الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 أغسطس 2023

الطعن 827 لسنة 3 ق جلسة 29 / 11 / 1958 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 22 ص 266

جلسة 29 من نوفمبر سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم ومحيي الدين حسن وعبد المنعم سالم مشهور المستشارين.

---------------

(22)

القضية رقم 827 لسنة 3 القضائية

ميعاد الستين يوماً 

- نص المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 على اعتبار فوات ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه - قيام هذا الرفض الحكمي على قرينة فوات هذا الفاصل الزمني دون أن تجيب الإدارة عن التظلم - عدم قيام هذه القرينة إذا لم تهمل الإدارة التظلم وإنما اتخذت مسلكاً إيجابياً في سبيل الاستجابة إليه - حساب ميعاد رفع الدعوى في هذه الحالة من التاريخ الذي تكشف فيه الإدارة عن نيتها في رفض التظلم بعد أن كانت المقدمات في مسلكها تنبئ بغير ذلك - مثال.

-----------------
لئن كانت المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة قد نصت على أن يعتبر فوات ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه ويكون ميعاد رفع الدعوى في الطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة, أي افترضت في الإدارة أنها رفضت التظلم ضمناً باستفادة هذا الرفض الحكمي من قرينة فوات هذا الفاصل الزمني دون أن تجيب الإدارة عن التظلم, إلا أنه يكفي في تحقق معنى الاستفادة المانعة من هذا الافتراض أن يتبين أن السلطات الإدارية المختصة لم تمهل التظلم, وأنها إذ استشعرت حق المتظلم فيه قد اتخذت مسلكاً إيجابياً واضحاً في سبيل استجابته, وكان فوات الستين يوماً راجعاً إلى بطء الإجراءات المعتادة بين الإداريات المختصة في هذا الشأن. والقول بغير ذلك مؤداه دفع المتظلم إلى مخاصمة الإدارة قضائياً في وقت تكون هي جادة في سبيل إنصافه. وقد قصد الشارع من وجوب إتباع طريق التظلم الإداري تفادي اللجوء إلى طريق التقاضي بقدر الإمكان وذلك بحسم المنازعات إدارياً في مراحلها الأولى. فإذا كان واقع الأمر في هذه المنازعة أنه لما اطردت أحكام القضاء الإداري على استحقاق أمثال المدعي للترقية إلى الدرجة الرابعة في القرار الصادر في أكتوبر سنة 1950 الذي كان تركة فيها بدون حق تأسيساً على أن القاعدة التي قام عليها هذا القرار كانت مخالفة للقانون - نزلت الإدارة على مقتضى هذه الأحكام بالنسبة لمن لم يرفع دعاوى كالمدعي وأمثاله؛ نظراً إلى أن مراكز خريجي معهد التربية جميعاً واحدة, فتقدمت بمذكرتها سالفة الذكر إلى الجهات المختصة لتعميمه عليهم تحقيقاً للمساواة بينهم؛ وبناء على ذلك حررت لديوان الموظفين ولرياسة مجلس الوزراء طالبة إرجاع أقدمية المدعي وزملائه من خريجي معهد التربية الابتدائي سنة 1935 في الدرجة الرابعة إلى أول أكتوبر سنة 1950 - إذا كان ذلك كذلك, فإنه قاطع في الدلالة على أن جهة الإدارة إنما سلكت مسلكاً إيجابياً واضحاً نحو الاستجابة لتظلم المدعي, وأن فوات ميعاد الستين يوماً على تقديم تظلمه إنما كان بسبب ما ضاع من الوقت في الأخذ والرد بين الجهات المختصة. فإذا كانت وزارة التربية والتعليم بعد إذ استبطأت رد تلك الجهات أبلغت المدعي في 6 من ديسمبر سنة 1955 برفض تظلمه فلا ينبغي حساب ميعاد الستين يوماً الواجب إقامة الدعوى فيها إلا من هذا التاريخ الأخير بعد أن تكشفت نية الإدارة نهائياً في عدم الاستجابة بعد أن كانت المقدمات في مسلكها تنبئ بغير ذلك. وعلى هذا الأساس فإنه لما كان المدعي قد أودع عريضة دعواه في 19 من يناير سنة 1956, فإن دعواه - والحالة هذه - تكون قد رفعت في الميعاد.


إجراءات الطعن

في 16 من يونيه سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "ب") بجلسة 18 من أبريل سنة 1957 في الدعوى رقم 881 لسنة 10 القضائية المرفوعة من عبد اللطيف عبد الحميد سلام ضد وزارة التربية والتعليم, القاضي "بعدم قبول الدعوى, وبإلزام المدعي المصروفات". وطلب رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم قبول الدعوى, والقضاء بإلغاء القرار الصادر من وزير التربية والتعليم في أكتوبر سنة 1950 فيما تضمنه من ترقيات بالاختيار, وإلزام الحكومة المصروفات. وقد أعلن الطعن للحكومة في 15 من أكتوبر سنة 1957, ولغلق موطن المدعي سلم المحضر في 18 من نوفمبر سنة 1957 الصورة لمأمور قسم شرقي بمحافظة الإسكندرية حيث يقع موطن المدعي في دائرته, ثم أخطر المحضر في 19 من نوفمبر سنة 1957 المدعي, وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته تحدد لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة أول نوفمبر سنة 1958, وفي 6 من يوليه سنة 1958 أبلغت الحكومة بميعاد هذه الجلسة, كما أخطر المدعي بهذا الموعد في 25 من أكتوبر سنة 1958, وفي تلك الجلسة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 29 من يناير سنة 1956 أقام المدعي الدعوى رقم 881 لسنة 10 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم أمام محكمة القضاء الإداري طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزير التربية والتعليم في أكتوبر سنة 1950 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة, واستحقاقه لهذه الدرجة اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950, مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقال في بيان ذلك إنه متخرج في معهد التربية العالي (القسم الابتدائي) نظام الثلاث السنوات في سنة 1935, وعين مدرساً بوزارة المعارف في أكتوبر سنة 1936 في وظيفة مدرس بالتعليم الابتدائي, ونقل في سنة 1946 للتدريس بالمدارس الثانوية, واعتباراً من أول مايو سنة 1946 رقي إلى الدرجة الخامسة, وإلى الدرجة الرابعة في أول أكتوبر سنة 1951. وقد علم المدعي أن الوزارة أجرت حركة ترقيات في أكتوبر سنة 1950 رقت فيها إلى الدرجة الرابعة المدرسين بالمدارس الثانوية التي أمضوا سنة دراسية على الأقل في التدريس بهذه المدارس الذين استدعت دراستهم بعد البكالوريا أربع سنوات من خريجي سنة 1935, وقد ترتب على تطبيق الشرط الأخير من هذه القاعدة حرمان طائفة خريجي معهد التربية نظام الثلاث السنوات من الترقية إلى الدرجة الرابعة. ويقول إن القرار المذكور جاء مخالفاً لقواعد الإنصاف التي سوت بين حملة المؤهلات العالية جميعاً بأن اعتبرتهم في الدرجة السادسة بمرتب قدره 12 جنيهاً شهرياً من تاريخ التحاقهم بالخدمة بصرف النظر عن المدة التي يقضونها في الدراسة بعد البكالوريا. ويذكر المدعي أنه علم أن بعض زملائه الذين علموا بالقرار في حينه قد لجئوا إلى الطعن في القرار طالبين الحكم بإلغائه فيما تضمنه من تخطيهم في الترقية وقد قضت المحكمة لصالحهم. ويضيف المدعي أنه عقب صدور تلك الأحكام وإعلانها للوزارة رأت أن الحق في جانبهم وفي جانب زملائهم الذين تتشابه حالاتهم وحالة من صدرت الأحكام لصالحهم, وأرادت أن تصحح موقفها إزاءهم, فطلبت من ديوان الموظفين الموافقة على إرجاع أقدميتهم جميعاً في الدرجة الرابعة إلى أول أكتوبر سنة 1950 بدلاً من أول أكتوبر سنة 1951. ويقول المدعي إن هذا الطلب ما زال محل بحث الديوان, كما يقول إنه تقدم بتظلم إداري طلب فيه إلغاء القرار الوزاري الصادر في أكتوبر سنة 1950 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة واستحقاقه لها من هذا التاريخ بدلاً من أول أكتوبر سنة 1951, فردت عليه الوزارة بعدم قبول التظلم شكلاً لرفعه بعد الميعاد, وأنه أخطر بهذا الرد في 6 من ديسمبر سنة 1955. ويستطرد المدعي إلى أن ميعاد الطعن في القرار المشار إليه لا يزال بالنسبة إليه مفتوحاً لعدم علمه به علماً يقينياً مجرياً للميعاد في حقه, ولما ثبت من تبني الوزارة لبحث حالته وذلك من مداومة بحثها مع ديوان الموظفين. وقد ردت الوزارة على الدعوى بأن المدعي حصل على دبلوم معهد التربية الابتدائي سنة 1935, وعين بخدمة الوزارة من 15 من أكتوبر سنة 1936 بالدرجة السادسة، وضمت له مدة خدمة سابقة، وأرجعت أقدميته في الدرجة السادسة إلى 15 من أكتوبر سنة 1935, ورقي إلى الدرجة الخامسة من أول مايو سنة 1946, وإلى الدرجة الرابعة من أول أكتوبر سنة 1951, وقدم المدعي تظلماً ورد إلى الوزارة بكتاب مكتب التظلمات الإدارية رقم 1969 في 5 من سبتمبر سنة 1955. وتذكر الوزارة أنها حررت ردها على التظلم بكتابها المؤرخ 27 من سبتمبر سنة 1955 إلى مكتب التظلمات الإدارية. وقد أجريت حركة الترقيات إلى الدرجة الرابعة الفنية في ميزانية 1950/ 1951 بالنسبة لذوي المؤهلات العالية على الوجه الآتي: رقي إلى الدرجة الرابعة الفنية بالأقدمية المطلقة من أصحاب المؤهلات العالية المتخرجون المعينون لغاية سنة 1934 الذين ترجع أقدمياتهم في الدرجة الخامسة إلى 1/ 5/ 1946, والمدعي وإن كانت أقدميته في الدرجة الخامسة هي 1/ 5/ 1946 إلا أنه متخرج سنة 1935 ومعين سنة 1935 في الدرجة السادسة؛ ومن ثم لم تنطبق عليه قاعدة الترقية بالأقدمية المطلقة إلى الدرجة الرابعة من أول أكتوبر سنة 1950، كما كانت قاعدة الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية بالاختيار من أول أكتوبر سنة 1950 تتناول المدرسين بالمدارس الثانوية وما يعادلها الذين أمضوا سنة دراسية على الأقل في التدريس بهذه المدارس الذين استغرقت دراستهم بعد البكالوريا أربع سنوات من المتخرجين سنة 1935, وكذلك حملة دبلوم الفنون الجميلة دفعة سنة 1935 المدرسين بالمدارس الثانوية ممن ترجع أقدميتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946, ولم تنطبق على المدعي قاعدة الترقية بالاختيار؛ إذ أن دراسته بعد البكالوريا استدعت ثلاث سنوات فقط, وقد رقي إلى الدرجة الرابعة من أول أكتوبر سنة 1951. وتضيف الوزارة أنه نظراً إلى أنه لم يرق أحد بالاختيار من المدرسين خريجي معهد التربية الابتدائي دفعة سنة 1935 الذين ترجع أقدميتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946, ويبلغ عددهم حوالي 45 مدرساً إلى الدرجة الرابعة الفنية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950 في ميزانية عام 1950/ 1951, فقد أقام لفيف منهم دعاوى في الميعاد القانوني أمام محكمة القضاء الإداري مطالبين بأحقيتهم في الترقية إلى الدرجة الرابعة من أول أكتوبر سنة 1950 أسوة بحملة دار العلوم والفنون الجميلة, وأصدرت المحكمة حكمها لبعض الحاصلين على دبلوم معهد التربية الابتدائي سنة 1935 بأحقيتهم في الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950 بدلاً من أول أكتوبر سنة 1951. وتقول الوزارة إنها رأت - كما رأت محكمة القضاء الإداري - أن قاعدة الترقية بالاختيار سالفة الذكر جاءت مخالفة لقاعدة المساواة بين حملة المؤهلات حسبما قررتها قواعد الإنصاف, وهي صادرة من سلطة أعلى هي سلطة مجلس الوزراء؛ لذلك حررت كتاباً إلى ديوان الموظفين للموافقة على إرجاع أقدمية هؤلاء الموظفين في الدرجة الرابعة الفنية إلى أول أكتوبر سنة 1950 بدلاً من أول أكتوبر سنة 1951, وعرض الأمر على اللجنة المالية ومجلس الوزراء لإقراره. وتذكر الوزارة أنه لم يرد الرد على كتابها من ديوان الموظفين حتى يمكنها إبداء رأيها النهائي في وضع المدعي, بيد أن الوزارة انتهت إلى الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد؛ على أساس أن المدعي قدم تظلمه إليها في 5 من سبتمبر سنة 1955, في حين أودعت صحيفتها في 29 من يناير سنة 1956. وبجلسة 18 من أبريل سنة 1957 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على أن علم المدعي قد ثبت يقيناً من تاريخ إرسال تظلمه إلى الوزارة في 5 من سبتمبر سنة 1955, مما يتعين معه أن تجرى مواعيد الطعن اعتباراً من هذا التاريخ؛ وعلى أساس أن ميعاد الطعن المقرر في المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 ينتهي في موعد غايته 3 من يناير سنة 1956, وذلك تأسيساً على أن الميعاد قد انقطع بالتظلم الذي كان يجب أن يبت فيه قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديمه, أي في 4 من نوفمبر سنة 1955, وقد فات هذا الميعاد دون أن تجيب السلطات المختصة عن التظلم, فكان يتعين رفع الدعوى خلال ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة, أي في 3 من يناير سنة 1956. ولما كان المدعي قد رفع هذه الدعوى بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة في 29 من يناير سنة 1956, فتكون دعواه قد رفعت بعد انقضاء الميعاد المقرر لذلك, وانتهت المحكمة إلى الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المدعي قد رفع دعواه في الميعاد القانوني, وعلى بطلان قرار الترقية لقيامه على قاعدة مخالفة للقانون مما يتعين معه إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الدعوى وبإلغاء القرار الصادر من وزير التربية والتعليم في أكتوبر سنة 1950 فيما تضمنه من ترقيات بالاختيار وإلزام الوزارة بالمصروفات, وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتفسيره.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن وزارة التربية والتعليم أجرت في أكتوبر سنة 1950 حركة ترقيات إلى الدرجة الرابعة اتبعت فيها القاعدتين التاليتين: (الأولى) أن يرقى بالأقدمية المطلقة من أصحاب المؤهلات العالية المتخرجون المعينون لغاية سنة 1934 الذين ترجع أقدمياتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946. (الثانية) أن يرقى إلى الدرجة الرابعة بالاختيار من أصحاب المؤهلات العالية المدرسون بالمدارس الثانوية وما يعادلها الذين أمضوا سنة دراسية على الأقل في التدريس بهذه المدارس الذين استدعت دراستهم بعد البكالوريا أربع سنوات من المتخرجين سنة 1935, وكذلك حملة دبلوم الفنون الجميلة سنة 1935 المدرسون بالمدارس الثانوية ممن ترجع أقدمياتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946. ولم يرق من خريجي معهد التربية أحد في هذه الحركة؛ لأن دراستهم بعد البكالوريا استدعت ثلاث سنوات مع توافر باقي الشروط في حقهم. وفي أكتوبر سنة 1951 رقي جميع خريجي المعهد المذكور الذين سبق أن تخطوا في حركة أكتوبر سنة 1950 إلى الدرجة الرابعة, وكان بعد خريجي ذلك المعهد قد رفعوا دعاوى أمام محكمة القضاء الإداري ضد الوزارة بالطعن في قرار ترقيات أكتوبر سنة 1950, فيما تضمنه من تخطيهم في الترقية إلى الدرجة الرابعة استناداً إلى أن القاعدة التي جرت عليها الوزارة في الترقية بالاختيار وقعت مخالفة للقانون ومشوبة بعيب الانحراف وسوء استعمال السلطة, وطلبوا أحقيتهم في الترقية إلى الدرجة الرابعة من أول أكتوبر سنة 1950, فقضى في هذه الدعاوى لصالحهم, ثم طالب بعض من لم تصدر لهم أحكام بعد بتسوية حالتهم أسوة بحالة زملائهم الذين حكم لصالحهم وسويت حالتهم فعلاً, فأرسلت الوزارة كتاباً لرئيس ديوان الموظفين استهلته بالإشارة إلى قواعد الترقية التي وضعتها الوزارة للترقيات إلى الدرجة الرابعة في ميزانية عام 1950/ 1951, ثم قالت وبذلك لم يرق أحد بالاختيار من المدرسين خريجي معهد التربية الابتدائي سنة 1935 الذين ترجع أقدميتهم في الدرجة الخامسة إلى أول مايو سنة 1946 ويبلغ عددهم حوالي الـ 45 إلى الدرجة الرابعة الفنية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950 في ميزانية عام 1950/ 1951, ثم ذكرت الوزارة أن هؤلاء الـ 45 رقوا جميعاً إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1951, وقالت "إن محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة أصدرت حكمها لبعض الحاصلين على دبلوم معهد التربية الابتدائي سنة 1935 بأحقيتهم في الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950. ولما كانت الوزارة ترى - كما رأت محكمة القضاء الإداري في حيثيات حكمها - أن القاعدة الثانية سالفة الذكر جاءت مخالفة لقانون المساواة بين حملة المؤهلات حسبما قدرتها قواعد الإنصاف وهي صادرة من سلطة أعلى هي سلطة مجلس الوزراء؛ لذلك نرجو الموافقة على إرجاع أقدمية هؤلاء الموظفين في الدرجة الرابعة الفنية إلى أول أكتوبر سنة 1950, بدلاً من أول أكتوبر سنة 1951. وعرض الموضوع على اللجنة المالية ومجلس الوزراء لإقراره". كما أرسل السيد الوزير صورة أخرى من ذلك الكتاب إلى السيد رئيس مجلس الوزراء طالباً الموافقة على إرجاع أقدمية هؤلاء الموظفين إلى أول أكتوبر سنة 1950.
( أ ) عن قبول الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري:
من حيث إنه ولئن كانت المادة 19 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة نصت على أن يعتبر فوات ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة بمثابة رفضه ويكون ميعاد رفع الدعوى في الطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة, أي افترضت في الإدارة أنها رفضت التظلم ضمناً باستفادة هذا الرفض الحكمي من قرينة فوات هذا الفاصل الزمني دون أن تجيب الإدارة عن التظلم, إلا أنه يكفي في تحقق معنى الاستفادة المانعة من هذا الافتراض أن تتبين المحكمة أن السلطات الإدارية المختصة لم تمهل التظلم, وأنها إذ استشعرت حق المتظلم فيه قد اتخذت مسلكاً إيجابياً واضحاً في سبيل استجابته, وإنما كان فوات الستين يوماً راجعاً إلى بطء الإجراءات المعتادة بين الإداريات المختصة في هذا الشأن. والقول بغير ذلك مؤداه دفع المتظلم إلى مخاصمة الإدارة قضائياً في وقت تكون هي جادة في سبيل إنصافه المتظلم. وقد قصد الشارع من وجوب اتباع طريق التظلم الإداري مفاداة اللجوء إلى طريق التقاضي بقدر الإمكان, وذلك بحسم المنازعات إدارياً في مراحلها الأولى.
ومن حيث إن واقع الأمر في هذه المنازعة أن الجهة الإدارية, لما اطردت أحكام القضاء الإداري باستحقاق أمثال المدعي الترقية إلى الدرجة الرابعة في القرار الصادر في أكتوبر سنة 1950 الذي كان تركة فيها بدون حق تأسيساً على أن القاعدة التي قام عليها هذا القرار كانت مخالفة للقانون - لما اطردت أحكام القضاء الإداري بذلك, نزلت الإدارة على مقتضاها بالنسبة لمن لم يرفع دعاوى كالمدعي وأمثاله؛ نظراً إلى أن مراكز خريجي معهد التربية جميعاً واحدة, فتقدمت بمذكرتها سالفة الذكر إلى الجهات المختصة لتعميمه عليهم تحقيقاً للمساواة بينهم. وبناء على ذلك حررت لديوان الموظفين ولرياسة مجلس الوزراء طالبة إرجاع أقدمية المدعي وزملائه من خريجي معهد التربية الابتدائي سنة 1935 في الدرجة الرابعة إلى أول أكتوبر سنة 1950. وكل ذلك قاطع في الدلالة على أن جهة الإدارة إنما سلكت مسلكاً إيجابياً واضحاً نحو الاستجابة لتظلم المدعي, وأن فوات ميعاد الستين يوماً على تقديم تظلمه إنما كان بسبب ما ضاع من الوقت في الأخذ والرد بين الجهات المختصة. فإذا كانت وزارة التربية والتعليم بعد إذ استبطأت رد تلك الجهات أبلغت المدعي في 6 من ديسمبر سنة 1955 برفض تظلمه, فلا ينبغي حساب ميعاد الستين يوماً الواجب إقامة الدعوى فيها إلا من هذا التاريخ الأخير بعد أن تكشفت نية الإدارة نهائياً في عدم الاستجابة بعد أن كانت المقدمات في مسلكها تنبئ بغير ذلك؛ وعلى هذا الأساس, ولما كان المدعي قد أودع عريضة دعواه في 19 من يناير سنة 1956 فإن دعواه - والحالة هذه - تكون قد رفعت في الميعاد.
(ب) عن الموضوع [(1)]:
ومن حيث إنه ولئن كانت الترقية في نسبة الاختيار متروكاً أمرها لتقدير الإدارة بما لا معقب عليها ما دام قرارها قد خلا من إساءة استعمال السلطة, إلا أنها إذا وضعت لاختيارها ضوابط معينة وجب عليها مراعاتها في التطبيق الفردي, كما أنه يتعين عليها عند وضع هذه الضوابط أن تلتزم القوانين واللوائح نصاً وروحاً, وإلا كان قرارها مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن القاعدة التي وضعتها وزارة التربية والتعليم في هذا الشأن للترقية في نسبة الاختيار تقوم أساساً على التفرقة بين حملة المؤهلات العالية؛ إذ جعلت الترقية مقصورة على من يكون من هؤلاء قد أمضى أربع سنوات في الدراسة بعد شهادة البكالوريا؛ وبذلك حرمت من الترقية من أمضى منهم أقل من هذه المدة, ومن هؤلاء خريجو معهد التربية الذي تخرج فيه المدعي , في حين أن قرارات الإنصاف - على ما يبين من الكشوف الملحقة بكتاب دوري المالية رقم 234 - 1/ 302 المؤرخ 6 من سبتمبر سنة 1944 - قد سوت بين حملة تلك المؤهلات جميعها بأن اعتبرتهم في الدرجة السادسة بمرتب 12 جنيهاً شهرياً من تاريخ التحاقهم بالخدمة بصرف النظر عن المدة التي يقضونها في الدراسة بعد حصولهم على البكالوريا؛ ومن ثم تكون القاعدة المذكورة مخالفة لقاعدة المساواة بين حملة المؤهلات حسبما قررتها قواعد الإنصاف, وهي صادرة من سلطة أعلى هي سلطة مجلس الوزراء, هذا فضلاً عن أن مؤداها هو المساس بأقدميات ذوي الشأن بطريق غير مباشر بحيث يصبح الأحدث من حملة مؤهل معين يتقدم على الأقدم من حملة مؤهل بذاته, مع أن قرارات الإنصاف تسوى بين هؤلاء جميعاً حسبما سلف بيانه؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد وقع مخالفاً للقانون, ويتعين إلغاؤه.
ومن حيث إن المنازعة بعد ترقية المدعي إلى الدرجة الرابعة في أول أكتوبر سنة 1951 قد أصبحت محصورة في ترتيب أقدميته بين أقرانه, فيجب إلغاء قرار الترقية المطعون فيه إلغاء جزئياً في هذا الخصوص, ورد الأمر إلى نصابه القانوني على الوجه المبين في المنطوق.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء بقبول الدعوى, وباعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الرابعة الفنية راجعة إلى أول أكتوبر سنة 1950, وألزمت الحكومة بالمصروفات.


[(1)] راجع السنة الثالثة من هذه المجموعة بند 105 صفحة 967.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق