جلسة 19 من إبريل سنة 1978
برئاسة السيد/ محمد أسعد محمود نائب رئيس محكمة وعضوية السادة المستشارين الدكتور إبراهيم صالح، محمد الباجوري، صلاح نصار، إبراهيم فراج.
---------------
(207)
الطعن رقم 33 لسنة 46 ق "أحوال شخصية"
(1) أحوال شخصية "ولاية على المال". نيابة عامة.
طلب توقيع الحجر. جواز تقديمه إلى المحكمة من النيابة العامة أو من ذوي الشأن. تحقيقه منوط بالمحكمة. عدم التزام النيابة بتحقيق الطلبات المتقدمة إليها. للمحكمة ندب النيابة للقيام ببعض إجراءات التحقيق.
(2) أحوال شخصية "ولاية على المال".
الغفلة. فساد في التدبير وسوء الإدارة والتقدير. جواز الاعتداد بأقوال المطلوب الحجر عليه في التحقيقات كدليل على انتفاء الغفلة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن قدم لنيابة القاهرة للأحوال الشخصية في 9/ 4/ 1971 طلباً بتوقيع الحجر على المطعون عليه للسفة والغفلة وتعيين قيم عليه، وقال بياناً لطلبه أن المطعون عليه يمتلك أطياناً زراعية وعقارات ومبالغ تتمثل في ريع يصرف إليه من الحراسة القضائية على وقف...... ومن وزارة الإسكان كتعويض عن نزع ملكية بعض العقارات جاوز العشرين ألفاً من الجنيهات وقد سبق تقديم طلب بتوقيع الحجر عليه في سنة 1950 من السيد....... وأثر رفض الطلب استصدر منه المذكور توكيلاً بإدارة أمواله وصرف مستحقاته، وإذ استكتبه عقد بيع لصالح أحد أولاده بمساحة قدرها 33 فداناً واستولى على الريع المخصص له وقام المطعون عليه بإنفاق مبلغ ثمانين ألفاً من الجنيهات خلال السنوات العشرة الأخيرة على نفسه فقط لعدم وجود زوجة أو ولد له، وهو ما يعد سفهاً أو غفلة، فقد تقدم بطلبه. حققت النيابة الطلب وقيد برقم 78 ب سنة 1972 أحوال شخصية مال القاهرة الابتدائية. وبتاريخ 24/ 11/ 1973 حكمت المحكمة برفض طلب الحجر. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 130 لسنة 91 ق أحوال شخصية "مال" القاهرة، وبتاريخ 6/ 6/ 1976 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته أنه جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى بها الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم أسس قضاؤه برفض طلب الحجر على ما تضمنه التقرير الطبي من خلو المطعون عليه من الأمراض العقلية وما أسفرت عنه تحقيقات النيابة ومناقشته بالجلسة من عدم توافر أسباب السفه والغفلة الموجبة لتوقيع الحجر عليه، حالة أن تحقيقات النيابة لم تتناول سوى فحص حالته العقلية وهي جزئية لم يقم طلب الحجر عليها، بينها أغفلت تمحيص الأسباب الحقيقية التي بني عليها الطلب، فلم تتناول بالبحث ما للمطلوب الحجر عليه من أموال وما أجراه فيها من تصرفات وأوجه إنفاقه المبالغ التي صرفت إليه من وزارة الأوقاف وغيرها من الجهات، والأسباب التي أقيم عليها طلب الحجر السابق تقديمه ممن صدرت إليه بعض هذه التصرفات والمقيد برقم 744 لسنة 50 حسبي القاهرة، ومن ثم يكون الطلب قد أحيل إلى المحكمة دون تحقيق عناصره وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون لابتنائه على إجراء باطل. هذا إلى أن أقوال المطعون عليه أمام المحكمة تقطع في فقدانه سلامة الإدارة وحسن التقدير فقد أقر ببيعه ثمانية أفدنة للسيارة...... بركات وثلاثة وثلاثين فداناً..... نظير مبلغ 150 جنيهاً للفدان وذلك بعد أن نفي حصوله على ثمن لها في تحقيقات النيابة معللاً التنازل عنها بتفاديه انطباق أحكام قانون الإصلاح الزراعي، كما أقر ببيعه حصته في وقف....... لمن يدعي..... بثمن قدره ستة جنيهات للمتر في حين أنه يساوي أضعاف هذا الثمن، وأقر أيضاً بتنازله عن مدفن والده وفيلا بمحتوياتها من الرياش الفاخر والتحف.......... وقبضه ما يقرب من 24 ألف جنيه في سنة 1964 مقابل ما نزعت ملكيته من عقارات وإنفاقها في شئونه وأوجه البر وفي مشروع خاص يحتفظ لنفسه بسره، ورغم تمسك الطاعن بما تنبئ عنه هذه التصرفات من فقدان المطعون عليه ملكة الإدارة وحسن التقدير وإصابته بضعف الإرادة وسهولة الانقياد، ومطالبته باستكمال التحقيق وسؤال من صدرت لهم تلك التصرفات للتعرف على طبيعة التبرع فيها، وضم التحقيقات التي أجريت بصدد طلب الحجر السابق ورغم تقديمه إقراراً صادراً من المطعون عليه يفيد ثقته به، فقد أخذ الحكم بأقوال المطعون عليه دون مناقشته وخلص منها إلى سلامة إرادته مخالفاً بذلك مضمون ما اشتملت عليه من إقرارات ومغفلاً الاستجابة إلى طلباته والرد على ما قدمه من مستندات وهو ما يعيبه بمخالفة الثابت بالأوراق فضلاً عن القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع.
وحيث إن النعي مردود؛ ذلك أنه لما كان النص في المادة 998 من قانون المرافعات المضافة ضمن الكتاب الرابع بالقانون رقم 126 لسنة 1951 على أنه "يرفع الطلب من النيابة أو ذوي الشأن. وإذا كان الطلب مقدماً من ذوي الشأن يحيله رئيس المحكمة أو قاضي محكمة المواد الجزئية - على حسب الأحوال بعد رفع الطلب إليه إلى النيابة العامة لإبداء ملاحظاتهما عليه كتابة في ميعاد يردده؛ وتعيده النيابة مرفقاً به ما قد تكون أجرته في تحقيق. ولرئيس المحكمة أو القاضي بعد رفع الطلب إليه إلى النيابة العامة لإبداء ملاحظاتها عليه كتابة في ميعاد يحدده، وتعيده النيابة مرفقاً به ما قد تكون أجرته من تحقيق. ولرئيس المحكمة أو القاضي بعد رفع الطلب إليه أن يأمر بما يراه لازماً من إجراءات التحقيق كما أن له أن يأمر باتخاذ ما يراه من الإجراءات الوقتية أو التحفظية. ويجوز للمحكمة أن تندب النيابة العامة لمباشرة بعض إجراءات التحقيق الذي تأمر به" يدل على أنه يجوز تقديم الطلبات إلى محكمة الولاية على المال إما من النيابة العامة مبدية فيه الرأي أو مرجئة إياه إلى يوم الجلسة؛ وإما من ذوي الشأن وفي هذه الحالة يتعين على رئيس المحكمة الابتدائية وقاضي المحكمة الجزئية بحسب الأحوال أن يحيله إلى النيابة العامة لإبداء ملاحظاتها عليه كتابة في ميعاد يحدده؛ وتعيده النيابة مرفقاً به ما قد تكون أجرته من تحقيق؛ ولرئيس المحكمة أو للقاضي بعد رفع الطلب إليه سلطة الأمر يراه لازماً من إجراءات التحقيق؛ وباتخاذ ما يجده مناسباً من الإجراءات الوقتية والتحفظية، كما له أن يندب النيابة العامة لمباشرة بعض إجراءات التحقيق؛ شريطة - وعلى ما أوردته المذكرة الإيضاحية - ألا يتخلى عن هذا التحقيق برمته إلى النيابة العامة، مما مفاده أنه ليس ثمت إلزام على النيابة بتحقيق الطلبات التي تقدم سواء منها أو من ذوي الشأن إلى محكمة الولاية على المال؛ وإنما مطلق الحق في ذلك للمحكمة فهي التي تجرى التحقيق أما بنفسها أو عن طريق ندب النيابة لإجراء بعضه، مما ينتفي معه الأساس القانوني لتمسك الطاعن ببطلان إجراء إحالة طلب الحجر إلى المحكمة لعدم استيفاء تحقيق عناصره بمعرفة النيابة العامة. لما كان ذلك وكانت الغفلة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا تخل بالعقل من الناحية الطبيعية وإنما تقوم على فساد التدبير وترد على حسن الإدارة والتقدير، وهي على هذا الوصف وإن كان يرجع في إثباتها أو نفيها لذات التصرفات التي تصدر من الشخص إلا أنه ليس ثمت ما يمنع من أن تستمد محكمة الموضوع أيضاً الدليل إثباتاً ونفياً من أقوال المطلوب الحجر عليه في التحقيقات. ومن مناقشتها له فإذا ما كشفت هذه الأقوال عن سلامة الإدراك وحسن التقدير أمكن الاستدلال بها على انتفاء حالة الغفلة دون أن يؤخذ على هذا الاستدلال الخطأ في مفهومها أو في تطبيق هذا المفهوم، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد خلص إلى عدم قيام حالتي السفه والغفلة في المطعون عليه بقوله "... أنه بالنسبة لطلب الحجر بسبب العته فقد نفى التقرير الطبي عن المطلوب الحجر عليه إصابته به؛ وعن السفه أو الغفلة فقد رأت النيابة أنها ليست بصدد محاسبة المطلوب الحجر عليه عن الماضي بقدر ما هي بصدد تحديد مدى حسن إدارته وتقدير ما بقى له من مال؛ وأنه عن الفترة من سنة 1952 حتى سنة 1954 فإنه لا وجه للتحدي بتوافر السفه والغفلة إذ كان ما آل إلى المطعون الحجر عليه على فرض صحة ما أدلى به طالب الحجر عنها من ثروات له ما يبرره معها تصرفات المطلوب الحجر عليه المالية، وبالنسبة للفترة الأخيرة التي ركز فيها طالب الحجر مبررات طلبه في قبض المطلوب الحجر عليه التعويض لقاء نزع ملكية بعض أمواله وإنفاقه في شئونه وبعض ذويه دون البعض الآخر، كتصرفه بالبيع إلى وكيله الذي تلقى الصفقة لصالح أحد أولاده على فرض أنه بغير عوض لا يدخل دائرة السفه كما أنه لا يعد من قبيل الغفلة أنه لم يعدله من استحقاق إلا ما يغطي متطلباته الضرورية وأن ما نسب إليه من التفكير في مشروعات خيالية إنما هو من قبيل القول المرسل الذي لا يستسيغه عقل وقد نفى عنه التقرير الطبي كل آفة عقلية كما أن طالب الحجر لم يقدم ثمت دليل على أن طلب الحجر المقدم سنة 1950 توافرت له موجبات الحجر على المطلوب الحجر عليه بدليل يقيني بصرف النظر عن ظروف حفظه أو رفضه وانتهت النيابة إلى طلب رفض الطلب موضوعاً. وكان الثابت من أقوال المطلوب الحجر عليه بتحقيق النيابة ومناقشته بالجلسة أن التصرفات القانونية التي صدرت منه والتي سبق بيانها كانت بأسباب مبرره على النحو السالف فهي إما لسداد ديوان على التركة أقيمت بها دعاوى أو لضآلة قيمة العائد منها أو تفادياً لتطبيق أحكام قانون الإصلاح الزراعي بالاستيلاء عليها فإن قيام هذه الاعتبارات لدى المطلوب الحجر عليه من شأنها أن تبعد عن تصرفاته شبهة الاستئثار أو السلطة عليه مما ينأى به عن مجال الغفلة سواء كان المستحق للقدر المبيع أقل من قيمته الحقيقية أو كان البيع قد حصل تبرعاً به طالما أنه لم يصدر في هذه التصرفات إلا عن مصلحة يراها هو جديرة بالاعتبار، وبالتالي يكون طلب الحجر على غير أساس سليم من الجد أو القانون خليقاً بالرفض، وكان هذا الذي أوردته المحكمة في حدود ما لها من سلطة تقديرية، سائغاً في التدليل على نفي عارض السفه والغفلة عن المطعون عليه، ويكفي لحمل قضائها برفض طلب الحجر، فلا عليها إذا لم تستجب إلى طلب الطاعن مناقشة من صدرت إليهم التصرفات للتعرف على وجه التبرع فيها طالما خلصت صحيحاً إلى سلامتها سواء صدرت على سبيل التبرع أو بمقابل يقل عن القيمة الحقيقية للأموال موضوعها وذلك بالنظر إلى الظروف والاعتبارات التي تمت فيها، أو إلى طلب ضم الأوراق الخاصة بطلب الحجر السابق تقديمه ضد المطعون عليه في سنة 1950 تبعاً لعدم تقديم الطاعن الدليل على توافر موجبات الحجر فيه رغم ما تقرر من رفضه أو حفظه، كما لا تثريب عليها إذا التفتت عن الرد على ما تقدم به الطاعن من إقرار صادر من المطعون عليه ينطوي على ثقته فيه، سيما وأن صدوره تم على أساس تنازل الطاعن عن الطلب، وأنه حسب المحكمة وقد انتهت إلى بيان الحقيقة التي اقتنعت بها أن تقيم قضاءها على أسباب تكفي لحمله دون حاجة لتعقب كل حجة الطاعن وترد عليها استقلالاً لأن قيام الحقيقة الواقعة التي استخلصتها فيه الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والبطلان ومخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق