جلسة 10 فبراير سنة 1944
برياسة سعادة أمين أنيس باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: نجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك ومحمود فؤاد بك المستشارين.
------------------
(98)
القضية رقم 72 سنة 13 القضائية
أ - حكم. تسبيبه.
دفع رفضته المحكمة الابتدائية بناءً على سببين. استبعاد المحكمة الاستئنافية أحدهما. استقامة الحكم بالسبب الآخر. حكم مسبب.
ب - دعوى قسمة.
عقار مؤجر. حق المستأجر هو حق شخصي. كون عقد الإجارة مسجلاً. أثره. الاحتجاج به قبل من انتقلت إليه ملكية العين. صدوره ممن تجاوز حقه في الإدارة. لا يحتج به.
الوقائع
تتحصل وقائع هذه الدعوى في أن المطعون ضده الأول رفع دعوى ضد الطاعن ومحمود محمد علي زيان المشمول بقوامة المطعون ضدها الثانية لدى محكمة السيدة زينب قيدت برقم 1122 سنة 1942 قال بصحيفتها إن محمد علي إبراهيم زيان، مورث المطعون ضدهما وآخرين، توفي في مايو سنة 1938 وترك عدة عقارات بالقاهرة، وقد رفعت الوصية على القصر دعوى مستعجلة بتعيين حارس على الأعيان لشيوعها، وحكم في 16 من يوليو سنة 1938 بتعيين كل وارث حارساً على عقارات توازي نصيبه في التركة إلى أن ينتهي الشيوع، وعلى مقتضى هذا الحكم عين محمود محمد علي زيان حارساً على المنزل رقم 40 بشارع خيرت بالقاهرة. وفي سنة 1939 رفع المطعون ضده الأول دعوى قسمة أمام محكمة السيدة زينب بطلب فرز وتجنيب نصيبه في التركة، كما طلبت الوصية على القصر فرز نصيبهم أيضاً، وقد تمت القسمة واختص المطعون ضده الأول بالمنزل رقم 40 بشارع خيرت وتسلمه مع عقارات أخرى وتعاقد مع الساكنين بذلك المنزل بالتأجير لهم. ولما أراد أن يتفق مع الطاعن ليؤجر له المسكن الذي يشغله بالمنزل رفض بدعوى أنه مستأجر له من محمود محمد علي زيان بعقد إيجار رسمي تاريخه 14 من يوليو سنة 1940 لمدة خمس سنوات ونصف تنتهي في 31 من ديسمبر سنة 1945 وأنه دفع الإيجار عن هذه المدة مقدماً. وبما أن العقار أصبح ملكاً له ولا حق لمحمود محمد علي زيان في التأجير بعد القسمة لذلك طلب الحكم بإلزام الطاعن بأن يدفع له 5 ج إيجار الشقة عن شهر فبراير سنة 1941 وما يستجد شهرياً بواقع 5 ج لغاية الوفاء مع المصاريف والأتعاب والنفاذ بلا كفالة. وبتاريخ 4 من ديسمبر سنة 1941 قررت محكمة السيدة زينب إحالة الدعوى باتفاق الطرفين إلى محكمة مصر الابتدائية وقيدت بجدولها برقم 1345 سنة 1941. وبتاريخ 29 من أكتوبر سنة 1941 أعلن الطاعن المؤجر له محمود محمد علي زيان ليسمع الحكم أصلاً برفض دعوى المدعي وإلزامه بمصاريفها واحتياطياً لكي يحكم عليه مباشرة بما قد يكون للمدعي من حق مع إلزامه في الحالتين بالمصاريف والأتعاب مع حفظ كافة الحقوق.
وبتاريخ 18 من نوفمبر سنة 1941 أعلن الطاعن كلاً من محمود محمد علي زيان ومحمد محمد علي زيان طالباً الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا له 25 ج تعويضاً مع المصاريف والأتعاب والنفاذ. وقد دفع الطاعن دعوى المطعون ضده الأول بعدم قبولها لأن حكم القسمة لم يسجل وأن عقد إيجاره تسجل. وبتاريخ 2 من يناير سنة 1942 حكمت المحكمة أولاً - برفض الدفع الفرعي. ثانياً - بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده الأول 5 ج إيجار الشقة موضوع الدعوى عن شهر فبراير سنة 1941 بخلاف ما يستجد شهرياً بواقع 5 ج حتى تمام الوفاء و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفض الدعوى الفرعية ودعوى الضمان.
استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر طالباً الحكم بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف بكامل أجزائه والحكم أولاً بعدم قبول دعوى المستأنف ضده الأول (المطعون ضده الأول) أو برفضها وفي كلتا الحالتين بإلزامه مع محمود محمد علي زيان بأن يدفعا له بطريق التضامن مبلغ 25 ج تعويضاً، واحتياطياً إلزام محمود محمد علي زيان بأن يدفع له (أي للطاعن) ما قد يكون للمطعون ضده الأول من حق مع إخراج المستأنف (الطاعن) من الدعوى، وعلى سبيل الاحتياط الكلي الحكم على محمود محمد علي زيان بما قد يحكم به على الطاعن مع إلزامه هو ومحمد محمد علي زيان بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. وقد أوقع الحجر على محمود محمد علي زيان وعينت زوجه السيدة فتحية شاكر قيمة عليه وأعلنت في الدعوى بتاريخ 20 من سبتمبر سنة 1942. وبتاريخ 10 من إبريل سنة 1943 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وإلزام المستأنف (الطاعن) بأن يدفع للمستأنف ضده الأول محمد محمد علي زيان مبلغ 4 ج شهرياً ابتداءً من أول يوليه سنة 1941 لغاية تاريخ هذا الحكم والمصاريف المناسبة عن الدرجتين والمقاصة في أتعاب المحاماة وتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 22 من إبريل سنة 1943 فطعن فيه بطريق النقض في 20 من مايو سنة 1943 بتقرير أعلن للمطعون ضده الأول إلخ إلخ.
المحكمة
وحيث إن الطاعن يبني طعنه على أربعة أوجه:
وحيث إن محصل الوجه الأول هو أن الطاعن دفع الدعوى الأصلية بعدم قبولها لانعدام الصفة لرافعها وقت أن أقامها مطالباً بإيجار شهر فبراير سنة 1941 مما جعله يرتب عليه تبعاً ما يستجد. وذلك لأنه رفع الدعوى قبل تسجيل حكم القسمة، وقد قضت المحكمة الابتدائية برفض هذا الدفع استناداً إلى أن عقد إيجار الطاعن صوري إلا أن محكمة الاستئناف استبعدت الصورية وبحثت في الدعوى على ضوء صحة العقد، ولكنها قضت بتأييد الحكم الابتدائي فيما عدا ما عدلته للأسباب التي لا تتنافى مع أسباب حكمها. وبذلك تكون قد أيدت ما قضى به من رفض الدفع من غير أن تبدي أسباباً أخرى في صدده، ولما كان رفض الدفع قد جرى ابتداءً على أساس الصورية التي نفتها محكمة الاستئناف فإنه لا يبقى للحكم المطعون فيه سبب قانوني وإلا تناقضت أسبابه وتخاذلت.
وحيث إن الحكم الابتدائي رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لسببين: الأول - صورية عقد الإيجار، والثاني - أن محجور المطعون ضدها الثانية وقد كان حارساً على العين المؤجرة له حق التأجير إلا أنه يجب لاستعمال هذا الحق أن يكون في حدود الإدارة الطيبة، وقد رأت المحكمة أنه ما كان لمحجور المطعون ضدها الثانية أن يؤجر الشقة للطاعن لمدة خمس سنوات ونصف في الوقت الذي يعلم فيه أن إدارته موقوتة قد تزول بوقوع العقار في ملك غيره من الشركاء واستخلصت من ظروف الدعوى أن الإدارة الطيبة توجب ألا تزيد مدة الإيجار على سنة واحدة وعلى ذلك اعتبرت أن عقد الطاعن قد انتهى في أول يوليو سنة 1941 وأن لا أثر له في حق المطعون ضده الأول بعد التاريخ المذكور.
وحيث إنه يبين مما تقدم أن الحكم الابتدائي لم يقتصر في رفض الدفع على الصورية التي استبعدها الحكم الاستئنافي، بل قد بني أيضاً على السبب الثاني المتقدم ذكره والذي يستقيم به الحكم ومن ثم يكون هذا الوجه على غير أساس.
وحيث إن محصل الوجه الثاني هو أن النزاع كان قائماً أمام محكمة الاستئناف على حجية عقد التأجير الصادر من محمود محمد علي زيان لصدوره من مالك ظاهر بغير معارض أو منازع وبتخويل من شركائه بالانتفاع بطريق التخصيص بهذا المنزل مما يترتب عليه أنهم يحاجون بما يصدر عنه من التزامات، كما أن الطاعن لا يمكن أن يحاج بإجراءات القسمة التي تمت في غير مواجهته. ولكن المحكمة لم تفصل في هذا الأمر الجوهري ولم تقل على أي أساس من القانون يصح للمطعون ضده الأول أن يحتج على الطاعن بإجراءات لم يكن طرفاً فيها، ولأي سبب لم تعتبر القسمة التي تمت بين الشركاء باطلة بالنسبة لحقه الذي حفظه بتسجيل عقد إيجاره.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قضى بأن عقد الإيجار الصادر للطاعن من محمود محمد زيان بصفته حارساً باطل فيما تجاوز السنة من مدته كما سبق إيراده، وبالتالي فلا يصح الاحتجاج به فيما زاد على السنة على المطعون ضده الأول الذي اختص بالعين المؤجرة بمقتضى عقد القسمة. وأما ما يقوله الطاعن من أنه تعاقد مع المؤجر له باعتباره المالك الظاهر فإن ذلك لا تأثير له في حق من أصبح مالكاً بمقتضى القسمة لأنه ليس في القانون ما يسمح بالأخذ بهذا القول. وأما ما يثيره الطاعن خاصاً بإجراءات دعوى القسمة فإنه لا يجوز قانوناً أن يكون طرفاً فيها، لأنه ليس بذي حق عيني على العقار، وحقه باعتباره مستأجراً هو حق شخصي، وتسجيل عقد الإيجار لا أثر له إلا أن يحتج به قبل من انتقلت إليه ملكية العين المؤجرة من المالك المؤجر له في حدود أحكام القانون، لا أن يحتج به على المالك إذا صدر باطلاً ممن لا حق له في التأجير أو تجاوز حدود حقه في الإدارة كما هو الحال في هذه الدعوى.
وحيث إن مؤدى الوجه الثالث هو أن المحكمة أخذت بعقد قسمة المهايأة ثم ألبست المؤجر ثوب الحارس واعتبرت أنه أجر للطاعن بهذه الصفة وحددت مدة العقد بسنة تحكماً، كما أنها خالفت القانون في تقدير الأجرة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ عرض لما يثيره الطاعن في هذا الوجه قال إنه أبرم بين الشركاء في 20 من مايو سنة 1938 عقد قسمة مهايأة خول لمحمود محمد زيان حق الانتفاع بالمنزل رقم 40 بشارع خيرت، وقد انقضت هذه القسمة بحصول الفرز والتجنيب وانتهاء حالة الشيوع في 5 من يناير سنة 1941 مما كان يقتضي أن يعتبر عقد الإيجار الصادر للطاعن منتهياً في هذا التاريخ، إلا أنه بالنظر إلى أن المؤجر كان معيناً حارساً قضائياً على العين المؤجرة اعتبر أن عقد الإيجار يسري حتى أول يوليو سنة 1941 أي لمدة سنة للأسباب التي تقدم ذكرها. ويبين من ذلك أن المحكمة اعتبرته حارساً على أساس حكم صدر بتعيينه، وتحديدها العقد بسنة لم يكن تحكماً منها بل بنته على أسباب استخلصتها من ظروف الدعوى ووقائعها مما لا سبيل لإثارة الجدل بشأنها أمام محكمة النقض. وأما ما يعيبه الطاعن على الحكم من مخالفته للقانون في تقدير الأجرة فإن تقرير الطعن خلو من أي بيان عن هذه المخالفة، ولذلك فلا يعتد بما قاله في هذا الصدد.
وحيث إن مبنى الوجه الرابع هو أن محكمة أول درجة قضت برفض دعوى التعويض والضمان على أساس صورية عقد الإيجار وقد نفت محكمة الاستئناف هذه الصورية دون أن تذكر أسباباً جديدة لرفض تلك الدعوى سوى قولها عن طلب التعويض إن حق رافع الدعوى الأصلية يرجع إلى سند صحيح، ولكن إن صلح هذا السبب بالنسبة إلى المطعون ضده الأول فإنه لا يصلح بالنسبة للمطعون ضده الثاني، وكان يجب على المحكمة أن تبين سبب رفض طلب التعويض بالنسبة له. وأما فيما يتعلق بدعوى الضمان فقد قال الحكم إن حق المطعون ضده الأول في مقابل الانتفاع بملكه مستمد من القانون والطاعن ملزم به مباشرة. ويقول الطاعن إن ما ذكره الحكم غير صحيح لأنه منتفع بالشقة بموجب سند صادر من ذي صفة في التأجير، على أنه إذا صح قضاء المحكمة في ذلك فإنه يبقى أنها لم تعرض لطلبه بإلزام المطعون ضدها الثانية بما قد يحكم به عليه.
وحيث إنه فيما يتعلق بما جاء في هذا الوجه خاصاً بدعوى التعويض الذي طلب إلزام المطعون ضدهما به بسبب رفع هذه الدعوى عليه فإن الحكم المطعون فيه بعد أن بين أن عقد إيجار الطاعن باطل فيما تجاوز السنة التي انتفع بها كما سبق ذكره قال إن طلب التعويض أصبح على غير أساس بعد ما تبين أن هذه الدعوى تقوم في جملتها على سند صحيح مما يدل على أن الحكم عرض لطلب التعويض بجملته قبل المطعون ضدهما.
وحيث إنه فيما يتعلق بدعوى الضمان فقد تقدم القول تفصيلاً بأن عقد الإيجار باطل فيما تجاوز السنة. وأما ما يعيبه الطاعن على الحكم المطعون فيه من أنه لم يقض على المطعون ضدها الثانية بما قضى به عليه فإنه ثابت أنه لم يتقدم بهذا الطلب للمحكمة الابتدائية وما كان يصح أن يتقدم به لأول مرة لمحكمة الاستئناف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق