جلسة 16 من مايو سنة 2022
برئاسة السيد القاضي / مصطفى محمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / نادي عبد المعتمد أبو القاسم ، يوسف قايد ، حسين النخلاوي وأسامة محمود نواب رئيس المحكمة .
-------------------
(35)
الطعن رقم 18948 لسنة 89 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي لما رتبه الحكم عليها . لا قصور .
(2) خطف . جريمة " أركانها " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر الإكراه " " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي " .
جريمة خطف أنثى بالتحيل أو الإكراه . مناط تحققها ؟
تقدير توافر ركن التحيل أو الإكراه أو القصد الجنائي في جريمة خطف أنثى . موضوعي . ما دام سائغاً .
(3) مواقعة أنثى بغير رضاها . خطف . ظروف مشددة . اقتران . عقوبة " العقوبة المبررة " .
وقوع جريمة مواقعة الأنثى المخطوفة تامة . غير لازم لاعتبارها ظرفاً مشدداً لجناية الخطف . النعي على الحكم إعماله ظرف الاقتران رغم عدم وقوعها كاملة . غير مقبول . ما دامت العقوبة الموقعة تدخل في الحدود المقررة لجناية خطف أنثى مجردة من هذا الظرف .
(4) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " .
النعي بعدم انطباق المادة 290 عقوبات . منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدل موضوعي في سلطتها في استخلاصها كما ارتسمت في وجدانها .
(5) نقض " أسباب الطعن . تحديدها " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون واضحاً محدداً . علة ذلك ؟
مثال .
(6) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة التعويل على التحريات باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(7) إثبات " شهود " " خبرة " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني . غير لازم . كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق .
(8) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر حالة التلبس " . دفوع " الدفع ببطلان القبض والتفتيش " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها . موضوعي . ما دام سائغاً .
الدفع بعدم صحة إجراءات القبض وانتفاء حالة التلبس . قانوني مختلط بالواقع . إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائزة . علة ذلك ؟
(9) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
عدم تقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بدليل معين . له تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه . حد ذلك ؟
الجدل الموضوعي في وزن عناصر الدعوى . غير جائز أمام محكمة النقض .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها تمحيصاً كافياً وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة فإن حكمها يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن بأن الحكم قد شابه الغموض والإبهام والتجهيل بوقائع الدعوى وأدلتها يكون لا محل له .
2- من المقرر أن جريمة خطف الأنثى بالتحيل أو الإكراه المنصوص عليها في المادة 290 من قانـون العقوبـات تتحقق بإبعاد هذه الأنثى عن المكان الذي خطفت منه أياً كان المكان بقصد العبث بها وذلك عن طريق استعمال طرق احتيالية من شأنها التغرير بالمجني عليها وحملها على مرافقة الجاني لها أو باستعمال أي وسائل مادية أو أدبية من شأنها سلب إرادتها ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استظهر ثبوت الفعل المادي للخطف وتوافر ركن الإكراه والقصد الجنائي في هذه الجريمة ، وتساند في قضائه إلى أدلة منتجة من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهى إليه ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه بياناً لواقعة الدعوى ورداً على ما دفع به الطاعن من انتفاء أركان جريمة الخطف تتحقق به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بارتكابها كما هي معرفة به في القانون ، كما أن تقدير ركن التحيل أو الإكراه أو توافر القصد الجنائي في جريمة الخطف كلها مسائل موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام استدلالها سليماً ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد .
3- من المقرر أنه لا يشترط وقوع جناية المواقعة مكتملة الأركان على الأنثى المخطوفة ، إذ يستوي أن تقع هذه الجناية في صورتها التامة أم في صورتها الناقصة ، لأن جناية المواقعة في هذا الفرض ليست في حقيقة أمرها سوى ظرفاً مشدداً لجناية الخطف ، وبالتالي فليست هناك أية أهمية لوقوعها تامة أو وقوفها عند مرحلة الشروع ، ففي الحالتين تكون عقوبة الإعدام هي المستحقة ، وما يؤيد وجهة النظر تلك أن الشارع قرر العقوبة سالفة الذكر حال اقتران خطف الأنثى بهتك عرضها أيضاً ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد ، هذا فضلاً عن أن العقوبة الموقعة على الطاعن وهي السجن المشدد لمدة عشر سنوات تدخل في الحدود المقررة لجناية خطف أنثى مجردة من ظرف الاقتران ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد .
4- لما كان الحكم قد دان الطاعن بجريمة خطف أنثى بالإكراه المقترنة بجناية الشروع في مواقعتها بغير رضاها المعاقب عليها بالمادة 290 من قانون العقوبات ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم انطباق المادة المار بيانها وانطباق المادة 269 من القانون سالف الذكر على الواقعة لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل به بغير معقب ، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن غير سديد .
5- من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليـه مقدمـه حتى يتـضح مدى أهميتـه في الدعـوى المطروحـة ، وكـان ما ينـعاه الطـاعن على الحـــــكم من تناقض في الأسباب قد جاء مرسلاً لم يحدد الطاعن فيه وجه التناقض الذي يرمي به الحكم المطعون فيه ، ومن ثم يكون نعيه على هذه الصورة مجهلاً غير مقبول .
6- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في قضائها على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال ضابط التحريات - على النحو الذي شهد به - ورد بما يسوغ على الدفع بعدم جديتها ، فإن منازعة الطاعن في ذلك لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى ، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا تجوز مجادلتها في شأنه أمام محكمة النقض .
7- من المقرر أنه ليس بلازم مطابقة أقوال الشهود مضمون الدليل الفني ، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق ، وكان الحكم قد عرض لهذا الدفاع واطرحه للأسباب السائغة التي أوردها ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً .
8- لما كان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً بخصوص عدم صحة إجراءات القبض وانتفاء حالة التلبس ، وكانت مدونات الحكم قد خلت مما يرشح لقيام هذا البطلان ، وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع والتي تقتضي تحقيقاً موضوعياً تنحسر عنه وظيفة محكمة النقض ، فلا يقبل إثارته أمام هذه المحكمة لأول مرة ، فضلاً عن أن القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة - وهو الحال في الدعوى - فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون لا محل له .
9- من المقرر أن الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بدليل معين إلا إذا نص على ذلك بالنسبة لجريمة معينة وإنما ترك له حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه ما دام أن له مأخذه بالأوراق ، وكان ما أورده الحكم ودلل به على مقارفة الطاعن للجريمة التي دين بها كــافياً وسائغاً ولا يتنافر مع الاقتضاء العقلي والمنطقي ، فإن ما يثيره الطاعن في شأن خلو الأوراق من دليل على ارتكاب الواقعة والتعويل على أدلة ظنية الدلالة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا شأن لمحكمة النقض به ولا يثار أمامها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :
- خطف المجني عليها الطفلة / .... وكان ذلك عن طريق الإكراه الواقع عليها بأن اصطدم بها بسيارته ثم اصطحبها بداخلها رغماً عنها إلى مكانٍ ناءٍ وتمكن بتلك الوسيلة القسرية من شل مقاومتها وبث الرعب في نفسها وإتمام جريمته ، وقد اقترنت تلك الجناية بجناية أخرى هي أنه في ذات الزمان والمكان : شرع في مواقعتها بغير رضاها بـأن طرحها على المقعد الخلفي للسيارة وحسر عنها ملابسها ونزع بنطاله وجـثم بجسده فوقها إلا أنه أوقف أثر جريمته لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو ضبطه والجريمة متلبساً بها .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمـة المذكورة قضـت حضـورياً عمـلاً بـالمواد 45/1 ، 46/3،2 ، 290 من قانون العقوبات ، والمـادة ١١٦ مكرراً من قانون الطفل رقم ۱۲ لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم ١٢٦ لسنة ٢٠٠٨ ، مع إعمال نص المادة 17 من قانون العقوبات ، بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات عما أسند إليـه وألزمته المصاريف الجنائية .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة خطف أنثى بالإكراه والمقترنة بالشروع في مواقعتها بغير رضاها قد شابه قصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع وخطأ في تطبيق القانون ، ذلك بأنه لم يورد وقائع الدعوى وأدلتها بطريقة كافية ، وتمسك الدفاع عن الطاعن أمام المحكمة بعدم توافر أركان جريمة الخطف بالإكراه في حق الطاعن ، غير أن الحكم اطرح هذا الدفاع بما لا يسوغ اطراحه ، وأعمل في حقه ظرف الاقتران رغم أن جريمة المواقعة لم تتم كاملة ، هذا إلى أن الحكم دانه بالمادة 290 من قانون العقوبات في حين أن المادة الواجبة التطبيق على واقعة الدعوى هي المادة 269 من ذات القانون ، وجاءت أسبابه متناقضة مع بعضها البعض ، واطرح برد غير سائغ ولا يتفق وصحيح القانون دفعه بعدم جدية التحريات وانعدامها لشواهد عددها ، بيد أن الحكم عول عليها رغم عدم صلاحيتها كدليل ، كما اطرح دفعه بتـناقض الدليلين القولي والفني برد غير سائغ ، وخلت أوراق الدعوى مما يدل على توافر حالة التلبس وصحة إجراءات القبض ، ودانه رغم خلو الأوراق من دليل قبله مستنداً في إدانته على أدلة ظنية ، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها تمحيصاً كافياً وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة ، فإن حكمها يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعن بأن الحكم قد شابه الغموض والإبهام والتجهيل بوقائع الدعوى وأدلتها يكون لا محل له .
لما كان ذلك ، وكانت جريمة خطف الأنثى بالتحيل أو الإكراه المنصوص عليها في المادة 290 من قانون العقوبات تتحقق بإبعاد هذه الأنثى عن المكان الذي خطفت منه أياً كان المكان بقصد العبث بها وذلك عن طريق استعمال طرق احتيالية من شأنها التغرير بالمجني عليها وحملها على مرافقة الجاني لها أو باستعمال أي وسائل مادية أو أدبية من شأنها سلب إرادتها ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استظهر ثبوت الفعل المادي للخطف وتوافر ركن الإكراه والقصد الجنائي في هذه الجريمة ، وتساند في قضائه إلى أدلة منتجة من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهى إليه ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه بياناً لواقعة الدعوى ورداً على ما دفع به الطاعن من انتفاء أركان جريمة الخطف تتحقق به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بارتكابها كما هي معرفة به في القانون ، كما أن تقدير ركن التحيل أو الإكراه أو توافر القصد الجنائي في جريمة الخطف كلها مسائل موضوعية تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام استدلالها سليماً ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يشترط وقوع جناية المواقعة مكتملة الأركان على الأنثى المخطوفة ، إذ يستوي أن تقع هذه الجناية في صورتها التامة أم في صورتها الناقصة ، لأن جناية المواقعة في هذا الفرض ليست في حقيقة أمرها سوى ظرفاً مشدداً لجناية الخطف ، وبالتالي فليست هناك أية أهمية لوقوعها تامة أو وقوفها عند مرحلة الشروع ، ففي الحالتين تكون عقوبة الإعدام هي المستحقة ، وما يؤيد وجهة النظر تلك أن الشارع قرر العقوبة سالفة الذكر حال اقتران خطف الأنثى بهتك عرضها أيضاً ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد ، هذا فضلاً عن أن العقوبة الموقعة على الطاعن وهي السجن المشدد لمدة عشر سنوات تدخل في الحدود المقررة لجناية خطف أنثى مجردة من ظرف الاقتران ، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك ، وكان الحكم قد دان الطاعن بجريمة خطف أنثى بالإكراه المقترنة بجناية الشروع في مواقعتها بغير رضاها المعاقب عليها بالمادة 290 من قانون العقوبات ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم انطباق المادة المار بيانها وانطباق المادة 269 من القانون سالف الذكر على الواقعة لا يعدو أن يكون منازعة في الصورة التي اعتنقتها المحكمة للواقعة وجدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها مما تستقل به بغير معقب ، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً مبيناً به ما يرمي إليه مقدمه حتى يتضح مدى أهميته في الدعوى المطروحة ، وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من تناقض في الأسباب قد جاء مرسلاً لم يحدد الطاعن فيه وجه التناقض الذي يرمي به الحكم المطعون فيه ، ومن ثم يكون نعيه على هذه الصورة مجهلاً غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تعول في قضائها على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة ، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال ضابط التحريات - على النحو الذي شهد به - ورد بما يسوغ على الدفع بعدم جديتها ، فإن منازعة الطاعن في ذلك لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ، ولا تجوز مجادلتها في شأنه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه ليس بلازم مطابقة أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصي على الملاءمة والتوفيق ، وكان الحكم قد عرض لهذا الدفاع واطرحه للأسباب السائغة التي أوردها ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً بخصوص عدم صحة إجراءات القبض وانتفاء حالة التلبس ، وكانت مدونات الحكم قد خلت مما يرشح لقيام هذا البطلان ، وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع والتي تقتضي تحقيقاً موضوعياً تنحسر عنه وظيفة محكمة النقض ، فلا تقبل إثارته أمام هذه المحكمة لأول مرة ، فضلاً عن أن القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة - وهو الحال في الدعوى – ، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون لا محل له . لما كان ذلك ، وكان الشارع لم يقيد القاضي الجنائي في المحاكمات الجنائية بدليل معين إلا إذا نص على ذلك بالنسبة لجريمة معينة وإنما ترك له حرية تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه ما دام أن له مأخذه بالأوراق ، وكان ما أورده الحكم ودلل به على مقارفـــــة الطاعن للجريمة التي دين بها كــافياً وسائغاً ولا يتنافر مع الاقتضاء العقلي والمنطقي ، فإن ما يثيره الطاعن في شأن خلو الأوراق من دليل على ارتكاب الواقعة والتعويل على أدلة ظنية الدلالة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا شأن لمحكمة النقض به ولا يثار أمامها . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق