برئاسة السيد القاضي / يحيى جلال فضل رئيس المحكمة وعضوية القاضيين / محمـد ناجي دربالة و محمد عبـد الرحمن الجراح
----------------------
الـــوقـــائــع
في يوم 19 / 6 / 2007 م طُعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف رأس
الخيمة الصادر بتاريخ 28 / 5 / 2007 م في الاستئناف رقم 603 / 2006 وذلك بصحيفة
طلبت فيها الطاعنة بقبول الطعن شكلاً ، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه ،
وطلبت وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه .
في يوم 5 / 7 /2007 م ، أُعلنت المطعون ضدها بصحيفة الطعن .
وبجلسة 28 / 10 / 2007 م ، عُرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فرأت
أنه جدير بالنظر وحددت لنظره جلسة المرافعة .
وبجلسة 11 / 11 / 2007 م سُمعت الدعوى أمام هذه الدائرة على ما هو
مبين بمحضر الجلسة والمحكمة أرجأت إصدار الحكم لجلسة اليوم .
-----------------------
المحكـمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر / ........ والمرافعة وبعد المداولة .
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الوقائع ــ وعلى ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق
ــ تتحصل في أن المطعون ضدها أقـامت الدعـوى رقم 712 لسنـة 2005 على الطاعنة ـــ
شركة ...... ـــ وآخر أمام محكمة رأس الخيمة الجزئية التي حكمت بعدم اختصاصها
قيمياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة رأس الخيمة الابتدائية وقيدت لديها برقم
354 لسنة 2006 وانتهت المطعون ضدها في طلباتها إلى طلب الحكم بإلزام المدعى عليهما
بأن يؤديا لها مبلغ مليون وستمائة وأربعون ألف درهم تعويضاً عن الأضرار المادية
والأدبية التي لحقت بها بسبب حادث السيارة المؤمن من مخاطرها لدى الطاعنة ودين
قائدها بحكم جنائي بات ، ومحكمة أول درجة حكمت بإلزام الطاعنة بأن تؤدي للمطعون
ضدها مبلغ ستمائة ألف درهم . استأنف الطرفان هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 603 ،
606 لسنة 2006 أمام محكمة استئناف رأس الخيمة وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين قضت
بتاريخ 28 / 5 / 2007 م بتأييد الحكم المستأنف . طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق
النقض وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها أرجأت
إصدار الحكم لجلسة اليوم.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة بأولهم على الحكم
المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال ذلك أنها تمسكت في دفاعها أمام
محكمة الموضوع بأن خطأ المطعون ضدها بعبورها الطريق فجأة من مكان غير مخصص لعبور
المشاة وظهورها المفاجئ على مسافة قريبة من السيارة على نحو يتعذر معه على قائد
السيارة تفاديها هو الذي أدى إلى وقوع الحادث وأن هذا الخطأ بلغ من الجسامة درجة
بحيث يستغرق خطأ قائد السيارة ويكفي بذاته لإحداث الضرر بما تنتفي معه
مسئوليته عن الأضرار التي لحقت المطعون ضدها فأطرح حكم أول درجة
المؤيد بالحكم المطعون فيه هذا الدفاع استناداً إلى حجية الحكم الجنائي البات الذي
قضى بإدانة قائد السيارة في حين أن حجية هذا الحكم قاصرة على ثبوت الجريمة ونسبتها
إلى فاعلها ولا تقيد القاضي المدني ولا تحول دون بحث دفاعها المتقدم مما يعيب
الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي غير سديد. ذلك بأنه لما كان النص في المادة 269 من
قانون الإجراءات الجزائية على أن [يكون للحكم الجزائي البات الصادر في موضوع
الدعوى الجزائية بالبراءة أو بالإدانة حجية تلتزم بها المحاكم المدنية في الدعاوى
التي لم يكن قد فصل فيها بحكم فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها
إلى فاعلها . . . ] وفي المادة 50 من قانون الإثبات في المعاملات المدنية
والتجارية على أنه [ لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل
فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً . . . ] يدل على أن الحكم الصادر في المواد
الجزائية تكون له حجيته في الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية كلما كان قد فصل
فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية
وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله ، فإذا فصلت المحكمة الجزائية في
هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تعتبرها
وتلتزمها في بحث الحقوق المدنية المتصلة بها لكي لا يكون حكمها مخالفاً للحكم
الجزائي السابق له . لما كان ذلك وكان الثابت من الحكم الصادر في القضية الجزائية
رقم 184 لسنة 2005 مرور رأس الخيمة أن الدعوى الجزائية رفعت على قائد السيارة
المؤمن لدى الطاعنة من مخاطرها بتهم التسبب خطأ في المساس بسلامة جسم المطعون ضدها
وإتلاف المركبة المبينة بالأوراق وعدم الالتزام بقواعد المرور فقضت المحكمة
بإدانته تأسيساً على ما ذكره في أسبابه من أن خطأ المتهم يتمثل في عدم الحيطة
والحذر والقيادة بسرعة كبيرة دون مراعاة ظروف الطريق وأن خطأه هذا نتج عنه إصابة
المطعون ضدها بالإصابات الموضحة بالأوراق وقد صار هذا الحكم باتاً بانقضاء مواعيد
الطعن وكان الفعل غير المشروع الذي أقيمت الدعوى الجزائية على أساسه هو بذاته الذي
نشأت عنه الأضرار التي لحقت المطعون ضدها والذي تساندت إليه في دعواها المدنية
الراهنة فإن الحكم الجزائي إذ قطع في أن الحادث وقع نتيجة خطأ قائد السيارة ـــ
المؤمن من مخاطرها لدى الطاعنة ـــ يكون قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون
للأساس المشترك بين الدعويين الجزائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل
ونسبته إلى فاعله فيحوز في شأن هذه المسألة المشتركة حجية ملزمة يتعين على المحكمة
المدنية التقيد بها ويمتنع عليها أن تخالفها أو تعيد بحثها وإذ اعتد حكم محكمة أول
درجة المؤيد بالحكم المطعون فيه بحجية الحكم الجزائي في هذا الخصوص وأطرح ما تمسكت
به الطاعنة في دفاعها بأن خطأ المطعون ضدها يستغرق خطأ قائد السيارة المؤمن من
مخاطرها لديها ويدرأ المسئولية عنه يكون قد التزم صحيح القانون فإن النعي عليه
بهذا السبب يكون على غير أساس .
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة
القانون والثابت بالأوراق ذلك أنها تمسكت بأنه على فرض وقوع خطأ من قائد السيارة
فإن نسبة مساهمته لا تتجاوز 20 % بالنظر إلى جسامة خطأ المطعون ضدها بما يتعين معه
قصر مسئوليته عن التعويض على هذه النسبة إلا أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم
المطعون فيه قضى بتوزيع المسئولية بنسبة 25 % للمطعون ضدها وحمل قائد السيارة
الباقي دون مراعاة مقدار الخطأ الذي وقع منها وكان السبب الأساسي في إحداث الضرر
كما استنزل الحكم نسبة مساهمة المطعون ضدها التي انتهى إليها من قيمة الديات
المحكوم بها دون باقي عناصر التعويض المقضي به مما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي في غير محله. ذلك بأنه لما كان النص في المادة 290
من قانون المعاملات المدنية على أنه [ يجوز للقاضي أن ينقص مقدار الضمان أو لا
يحكم بضمان ما إذا كان المتضرر قد اشترك بفعله في إحداث الضرر أو زاد فيه . ] يدل
على أنه إذا قام الدليل على أن المضرور ساهم بخطئه في الضرر الذي أصابه أو زاد فيه
، يجوز للقاضي توزيع المسئولية المدنية بين المسئول والمضرور
على قدر خطأ كل منهما الناشئ عنه الضرر فيجري ما يشبه المقاصة وذلك
بإلزام المسئول بالتعويض المستحق عن كامل الضرر منقوصاً منه مقدار ما يتحمله
المضرور بسبب الخطأ الذي وقع منه ، وتقدير ثبوت أو نفي مساهمة المضرور بفعله في
إحداث الضرر ومبلغ مساهمته ومقدار ما ينقص من التعويض المستحق له هو من مسائل
الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع دون رقابة من محكمة التمييز متى أقامت قضاءها
على أسباب سائغة ، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم
المطعون فيه قد عرض لمساهمة المطعون ضدها بخطئها فيما أصابها من ضرر بقوله "
وتقدر المحكمة الدية وحكومة العدل في ضوء الثابت من الأوراق ومعاينة شرطة المرور
أن المدعية ساهمت في وقوع الحادث بعبورها الطريق فجأة ومن ثم فإن المحكمة تنقص
مقدار الدية عن كل من حاستي الشم والتذوق بجعلها مائة وخمسون ألف درهم عن كل حاسة
ليكون مجموعهما ثلاثمائة ألف درهم كما أن المحكمة تقدر باقي الأضرار عن الإصابات
والتعويض الأدبي بمبلغ ثلاثمائة ألف درهم أيضاً في ضوء أحكام المادة 290 من قانون
المعاملات المدنية . " وكان البين من هذا الذي أورده الحكم الابتدائي وأقره
الحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع قد استعرضت ظروف الدعوى وملابساتها وتحرت ما
وقع من طرفي حادث النزاع وخلصت من ذلك إلى أن المطعون ضدها قد ساهمت بخطئها في
وقوع الحادث بعبورها الطريق فجأة ثم أعملت أثر ذلك وهي بسبيل تقدير ما تستحقه من
تعويض في كافة عناصره مبينة في حكمها أن المبلغ المقضي به هو التعويض المستحق عن
كل الضرر منقوصاً منه ما يوازي نصيب المطعون ضدها في المسئولية بسبب الخطأ الذي
وقع منها وكانت هذه الأسباب سائغة ولها مأخذها الصحيح من الأوراق وتؤدي إلى
النتيجة التي انتهت إليها فإن النعي على الحكم بخصم نسبة مساهمة المطعون ضدها التي
قدرها من قيمة الديتين المحكوم بها دون باقي عناصر التعويض يكون غير صحيح كما أن
ما تثيره الطاعنة حول تقدير مساهمة المطعون ضدها في إحداث الضرر لا يعدو أن يكون
مجادلة في تقدير موضوعي سائغ مما تستقل به محكمة الموضوع
بمنأى عن رقابة محكمة التمييز ومن ثم غير مقبول .
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الأول والثالث والرابع من السبب الثالث
على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون ومخالفة الثابت في الأوراق والفاسد في
الاستدلال ذلك أنها تمسكت في دفاعها بأن الضرر الناجم عن فقد المطعون ضدها حاستي
الشم والتذوق وإصابتها في العضد الأيسر بفرض ثبوته يقدر التعويض عنها بنسبة من قيمة
الدية بما يوازي نسب العجز المحددة لهذه الإصابات في التقرير الطبي المؤرخ 21 / 3
/ 2006 م الصادر من مستشفى ..... وبأن إصابة المطعون ضدها بالرأس فيها أرش مقدر
بالعشر من قيمة الدية المقررة كما تمسكت بأن الحكم المستأنف قضى للمطعون ضدها
بالدية وبتعويض عن الأضرار الأدبية فيكون قد قضى بتعويضين عن ذات الضرر لأن الحكم
بالدية يشمل التعويض عن الأضرار الأدبية إلا أن الحكم المطعون فيه أغفل الرد على
الدفاع المتقدم وقضى بتأييد الحكم المستأنف فيما انتهى إليه من تعويض جزافي دون
بيان أسس تقدير التعويض مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله . ذلك بأنه لما كان مؤدى نص المواد 282
، 292 ، 293 ، 299 من قانون المعاملات المدنية ــ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة
ــ أن التعويض عن الإيذاء الذي يقع على النفس في غير الحالات التي تستحق فيها
الدية أو الأرش يخضع للقواعد العامة الواردة في قانون المعاملات المدنية لتقدير
التعويض الجابر للضرر المترتب على الفعل الضار ، وإذ تركت هذه القواعد للقاضي أمر
تقدير التعويض حسبما يراه مناسباً لجبر كافة الأضرار الناشئة عن هذا الفعل ــ وهو
ما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية بما اصطلح عليه في الفقه الإسلامي بحكومة عدل
ــ بحيث يشمل التعويض كل ضرر مباشر حال أو مستقبل محقق الوقوع ، متوقعاً كان هذا
الضرر أو غير متوقع ، ويقوم ذلك التقدير على عنصرين قوامهما الخسارة التي لحقت
المضرور والكسب الذي فاته متى كان ذلك نتيجة مألوفة للفعل الضار ، ولا وجه لقياس
تقدير التعويض في نطاق المسئولية المترتبة على الفعل الضار على قواعد
وأحكام الدية الشرعية لاختلاف كل منهما في مصدر الالتزام وطبيعته وفي
نوع التعويض ومداه ، مما مقتضاه أن القاضي لا يتقيد في تقدير التعويض الجابر للضرر
الناجم عن الفعل الضار بمقدار الدية أو الأرش ولا أن يتخذ من قيمتهما معياراً
للتقدير ، ذلك أن المشرع في إرسائه المبدأ العام في تعويض الضرر عن العمل غير
المشروع لم يقصر التعويض على الدية الشرعية وحدها وإنما جعله شاملاً لكافة العناصر
الأخرى للضرر المادي والأدبي وأفصح عن هذا المعنى في المواد 282 ، 292 ، 293 ، 294
، 295 ، 296 ، 297 من قانون المعاملات المدنية فإن حظر الجمع بين الدية والتعويض
ينصرف إلى الحالة التي تغطى فيها الدية كافة الأضرار الناجمة عن العمل غير المشروع
أما إذا لحق المضرور ضرر آخر لا تغطيه الدية فيجوز التعويض عنه . لما كان ذلك وكان
الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد أورد في مدوناته أن المطعون ضدها قد
أصيبت بكسر في الجهة اليمنى من قاعدة الجمجمة مع تكدمات نزفية في الفص الصدغي
الأيسر والفص الجبهوي الأيمن والأيسر للدماغ وضمور موضعي في الفص الجبهوي والصدغي
الأيسر واضطراب في السلوك وحالات من التوتر الشديد والعصبية ووجود تحدد شديد في
حركة الكوع الأيسر وآلام مستمرة في الركبة اليمنى ونزيف من الأذنين والأنف بسبب
كسر قاعدة الجمجمة وكذلك فقد حاستي الشم والتذوق وبعد أن خلص الحكم إلى استحقاق
المطعون ضدها الدية عن فقد هاتين الحاستين قدر التعويض الجابر للأضرار المادية
والأدبية الناجمة عن الإصابات الأخرى السالفة البيان بمبلغ 300 ألف درهم وكان لا
يعيب الحكم قضاؤه بتعويض إجمالي عن تلك الإصابات بغير تحديد للمبلغ الذي قدره لكل
منهما طالما أنه عرض لكافة العناصر المكونة للضرر التي تدخل في حساب التعويض
ومقدار التعويض الذي تستحقه المطعون ضدها فإن ما تثيره الطاعنة من أنه كان يتعين
احتساب التعويض بنسبة من قيمة الدية وبأن الحكم قضى بتعويضين عن ذات الضرر يكون في
غير محله .
وحيث إن الطاعنة تنعى بالوجه الثاني من السبب الثالث على الحكم
المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه إذ قضى للمطعون ضدها بديتين كاملتين
عن فقد حاستي الشم والتذوق في حين أن دية المرأة نصف دية الرجل وفقاً لأحكام
الشريعة الإسلامية والقانون مما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي غير سديد . ذلك بأنه لما كانت المادة الأولى من
القانون رقم 17 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2003 تنص على أن " تحدد
الدية الشرعية للمتوفى خطأ من الأشخاص بمبلغ ( 200.000 ) مائتي ألف درهم في جميع
محاكم إمارات الدولة . " وكان لفظ " المتوفى " الوارد في النص يفيد
العموم فيشمل أفراد جنسه ويستغرقها جميعاً مما مفاده أن المشرع استهدف بهذا النص
تعيين مقدار دية النفس في القتل الخطأ دون تمييز بين الرجل والمرأة لأن النص متى
جاء عاماً ولم يقم دليل على تخصيصه وجب حمله على عمومه وإثبات حكمه قطعاً لجميع
أفراده، وكان النص صريحاً واضحاً في الدلالة على هذا المعنى ولا يناقض حكماً من
الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها والتي يمتنع فيها وحدها الاجتهاد
باعتبارها تمثل من الشريعة الإسلامية ثوابتها التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً
وليست كذلك الأحكام الظنية في ثبوتها أو دلالتها أو فيهما معاً فهذه الاجتهاد فيها
جائزاً ومندوباً فلا يصد اجتهاد اجتهاداً أو يكتسب عصمة من دونه ، وكانت دية
المرأة في القتل الخطأ ليس فيها نصاً قطعياً في ثبوته ودلالته يقرر حكماً فاصلاً
في شأنها ومن ثم ساغ الاجتهاد في هذه المسألة وانتهى إلى رأيين ذهب أحدهما إلى أن
دية المرأة في القتل الخطأ على النصف من دية الرجل استناداً إلى جملة ( دية المرأة
نصف دية الرجل ) المنسوبة إلى حديث عمرو بن حزم في كتاب كتبه له رسول الله ــ صلى
الله عليه وسلم ــ عندما بعثه إلى نجران وبرغم أن هذا الحديث في صحة أسانيده كلها
نظر فقد استدل به جانب من الفقه ومنهم الأئمة الأربعة على هذا الرأي وكذلك إلى أن
إجماع السلف من الفقهاء على تنصيف دية المرأة ، في حين ذهب الرأي الآخر إلى
التسوية بين دية الرجل والمرأة على سند من أن الأصل في تشريع الدية قوله تعالى
" وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأً ومن قتل
مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله " وأن كلمة (
مؤمن ) في الآية الكريمة لفظ عام يثبت حكمه لجميع أفراد هذا العام قطعياً لا ظنياً
وأن النصوص القرآنية لم يرد بها ما يدل على تخصيص هذا النص ولا حديث يصلح حجة في
هذه المسألة ولا يجوز قياس دية المرأة على أحكام الإرث أو الشهادة والأولى أن تقاس
على القصاص لأن كليهما عقوبة فالرجل يقتل في المرأة كما تقتل المرأة في الرجل
فدمها سواء باتفاق بما يوجب المساواة بينهما في الدية ، وكان الاجتهاد في الأحكام
الظنية ولئن كان حقاً لأهل الفقه فأولى أن يكون هذا الحق مقرراً لولي الأمر فيجوز
له ــ في حدود السلطة التي يملكها ولي الأمر لاستنباط الأحكام الشرعية العملية من
أدلتها التفصيلية مستعيناً في ذلك بأهل الفقه والرأي ــ أن يتدخل للترجيح بين
الرأيين السابقين لبيان أيهما أولى بالاتباع بقصد جمع محاكم الدولة على رأي واحد
يرفع به الخلاف ويتقيد به القاضي وينزل الجميع على حكمه تحقيقاً لاستقرار العلاقات
وتوحيداً للتطبيق القضائي إرساء للعدل والمساواة وهو ما نحا إليه النص التشريعي
سالف البيان بما قرره من المساواة بين دية الرجل والمرأة وكان هذا النص مستمداً من
أحكام الشريعة الإسلامية إذ يستند في أصله إلى حكم قطعي الثبوت ويعتنق في تفاصيله
رأي جانب من الفقه ترجحه الأدلة التي يتساند إليها فإن القول بمخالفة النص وفقاً
للمفهوم السابق للشريعة الإسلامية لمجرد أنه لم يأخذ باجتهاد جانب آخر من الفقه في
المسألة ذاتها يكون على غير أساس ذلك أن الآراء الاجتهادية لا تجاوز حجيتها قدر اقتناع
أصحابها بها ولا يسوغ اعتبارها شرعاً ثابتاً مقرراً لا يجوز أن ينقض وإلا كان
نهياً عن أداء فريضة التأمل والتبصر في دين الله تعالى وإنكار لحقيقة أن الخطأ
محتمل في كل اجتهاد لأنه غير مقطوع بأنه حكم الشرع وإنما هو ما غلب على ظن المجتهد
أنه حكم الشرع فلا يجوز اعتبار مخالفته بحكم اجتهادي آخر مخالفة لأحكام الشريعة
الإسلامية وإذ التزم الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه حكم النص السالف
البيان وجرى في قضائه على المساواة بين دية الرجل والمرأة فإنه يكون قد صادف صحيح
القانون ويكون النعي عليه بمخالفة أحكام الشريعة الإسلامية على غير
أساس . ولما تقدم يتعين رفض الطعن .
لــــذلـــــــــــــــــــك
حكمت المحكمة برفض الطعن وألزمت الطاعنة الرسم والمصروفات ومبلغ مائتي
درهم مقابل أتعاب المحاماة وبمصادرة التأمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق