبل تعديل القانون رقم 178 لسنة 1952 بإضافة المواد التي أوجبت الإيداع بمقتضى القانون رقم 17 لسنة 1963 المعدل بالقانون رقم 52 لسنة 1966، وقد نفذ فعلاً في ظل القانون قبل التعديل وانتزعت يد المستأجر من الأرض المؤجرة بقرار ألغى بحكم من مجلس الدولة وعادت الأرض إلى المالك" مما مؤداه أن القانون القائم في تاريخ إبرام عقد الإيجار لم يكن يتطلب إيداع العقود بداهة، وكان الحكم قد تناول بالتنفيذ أمر انطباق أحكام تلك النصوص المستحدثة على عقود الإيجار القائمة في تاريخ العمل بها، منوهاً بما تقضي به المادة 36 من القانون رقم 178 لسنة 1952 - معدلاً بالقانون رقم 17 لسنة 1963 - من التزام المؤجر بإيداع نسخة عقد الإيجار بالجمعية وانتفاء النص على عدم قبول دعاوى المستأجر جزاء على تخلفه عن الإبلاغ بتقاعس المؤجر عن القيام بواجبه في الإيداع. وعدم جواز مساءلة المستأجر عن إخلال المؤجر بالتزامه، وهو من الحكم صحيح في القانون ذلك أنه من المقرر في تفسير النصوص التشريعية وجوب الأخذ في فهم مرماها وإعمال أحكامها بمجموع ما أورده المشرع فيها تعرفاً على مقصده الشامل منها وعدم أفراد أجزاء منها بمفهوم مستقل عن سائرها ما لم يكن ذلك مستمداً من عبارة النص الصريح، اتقاء تفتيت التشريع بما قد يفضي به إلى التناقض، هذا بالإضافة إلى ما هو مقرر من أنه ليس للمخطئ أن يلقي بتبعية خطئه، غشاً كان ذلك فيه أو تقصيراً، على سواء وعلى أن يستفيد من خطئه في مواجهة غيره، ولو كان هذا الغير بدوره مخطئاً، لما كان ما تقدم - فإن ما خلص إليه الحكم المطعون فيه من عدم جواز تحميل (المطعون عليه) - بنتيجة عدم قيام (الطاعنين) بإيداع نسخة عقد الإيجار محل التداعي بالجمعية التعاونية الزراعية، وما رتبه على ذلك من القضاء برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، يكون موافقاً لصحيح القانون، ويكون النعي عليه بما جاء بهذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون بتصدي محكمة الاستئناف للفصل في موضوع الدعوى بعد قضائها بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم قبول الدعوى لعدم إيداع عقد الإيجار بالجمعية التعاونية الزراعية، حالة أن محكمة الدرجة الأولى لم تستنفد بهذا القضاء ولايتها على موضوع الدعوى لوقوفها عند حد التعرض لإجراء شكلي بحت، مما كان يوجب على محكمة الاستئناف عند إلغائها ذلك الحكم إعادة الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى للفصل فيها التزاماً بمبدأ تعدد درجات التقاضي.
وحيث إن هذا النعي سديد ذلك أن النص في المادة 115 من قانون المرافعات على أن "الدفع بعدم قبول الدعوى يجوز إبداؤه في أية حالة تكون عليها" يدل على أن هذا الدفع ليس من قبيل الدفوع المتعلقة بالإجراءات التي أشارت إليها المادة 108 من ذلك القانون بقولها "الدفع بعدم الاختصاص المحلي والدفع بإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى لقيام ذات النزاع أمامها أو للارتباط والدفع بالبطلان وسائر الدفوع المتعلقة بالإجراءات يجب إبداؤها معاً قبل إبداء أي طلب أو دفاع في الدعوى أو دفع بعدم القبول وإلا سقط الحق فيما لم يبد منها" وإنما هو من قبيل أوجه الدفاع الموضوعية في الدعوى، فليحق من ثم بها في حدود ما يتفق وطبيعته، وأنه وإن كان المشرع لم يضع لهذا الدفع تعريفاً - تقديراً منه لصعوبة فرض تحديد جامع مانع له - على ما أفصحت عن المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون المرافعات السابق في صدر المادة 142 منه المقابلة للمادة 115 الحالية - إلا أن النص في المادة 3 من قانون المرافعات على أنه "لا يقبل أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون" يدل على أن مؤدى الدفع بعدم القبول، انتفاء المصلحة اللازمة لقبول الدعوى بالمعنى المتقدم، أو هو - على ما عبرت عنه تلك المذكرة الإيضاحية - الدفع الذي يرمي إلى الطعن بعدم توافر الشروط اللازمة لسماع الدعوى وهي الصفة والمصلحة والحق في رفع الدعوى باعتباره حقاً مستقلاً عن ذات الحق الذي ترفع الدعوى بطلب تقريره، لما كان ذلك، وكان تقدير قيام المصلحة أو انتفائها - بخصائصها المقررة في فقه القانون وهي اتصالها بشخص صاحبها اتصالاً مباشراً وقيامها قياماً حالاً واستنادها إلى القانون - يقتضى من الحكم اتصالاً بموضوع الدعوى متمثلاً في عنصر أو أكثر من عناصرها الثلاثة وهي الخصوم والمحل والسبب، من أجل ذلك كان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن من شأن الحكم بعدم قبول الدعوى تستنفد به المحكمة التي أصدرته ولايتها في الفصل في موضوع الدعوى، مما ينتقل معه الحق في الفصل فيها من جديد إلى محكمة استئناف في حالة الطعن في الحكم لديها، لما كان ما تقدم وكانت المحكمة في تكييف الدفع هي بحقيقة جوهره كما تستخلصه المحكمة من مرماه بغض النظر عن ظاهره الذي يخلعه عليه الخصم، فإن في ذلك ما يوجب على محكمة الاستئناف لدى معاودتها النظر في الحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى بعدم قبول الدعوى، استجلاء حقيقة الدفع بذلك تعرفاً على مدى اتصاله بخصائص المصلحة في الدعوى على النحو الذي تقدمت الإشارة إليه، وتحديداً لمدى استنفاد محكمة الدرجة الأولى لولايتها على الدعوى أو قيام حقها في استكمال نظرها - في حالة قضاء محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم بعدم قبول الدعوى وبقبولها - لما كان ما سلف، وكان الثابت من مطالعة أسباب الحكم الصادر من محكمة الدرجة الأولى بعدم قبول دعوى المطعون عليه أنها أقامت قضاءها على أن "البادي من مطالعة عقد الإيجار سند الدعوى والمقدمة من المدعي أنه لم تودع منه نسخة بالجمعية التعاونية الزراعية المختصة إذ جاء خلواً من الإشارة إلى حصول هذا الإيداع فإن الدعوى تكون غير مقبولة - مما مؤداه أن المحكمة لم تجاوز النظر في مظهر العقد المقدم من المطعون عليه تعرفاً على ما إذا كان مؤشراً عليه بما يفيد إيداعه بالجمعية، فلما لم تجد عليه تأشيراً بذلك، قضت بعدم القبول فإنها لا تكون قد اتصلت بهذا القضاء بشيء من خصائص المصلحة في الدعوى أو تعرضت لأي عنصر من عناصرها وقوفاً منها عند حد المظهر الشكلي لسند الدعوى مما ينأى بالدفع المبدى لديها عن وصف الدفع بعدم القبول، الذي تستنفد بقبوله ولايتها في الفصل في موضوع الدعوى، الأمر الذي كان يوجب على محكمة الاستئناف - بعد إلغاءها للحكم المستأنف - إعادة الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى للفصل في موضوعها دون أن تتصدى لهذا الفعل تفادياً من تفويت درجة من درجتي التقاضي على الخصوم، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى في الموضوع فإنه يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه لهذا لسبب دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن. ولما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه في خصوص ما قضى به من صحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 19/ 10/ 1961 والمتضمن استئجار المستأنف من المستأنف ضدهم 34 ف و12 ط و16 س الموضحة الحدود والمعالم بالعقد وتسليمها. ولما كان الاستئناف في ضوء ما تقدم صالحاً للفصل فيه وفقاً لصحيح القانون فإنه يتعين إحالة القضية إلى محكمة الدرجة الأولى للفصل في موضوع الدعوى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق