جلسة 26 من إبريل سنة 1980
برئاسة السيد المستشار/ عدلي مصطفى بغدادي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: د. إبراهيم علي صالح، محمود حسن رمضان، عبد العزيز عبد العاطي إسماعيل ورابح لطفي جمعة.
---------------
(236)
الطعن رقم 624 لسنة 47 القضائية
(1) إيجار "إيجار الأماكن". حيازة. دعوى "قيمة الدعوى".
دعاوى الحيازة من المستأجر. تقدير قيمتها بقيمة الحق الذي ترد عليه. مستأجر الأماكن الخاضعة للتشريعات الاستثنائية. حقه في الانتفاع بالعين المؤجرة. غير قابل للتقدير لامتداد العقد لمدة غير محدودة. الحكم الصادر فيها. جائز استئنافه.
(2 و3) إثبات "البينة". حكم "تسبيبه". محكمة الموضوع.
(2) تقدير أقول الشهود. من سلطة محكمة الموضوع. شرطه. أن يكون استخلاصه سائغاً.
(3) استناد الحكم إلى جملة أدلة مجتمعة. ثبوت فساد إحداها. قصور.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث عن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 1122 سنة 1975 مدني كلي جنوب القاهرة ضد الطاعنة للحكم بإخلائها من الشقة المبينة بصحيفتها، وقال بياناً لذلك أن المستأجر الأصلي لتلك الشقة تنازل له عن عقد إيجارها منذ سنة 1963 وأقام فيها منذ ذلك التاريخ وقد أقر ملاك العقار هذا التنازل وحرروا باسمه عقد إيجار آخر مؤرخاً 21/ 7/ 1974، وقد استضاف بها الطاعنة وزوجها إلى أن غادر الزوج البلاد نهائياً فتركت الطاعنة الشقة للإقامة مع أسرتها، ولكنه فوجئ - إبان غيبته عن الشقة في صيف سنة 1974. باقتحام الطاعنة لها وادعائها الإقامة بها، وإذ كان لا سند لها في هذه الإقامة فقد أقام عليها دعواه. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق ثم قضت برفضها. استأنف المطعون عليه هذا الحكم بالاستئناف رقم 1459 سنة 93 قضائية القاهرة. وبتاريخ 5/ 4/ 1977 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبطرد الطاعنة من الشقة، فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم.
وحيث إن الطعن بني على سببين، تنعى الطاعنة بأولهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك تقول إنه لما كانت دعاوى الحيازة تقدر قيمتها بالحق الذي ترد عليه الحيازة، وكان سند المطعون عليه في حيازة العين مثار النزاع هو عقد الإيجار، فإن قيمة الحق المتنازع عليه تقدر بأجرة المدة المتبقية من هذا العقد، كما أنه لما كان دفاع الطاعنة أمام محكمة الموضوع قد قام على عدم صحة عقد الإيجار سند الدعوى، فإن الدعوى المتعلقة بصحته تقدر بالأجرة المستحقة عن مدته وهي 17 و125 م باعتباره معقوداً مشاهرة، وإذ كان اختصاص المحكمة الابتدائية بالدعاوى التي لا تزيد قيمتها عن 250 ج انتهائياً عملاً بنص المادة 47 من قانون المرافعات، فقد كان على محكمة الاستئناف أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم جواز الاستئناف لقلة النصاب دون حاجة للتمسك لديها بذلك لتعلق الأمر بالنظام العام، وإذ هي لم تفعل فأنها تكون قد خالفت القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه وإن كانت المحكمة الابتدائية تختص بالحكم ابتدائياً في جميع الدعاوى المدنية والتجارية التي ليست من اختصاص محكمة المواد الجزئية، ويكون حكمها انتهائياً إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز مائتين وخمسين جنيهاً على ما تقضي به المادة 47 من قانون المرافعات، وتختص محكمة الاستئناف بالحكم في قضايا الاستئناف التي ترفع إليها عن الأحكام الصادرة ابتدائياً من المحاكم الابتدائية اتباعاً لحكم المادة 48 منه، وأن تقدير قيمة الدعوى فيما يتعلق بنصاب الاستئناف يكون وفقاً لأحكام المواد من 36 إلى 41 على ما تقضي به المادة 223 منه، إلا أنه لما كانت دعاوى الحيازة تقدر قيمتها بقيمة الحق الذي ترد عليه الحيازة عملاً بنص الفقرة الرابعة من المادة 37 من ذلك القانون، وكان مثار النزاع هو حق المطعون عليه في الانتفاع بالعين المؤجرة إليه، وكان القانون رقم 52 لسنة 1969 - الذي يحكم واقعة النزاع - قد أضفى على عقد إيجار الأماكن التي تخضع لحكمه امتداداً قانونياً غير محدود المدة، مما تعتبر معه قيمة عقد الإيجار - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - غير قابلة للتقدير، ومن ثم - وعملاً بنص المادة 41 مرافعات - تعتبر قيمتها زائدة على مائتين وخمسين جنيهاً، فإن الحكم الصادر في الدعوى الماثلة يكون مما يجوز استئنافه أمام محكمة الاستئناف، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه لا يكون قد خالف القانون، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إنه مما تنعاه الطاعنة بالوجه الثالث من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك نقول أن الحكم استند - فيما استدل به على ثبوت استئجار المطعون عليه لشقة النزاع وأن إقامتها وزوجها بها كانت على سبيل الاستضافة - إلى أقوال شاهديه، في حين أن أولهما قرر أن المطعون عليه كان يقيم بتلك الشقة مع زوج الطاعنة منذ سنة 1967 وأنه وإن كان قد شاهدها معه بها إلا أنه لا يعرف ما إذا كانت إقامتها مستمرة، وشهد الثاني بأنه كان يشاهد الطاعنة وزوجها بشقة النزاع، وأن المطعون عليه كان يتردد على تلك الشقة، مما مؤداه أنها كانت تقيم مع زوجها بتلك الشقة، وإذ استخلص الحكم المطعون فيه من تلك الأقوال مالا يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، فإنه يكون قد خالف الثابت بالأوراق.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كان تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها هو مما تستقل به محكمة الموضوع بغير رقابة من محكمة النقض عليها في ذلك، إلا أن هذا مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً وأن لا تخرج بهذه الأقوال عن حدودها ولا إلى ما لا يؤدي إلى مدلولها، وأنه إذا اعتمدت محكمة الموضوع في قضائها على جملة أدلة مجتمعة بحيث لا يبين أثر كل واحد منها على حدة في تكوين عقيدتها، ولا ما كان ينتهي إليها قضاءها لو أنها قد - استبعدت أحد هذه الأدلة لعيب شابه، فإنه يتعين، في حالة ثبوت فساد أحد هذه الأدلة، نقض الحكم لقصور أسبابه، لما كان ذلك وكان مؤدى أقوال شاهدي المطعون عليه اللذين استمعت إليهما محكمة الدرجة الأولى في 28/ 12/ 1975 طبقاً للثابت بمحضر التحقيق المقدمة صورته الرسمية من الطاعنة - أنها كانت تقيم مع زوجها في شقة النزاع ولم تتركها، وأن المطعون عليه كان يتردد فقط على تلك الشقة، فإن الحكم المطعون فيه، إذ استخلص من أقوال هذين الشاهدين أن المطعون عليه هو مستأجر هذه الشقة وأن الطاعنة وزوجها قد أقاما بها معه على سبيل الضيافة فقط، يكون قد خرج بتلك الأقوال عما تحتمله وانحرف بها عن مدلولها، وإذ كان الحكم قد أقام قضاءه بإخلاء الطاعنة من شقة النزاع على عدة أدلة منها ذلك الدليل المستمد من أقوال شاهدي المطعون عليه، وقد ثبت فساد هذا الدليل على النحو آنف البيان، فإنه يتعين القضاء بنقض الحكم المطعون فيه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق