جلسة 19 من إبريل 1978
برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور إبراهيم صالح، محمد الباجوري، صلاح نصار ومحمود رمضان.
---------------
(204)
الطعن رقم 606 لسنة 43 ق
(1) إصلاح زراعي. إيجار "إيجار الأرض الزراعية". بطلان.
قيام مستأجر الأرض الزراعية بتأجيرها من الباطن. أثره بطلان عقد الإيجار الأصلي والإيجار من الباطن. لا يخل ذلك بحق المؤجر في مطالبتها بمقابل حق الانتفاع أو بالتعويض.
(2) حوالة. حوالة الدين.
حوالة الدين. تحققها باتفاق المدين والمحال عليه. نفاذها بإقرار الدائن لهذا الاتفاق. جواز اتفاق الدائن والمحال عليه على الحوالة دون رضاء المدين.
(3) التزام. بطلان.
تجديد الالتزام. ماهيته. انقضاء الالتزام ونشأة آخر سكانه. بطلان الالتزام الأول. أثره. عدم صلاحيته محلاً للتجديد.
(4) تقادم "تقادم مسقط". بطلان. إيجار.
بطلان عقد الإيجار بطلاناً مطلقاً. حق المؤجر في المطالبة بالريع. سقوطه بالتقادم بمضي خمسة عشر سنة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه وزير الأوقاف - بصفته ناظراً على وقف المرحوم...... طلب إصدار أمر بإلزام الطاعن أداء مبلغ 3612 جنيه و775 مليم، وقال بياناً له أنه بموجب عقد مؤرخ 1/ 11/ 1956 استأجر الطاعن من أعيان الوقف نظارتها أطياناً زراعية مساحتها 99 فدان و4 قراريط و2 سهم كائنة بناحية الطاهرة البحرية مركز المنيا لقاء أجرة سنوية قدرها 2019 جنيه و738 مليم لمدة ثلاث سنوات تجددت لسنة أخرى، وإذ قعد الطاعن عن الوفاء بمبلغ 3612 جنيه و775 مليم، فقد طلب إلزامه أداءه. تظلم الطاعن من الأمر الصادر بالأداء بالدعوى رقم 461 سنة 1964 مدني أمام محكمة المنيا الابتدائية ودفع ببطلان إجراءات استصدره. وبتاريخ 10/ 11/ 1966 حكمت المحكمة برفض الدفع ببطلان إجراءات أمر الأداء المتظلم منه وبندب مكتب الخبراء لبحث قيمة المستحق على الطاعن من إيجار الأطيان الزراعية وبيان ما سدده منها، وبعد أن قدم الخبير تقريره عادت وحكمت في 16/ 4/ 1970 بتعديل أمر الأداء المتظلم منه إلى مبلغ 1812 جنيه و503 مليم. استأنف الطاعن والمطعون عليه هذا الحكم أمام محكمة استئناف بني سويف بالاستئنافين رقمي 138، 142 سنة 6 ق (مأمورية المنيا) وبتاريخ 17/ 4/ 1973 حكمت فيها بحكم واحد بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بأن يؤدي للمطعون عليه - بصفته - مبلغ 3612 جنيه و775 مليم. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم نقضاً جزئياً. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته أنه جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعن بالسببين الأولين منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك في دفاعه بأنه كان يستأجر أرض النزاع من ناظر الوقف السابق ويؤجرها من باطنه لصغار الزراع واستمر هذا الوضع عندها تنظرت الوزارة على الوقف وبذلك يكون عقدها معه باطلاً عملاً بالمادة 32 من قانون الإصلاح الزراعي، فلا يترتب التزام في ذمته وينتقل عبؤه إلى المستأجرين من الباطن الذين يساءلون عن الوفاء بهذا الدين - غير أن الحكم ذهب إلى أن التزام المستأجرين من الباطن لا يعفيه من أداء الدين باعتباره مدنياً أصلياً، كما أن الثابت من تقرير الخبير أنهم لم يسددوا شيئاً منه، ولم يقدم الطاعن دليلاً على هذا السداد في حين أنه طالما اعتبر عقد الطاعن مع الوزارة باطلاً بطلاناً مطلقاً فلا يحق للمطعون عليها مطالبته بالأجرة محل النزاع، هذا إلى أن تعهد المستأجرين من الباطن للوزارة المطعون عليها بالوفاء بالأجرة المستحقة عليه وقبولها التقسيط منهم يعد من قبيل حوالة الدين المتفق عليها بين الدائن والمحال عليه عملاً بالمادة 321 من القانون المدني، أو من قبيل التجديد بتغيير المدين طبقاً للمادة 352 من ذات القانون، وأيهما يرتب انقضاء دين الطاعن، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 32 من قانون الإصلاح الزراعي الصادر بالمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 - وقبل تعديلها بالقانون رقم 335 لسنة 1954 ثم بالقانون رقم 52 لسنة 1966 - على أنه "لا يجوز تأجير الأرض الزراعية إلا لمن يتولى زراعتها بنفسه"، يدل على أن - المشرع قيد حرية المالك في التأجير فقصره على من يقوم بزراعة الأرض بنفسه، كما وضع قيداً على الراغبين في الاستئجار فاشترط صفة جوهرية فيمن يستأجر أرض غيره، هو أن يستغلها بنفسه وألا يؤجرها إلى الغير، وهو نص آمر متعلق بالنظام العام، الجزاء على مخالفته هو بطلان عقد الإيجار الأصلي بما يترتب عليه من سقوط الإيجار من الباطن أو التنازل عن الإيجار، إلا أن ذلك البطلان، لا يخل بحق المالك في مطالبته كل من المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن أو المتنازل له عن الإيجار بمقابل انتفاعه بالعين بما له من حقوق أو تعويض وما أصابه من ضرر. وإذ كانت هذه المطالبة تجرى وفقاً للقواعد العامة ودون نظر إلى ما تعطيه قواعد الإيجار من مزايا، إذ نتيجة البطلان أن المؤجر لم يعد مؤجراً ولم يعد الطرف الآخر مستأجراً، ومن ثم فإن الإضافة التي جرت على هذه المادة بموجب القانون رقم 52 لسنة 1966 من أنه "يقع باطلاً كل تعاقد يتم بالمخالفة للحكم المتقدم، ويشمل البطلان أيضاً العقد المبرم بين المؤجر والمستأجر الأصلي.... ولا يخل هذا البطلان بحق المالك في مطالبة المستأجر الأصلي والمستأجر من الباطن بما له من حقوق أو بتعويض ما أصابه من أضرار؛" ليست إلا إفصاحاً عن رأيه وتأكيداً لاتجاهه في حق المؤجر بالمطالبة بما له من حقوق مقابل الانتفاع بالعين أو بالتعويض، ولا يعتبر إبانة عن حكم جديد. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد جرى في قضائه على أن تأجير الطاعن الأرض الزراعية من باطنه لا يمنع المطعون عليه من مطالبته بمقابل الانتفاع بالأرض عن الفترة من 1958 حتى 1961، إلى جانب حقه في مطالبة من قبل انتفاعهم فعلاً فإنه يكون قد التزم صحيح القانون، لا يغير من ذلك إسباغه وصف المستأجر الأصلي على الطاعن ولفظ المستأجرين من الباطن على المنتفعين طالما قد انتهى إلى النتيجة السليمة. لما كان ما تقدم وكان مفاد المواد 315، 316، 321 من القانون المدني أن حوالة الدين تتحقق إما باتفاق بين المدين الأصلي والمحال عليه الذي يصبح بمقتضاه مديناً بدلاً منه، ولا ينفذ في مواجهة الدائن بغير إقراره، وإما باتفاق بين الدائن والمحال عليه بغير رضاء المدين الأصلي، وكان مؤدى ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه أن الأوراق خلو من وجود اتفاق على حوالة الدين بين المستأجرين من الباطن المستأجرين وبين الطاعن وعلى إقرار المطعون عليه لهذه الحوالة، أو على أن هناك ثمت اتفاق على الحوالة بين وزارة الأوقاف وبين المستأجرين من الباطن، ودلل على ذلك بما أورده تقرير الخبير، فإن ذلك كاف للرد على ما أثاره الطاعن بشأن حوالة الدين المدعاة. لما كان ما سلف وكانت المادة 353/ 1 من التقنين المدني تفترض في التجديد انقضاء التزام ونشوء التزام مكانه، فإذا كان الالتزام القديم باطلاً امتنع أن يكون محلاً لتجديد لأنه بات التزاماً معدوماً في نظر القانون، وإذ كان العقد الأصلي المبرم بين الطاعن وبين وزارة الأوقاف باطلاً بطلاناً مطلقاً على ما سلف بيانه فإنه لا محل للقول بقيام التجديد أصلاً ولا مجال للتعييب على الحكم بالقصور لهذا السبب، ويكون النعي برمته على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب من وجهين (الأول) أنه تمسك بسقوط الدين المطالب به بالتقادم الخمسي، واستندت المحكمة في رفضه إلى أنه سدد مبالغ من الدين في مرات متلاحقة خلال المدة من 22/ 5/ 1958 حتى 28/ 6/ 1960 بإيصالات تضمنت تحفظاً من وزارة الأوقاف بالمطالبة بما تبقى لها في ذمته، وإلى إقراره بالشكوى المؤرخة 23/ 4/ 1960 المقدمة منه إلى المؤجرة بمديونيته بمبلغ 2700 جنيه وإلى ما أقر به في تحقيقات الشكوى رقم 1522 سنة 1963 إداري بندر المنيا بأنه مدين لوزارة الأوقاف بمبلغ 3000 جنيه، في حين أن التقادم الخمسي لا يقوم على قريبة الوفاء وإنما لتفادي إرهاق المدين وتراخى الدائن في المطالبة بالدين الدوري المتجدد وما يرتبه تراكمه من إعناته، وإقرار المدين لا يمنعه من التمسك بالتقادم طبقاً للمادة 375 من القانون المدني (الثاني) أن الحكم استند في رفض التقادم إلى الحجز الإداري الذي وقعته وزارة الأوقاف في 10/ 4/ 1964 في حين أن هذا الحجز باطل وحابط الأثر لعدم صدوره ممن يملك الأمر بتوقيعه على مقتضى المادة 2 من القانون رقم 308 سنة 1955، وأن محضر توقيعه لا يعدو ورقة موقعاً عليها من مندوب الحجز لا يتوافر فيها شروط صحته، ولم يشر الحكم إلى ما يدل على إعلان الطاعن به في الميعاد المقرر قانوناً كما لم يتم البيع خلال ستة أشهر، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن النعي بوجهيه مردود، ذلك أنه لما كانت المطالبة بمقابل الانتفاع بالعين ليس مردوها عقد الإيجار الأصلي أو إلى عقد التأجير من الباطن طالما اعتبر كل منهما باطلاً بطلاناً مطلقاً متعلقاً بالنظام العام على ما سلف بيانه في الرد على السببين الأولين، وكان الحق في المطالبة بالريع لا يسقط إلا بالتقادم الطويل أو بمضي خمسة عشر عاماً، فإن ما ينعاه الطاعن تأسيساً على التقادم الخمسي ولا انطباق له على واقعة الدعوى - يكون غير منتج، ما دام لم يدع أحد بانقضاء المدة الطويلة أياً كان وجه الرأي فيما انتهى إليه الحكم المطعون فيه بصدد التقادم الخمسي.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال؛ وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أقام قضاءه بإلزامه بمصاريف ري الأرض الزراعية استناداً إلى الثابت بسجلات الوزارة من أدائها الخدمة له، دون توافر دليل على قيامها بري الأرض المؤجرة، ودون أن يبين الحكم المصدر الذي استقى منه أن سجلات الوزارة ثبت بها قيامها بأدائه عنه، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي صحيح، ذلك أنه لما كان المقرر أن المدعي هو المكلف بإثبات دعواه وتقديم الأدلة التي تؤيد ما يدعيه، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن تمسك في دفاعه بأن وزارة الأوقاف لم تمده بمياه الري؛ وكانت هذه الأخيرة لم تقم بإثبات هذه الواقعة التي تؤسس عليها المطالبة، وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه قام قضاءه بإلزام الطاعن بنفقات الري على سند مما أورده عقد الإيجار المبرم بين طرفي التداعي في الفقرة السابعة من العقد 23 رغم تقريره بطلان هذا العقد بطلاناً مطلقاً، ودون أن يبين ما إذا كان يتضمن رغم بطلانه عناصر تصرف آخر واحتمال انصراف إرادة المتعاقدين إليه في معنى المادتين 143، 144 من القانون المدني، وكان استناداً الحكم إلى ما ورد بسجلات وزارة الأوقاف لا يصلح دليلاً لأنه من صنعها، فإنه يكون فضلاً عن مخالفة القانون قد عاره الفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه في هذا الخصوص وحده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق