الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 16 أكتوبر 2020

الطعن 2144 لسنة 36 ق جلسة 25 / 4 / 1967 مكتب فني 18 ج 2 ق 114 ص 581

جلسة 25 من إبريل سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمود عزيز الدين سالم، ونصر الدين عزام.

-----------------

(114)
الطعن رقم 2144 لسنة 36 القضائية

(أ) رشوة. موظفون عموميون. مكلفون بخدمة عامة.
المكلف بخدمة عمومية: هو كل شخص يقوم بخدمة عامة لصالح المجتمع، ولو لم يكن عن طائفة الموظفين أو المأمورين أو المستخدمين العموميين، ما دام قد كلف بالعمل العام ممن يملك هذا التكليف.
عضوية الاتحاد الاشتراكي العربي وإن تكن بالاختيار الشخصي، إلا أنها تصبح لمن ينضمون إلى عضويته تكليفاً بالخدمة للقادرين على الوفاء بها.
عضو اللجنة التي شكلها المكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية لتصفية الإقطاع والمختص بمكتب شئون الفلاحين الموكول إليه بحث الشكاوى المتعلقة بالفلاحين ومخالفات التهرب من قوانين الإصلاح الزراعي وتحقيقها. اعتباره مكلفاً بخدمة عامة.
(ب، ج، د، هـ) رشوة. جريمة. " أركانها ".
(ب) جريمة عرض الرشوة. قيامها: لا يشترط فيه أن يكون المجني عليه جادا في قبولها. مجرد عرض الرشوة ولو لم تقبل كاف لقيامها، متى كان العرض حاصلاً لموظف عمومي أو من في حكمه.
(ج) دفع مبلغ الرشوة مباشرة إلى المجني عليه أو عن طريق وسيط سيان في تكامل أركان الجريمة.
(د) الركن المادي لجريمة عرض الرشوة. توافره: بصدور وعد من الراشي إلى الموظف أو من في حكمه بجعل أو عطاء له (مادياً كان أو يمكن تقويمه بمال) متى كان هذا العرض جدياً. صلاحية الشيك لأن يكون عطاء في الجريمة المذكورة.
(هـ) تقديم العطاء إلى المجني عليه يعتبر عرضاً للرشوة ولو تم بعد تمام العمل الذي دفعت الرشوة من أجل تجنبه.
(و) إصلاح زراعي. منفعة عامة.
تخصيص جزء من الأراضي الزراعية للمنفعة العامة لا يفقدها بالنسبة إلى حائزها صفتها كأرض زراعية. ما دام أنها لم تستخدم بعد في الغرض العام الذي خصصت من أجله.
(ز) نقض. " المصلحة في الطعن ". ارتباط. رشوة.
تطبيق المحكمة المادة 32 عقوبات ومعاقبتها المتهم بالعقوبة الأشد المقررة للجريمة الأولى. لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن عدم توافر الجريمة الثانية المنسوبة إليه.
(ح، ط، ى، ك) حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
(ح) تساند الأدلة في المواد الجنائية. منها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة. كفاية أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال قناعة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
(ط) لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها وإطراح ما يخالف ذلك من صور أخرى.
(ى) لمحكمة الموضوع الأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
(ك) التناقض الذي يعيب الحكم: هو الذي تتهاتر به أسبابه بحيث يمحو بعضها ما يثبته البعض الآخر.

-----------------
1 - من المقرر أن المكلف بالخدمة العمومية هو كل شخص يقوم بخدمة عامة لصالح المجتمع ولو لم يكن من طائفة الموظفين أو المأمورين أو المستخدمين العموميين ما دام أن هذا الشخص قد كلف بالعمل العام ممن يملك هذا التكليف. ولما كانت منظمات الاتحاد الاشتراكي العربي، ومن بينها المكاتب التنفيذية هي الموكول إليها تنفيذ الاختصاصات المنوطة به بما في ذلك القضاء على أثار الإقطاع، وهو ما من شأنه التحري عن تهريب الأراضي الزراعية والكشف عن صور الانحرافات المختلفة، ويتم ذلك عن طريق أعضاء هذه المكاتب، وكانت عضوية الاتحاد الاشتراكي العربي وإن تكن بالاختيار الشخصي إلا أنها تصبح لمن ينضمون إلى عضويته تكليفاً بالخدمة للقادرين على الوفاء بها. ولما كان من عرضت عليه الرشوة عضواً باللجنة التي شكلها المكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية والخاصة بتصفية الإقطاع، متخصصاً بمكتب شئون الفلاحين ومن اختصاصه بحث كافة الشكاوى المتعلقة بالفلاحين وبحث مخالفات التهرب من قوانين الإصلاح الزراعي وتحقيقها على ما أورده الحكم المطعون فيه استناداً إلى الكتاب الصادر من الاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية، فإنه بذلك يقوم بخدمة عامة يباشرها بتكليف ممن يملكه.
2 - لا يشترط لقيام جريمة عرض الرشوة عرض الرشوة أن يكون المجني عليه جاداً في قبولها. إذ يكفي لقيام تلك الجريمة مجرد عرض الرشوة ولو لم يكن تقبل متى كان العرض حاصلاً لموظف عمومي أو من في حكمه.
3 - يستوي لتكامل أركان جريمة الرشوة أن يكون دفع مبلغ الرشوة قد تم مباشرة إلى المجني عليه أو عن طريق وسيط.
4 - يكفي لتوافر الركن المادي لجريمة عرض الرشوة أن يصدر وعد من الراشي إلى الموظف أو من في حكمه بجعل أو عطاء له متى كان هذا العرض جدياً، لا يهم في ذلك نوع العطاء المعروض، وبقطع النظر عن الصورة التي قدم بها. ولما كان الشيك بطبيعته أداة دفع بمجرد الاطلاع ومن شأنه أن يرتب حقوقاً كاملة قبل الساحب ولو لم يكن له رصيد قائم وقابل للسحب، فإن ما أثبته الحكم المطعون فيه من أن الطاعن الأول قدم شيكين بمبلغ الرشوة بقصد حمله على الإخلال بواجباته في الخدمة العمومية الموكول إليه أداؤها يكفي لتحقق الركن المادي لجريمة عرض الرشوة المنصوص عليها في المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات، ذلك بأن وجود أو عدم وجود رصيد قائم وقابل للسحب للشيكين المسلمين إلى المجني عليه على سبيل الرشوة هو ظرف خارج عن نطاق جريمة عرض الرشوة ولا مدخل له في اكتمال عناصرها القانونية.
5 - تقديم العطاء إلى المجني عليه يعتبر عرضاً للرشوة ولو تم بعد تمام العمل الذي وقعت الرشوة من أجل تجنبه، وهو إبلاغ المجني عليه للمسئولين بمخالفة الطاعن الأول لأحكام قانون الإصلاح الزراعي، لأن هذا الأمر خارج عن إرادة الطاعن ولا ارتباط له بجريمته.
6 - إن تخصيص جزء من الأراضي الزراعية للمنفعة العامة لا يفقدها بالنسبة إلى حائزها صفتها كأرض زراعية ما دام أنها لم تستخدم بعد في الغرض العام الذي خصصت من أجله.
7 - لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن عدم توافر التهمة الثانية في حقه ما دامت المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهي المقررة لجريمة عرض الرشوة التي أثبتتها في حقه.
8 - من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال قناعة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
9 - لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها وإطراح ما يخالف ذلك من صور أخرى.
10 - لمحكمة الموضوع الأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه.
11 - التناقض الذي يعيب الحكم هو ذلك الذي تتهاتر به أسبابه بحيث يمحو بعضها ما يثبته البعض الآخر.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 10/ 6/ 1966 بدائرة قسم المنشية محافظة الإسكندرية: عرضا رشوة علي موظف مكلف بخدمة عمومية للامتناع عن عمل من الأعمال المكلف بها و للإخلال بواجباتها بأن عرضا علي السيد/ عطا محمد محمد سليم العضو المتفرغ بالمكتب التنفيذي بالاتحاد الاشتراكي العربي بالإسكندرية لشئون الفلاحين و المكلف بالاشتراك في إجراءات بحث تصفية الإقطاع الزراعي دفع مبلغ ألف جنيه أصدر له بها المتهم الأول شيكين لحامله وذلك علي سبيل الرشوة مقابل التغاضي عن إبلاغ المسئولين بما كشفه من مخالفة المتهم الأول لقانون الإصلاح الزراعي و نظير التستر علي هذه المخالفة أمام الجهات المختصة بتصفية الإقطاع و لكن المكلف بالخدمة العمومية لم يقبل الرشوة منهما. و المتهم الأول حاز بوضع اليد أرضا زراعية غير مملوكة له تجاوز الخمسين فدانا المصرح بها قانونا. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالواد 104و 109و 110و 111/ 5 من قانون العقوبات و بالمادة 37 من المرسوم بقانون 178 لسنة 1952 العدل بالقانونين 24 لسنة 1958 و127 لسنة 1961 بشأن الإصلاح الزراعي. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضوريا بتاريخ 29 سبتمبر سنة 1966 عملا بالمواد 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية و109 و111/ 5 و32 من قانون العقوبات و 37 من المرسوم بقانون 178 لسنة 1952 المعدل بالقانونين 24 لسنة 1958 و 127 لسنة 1961. (أولا) بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة سبع سنوات وتغريمه مبلغ ألف جنيه عن التهمتين. (ثانيا) معاقبة المتهم الثاني بالسجن لمدة خمس سنوات وتغريمه خمسمائة جنيه. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنين مجتمعين ينعيان علي الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه أقام قضاءه بالإدانة علي أن عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد الاشتراكي العربي مكلف بخدمة عامة في حكم الفقرة الخامسة من المادة 111 من قانون العقوبات تصدق في حقه جريمة عرض الرشوة في مجال تطبيق المادة 109 مكررا منه، مع أنه ليس كذلك، على سند من القانون الأساسي للاتحاد الاشتراكي العربي والإعلان الدستوري الصادر في 24 مارس سنة 1964 اللذين حددا دور هذا الاتحاد بأنه تنظيم شعبي سياسي يقتصر اختصاصه على المجال السياسي، وأبقاه الدستور خارج الإطار القانوني للدولة فلم يخوله أي قدر من السلطة العامة التي قصر حق مباشرتها علي سلطات الحكم التقليدية الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهذه وحدها هي التي تملك حق التكليف بالخدمة العامة من دونه، وإذ ما كان مشروع قانون العقوبات الجديد قد تضمن نصا ألحق به أعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي بالموظفين العموميين ومن في حكمهم طبقا للمادة 111 من قانون العقوبات، فإنه بذلك يكون قد كشف عن أن القانون ـ بنصوصه الحالية ـ لا يعين علي اعتبارهم كذلك. وقد أدى الحكم من ذلك إلي خطأ أخر إذ اعتبر أن ما وقع من الطاعنين تتوافر به جريمة عرض الرشوة مع أن هذه الواقعة كانت قد انقضت برفض الصراف محمد أحمد سلامة الوساطة لدي المجني عليه، فكان سعي الأخير من بعد ـ للإيقاع بالطاعنين ـ واقعة جديدة منبته عن الواقعة الأولي، وهي في صورتها هذه لا تنطوي علي عرض الرشوة من جانبهما، وإنما تتضمن طلبا لها من جانب المجني عليه، الأمر الذي تفتقد به جريمة عرض الرشوة ـ التي دين الطاعنان بها ـ ركنها المادي وهو واقعة العرض ذاتها.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت علي الطاعنين بأنهما في يوم 10 يونيه 1966 بدائرة قسم المنشية محافظة الإسكندرية، عرضا الرشوة علي مكلف بخدمة عامة للامتناع عن عمل من الأعمال المكلف بها والإخلال بواجباته في هذه الخدمة بأن عرضا علي السيد/ عطا محمد سليم العضو المتفرغ بالمكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي العربي بالإسكندرية لشئون الفلاحين والمكلف بالاشتراك في إجراءات بحيث وتصفية الإقطاع الزراعي دفع مبلغ ألف جنيه أصدر له بها المتهم الأول شيكين لحامله وذلك علي سبيل الرشوة في مقابل التغاضي عن إبلاغ المسئولين بما كشفه من مخالفة المتهم الأول لقانون الإصلاح الزراعي ونظير التستر علي هذه المخالفة أمام الجهات المختصة بتصفية الإقطاع ولكن المكلف بالخدمة العامة لم يقبل الرشوة منهما، كما أن المتهم الأول خلال العام الزراعي 65 و 66 و حتى 10/ 6/ 1966 حاز بوضع اليد الفعلي أرضا زراعية غير مملوكة له تجاوز الخمسين فدانا المصرح بها في القانون، وطلبت النيابة العامة معاقبتهما بالمواد 104 و109 و 110 و 111/ 5 من قانون العقوبات والمادة 37 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 المعدل بالقانون رقم 24 لسنة 1958 و 127 لسنة 1961 بشأن الإصلاح الزراعي. ومحكمة الجنايات بحكمها المطعون فيه قضت بمعاقبة الطاعن الأول بالسجن لمدة سبع سنوات وتغريمه مبلغ ألف جنيه عن التهمتين وبمعاقبة الطاعن الثاني بالسجن لمدة خمس سنوات وتغريمه خمسمائة جنية وذلك طبقا لمواد الاتهام بعد استبعاد المادتين 104 و 110 من قانون العقوبات وإعمال حكم الفقرة الثانية من المادة 32 منه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله " إنه عقاب حادث كمشيش الذي أغتيل فيه أحد أعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي على يد بعض الإقطاعيين نشط أعضاء الاتحاد الاشتراكي العربي المختصين بوحي من الأجهزة المهيمنة على نشاطه في تتبع أوكار الإقطاع المتخلف في البلاد وفي تقديم التقارير والمذكرات في هذا الصدد تمهيداً للقضاء نهائياً على جيوب الإقطاع ومعاقبة أولئك الذين يتحايلون على مخالفة القوانين الإصلاحية وبالأخص قوانين الإصلاح الزراعي بتملك أو حيازة أرض زراعية أكثر من المسموح به قانوناً أو أولئك الذين يعيثون في الأرض فساداً وإجراماً مرتكبين في ذلك على ما كان لهم من قوة أو سطوة الأسرة، وقد علم السيد/ عطا محمد سليم عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية المختص بشئون الفلاحين والمتفرغ لهذا العمل أن المتهم الأول ...... يحوز بوضع اليد فعلاً أرضاً زراعية غير مملوكة له بناحية المعمورة أكثر من المسموح به في القانون ومساحتها 25 فداناً بعقود صورية حررت بأسماء مستأجرين هم في حقيقة الأمر مجرد إجراء لديه فأنهى ذلك لرياسته بالاتحاد الاشتراكي بالإسكندرية كما قدم بذلك مذكرة للجهات العليا المختصة فكلف بمواصلة البحث في هذا الموضوع وتتبع ما عسى أن يكون قد ارتكبه المتهم الأول من مخالفات، فاتصل بالمستأجرين المزعومين وعلم منهم بصفة قاطعة وبأقوال وقعوا عليها أنهم إنما يعملون كأجراء لدى المتهم الأول إن كانت الأرض قد وزعت عليهم في الظاهر إلا أن الحائز الحقيقي لها والذي يستغلها فعلاً لمصلحته هو المتهم الأول الذي رفض أن يسلمها إليهم، وحدث بطبيعة الحال أن علم المتهم الأول بتحريات السيد/ عطا محمد سليم التي يجريها كما علم بذلك صديقه المتهم الثاني........ المفتش بالإصلاح الزراعي فاتصل ثانيهما بإيعاز أولهما بالشاهد إبراهيم أحمد سلامه صراف ناحية المعمورة التي تتبعها الأراضي الزراعية التي يحوزها المتهم الأول بالمخالفة لأحكام القانون وطلب إليه أن يتصل بدوره بالسيد/ عطا محمد سليم ليعمل من جانبه على عدم إبلاغ الرؤساء المختصين بحقيقة الأمر بشأن هذه الأرض وعلى توزيعها على المستأجرين الصوريين ومنع أي ضرر قد يلحق بالمتهم الأول بهذا الخصوص مفهماً إياه بأن المتهم مستعد لترضية السيد/ عطا محمد سليم إن هو قام بما يطلب، ثم تقابل الشاهد المذكور مع السيد/ عطا سليم وأبلغه بهذه المحاولة من جانب المتهمين وبأنه أفهم المتهم الثاني أنه أي السيد/ عطا سليم ليس من أولئك الذين يستهويهم المال فما كان من الشاهد الأول السيد/ عطا سليم إلا أن طلب من الصراف أن يجاري المتهمين حتى يتمكن من إلقاء القبض عليهما متلبسين وأبلغ ما تقدم إلى السيد أمين الاتحاد الاشتراكي العربي بالإسكندرية فكلفه بإبلاغ ذلك إلى البوليس الذي طلب إليه - بعد الاتصال بالسيد رئيس النيابة - أن يستمر في إجراءاته وفي يوم الجمعة 10/ 6/ 1966 ذهب السيد/ عطا سليم إلى الصراف إبراهيم أحمد سلامه وطلب إليه أن يتصل تليفونياً بالمتهم الثاني........... ليحدد ميعاد للمقابلة فتم ذلك بالفعل وحدد ميعاد المقابلة بممر القهوة التجارية بالإسكندرية الساعة الثامنة مساء فأخطر السيد/ عطا محمد سليم البوليس الذي ندب بعض الضباط لمراقبة هذه المقابلة ومحاولة الاستماع لما يدور فيها وفي الميعاد المضروب توجه السيد/ عطا محمد سليم مع الصراف إبراهيم أحمد سلامه إلى القهوة التجارية حيث وجدا المتهمين بانتظارهما - وكان ضابطان من البوليس قد جلسا على مقربة منهما - فانضما إلى المتهمين حول المائدة التي يجلسان إليها وعرض المتهم الثاني على السيد/ عطا محمد سليم مبلغ 200 ج لينهي الأمر دون مساس بالمتهم الأول فتظاهر السيد/ عطا بأن المبلغ قليل وقد تدخل الصراف طالباً رفعه إلى 500 ج وانتهى الأمر بتحديد مبلغ ألف من الجنيهات فأخرج المتهم الأول من جيبه دفتر شيكاته وسلمه إلى المتهم الثاني الذي حرر شيكين كل منهما بمبلغ 500 ج أحدهما مؤرخ في 10/ 6/ 1966 والثاني في 20/ 6/ 1966 واتفق على أن يستولي السيد/ عطا في اليوم التالي على مبلغ 500 ج من المتهم الأول وعلى أن يرد له الشيك الأول أما الشيك الثاني فيقبض في ميعاده ووقع المتهم الأول على الشيكين وسلمهما إلى الصراف الذي أعطاهما للسيد/ عطا محمد سليم ثم انصرفا متجهين إلى البوليس حيث قدما الشيكين فأبلغت النيابة وبدأ التحقيق وقبض على المتهمين وفتش منزلاهما ومكتب المتهم الأول فعثر في جيب المتهم الأول على دفتر الشيكات الذي حرر منه الشيكان المضبوطان " وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة مستمدة من أقوال كل من عطا محمد سليم عضو الاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية وإبراهيم أحمد سلامه صراف ناحية المعمورة والرائد محمد سامي شريف والنقيب عادل محمود قدري، ومحمد سالم حبيبه ومسعود محمود السقا وصابر شحاته فرعاص وأحمد أحمد عسر وعلي مسعود السقا وإلى أقوال الطاعنين وإمبابي محمود سعيد وكيل الطاعن الأول والمهندس حامد خليفة وإلى ما تبين من كتاب الاتحاد الاشتراكي العربي المؤرخ 15 يونيه 1966 في شأن صفة واختصاصات المجني عليه وهي أدلة سائغة ولها أصلها الثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان رئيس الجمهورية قد أصدر القرار رقم 1789 لسنة 1961 بتشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر وطني يقدم إليه فيه مشروع بميثاق العمل الوطني ثم أصدر القرار بقانون رقم 35 لسنة 1962 بتشكيل المؤتمر الوطني للقوى الشعبية الذي انعقد في 21 مايو سنة 1962 وقدم إليه رئيس الجمهورية مشروع الميثاق فأقره المؤتمر وأعلنه في 30 يونيه 1962، كما قدم إليه أيضاً في 2 يوليه سنة 1962 مشروع إقامة الاتحاد الاشتراكي العربي، وبتاريخ 4 يوليه سنة 1962 فوّض المؤتمر رئيس الجمهورية في تشكيل لجنة تنفيذية عليا مؤقتة لهذا الاتحاد وبناء على هذا التفويض أصدر رئيس الجمهورية في 28 أكتوبر 1962 القرار الجمهوري رقم 3607 لسنة 1962 بتشكيل اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي لتقوم بإعداد البحوث والدراسات اللازمة لقيام تشكيلات التنظيم وممارسة أوجه نشاطه وعرض اقتراحاتها على اللجنة التنفيذية العليا التي أصدرت من بعد النظام الأساسي للاتحاد الاشتراكي العربي. وقد نص في هذا النظام " أن الاتحاد الاشتراكي العربي وهو السلطة الشعبية يقوم بالعمل القيادي والتوجيهي وبالرقابة التي يمارسها باسم الشعب بينما يقوم مجلس الأمة وهو سلطة الدولة العليا ومعه المجالس النقابية والشعبية بتنفيذ السياسة التي يرسمها الاتحاد الاشتراكي العربي ". ثم صدر الدستور في 24 مارس سنة 1964 فأكد هذا المعنى ولم يخرج عن مدلوله بما نص عليه في المادة الثالثة منه من أن " الوحدة الوطنية التي يصنعها تحالف قوى الشعب العامل وهي الفلاحون والعمال والجنود المثقفون والرأسمالية الوطنية هي التي تقيم الاتحاد الاشتراكي العربي ليكون السلطة الممثلة للشعب والدافعة لإمكانيات الثورة والحارسة على قيم الديمقراطية السليمة ". لما كان ذلك، وكان هذا التسلسل التشريعي يكشف عن السند القانوني للاتحاد الاشتراكي العربي وتشكيلاته المنبثقة عنه، وإنه إنما يمارس سلطاته واختصاصه ومن بينها " الرقابة الفعالة.... وليصفي ما تبقى من آثار تحكم الرأسمالية والإقطاع" حسبما ورد في مقدمة نظامه على سند صحيح من القانون. ولما كانت منظمات الاتحاد الاشتراكي العربي، ومن بينها المكاتب التنفيذية، هي الموكول إليها تنفيذ الاختصاصات المنوطة به بما في ذلك القضاء على آثار الإقطاع، وهو ما من شأنه التحري عن تهريب الأراضي الزراعية والكشف عن صور الانحرافات المختلفة، ويتم ذلك عن طريق أعضاء هذه المكاتب. ولما كانت عضوية الاتحاد الاشتراكي العربي وإن تكن بالاختيار الشخصي إلا أنها تصبح، لمن ينضمون إلى عضويته - تكليفاً بالخدمة للقادرين على الوفاء بها، وهو ما جرت به الكتب السنوية الصادرة عن الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي العربي. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المكلف بالخدمة العمومية هو كل شخص يقوم بخدمة عامة لصالح المجتمع لو لم يكن من طائفة الموظفين أو المأمورين أو المستخدمين العموميين ما دام أن هذا الشخص قد كلف بالعمل العام ممن يملك هذا التكليف. ولما كان المجني عليه عطا محمد سليم عضواً باللجنة التي شكلها المكتب التنفيذي للاتحاد الاشتراكي العربي بمحافظة الإسكندرية والخاصة بتصفية الإقطاع، متخصصاً بمكتب شئون الفلاحين ومن اختصاصه بحث كافة الشكاوى المتعلقة بالفلاحين وبحث مخالفات التهرب من قوانين الإصلاح الزراعي وتحقيقها، على ما أورده الحكم المطعون فيه استناداً إلى الكتاب الصادر عن الاتحاد الاشتراكي العربي لمحافظة الإسكندرية بتاريخ 15 يونيه 1965، فإنه بذلك يقوم بخدمة عامة يباشرها بتكليف ممن يملكه وهو ما لم يخطئ الحكم في استخلاصه. ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعنان في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنان من أن العرض الصادر منها كان قد سقط بصد الصراف لهما عن السعي في رشوة المجني عليه فكان سعي هذا الأخير - من بعد - إلى طلب الرشوة واقعة جديدة مقطوعة الصلة بالواقعة الأولى فإنه يبين من مساق الحكم المطعون فيه أنه أطرح ما قيل من أن الصراف صد الطاعنين عن الرشوة وما ترتب علي ذلك من القول بأن عرض الرشوة كان قد انقض من جانب الطاعنين، وأقام قضاءه علي أساس أن هذا العرض استمر قائما منذ أن اتصل الطاعن الثاني بالصراف ليسعى إلى المجني عليه بالرشوة إلى أن انتهي هذا العرض بتقديم الشيكين إليه علي سبيل الرشوة، فلم يكن مسعى المجني عليه - من بعد - طلبا للرشوة مما يوفر واقعة جديدة علي نحو ما يثيره الطاعنان في وجه طعنهما، وإنما كان في واقعة استمرارا للواقعة الأولى. ولما كان ما أوردة الحكم من ذلك يتحقق به الركن المادي لجريمة عرض الرشوة التي دين الطاعنان بها، ولا ينال من ذلك مظهر الاستجابة من جنب المجني عليه لعرض الطاعنين، ذلك بأن لا يشترط لقيام جريمة عرض الرشوة أن يكون المجني عليه جادا في قبولها إذ يكفي لقيام تلك الجريمة مجرد عرض الرشوة - ولو لم تقبل - متى كان العرض حاصلاً لموظف عمومي أو من في حكمه. ويكون ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن في غير محله.
وحيث إن سائر ما ينعاه الطاعن الأول علي الحكم المطعون فيه هو التناقض في التسبيب والخطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه أورد في بيان واقعة الدعوى أن الصراف إبراهيم أحمد سلامه قد أفض إلى المجني عليه بأنه صد الطاعنين عن السعي إليه بالرشوة، وأن المجني عليه طلب إليه مجاراتهما حتى يتم القبض عليهما متلبسين بالجريمة، غير أن الحكم عاد - وهو بسبيل الرد علي ما دفع به الطاعنان من أن المجني عليه هو الذي سعي إلى طلب الرشوة - فأطرح هذه الأقوال بمقالة إن الصراف هو مصدرها الوحيد، علي خلاف ما هو ثابت في التحقيقات من أن المجني عليه أيد الصراف في روايته تلك، هذا إلى أن الحكم حصل من أقوال المجني عليه أنه تسلم الشيكين مناولة الصراف بالمخالفة لما أورده من مؤدى أقول الصراف من أن الشيكين بقيا معه ولم يسلمهما إلى المجني عليه، ومع أن هذا التعارض يتصل بواقعة جوهرية لها أثرها في ثبوت أو نفى عرض الرشوة إذ أن من شأن استبقاء الصراف للشيكين أن ينفى عن الطاعن عرض الرشوة ويساند دفاعه بأن تسليم الشيكين إليه إنما كان تنفيذا لاتفاق بينهما متضمنا قبول الطاعن توزيع الأرض علي المستأجرين وسداد الديون المستحقة عليها لبنك التسليف وتفويض الصراف في هذا السداد بموجب الشيكين المسلمين إليه، فإن الحكم لم يلتفت إلى هذا التعارض بين الأدلة فيعمد إلى رفعه. كما أن الحكم اعتبر الأرض موضوع التهمة الثانية التي دين الطاعن بها أرضا زراعية لمجرد أنها ظلت تزرع حتى تاريخ الواقعة، مع أنها كانت قد بيعت في 9 نوفمبر سنة 1954 من الهيئة العامة للإصلاح الزراعي طبقا لأحكام القانون رقم 565 لسنة 1964 إلى شركة سياحة التزمت قانونا بتقسيمها و تخصيصها لإقامة مدينة سكنية عليها، و بذلك تعتبر أرضا مقسمة معدة للبناء، ومن الجائز أن تكون قد خصصت كلها أو بعضها للمنفعة العامة بمقتضى القانون رقم 34 لسنة 1959، و بذلك تكون الأرض قد فقدت - في الحالين - صفتها كأرض زراعية وخرجت بالتالي من نطاق تطبيق أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 في شأن الإصلاح الزراعي. ولا يغير من ذلك أن تكون الشركة المشترية قد تركت الأرض بطريق التسامح و بصفة مؤقتة لاستغلالها زراعيا، إذ أن ذلك ليس من شأنه أن يضفى مركزا أو يكسب حقا علي خلاف القانون. وأخيرا فإن الحكم عول في الإدانة علي أقوال الرائد محمد سامي شريف والنقيب عادل فوزي مع أن ما أورده من أقوالهما لا ينتفي به دفاع الطاعن في خصوص جريمة عرض الرشوة أو يؤدى إلى ثبوتها في حقه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وساق أدلتها مستندة إلى أقوال الشهود التي أورد مؤداها بما له أصله الثابت في الأوراق، استظهر من ظروف الحال في الدعوى أن رواية الصراف إبراهيم أحمد سلامه من أنه صد الطاعنين عن رشوة المجني عليه وأنه - أثناهما عن عرضهما الرشوة عليه، هي رواية غير صادقة، وأن حقيقة الأمر هي أنه سعي بالرشوة إلى المجني عليه، فإن ذلك من الحكم، لا يتعارض مع ما أثبته في صدره من أن الصراف أخبر المجني عليه بهذه الرواية المكذوبة، إذ الإخبار بأمر يختلف عن حصوله بالفعل، ولا يقدح في ذلك أن يكون المجني عليه قد نقل هذا القول عن الصراف لا يعدو مجرد ترديد للقول لا يحمل معنى صحته أو تأييده وليس من شأنه أن يصم الحكم بالتعارض الذي يعيبه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر توافر قصد الإرشاء في حق الطاعنين بالاستناد إلى أدلة الثبوت السائغة التي عول عليها مما تستقل محكمة الموضوع بتقديره، وكان ما أورده الحكم من أن الشيكين قد سلما إلى المجني عليه على سبيل الرشوة له سنده من أقوال الصراف وشهادة المجني عليه والضابطين وأقوال المتهم الثاني، وكان ما خلص إليه الحكم من ذلك لا يتعارض البتة مع كون تسليم الشيكين قد حصل عن طريق الصراف إذ يستوي لتكامل أركان جريمة الرشوة أن يكون دفع مبلغ الرشوة قد تم مباشرة إلى المجني عليه أو عن طريق وسيط ويكون ما يثيره الطاعن - من بعد - من أن الشيكين سلما إلى الصراف تنفيذاً للاتفاق الذي تم بينهما ووفاء للدين المستحق على الأرض هو وجه صورة للدعوى أطرحتها المحكمة ولم تأخذ بها ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكانت الأرض موضوع النزاع تدخل في نطاق كردون محافظة الإسكندرية، ولم يثبت صدور مرسوم بتقسيمها طبقاً للقانون رقم 52 لسنة 1940 أو أن تجزئة لها قد تمت بوجه رسمي بالصورة الواردة في القرار التفسيري رقم 1 لسنة 1963 بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 في شأن الإصلاح الزراعي، وكان يبين من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 60 لسنة 1962 بتصفية الشركة المصرية للأراضي والمباني - التي ابتاعت الأرض موضوع النزاع - أنها لم تقم من جانبها بتقسيم ما كانت قد ابتاعته من الأراضي الزراعية بناحية المعمورة وبتزويرها بالمرافق، وكان تخصيص جزء من الأراضي الزراعية للمنفعة العامة - لو صح ذلك - لا يفقدها بالنسبة إلى حائزها صفتها كأرض زراعية ما دام أنها لم تستخدم بعد في الغرض العام الذي خصصت من أجله، وكان الطاعن لا ينازع في أن الأرض موضوع حيازته ظلت تزرع بالفعل حتى تاريخ الواقعة، فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص يكون سديداً متفقاً مع حكم القانون. هذا فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن عدم توافر التهمة الثانية في حقه ما دامت المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهي المقررة لجريمة عرض الرشوة التي أثبتها في حقه ومن ثم يكون هذا النعي في غير محله. لما كان ذلك، وكان ما عول عليه الحكم من أقوال الرائد محمد سامح شريف والنقيب عادل فوزي يتساند مع أقوال المجني عليه والصراف والمتهم الثاني وسائر الأدلة التي أوردها الحكم والتي من شأنها في مجموعها أن تكشف عن أن الطاعن اجتمع بالمجني عليه بقصد رشوته لحمله على الإخلال بواجبات خدمته وأنه دفع إليه الرشوة في صورة شيكين سلمها إليه وأن الحديث الذي دار بالمقهى ونقله الحكم عن الضابطين إنما انصب على هذا العرض وحده. ولما كان من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال قناعة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وهو ما لم تخطئ المحكمة فيه، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص يكون غير قويم.
وحيث إن باقي ما ينعاه الطاعن الثاني على الحكم المطعون فيه هو الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والخطأ في الإسناد والتناقض في التسبيب، ذلك بأنه اعتبر مجرد تسليم الشيكين بمبلغ الرشوة إلى المجني عليه يتحقق به الركن المادي لجريمة عرض الرشوة في حين لم يثبت أن لهذين الشيكين رصيد قائم وقابل للسحب مما ينفي به معنى العطاء الذي يكون ذلك الركن وتنتفي به الجريمة بالتالي، وأنه وإن اعتبر التسليم بهذه المثابة وعداً بالعطاء، أو اعتبر عطاء كاملاً وكان قد تم بعد تمام العمل الذي دفعت الرشوة من أجل تجنبه وهو إبلاغ المسئولين بمخالفة الطاعن الأول لأحكام قانون الإصلاح الزراعي فعلى الحالين لا تتوافر جريمة عرض الرشوة المنصوص عليها في المادة 109 مكرراً من قانون العقوبات. كما أن الطاعن دفع بأنه حرر الشيكين بناء على طلب الطاعن الأول وفاء للديون المتأخرة على الأرض موضوع التهمة الثانية وسلمها لهذا الغرض دون غيره وقد اطرح الحكم هذا الدفاع بما لا يسوغ به اطراحه. كما تمسك الطاعن بأن علاقة الطاعن الأول بمستأجري تلك الأرض هي علاقة تأجيرية صحيحة على سند من أقوال الشهود وبطاقات الحيازة وعقود الإيجار وهي علاقة لم يكن يحظرها قانون الإصلاح الزراعي قبل تعديله بالقانون رقم 127 لسنة 1961 ولو زادت الحيازة على خمسين فداناً فالتفت الحكم عن هذا الدفاع وأغفل الثابت فيما قدمه الطاعن من مستندات في شأنه. بل أنه قضى على خلافه ثم إن الحكم أغفل التحدث عن ظروف المقابلة التي تمت بين الطاعنين والمجني عليه والصراف والغرض منها بما يدحض ما هو مستفاد من ظروف الحال وأقوال المجني عليه وسائر الشهود من أن هذا الغرض إنما كان للاتفاق على قسمة الأرض وكيفية سداد الديون المستحقة عليها دون غيرها من الأغراض. هذا فضلاً عن أن الحكم لم يبين واقعة الدعوى بياناً يكشف عن عناصر الجريمة والغرض من الرشوة واجتزأ من أقوال الشهود فلم يضمنها شيئاً عن ذلك الغرض. كما أن الحكم تناقض حين اعتمد في الإدانة على ما قرره الطاعنان، ثم عاد وعدل وأثبت أنهما اعتصما بالإنكار، وكذلك حين أشار إلى أن قيمة الشيكين تمثل مقابل الرشوة، ثم أكد أنه لا يقابلهما رصيد قائم وقابل للسحب. ثم إنه لم يعمد إلى رفع التناقض بين ما قرره الشهود في شأن حيازة الطاعن الأول للأرض وما دلت عليه الأوراق المقدمة من أن المستأجرين هم أصحاب الحيازة الفعلية لها.
وحيث إنه يكفي لتوافر الركن المادي لجريمة عرض الرشوة أن يصدر وعد من الراشي إلى الموظف أو من في حكمه بجعل أو عطاء له متى كان هذا العرض جدياً لا يهم في ذلك نوع العطاء المعروض مادياً كان أو يمكن تقويمه بمال وبقطع النظر عن الصورة التي قدم بها. ولما كان الشيك بطبيعته أداة دفع بمجرد الاطلاع ومن شأنه أن يرتب حقوقاً لحامله قبل الساحب ولو لم يكن له رصيد قائم وقابل للسحب - فإن ما أثبته الحكم المطعون فيه من أن الطاعن الأول قدم شيكين بمبلغ الرشوة بقصد حمله على الإخلال بواجباته في الخدمة العمومية الموكول إليه أداؤها، يكفي لتحقق الركن المادي لجريمة عرض الرشوة المنصوص عليها في المادة 109 مكررا من قانون العقوبات، ذلك أن وجود أو عدم وجود رصيد قائم وقابل للسحب للشيكين المسلمين إلى المجني عليه على سبيل الرشوة هو ظرف خارج عن نطاق جريمة عرض الرشوة ولا مدخل له في اكتمال عناصرها القانونية. لما كان ذلك، وكان تقديم العطاء إلى المجني عليه يعتبر عرضاً للرشوة - ولو تم بعد تمام العمل الذي دفعت الرشوة من أجل تجنبه، وهو إبلاغ المجني عليه للمسئولين بمخالفة الطاعن الأول لأحكام قانون الإصلاح الزراعي - لأن هذا الأمر خارج عن إرادة الطاعن ولا ارتباط له بجريمته فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها واطراح ما يخالف ذلك من صور أخرى، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به جريمة عرض الرشوة التي دان الطاعنين بها، متضمنة الغرض من الرشوة وهو امتناع المجني عليه عن عمل من الأعمال المكلف بها والإخلال بواجباته في هذه الخدمة بالتغاضي عن إبلاغ المسئولين بما كشفه عن مخالفة الطاعن الأول لقانون الإصلاح الزراعي والتستر على هذه المخالفة أمام الجهات المختصة بتصفية الإقطاع، وأورد على ثبوتها أدلة سائغة مردودة لأصولها في الأوراق وتؤدي إلى ما رتب عليها، مستمدة من أقوال الشهود وسائر أدلة الدعوى، ودلل من واقعها على أن المقابلة التي تمت بين الطاعنين والمجني عليه كانت لغرض غرض الرشوة عليه لحمله على الإخلال بواجبات الخدمة العمومية التي وكل إليه أداؤها ولم تكن لغرض آخر، وهو محض تقدير تستقل به محكمة الموضوع ما دامت قد استخلصته من الأسباب السائغة التي أوردتها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن عن سبب تحرير الشيكين أو حيازة الطاعن الأول للأرض موضوع التهمة الثانية أو ظروف المقابلة التي تمت بين الطاعنين والمجني عليه والصراف والغرض منها لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع الأخذ من أقوال الشاهد بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه، وكان التناقض الذي يعيب الحكم هو ذلك الذي تتهاتر به أسبابه بحيث يمحو بعضها ما يثبته البعض الآخر. ولما كان الحكم إذ أخذ بأقوال الطاعنين في التحقيقات لا يناقض ما أثبته من أنهما اعتصما بالإنكار بجلسة المحاكمة، وكذلك ما أشار إليه من أن الشيكين يمثلان مقابل الرشوة لا يتعارض مع عدم وجود رصيد لهما قائم وقابل للسحب كعطاء عرض للرشوة على ما سلف بيانه، وكان باقي ما يثيره الطاعن هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تثار أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته - من كلا الطاعنين - على غير أساس ويتعين رفضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق