الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 12 أكتوبر 2020

الطعن 1215 لسنة 39 ق جلسة 22 / 12 / 1969 مكتب فني 20 ج 3 ق 301 ص 1451

جلسة 22 ديسمبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ حسن فهمي البدوي رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، ومحمد السيد الرفاعي، ومصطفى الأسيوطي، ومحمد ماهر حسن.

-----------

(301)
الطعن رقم 1215 لسنة 39 القضائية

(أ, ب) ظروف مخففة. وصف التهمة. قتل عمد. ظروف مشددة. فاعل أصلي. اشتراك. عقوبة. "العقوبة المبررة". نقض. "المصلحة في الطعن". طعن. "المصلحة فيه".
(أ) تقدير ظروف الرأفة. العبرة فيه بالواقعة الجنائية ذاتها. خطأ الحكم في وصف الواقعة. لا يبرر طلب نقضه بقالة أن المحكمة عند تقدير العقوبة التي أوقعتها كانت تحت تأثير الوصف الخاطئ. إلا إذا كانت المحكمة قد نزلت بالعقوبة إلى أقل حد يسمح به القانون حسب الوصف الخاطئ. أساس ذلك.
معاقبة المتهم باعتباره فاعلاً في القتل العمد المقترن بظرف مشدد بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة. رغم معاملته بالمادة 17 عقوبات وكونه في صحيح القانون شريكاً في الجريمة المذكورة لا فاعلاً فيها. لا تثريب.
(ب) خطأ الحكم في وصف واقعة الدعوى. متى لا يتوافر به المصلحة في الطعن فيه؟
(ج) اشتراك. مسئولية جنائية. قصد جنائي. "القصد الاحتمالي". اتفاق. عقوبة. "العقوبة المبررة". جريمة. "الجريمة المحتملة".
مساءلة الشريك عن الجريمة المحتملة. مناطها؟
(د، هـ، و، ز، ح) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهادة". "اعتراف". "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إكراه. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(د) تقدير أقوال الشهود. موضوعي.
(هـ) متى يكون رد الحكم على ما أثاره الدفاع بشأن ضعف إبصار الشاهد وتعذره الرؤية سائغاً؟
(و) تأخر الشاهد في الإدلاء بشهادته. لا يمنع المحكمة من الأخذ بها. عدم جواز المجادلة في ذلك أمام النقض لتعلقه بالموضوع.
(ز) تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات وعدم صحة الادعاء بأنه وليد إكراه. موضوعي. متى أقيم على أسباب سائغة.
(ح) عدم التزام المحكمة بندب طبيب لتحقيق آثار التعذيب. شرط ذلك.

------------
1 - إن تقدير ظروف الرأفة من محكمة الموضوع، إنما يكون بالنسبة إلى الواقعة الجنائية التي تثبت لديها قبل المتهم، لا بالنسبة للوصف القانوني الذي تصفها به، فإذا وصفت المحكمة المتهم في جناية قتل عمد اقترن بظرف قانوني مشدد، بأنه فاعل أصلي فيها، وعاملته بالمادة 17 من قانون العقوبات، فأوقعت عليه عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بدلاً من عقوبة الإعدام المقررة لهذه الجناية، وكان الوصف الصحيح للفعل الجنائي الذي وقع منه، هو مجرد الاشتراك في هذه الجناية المعاقب عليها قانوناً بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة، فلا يصح طلب نقض الحكم بمقولة أن المحكمة إذ قضت بالعقوبة التي أوقعتها، كانت تحت تأثير الوصف الجنائي الذي ارتأته، وأن ذلك يستدعي إعادة النظر في تقدير العقوبة على أساس الوصف القانوني الصحيح، ذلك لأن المحكمة كان في وسعها، لو أرادت أن تنزل بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه، أن تنزل إلى الأشغال الشاقة المؤقتة وفقاً للحدود المرسومة بالمادة 17 من قانون العقوبات، وما دامت هي لم تفعل، فإنها تكون قد رأت تناسب العقوبة التي قضت بها فعلاً مع الواقعة التي ثبتت لديها، بصرف النظر عن وصفها القانوني، أما إذا كانت المحكمة نزلت فعلاً بالعقوبة إلى أقل حد يسمح لها القانون بالنزول إليه، ففي هذه الحالة وحدها، يصح القول بإمكان قيام الشك في وجود الخطأ في تقدير العقوبة، وتتحقق بذلك مصلحة المحكوم عليه في التمسك بخطأ الحكم في وصف الواقعة التي قارفها.
2 - لا مصلحة للطاعن في التمسك بخطأ الحكم في إغفال وصف الواقعة التي قارفها باعتباره شريكاً، ما دام أن العقوبة المحكوم بها وهي الأشغال الشاقة المؤبدة تدخل في نطاق عقوبة الشريك.
 3 - من المقرر في فقه القانون أن الشريك يتحمل مع فاعل الجريمة المسئولية الجنائية عن الجريمة التي يرتكبها هذا الأخير، ولو كانت غير تلك التي قصد ارتكابها وتم الاتفاق عليها، متى كانت الجريمة التي وقعت بالفعل نتيجة محتملة للجريمة الأخرى التي اتفق الجناة على ارتكابها.
4 - إن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة، متروك لتقدير محكمة الموضوع، ومتى أخذت بشهادة شاهد، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.
5 - متى كان ما أورده الحكم في شأن قدرة الشاهد على رؤية المتهمين، سائغاً ومنطقياً، ومن شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه عليه، فإن ما أثاره الدفاع بشأن ضعف قوة إبصار الشاهد وتعذر رؤيته المتهمين وقت الحادث، يكون مردوداً.
6 - تأخر الشاهد في أداء شهادته لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله، ما دامت قد اطمأنت إليها، ذلك أن تقدير قوة الدليل، من سلطة محكمة الموضوع، ومن ثم فإن كل جدل يثيره في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً لتعلقه بالموضوع لا بالقانون.
7 - الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، بغير معقب عليها، ما دامت تقيمه على أسباب سائغة.
8 - لا تلتزم محكمة الموضوع بندب طبيب لتحقيق آثار التعذيب، طالما أنها رأت أن ما أثاره الدفاع عن المتهم في هذا الشأن لا يستند إلى أساس جدي، لأسباب سائغة أوردتها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في ليلة 7 ديسمبر 1967 بدائرة مركز سنورس محافظة الفيوم: قتلاً عبد الواحد درويش الروبي عمداً بأن أطلق عليه أحدهما مقذوفاً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته وقد تقدمت هذه الجناية جناية أخرى هي أنهما في الزمان والمكان سالفي الذكر شرعاً في سرقة محل شحاته أمين بطريق الكسر من الخارج حالة كون أحدهما يحمل سلاحاً نارياً ظاهراً وقد أوقف أثر الجريمة بسبب لا دخل لإرادتها فيه هي كشف المجني عليه الأول لأمرهما وفرارهما خشية ضبطهما بعد قتله كما تلت هذه الجناية جناية أخرى هي أنهما شرعاً في قتل عويس شعبان عبد الرحمن بأن أطلق عليه المتهم الأول مقذوفاً نارياً في اتجاه صدره من سلاح ناري كان يحمله قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وقد أوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتها فيه هو مداركته بالعلاج. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الفيوم قضت في الدعوى حضورياً عملاً بالمواد 43 و45 و46 و234/ 1 – 2 و316 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 منه بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض....إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ أدان الطاعنين بجريمة القتل التي اقترنت جريمتي الشروع في السرقة بطريق الكسر حالة أن أحدهما يحمل سلاحاً نارياً ظاهراً والشروع في قتل آخر قد أخطأ في الإسناد، وأخل بحق الدفاع وعاره قصور في التسبيب وفي البيان وفساد في الاستدلال كما أخطأ في تطبيق القانون - ذلك أنه حين تحدث عن تصوير واقعة الدعوى أتى بتصوير لا مأخذ له من المصادر التي أشار إليها وهي شهادة عويس عبد الرحمن وعبد الرحمن روبي درويش والتقارير الطبية الشرعية ومعاينة باب محل شحاته أمين عبد النبي واعتراف المتهم الأول في النيابة - تصورها بأن الجناية دبرت أصلاً بقصد سرقة محل شحاته أمين عبد النبي وأن قتل المجني عليه عبد الواحد درويش الروبي والشروع في قتل عويس شعبان وقعا مصادفة دون تفكير سابق للتخلص من شهادتهما على جناية السرقة، في حين أن هذا التصوير يناقض ما في الأوراق كما يؤدي إليه المصادر التي سلفت الإشارة إليها فشهادة كل من عويس شعبان عبد الرحمن وعبد التواب روبي درويش لا تعدو سماعهما طلقاً نارياً رؤيتهما للمتهمين يفران من المكان الذي أطلق فيه العيار الناري وأن التقارير الطبية الخاصة بفحص المجني عليهما ليس فيها ما يشير إلى أن الحادث كان مدبراً للسرقة وكذلك معاينة باب محل شحاته أمين لا تؤكد التصوير الذي ذهبت إليه المحكمة. كما استند الحكم في إدانة الطاعنين إلى الاعتراف المعزو إلى أولهما وقد تمسك المدافع عنهما ببطلان هذا الاعتراف على أساس أنه انتزع منه بوسائل التعذيب والإكراه التي ما زالت آثارها ظاهرة على جسمه حتى جلسة المحاكمة إلا أن المحكمة لم تقم بتحقيق هذا الدفاع الجوهري. كما استند الحكم في الرد على الدفاع الذي ساقه الطاعنان للتشكيك في صحة شهادة عويس شعبان - بسبب ضعف بصره الذي لا يقوى معه على رؤية الطاعنين قبيل الفجر - إلى القول بأنه أبصر قطعة من الحديد عرضتها عليه المحكمة في قاعة الجلسة على مسافة عشرة أمتار وتوافق تقدير هذا الشاهد للمسافة التي كانت بينه وبين المتهم الأول بمترين وقت أن أطلق عليه العيار الناري مع تقرير الطبيب الشرعي لا ينهض استدلالاً سائغاً حض دفاع الطاعنين.
ولم يورد الحكم المطعون فيه دليلاً واحداً يؤيد ارتكاب المتهمين أو أحدهما لجناية سرقة دكان شحاتة أمين، هذا إلى أن الحكم قد خلا من الإفصاح عن دور كل منهم في الجريمة والوصف الذي أسبغه عليه وذلك بسبب تعدد المتهمين حتى يتسنى لمحكمة النقض أن تراقب سلامة التطبيق، وأخيراً فإن الحكم قد أورد في نهاية أسبابه أن المحكمة تأخذ المتهمين بقدر من الرأفة ثم قضت بمعاقبتهما بالأشغال الشاقة المؤبدة مع أنه لم يتوافر الظروف المشددة في الواقعة المسندة إلى المتهمين والتي تبرر الحكم بالإعدام حتى يقال إن المحكمة نزلت بالعقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، وذلك كله مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الجناية دبرت أصلاً بقصد سرقة محل شحاتة أمين عبد النبي، ولما وصل المتهمان إلى باب المحل وفتحا أحد مصراعيه وشرعا في سرقته فوجئا بالمجني عليه عبد الواحد درويش الروبي وما أن رأى المتهمين أمام باب المحل في ذلك الوقت المبكر حتى استفهم عن شخصيتهما فعاجله المتهم الأول كمال عبد الباقى السيد عمداً بطلقة نارية من المسدس الذي كان يحمله قاصداً قتله فأحدث إصابته التي أودت بحياته. وساق الحكم في سبيل التدليل على ثبوت واقعة السرقة على الصورة السالف بيانها، ما شهد به عويس شعبان عبد الرحمن في التحقيق وبالجلسة من أنه "في فجر يوم الحادث خرج من مسكنه القريب من محل تجارة شحاتة أمين وفي طريقه إلى طاحونة له شاهد المتهمين ومعهما ثالث لا يعرفه بجوار ذلك المحل ثم سمع صوت طلق عيار ناري وشاهد المتهمين يفرون من مكان الحادث... وأضاف أن المتهمين معروف عنهم ارتكاب جرائم السرقات وفي الصباح علم بمقتل المجني عليه" وما ثبت من المعاينة التي قامت بها النيابة لمحل تجارة شحاتة أمين "أنه بالدرفة اليمنى من باب المحل كسر من الداخل من ناحية الكالون كما أن الرزة الخاصة بقفل الباب المثبتة بالدرفة الأخرى منزوعة وأن خشب الباب من ناحية الترباس السفلى مكسور كذلك" وما اعترف به الطاعن الأول في التحقيق من "أنه كان قد خرج من منزله فجر يوم الحادث لأداء الصلاة وقابله المتهم الثاني وآخر وصحباه إلى محل تجارة شحاتة أمين ولما أن وصل ثلاثتهم إلى المحل المذكور حتى خرج عليهم المجني عليه عبد الواحد درويش الروبي من منزله القريب من موقع ذلك المحل وسأل عن سبب وجودهم في ذلك المكان ولكن المتهم الثاني عاجله بطلقة نارية من الفرد الذي كان يحمله" دون الحكم كل ما سبق في بيان الواقعة ثم أورد على ثبوتها على هذه الصورة أدلة مستمدة من التحقيقات وما رواه أحد الشهود واعتراف الطاعن الأول وما أسفرت عنه المعاينة التي قامت النيابة بها مما يقطع بصحة تصوير الواقعة على الوجه الذي استخلصته المحكمة من تلك الماديات والأدلة استخلاصاً منطقياً سائغاً. لما كان ذلك، وكان لا يلزم لاستخلاص صورة الواقعة التي ترتسم في وجدان المحكمة أن يكون هذا الاستخلاص قد ورد ذكره على ألسنة بعض الشهود أو أخذ من تقرير خبير أو محضر معاينة، وإنما يكفي أن يكون مستنبطاً بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، ما دام ذلك سلمياً متفقاً مع حكم العقل والمنطق - لما كان ذلك, وكان تصوير الواقعة الذي خلصت إليه المحكمة يتفق مع المنطق والمعقول وقد استدلت في كيفية وقوع الحادث بما يصح عندها من وجوه الاستدلال التي لها أصل في الأوراق والتي تؤدي إلى الصورة التي خلصت إليها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون في غير محله. وإذ كان الحكم المطعون فيه بعد أن سرد واقعة الدعوى عرض للدفع ببطلان اعتراف المتهم الأول بدعوى أنه صدر تحت تأثير تعذيب وقع عليه وانتهى إلى إهداره تأسيساً على أن الطاعن الأول أم يدع في التحقيقات بوقوع إكراه عليه وأن وكيل النيابة المحقق لم يلحظ به إصابات أو أي أثر لتعذيب وقت مناظرته في بدء التحقيق. لما كان ذلك، وكان الطاعنان لا ينازعان في صحة الوقائع التي استند إليها الحكم، فإن هذا الذي أورده الحكم سائغ ومقبول ذلك بأن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه انتزع منه بطريق الإكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة، وكانت المحكمة قد خلصت في استدلال سائغ إلى أن الاعتراف سليم مما يشوبه وإلى صدوره عن الطاعن الأول اختياراً فإنه لا يجوز مجادلتها في ذلك كما لا تلتزم محكمة الموضوع بندب طبيب لتحقيق آثار التعذيب طالما أنها رأت أن ما أثاره الدفاع عن المتهم لا يستند إلى أساس جدي لأسباب سائغة أوردتها. ولا يعيب الحكم بالفساد في الاستدلال إطراحه الدفع بعدم التعويل على شهادة عويس شعبان متى أقام رده على هذا الدفع بما أورده من أن "ما أثاره الدفاع بشأن ضعف قوة إبصار شاهد الإثبات الأول وتعذر رؤية المتهمين وقت الحادث فمردود بما اطمأنت إليه المحكمة من أقوال ذلك الشاهد من أنه تمكن من رؤية المتهمين أمام محل تجارة شحاته أمين فور خروجه من منزله وذلك على ضوء مصباح مضاء في مكان وجودهما وبما اطمأنت إليه كذلك من أنه تمكن من رؤية المتهمين عند إطلاق أولهما العيار الناري صوبه على بعد مترين من مكانه وقد تأيد ذلك بتقرير الطبيب الشرعي بما أورده في تقريره من أن مسافة الإطلاق بين فوهة السلاح وجسم المجني عليه المذكور حوالي أربعة أمتار إذا كان السلاح المستعمل في الحادث بندقية ذات ماسورة عادية الطول وأن مسافة الإطلاق نصف ذلك القدر أو ثلثاه في حالة استعمال فرد أو مقروطة على التوالي ومعنى ذلك أن المسافة بين فوهة الفرد الذي كان يمسك به المتهم الأول وبين جسم المجني عليه عويس وقت إطلاق العيار الناري عليه كان متران وقد أجمع شهود الحادث على إمكان الرؤيا بوضوح في وقت الحادث ولذا يتعين إطراح ذلك الدفاع، ولما كان هذا الذي أورده الحكم في شأن قدرة شاهد الإثبات الأول على رؤية المتهمين سائغاً ومنطقياً ومن شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه عليه. وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروك لتقدير محكمة الموضوع - ومتى أخذت المحكمة بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، فلا جناح على المحكمة إن اعتمدت على شهادة شاهد الإثبات الأول في قضائها بالإدانة بعد أن أفصحت عن اطمئنانها إلى شهادته وأنها كانت على بينة بالظروف التي أحاطت بشهادته. كما أن تأخر الشاهد في أداء شهادته لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقواله ما دامت قد اطمأنت إليها، ذلك أن تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع فإن كل جدل يثيره الطاعنان في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. أما ما يثيره الطاعنان من أن الحكم قد شابه قصور في وصف الواقعة التي قارفها كل منهما فاعلاً أو شريكاً، فإنه وإن كان الثابت من الحكم أن المحكمة استخلصت في منطق سائغ أن جنايتي القتل العمد والشروع فيه التي قارفهما الطاعن الأول كانتا نتيجة محتملة لاتفاقه مع الطاعن الثاني على سرقة محل تجارة شحاتة أمين إلا أنه لا مصلحة للطاعن الثاني في التمسك بخطأ الحكم في إغفال وصف الواقعة التي قارفها باعتباره شريكاً ما دام أن العقوبة المحكوم بها وهي الأشغال الشاقة المؤبدة تدخل في نطاق عقوبة الشريك، كما أنه من المقرر في فقه القانون أن الشريك يتحمل مع فاعل الجريمة المسئولية الجنائية عن الجريمة التي يرتكبها هذا الأخير ولو كانت غير تلك التي قصد ارتكابها وتم الاتفاق عليها متى كانت الجريمة التي وقعت بالفعل نتيجة محتملة للجريمة الأخرى التي اتفق الجناة على ارتكابها فاعلين كانوا أو شركاء.
ولا يغير من هذا النظر أن تكون المحكمة قد أخذت الطاعن الثاني بالرأفة وعاملته بالمادة 17 من قانون العقوبات، ذلك أن تقدير ظروف الرأفة من محكمة الموضوع، إنما يكون بالنسبة إلى الواقعة الجنائية التي تثبت لديها قبل المتهم، لا بالنسبة للوصف القانوني الذي تصفها به، فإذا وصفت المحكمة المتهم في جناية قتل عمد اقترن بظرف قانوني مشدد، بأنه فاعل أصلي فيها وعاملته بالمادة 17 ممن قانون العقوبات، فأوقعت عليه عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بدلاً من عقوبة الإعدام المقررة قانوناً لهذه الجناية، وكان الوصف الصحيح للفعل الجنائي الذي وقع منه هو مجرد الاشتراك في هذه الجناية المعاقبة عليها قانوناً بالإعدام أو بالأشغال الشاقة المؤبدة، فلا يصح طلب نقض الحكم بمقولة أن المحكمة، إذ قضت بالعقوبة التي أوقعتها، كانت تحت تأثير الوصف الجنائي الذي ارتأته، وأن ذلك يستدعي إعادة النظر في تقدير العقوبة على أساس الوصف الصحيح، وذلك لأن المحكمة كان في وسعها - لو كانت قد أرادت أن تنزل بالعقوبة إلى أكثر مما نزلت إليه - أن تنزل إلى الأشغال الشاقة المؤقتة وفقاً للحدود المرسومة بالمادة 17 من قانون العقوبات، وما دامت هي لم تفعل، فإنها تكون قد رأت تناسب العقوبة التي قضت بها فعلاً مع الواقعة التي تثبت لديها بصرف النظر عن وصفها القانوني، أما إذا كانت المحكمة قد نزلت فعلاً بالعقوبة إلى أقل حد يسمح لها القانون بالنزول إليه - ففي هذه الحالة - وفي هذه الحالة وحدها يصح القول بإمكان قيام الشك في وجود الخطأ في تقدير العقوبة وتتحقق بذلك مصلحة المحكوم عليه في التمسك بخطأ الحكم في وصف الواقعة التي قارفها. ومن ثم فلا جدوى للطاعن الثاني مما يثيره من جدل حول ما يدعيه من خطأ في هذا الصدد. لما كان ذلك، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق