الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 أغسطس 2023

الطعن 177 لسنة 4 ق جلسة 29 / 11 / 1958 إدارية عليا مكتب فني 4 ج 1 ق 23 ص 277

جلسة 29 من نوفمبر سنة 1958

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

-----------------

(23)

القضية رقم 177 لسنة 4 القضائية

قرار إداري. 

تاريخ نفاذه - الأمر العالي الصادر في 8/ 3/ 1881 في شأن الآلات الرافعة - خلوه من نص يفوض وزير الأشغال في تحديد أجور الري بالآلات الرافعة - وسيلة هذا التحديد كانت بطريق النص في رخص مستغلي الآلات على تعهدهم بقبول ري أراضي المتعاقدين معهم بالفئات التي تحددها القرارات التي يصدرها وزير الأشغال - المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 في شأن أجور الري من الآلات الرافعة - نقله تقدير هذه الأجور من المجال التعاقدي إلى المجال الجبري بتخويله وزير الأشغال سلطة تقديرية في تحديد هذه الأجور بقرارات يصدرها - للوزير سلطة تعيين التاريخ الذي يسري اعتباراً منه العمل بالأجور التي يحددها في كل فاصل زمني بما يتلاءم مع حقيقة الأوضاع القائمة - إغفال النص على نفاذ القرار من تاريخ سابق على نشره يتضمن إقراراً للعمل بفئات الأجور القديمة.

-------------------
إن تحديد أجور الري من الآلات الرافعة التي يديرها الأهالي والمقامة على جسور النيل أو الترع العامة أو المساقي كان يتم قبل صدور المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 بقرارات وزارية جرت وزارة الأشغال العمومية على إصدارها استناداً إلى المادة الثانية من الأمر العالي الصادر في 8 من مارس سنة 1881 في شأن الآلات الرافعة - ولو أن هذه المادة لم تكن تفوض وزير الأشغال في ذلك - مع النص في الرخص التي تمنح لمستغلي هذه الآلات على تعهدهم بقبول ري أراضي المتراضين معهم في الري بالفئات التي تحددها تلك القرارات التي كان آخرها القرار رقم 8264 الصادر في 24 من يونيه سنة 1944, وأنه - على إثر الشكوى التي تقدم بها بعض الزراعيين المنتفعين بالري من هذه الآلات من أن أصحابها يعمدون إلى زيادة أجور الري عن تلك المحددة بالقرار المذكور - رأت الوزارة إعادة النظر في فئات هذه الأجور نظراً إلى تغير الظروف, وأعدت مشروع قرار وزاري بتعديل تلك الفئات وفقاً لما أشارت به اللجنة الفنية التي شكلتها لهذا الغرض, إلا أن الجمعية العمومية لقسمي الرأي والتشريع بمجلس الدولة رأت أن المادة الثانية من الأمر العالي المشار إليه لا تفوض وزير الأشغال في إصدار قرارات بتحديد هذه الأجور, وأنه يلزم لكي يتدخل المشرع في المعاملات المدنية بين الأفراد, ولفرض حد أقصى للأجور, أن يكون ذلك بقانون, وقد أبدت الجمعية العمومية هذا الرأي بجلستها المنعقدة في 18 من يونيه سنة 1951, أي قبل صدور المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 الخاص بالإصلاح الزراعي, مما يدل على سبق التفكير في المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 على قانون الإصلاح الزراعي, وإن صدر في تاريخ لاحق على هذا الأخير. وقد كشف المشرع في المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 عن علة إصداره؛ إذ ذكر أنه استهدف به حماية الزراعيين من تحكم أصحاب الآلات الرافعة من جهة, ومجاراة الاتجاه الحديث في الحد من موجة الغلاء بتخفيض نفقات الإنتاج الزراعي من جهة أخرى؛ ومن ثم تلاقي هذا التشريع في أهدافه مع تشريع الإصلاح الزراعي وصدر متمشياً معه في سياسته, ولو أن التفكير فيه بدأ استقلالاً من قبل. وقد نقل تقدير أجور الري من الآلات الرافعة المقامة على النيل والترع العامة والمساقي من مجال الاتفاق التعاقدي إلى المجال الجبري بتحديد أسعار قانونية خول وزير الأشغال العمومية سلطة تقديرها, وفوضه في ذلك تفويضاً شاملاً جعل أداته قرارات يصدرها الوزير بتعيين فئات هذه الأجور التي لا يجوز الاتفاق على ما يزيد عليها. ولما كانت الحكمة في هذا هي تيسير إصدار قرارات وزارية بتعديل الأجور بالزيادة أو النقصان وفقاً لمقتضيات الحالة الاقتصادية كلما تطلب الأمر ذلك, فإن للوزير إصدار هذه القرارات كلما تغيرت الظروف الزمنية والعوامل الاقتصادية بما يقتضي هذا التعديل؛ وبذلك تتحقق المرونة اللازمة لعدالة تحديد الأجور بما يتفق وتلك الظروف دون حاجة إلى تعديل القانون ذاته من وقت لآخر فيما لو كانت هذه الأجور محددة فيه. وإذا كانت سلطة الوزير في هذا هي بطبيعتها سلطة تقديرية, فإن هذا يستتبع بحكم اللزوم أن تكون له ذات السلطة في تعيين التاريخ الذي يسري منه العمل بالأجور التي يحددها في كل فاصل زمني بما يتلاءم مع حقيقة الأوضاع القائمة فيه لخضوع هذه الأجور لعوامل غير مستقرة دائبة التطور. ويصدق هذا الحكم على القرار الأول وعلى القرارات اللاحقة له على حد سواء؛ لاتحاد العلة فيها جميعاً؛ إذ يملك الوزير, وإن تراخى به الوقت لأسباب فنية في إصدار قراره الأول, وأن يسند أثر هذا القرار إلى تاريخ العمل بالمرسوم بقانون, ما دام هذا المرسوم بقانون نافذاً من ذلك التاريخ, وما دام قرار الوزير لا يتعداه إلى تاريخ سابق عليه؛ ذلك أن الأصل هو سريان الأجور الجبرية من التاريخ المشار إليه, دون أن يكون في هذا ترتيب أثر رجعي للقرار. بيد أن تحديد هذه الأجور قد لا يستطاع إجراؤه فوراً لتطلبه دراسات وأبحاثاً تستغرق بعض الوقت. فإذا تم تقدير الأجور على أساس مختلف الظروف الراهنة وقت صدور القرار, فإن من سلطة الوزير, بحكم المرونة التي توخاها الشارع بتفويضه في إصدار القرارات المحددة لفئات الأجور, أن يجعل نفاذ قراره من تاريخ نشره بمراعاة تلك الظروف؛ وبهذه المثابة يكون إغفال النص على نفاذ القرار قبل ذلك إقراراً للعمل بفئات الأجور القديمة وإخضاعها للتقدير الذي كان سارياً في الفترة السابقة على تاريخ العمل بالقرار, ولا يكون ثمة تعطيل لنفاذ حكم المرسوم بقانون, بل إعمالاً بما يتلاءم مع طبيعة الأوضاع التي اقتضاها, والمرجع في هذا كله إلى قصد الوزير. والثابت أنه قام بتشكيل لجان فنية متعاقبة من المختصين في الوقت المناسب, وأن الفترة التي استغرقها الوصول إلى قرار في شأن تحديد أجور الري من محطة طلبات شركة وادي كوم أمبو إنما قضيت في أبحاث ودراسات فنية توالت وأعيدت بسبب ما أثير من جانب ذوي الشأن من اعتراضات, وأن الأمر اقتضى تعديل فئات الأجور المقترحة إبان فترة البحث هذه, وأن الأجور التي استقر عليها الرأي إنما ربطت على أساس التكاليف الفعلية والعوامل الاقتصادية الجارية وقت هذا الربط, وأن وزير الأشغال العمومية انتهى إلى إصدار قراره في صيغته الأخيرة التي أقرتها اللجنة الثالثة بعد إذ تلقى اعتراضات الشركة وشكوى المدعي, واستطلع رأي إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة؛ ومن ثم يكون قد أقر عن قصد وبينة الأجور التي كانت سارية في الفترة من 8 من يناير سنة 1953, تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, حتى 3 من يوليه سنة 1955, تاريخ العمل بالقرار الوزاري رقم 8757 لسنة 1955, ولم يشأ أن يعدل فئاتها إلا ابتداء من هذا التاريخ الأخير بمراعاة الظروف القائمة وقتذاك؛ لذلك فإن ما نص عليه وزير الأشغال العمومية - عن قصد - في المادة الثانية من قراره رقم 8757 الصادر في 3 من يوليه سنة 1955, من العمل بهذا القرار من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية يكون صحيحاً مطابقاً للقانون.


إجراءات الطعن

في 6 من فبراير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 177 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 10 من ديسمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 3646 لسنة 9 القضائية المقامة من كلاً من: (أولاً) الأستاذ محمد شوكت التوني. و(ثانياً) السادة: 1 - كامل عبد المسيح 2 - أمين يني عبد السيد 3 - الحاج محمد محمود النجار 4 - محمود أحمد حسن 5 - عجايبي عطا الله 6 - عبد الرحيم حسين عبد الرحمن 7 - عبد الرحمن حسين عبد الرحمن 8 - صدقي جندي 9 - الدكتور يوسف سليمان ميخائيل 10 - السيدة إيلين نصر روفائيل 11 - حامد حسن أبو زيد 12 - إبراهيم حسن علي قاسم 13 - علي عبد المجيد أبو زيد 14 - الدكتور عبد السيد برطوس 15 - محمد حسنين الطرزي 16 - الدكتور محمود أحمد شوقي 17 - الحاج محمد محمود محمد عبد الله النجار 18 - حجاجي أحمد حسن 19 - أحمد عبده أحمد 20 - محمود أحمد حسن 21 - عزمي شنودة 22 - فوزي شنودة 23 - محمد حسن محمد عبد الله النجار 24 - محمود علي محمد الشحات 25 - متري حسب الله 26 - محمد أحمد حسن 27 - مبارك أحمد حسن 28 - محمد علي أحمد حسن 29 - أحمد محمد محمود عيد الحمصاني 30 - اسكندر ميخائيل برسي 31 - ناشد فاخوري جرجس 32 - دويد صليب لوز 33 - غالي حنا سيد أروس 34 - بدر عبد الحليم أحمد 35 - المقدس لمعي دوس 36 - عبد الحميد محمود عيد الحمصاني 38 - فايز حبشي 39 - اسكندر حبشي 40 - محمد عيسى 41 - عبد العال حسن التونسي 42 - أنور ملك برسوم 43 - الدكتور حبيب ملك برسوم 44 - فايز ملك برسوم 45 - فوزي ملك برسوم 46 - السيدة فوزية ملك برسوم 47 - الصاغ عصام فؤاد 48 - محمد بركات - المتدخلين في الدعوى خصوماً ثلثاً منضمين إلى المدعي, ضد (1) وزارة الأشغال العمومية و(2) شركة وادي كوم أمبو المتدخلة في الدعوى خصماً ثالثاً منضماً إلى الحكومة, وهو الحكم الذي قضى "بإلغاء القرار الصادر من وزير الأشغال العمومية في 3 من يوليه سنة 1955 فيما تضمنه من النص على العمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية, وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه, ورفض الدعوى, وإلزام المدعين بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الأشغال العمومية في 13 من فبراير سنة 1958, وإلى شركة وادي كوم أمبو في 17 منه, وإلى الأستاذ محمد شوكت التوني في 8 من مارس سنة 1958, وإلى الخصوم الثلث المنضمين إلى المدعي في 29 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 12 من أبريل سنة 1958, وفي 9 من مارس سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة, وفيها أجل نظر الطعن لجلسة 24 من مايو سنة 1958 مع ضم ملف القضية رقم 3971 لسنة 9 القضائية, ثم أجل بعد ذلك لجلسة 18 من أكتوبر سنة 1958 للمرافعة, مع الترخيص في تقديم مذكرات إلى ما قبل الجلسة بأسبوعين. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم, مع الترخيص في تقديم مذكرات خلال أسبوعين. وقد أودع كل من المدعي والخصوم الثلث وشركة وادي كوم أمبو مذكرات بملاحظاتهم انتهى فيها كل منهم إلى الإصرار على طلباته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن, تتحصل في أن الأستاذ محمد شوكت التوني أقام الدعوى رقم 3646 لسنة 9 القضائية ضد السيد وزير الأشغال العمومية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 14 من يوليه سنة 1955 ذكر فيها أن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 المنشور في الجريدة الرسمية في 8 من يناير سنة 1953 صدر منظماً للعلاقة بين مالكي الطلمبات الارتوازية والرافعة وبين المزارعين الذين يروون أرضهم من مياه هذه الطلمبات, وقد أمرت المادة الثامنة منه السيد وزير الأشغال العمومية بإصدار ما يقتضيه تنفيذ هذا المرسوم بقانون من قرارات وزارية, وبناء على ذلك أصدر السيد الوزير قرارات وزارية بتحديد قيمة أجر الري من جميع الطلمبات الكائنة بأراضي الجمهورية المصرية, ومنها طلمبات تفتيش وادي كوم أمبو. ولكن هذا التحديد لم يرض شركة تفتيش وادي كوم أمبو التي عارضت فيه, فتراخى تنفيذ هذا القرار, وقامت منازعات بين الزراع ومنهم المدعي وبين الشركة؛ إذ أنه يملك هو وأخواه أرضاً زراعية في زمام كوم أمبو مساحتها 418 فداناً تستقي من مياه الطلمبات. وفي شهر يونيه سنة 1955 أصدر السيد الوزير قراراً وزارياً معدلاً للقرار الصادر في سنة 1953 ومحدداً أجر الري. وقد جاء في المادة الثانية من هذا القرار أنه يعمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية على أساس أن النص على تنفيذه من تاريخ صدور المرسوم بقانون هو تقرير أثر رجعي للقانون، وذلك بناء على فتوى قسم الرأي لوزارة الأشغال. وعلى هذا جاء القرار خاطئاً ومخالفاً لمبادئ القانون, ويتعين إلغاؤه؛ إذ أخطأ في تعيين تاريخ نفاذه, مع أنه مقرر لا منشئ للأمر الإداري, أما المرسوم بقانون فهو المنشئ لهذا الأمر. وقد استقر القضاء على أن قرار الوزير تفسيري ومقرر لا منشئ؛ ومن ثم يكون له أثر رجعي, فإذا جاء القرار محدداً تاريخ العمل به من وقت نشره بالجريدة الرسمية كان في ذلك مخالفاً للقانون؛ إذ المبدأ القانوني الصحيح هو أن تاريخ تنفيذ القرار الوزاري المقرر أو المفسر المنفذ للمرسوم بقانون هو تاريخ نشر هذا القانون. ولما كانت للمدعي مصلحة فعليه؛ لأنه من الزراع الذين يفيدون من هذا القانون, وكان يضار بذلك القرار الخاطئ, فهو يطلب "الحكم بإلغاء القرار الوزاري بالنسبة لتحديد تاريخ نفاذه الوارد في المادة الثانية منه, مع إلزام الوزارة بالمصروفات وأتعاب المحاماة".
ومن حيث إن وزارة الأشغال ردت على هذه الدعوى بمذكرة مؤرخة 19 من سبتمبر سنة 1955 قالت فيها إنه في 8 من يناير سنة 1953 صدر المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 في شأن أجور الري من الآلات الرافعة التي يديرها الأهالي والمقامة على النيل والترع العامة والمساقي. ونصت المادة الأولى منه على أن "يعين الأجر الذي يؤديه الزارعون المتراضون على الري من الآلات الرافعة المقامة على النيل والترع العامة والمساقي إلى مستغلي هذه الآلات مقابل ري أراضيهم بحسب الفئات التي يعينها وزير الأشغال العمومية بقرارات يصدرها, ولا يجوز الاتفاق على أجر يزيد على الأجور التي تعينها هذه القرارات", كما نصت المادة الثامنة منه على أن "على وزيري الأشغال العمومية والعدل كل فيما يخصه تنفيذ هذا القانون, ولوزير الأشغال إصدار ما يقتضيه تنفيذه من قرارات, ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية". وفي أول سبتمبر سنة 1953 أصدر وزير الأشغال القرار الوزاري رقم 8631 لسنة 1953 من مادتين: الأولى تعيين الأجور الواجب أن يؤديها المزارعون إلى مستغلي الآلات الرافعة, والثانية تنص على العمل بهذا القرار من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية, ولما كانت فئات أجور الري الواردة بالقرار لا تتعدى الطلمبات التي أقطارها أكثر من 16/ 18 لغاية 24 بوصة, وكانت توجد طلمبات ذات مواسير تزيد على 24 بوصة, كما هو الحال في وابورات شركة وادي كوم أمبو؛ إذ يصل قطر ماسورة المص في أحداها إلى 1.20 متر؛ فإن الأمر احتاج إلى دراسة خاصة لتحديد الأجور التي تحصل على الري منها. ولتحقيق هذا الغرض شكلت لجان من المختصين بالوزارة قدرت مبلغ 300 م أجراً للرية الواحدة للزراعات الصيفية والشتوية, ومبلغ 600 م أجراً للرية الواحدة للشراقي. ولم توافق شركة وادي كوم أمبو على هذا التقدير لأنه يقل كثيراً عن تكاليف رفع المياه من طلمباتها, وطلبت إعادة فحص هذا الموضوع في ضوء التكاليف الفعلية التي تنفقها الشركة في رفع المياه. وقد أعادت الوزارة بحث هذا الموضوع فكونت لجنة لتحديد أجور عادلة للري من هذه الطلمبات استقر رأيها على أن يكون أجر الرية الواحدة لفدان القصب والشراقي هو مبلغ 540 م وللزراعات الأخرى 270 م, وقد وافقت الوزارة على الرأي الذي انتهت إليه هذه اللجنة, وشرعت في إعداد القرار الوزاري اللازم, بيد أن المدعي تقدم بشكوى مؤرخة 11 من يونيه سنة 1955 يطلب فيها أن ينص في القرار المزمع إصداره على أن يكون تاريخ نفاذه هو نفس تاريخ نفاذ المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, أي يوم 8 من يناير سنة 1953؛ وعلى هذا قامت الوزارة بإعداد مشروع القرار الوزاري على أساس استناد أثره إلى تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, وطلبت من إدارة الفتوى والتشريع بوزارة الأشغال إبداء الرأي في التعديلات التي ترى الوزارة إدخالها على مشروع القرار, فأفتت الإدارة في 19 من يونيه سنة 1955 بأنه لا مانع من إدخال تعديلات على المادة الأولى من مشروع القرار الخاصة بأجور الري، ولكنها لا تقر التعديل المراد إدخاله على المادة الثانية منه وهي التي تنص على نفاذ القرار الوزاري من 8 من يناير سنة 1953, تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, أي لا توافق على انسحاب القرار على الماضي؛ لأن الأثر الرجعي لا يمكن تقريره بقرار وزاري, ولكن بمقتضى قانون وبشرط وجود ضرورة ملحة تستلزم ذلك. وأضافت الوزارة في ردها على الدعوى أن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 خول وزير الأشغال العمومية سلطة تقدير أجور الري من الآلات الرافعة وإصدار القرارات اللازمة لتنفيذ هذا المرسوم بقانون. ولما كانت أجور الري تختلف باختلاف الظروف والأحوال تبعاً للعوامل الاقتصادية فقد رئي أن ينص في المادة الأولى من المرسوم بقانون آنف الذكر على أن يكون تعيين هذه الأجور بحسب الفئات المبينة في القرارات التي يصدرها وزير الأشغال, ولا يجوز الاتفاق على أجر يزيد على الأجور التي تعينها هذه القرارات. ويفهم من هذا النص أن المشرع ترك تحديد أجور الري من الآلات الرافعة لوزير الأشغال, كما خوله إصدار قرارات وزارية بتعديل الأجور زيادة أو نقصاً حسب مقتضيات العوامل الاقتصادية دون الالتجاء إلى تعديل القانون من وقت لآخر فيما لو عينت هذه الأجور بفئات محددة. ويخلص من هذا أن لوزير الأشغال سلطة تقديرية مطلقة في تحديد أجور عادلة للري من الآلات الرافعة, وله إصدار القرارات الوزارية اللازمة في هذا الشأن, وأن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 لم يقيد وزير الأشغال بوجوب النص على نفاذ القرارات التي يصدرها اعتباراً من تاريخ نشر المرسوم بقانون بالجريدة الرسمية. ومن ثم فإن للوزير سلطة مطلقة في تحديد تاريخ نفاذ القرارات التي يصدرها, وعندئذ تكون العبرة بالتاريخ الذي يصدر فيه القرار مستكملاً عناصره محدثاً أثره. على أن الوزارة - وهي الحريصة على المصلحة العامة والخاصة معاً - قد استطلعت رأي إدارة الفتوى والتشريع المختصة عن جواز سحب أثر القرار الوزاري إلى تاريخ نشر المرسوم بقانون سالف الذكر, فكان الرأي أن تنفيذ القرار بأثر رجعي يستلزم إصدار قانون من وجوب توافر حالة الضرورة التي هي مناط هذا الأثر. ولو سلم في الجدل بأن القرار الوزاري يعتبر مفسراً أو مقرراً للمرسوم بقانون فإن هذا المبدأ غير مطلق؛ ذلك أن ثمة قرارات لها طبيعة خاصة وظروف غير عادية, ومن ضمنها القرارات الوزارية الصادرة في شأن أجور الري؛ لأن هذه القرارات تخضع للعوامل الاقتصادية؛ ومن ثم فإن مثل هذه القرارات تكون واجبة النفاذ من تاريخ صدورها؛ لأن العوامل الاقتصادية التي أوحت بإصدارها غير مستقرة, وبالتالي فإن القرارات المذكورة تخضع للظروف الزمنية والمكانية التي تصدر في ظلها؛ وعلى ذلك لا يجدي القول بوجوب اتحاد تاريخ نفاذ المرسوم بقانون والقرار الوزاري الذي يصدر بتنفيذه. وعلى هذا تكون الدعوى لا أساس لها ولا سند من القانون, ويتعين القضاء برفضها, مع إلزام المدعي بمصروفاتها.
ومن حيث إنه في 22 من أكتوبر سنة 1955 أودع كامل عبد المسيح ومن معه سكرتيرية المحكمة صحيفة تدخلهم خصوماً ثلثاً في الدعوى منضمين إلى المدعي في طلباته, وقالوا فيها إنهم يمثلون أغلبية المزارعين بزمام كوم أمبو الذين يعتمدون في ري أراضيهم على محطة طلمبات شركة وادي كوم أمبو, وأن القرار الوزاري رقم 8757 الصادر من وزير الأشغال العمومية في 11 من يوليه سنة 1955 في شأن أجور الري من محطة كوم أمبو - إذ نص في مادته الثانية على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية - يكون قد جاء مخالفاً للقانون؛ ذلك أن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 قد حدد مبدأ تعيين الأجر باليوم الثامن من شهر يناير سنة 1953 كصريح نصه, ولم يمنح وزير الأشغال سوى سلطة تقدير الفئات, أي لم يخوله سلطة تحديد ميعاد محاسبة المستغلين للمزارعين بموجب هذه الفئات؛ ومن ثم فلا يملك الوزير أن يحدد يوم 11 من يوليه سنة 1955 تاريخاً لتنفيذ قراره. وقد توقع المشرع أن يتأخر صدور القرار الوزاري بتعيين الفئات, وأن يكون المزارعون قد دفعوا في فترة التأخير أجراً يزيد على ما نص عليه القرار, فقضى في المادة الثانية منه صراحة بوجوب رد ما حصل زائداً على الأجر المستحق أداؤه وفقاً للفئات التي سيقررها وزير الأشغال. على أنه ما كان يجوز للوزير تعطيل تنفيذ القانون زهاء سنتين ونصف بالعبارة التي أوردها في المادة الثانية من القرار الوزاري, والتي تتعارض كلية مع صريح نص المادة الثامنة من القانون. وخلص الخصوم الثلث المتدخلون من هذا إلى أنه لما كان تنفيذ المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 تنفيذاً صحيحاً لا يستقيم إلا بإلغاء المادة الثانية من القرار الوزاري سالف الذكر فإنهم يطلبون "الحكم بقبول الطالبين خصوماً ثلثاً منضمين للأستاذ المدعي في القضية رقم 3646 لسنة 9 القضائية, وفي الموضوع إلغاء المادة الثانية من القرار الوزاري رقم 8757 سنة 1955 الصادر من السيد وزير الأشغال في شأن أجور الري من محطة كوم أمبو والمنشور بالعدد رقم 54 من الوقائع في 11 من يوليه سنة 1955 إلغاء تاماً واعتبارها كأن لم تكن, مع إلزام وزارة الأشغال المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وبجلسة 11 من يونيه سنة 1957 تدخلت شركة وادي كوم أمبو في الدعوى وطلبت قبولها خصماً ثالثاً منضماً إلى الحكومة, كما تدخل محمد بركات طالباً قبوله خصماً ثالثاً في الدعوى منضماً إلى المدعي, وبهذه الجلسة "قررت المحكمة قبول شركة وادي كوم أمبو خصماً ثالثاً في الدعوى منضماً إلى الحكومة, وقبول السيد/ محمد بركات وكامل عبد المسيح وباقي طالبي التدخل المبينة أسماؤهم بعريضة التدخل خصوماً في الدعوى منضمين إلى المدعي".
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة بعد أن قامت بتحضير الدعوى أودعت تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى "الحكم برفض الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات". وأسست رأيها في ذلك على أن القرار المطعون فيه صدر إعمالاً للقاعدة العامة الصحيحة حين جعل تاريخ نفاذه هو يوم صدوره ونشره, ولم يتضمن الأثر الرجعي الذي لا يكون إلا بنص خاص في قانون طبقاً للأصول الدستورية والتشريعية حصانة للمراكز القانونية الثابتة, بل لو تضمن هذه الرجعية لكانت هي المخالفة للقانون. ولما كان المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 لم يحدد الأعباء المالية؛ بل ترك أمر تحديد الأجور لوزير الأشغال يترخص في إصدارها وتنظيمها وتحديد فئاتها حسبما يتراءى له أنه يحقق المصلحة العامة ويوائم الظروف الاقتصادية في كل زمان ومكان, فإن قرار الوزير يكون هو المنشئ لهذه الأعباء وليس مقرراً لها؛ وإذ فوض المرسوم بقانون المشار إليه الوزير في إصدار مثل هذه القرارات المنشئة؛ فإنها لا تكون نافذة إلا من تاريخ إصدار الوزير لها ونشرها. هذا إلى أن طلبات المدعي تؤدي فوق ما تقدم إلى نتيجة شاذة؛ ذلك أنه إذا كانت هذه القرارات تصدر مرتدة إلى التاريخ الذي صدر فيه القانون, فمعنى هذا أنه كلما صدر قرار الوزير بتعديل الفئات زيادة أو نقصاً كان أثر ذلك أن ترجع إلى تاريخ صدور القانون, ووجب استرداد الفروق من أي من الطرفين بحسب الحالة, مع أن الدفع السابق كان صحيحاً إعمالاً للقرار الذي تم في ظله, وهو أمر يؤدي إلى اضطراب كبير ويؤثر حتماً في المراكز القانونية التي اكتسبت صحيحة في حينها, بما يتعين معه أن يكون قرار وزير الأشغال مطابقاً للقانون حين جعل تاريخ نفاذه من يوم صدوره ونشره, وينبني عليه أن تكون الدعوى الحالية غير قائمة على أساس سليم من الواقع أو القانون حقيقة بالرفض.
ومن حيث إن المدعي والخصوم الثلث المنضمين إليه أودعوا مذكرات رددوا فيها دفاعهم السابق, وزادوا عليه أن قسم الرأي وهيئة المفوضين قد جانبا الصواب إذ اعتبرا أن المطلوب هو تقرير أثر رجعي للقرار في حين أن المطلوب هو الصحة الدستورية لهذا القرار باعتباره يستمد وجوده من أصل ثابت هو القانون, وهذا القانون قد استكمل قوته التنفيذية من يوم صدوره ونشره, وخول وزير الأشغال سلطة تحديد الفئات, لكنه لم يخوله سلطة تحديد زمن التنفيذ, وقد فرض جزاءات في حالتي الاتفاق على أكثر من السعر ودفع المنتفع أكثر من السعر, ولا يمكن نفاذ العقوبتين اللتين قررهما في هاتين الحالتين إلا من تاريخ نشر القانون. أما القرار الوزاري فهو قرار تنفيذي؛ وبهذه المثابة فإنه لا يكون منشئاً للحق ولكنه مقرر له. والقانون هو المنشئ للحق. وقد تعلق للمنتفعين حق مكتسب من تاريخ صدور القانون, وهم لا يمكن أن يضاروا بتراخي المشرع أكثر من سنتين. وليس من سلطة الوزير أن ينشئ حقاً, وإنما عليه فقط تنفيذ القانون؛ ومن ثم فإن القرار الوزاري قد نشأ بحكم القانون وبأمر المشرع, فوجوده قائم منذ قيام القانون, وما كان له أن يوجد إلا بالقانون, والقول بأن القرار الوزاري مستقل عن القانون فيه هدم للمبادئ التشريعية السليمة, بل فيه تسليم للوزير بأن يعطل القانون بعدم إصدار قراره عدة سنوات, أو بعدم إصداره إطلاقاً. وقد ترتب على المادة الثانية من القرار الوزاري المطعون فيه تعطيل تنفيذ القانون في المدة من 8 من يناير سنة 1953 حتى 11 من يوليه سنة 1955, فجاء هذا النص مخالفاً للقانون متجاوزاً فيه مصدره سلطته الإدارية في وضع السعر إلى سلطة تشريعية هي تعيين تاريخ تنفيذ القانون. وغير صحيح أن المشرع خول الوزير سلطة إصدار قرارات منشئة, أو أن القرار الوزاري الصادر بتسعيرة المياه إذا ارتد إلى صدور القانون ترتب عليه اضطراب تتأثر به المراكز القانونية. وقد سبق لمحكمة النقض أن قضت في دعوى مماثلة خاصة بمصلحة الضرائب بإرجاع أثر قرار وزير المالية إلى تاريخ سريان القانون, مقررة أنه لا عبرة بما نص عليه فيه من جعل نفاذه من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية؛ لما في ذلك من مخالفة لنص القانون. وليس لوزير الأشغال سلطة التشريع فيما يتعلق بميعاد تنفيذ القانون. وكل مبلغ يدفعه المزارع لشركة وادي كوم أمبو كأجر للمياه بعد 8 من يناير سنة 1954 تاريخ صدور القانون هو تحت الحساب لحين صدور قرار وزير الأشغال بتحديد الأجر. ولما كان هذا القرار هو المنفذ للقانون فإن ينبغي سريانه من تاريخ سريان القانون. أما القول بأن القرار لا ينسحب أثره على الماضي إلا بنص وارد فيه فمحله أن يكون القرار منشئاً لحق, فإذا كان القرار كاشفاً لحكم قرره القانون ونص على موعد لنفاذه فإنه يكون في هذه الحالة جزءاً لا يتجزأ من القانون. وإذا نص القرار على أنه يسري من تاريخ صدوره فمعنى ذلك أنه من تاريخ صدوره يحدد الأجر فقط, أما تحديد بدء موعد سريان الأجر فهو موعد سريان القانون, وما يرد في القرار من نص على خلاف ذلك, أو تفسيره بخلاف ذلك يعتبر مخالفاً للقانون. وينص الدستور على أن اللائحة التي تصدر تنفيذاً للقانون ينبغي ألا تشمل تعديلاً أو تعطيلاً أو إعفاء من تنفيذ القانون. وانتهى المدعي من هذا إلى التصميم على طلباته الواردة بصحيفة دعواه, والخصوم الثلث المنضمون إليه إلى طلب "الحكم بعدم تأثير الفرقة الثانية من القرار الوزاري رقم 8757 لسنة 1955 الصادر من السيد وزير الأشغال على انسحاب أثر القرار المذكور على تقدير الأجرة ابتداء من 8 من يناير سنة 1953, وهو تاريخ نفاذ المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 في شأن أجور الري من الآلات الرافعة, وإلزام المدعى عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إنه بجلسة 10 من ديسمبر سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) "بإلغاء القرار الصادر من وزير الأشغال العمومية في 3 من يوليه سنة 1955 فيما تضمنه من النص على العمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية, وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن القانون رقم 20 لسنة 1953 نص على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية الذي تم في 8 من يناير سنة 1953؛ ومن ثم فقد أصبح نافذاً من ذلك التاريخ وتسري أحكامه على عقود التراضي بين مالكي الآلات والمنتفعين منها بحيث تحل محل هذه العقود ويعمل بالأجور التي يقررها وزير الأشغال بدلاً من تلك التي كانت تحتويها عقود التراضي التي أوقفت القانون أثرها من تاريخ العمل به. وقد فوض القانون وزير الأشغال في إصدار قرارات لتعيين أجور الري, ويبدأ نفاذ القرار الأول من تاريخ نفاذ القانون, فإذا تغيرت الظروف الاقتصادية بما يدعو إلى تعديل هذه الأجور فإن للوزير أن يصدر قرارات لاحقة يسري كل منها من تاريخ صدوره ليلائم الظروف التي قامت في كل منها. والقول بأن تنفيذ القرار المطعون فيه من تاريخ صدور القانون رقم 20 لسنة 1953 يعتبر إعمالاً له بأثر رجعي غير صحيح؛ إذ أن القرارات المنفذة للقانون تعتبر قرارات مقررة وكاشفة يرتد أثرها إلى تاريخ العمل به خلافاً للوائح التفويضية؛ ومن ثم يكون النص على سريان القرار المطعون فيه من تاريخ نشره غير صحيح؛ إذ أنه نافذ بحكم القانون من تاريخ نشر القانون.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 6 من فبراير سنة 1958 طلب فيها "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه, ورفض الدعوى وإلزام المدعين بالمصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أنه يظهر من نص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 أن المشرع قد فوض وزير الأشغال في إصدار قرارات لتعيين الأجر الذي يؤديه المزارعون إلى مستغلي آلات الري مقابل ري أراضيهم, ومن مقتضى ذلك أن يقوم الوزير ببحث حالات هذه الأجور في سائر القطر في ضوء الظروف الاقتصادية القائمة عند إجرائه؛ ومن ثم فإن حكمة التفويض من جهة باعتبار أن القرارات الوزارية يسهل تعديلها لتوائم الظروف, ومراعاة الأحوال الاقتصادية التي كانت قائمة عند البحث من جهة أخرى؛ مما يقتضي أن يكون العمل بالقرار الوزاري من تاريخ صدوره. وقد أشار الحكم المطعون فيه إلى أن للوزير أن يصدر قرارات لاحقة يعدل بها القرارات الأولى إذا تغيرت الظروف الاقتصادية بما يقتضي تعديل الأجور, وبذا سلم بأن هذه القرارات تستوحي الظروف الاقتصادية القائمة؛ ولهذا فإنه لم يصادف الصواب, إذ قضى بارتداد أثر القرار الصادر في النصف الثاني من عام 1955, وقد أجريت تحرياته وأبحاثه في ضوء ظروف اقتصادية معينة كانت قائمة في ذلك الحين, إلى مستهل عام 1953, هذا إلى أن القرار الإداري لا ينفذ إلا من تاريخ صدوره؛ إذ لا يجوز أن يخل بالحقوق التي اكتسبت في ظل أحكام سابقة, وإلا كان ذلك إعمالاً للقرار بأثر رجعي, وهو لا يكون إلا بنص خاص في قانون طبقاً لحكم الدستور. وقد صدر القرار المطعون فيه إعمالاً للقاعدة الدستورية السليمة حين جعل تاريخ نفاذه هو يوم نشره بالجريدة الرسمية. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون, ويكون قد قامت به الحالة الأولى من أحوال الطعن في الأحكام أمام الإدارية العليا المنصوص عليها في المادة 15 من قانون مجلس الدولة.
ومن حيث إن المدعي عقب على هذا الطعن بمذكرة أسهب فيها في تفصيل دفاعه السابق, وأضاف إليه أن القول بتأخير نفاذ التسعير الجبري للري عن تاريخ نشر المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 الذي قرر إلزام الأفراد بتسعير جبري لا يترخصون في تجاوزه, معناه تأخير نفاذ القانون كله وصيرورة النص الوارد في ختامه على العمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية عبثاً ولغواً, مع تعطيل ذلك الإصلاح الاجتماعي الزراعي من سنة 1953 إلى سنة 1955, مع أن إعمال أثر القانون الصادر بهذا الإصلاح من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية إنما قصد به استكمال مقومات الإصلاح الزراعي وإحكام حلقات قانونه الأساسي رقم 178 لسنة 1952. وقصد الشارع من قانوني الإصلاح الزراعي وتحديد أسعار الري يقطع بأن المشرع إنما أراد أن يلتزم الناس بكل من القانونين المذكورين من تاريخ نشرهما بالجريدة الرسمية, وألا يعطل تنفيذ أي منهما وإن تراخي صدور القرار التنفيذي اللازم لتحديد فئات الأسعار, وذلك لا كأثر رجعي للقرار الوزاري, بل كإنفاذ للقانون ذاته. وقد تضمن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 حظراً على الأفراد بأن يتعاقدوا على ما يجاوز التسعير الذي يحدده القرار الوزاري, وحظراً للامتناع عن الري, وكلاهما أمر نافذ من تاريخ العمل بالمرسوم بقانون نفاذاً يتعلق بالنظام العام؛ ذلك أن القرار الوزاري بتحديد فئات الأسعار إنما يرتبط مباشرة بمنبعه التشريعي وهو المرسوم بقانون, ويجب بالتالي أن يعمل به من تاريخ هذا التشريع الأصلي؛ إذ أنه ليس فقط جزءاً من صميم موضوع القانون, بل هو صلب القانون, وإعماله هو إعمال للقانون لا لإجراءات تنفيذه؛ ومن ثم يجب أن يلحق بتاريخ العمل بالقانون ذاته وهو 8 من يناير سنة 1953. ولما كان القانون قد ألزم وزير الأشغال بتحديد قيمة الأجر فقط, فإنه يكون قد سلبه كل حق في وضع أحكام جديدة, ولم يخول القرار الوزاري أية قوة تشريعية غير تحديد السعر, وبذلك يكون قد سلبه أيضاً حق تحديد تاريخ النفاذ. ويتضح من هذا أن ثمت تلازماً زمنياً بين نفاذ القانون رقم 20 لسنة 1953 ونفاذ القرار رقم 8757 لسنة 1955, وهذا التلازم كفيل بألا يترك فراغاً تشريعياً وبتحقيق أهداف قانون الإصلاح الزراعي وباعتبار أحكام القانون المشار إليه من النظام العام وباحترام سيادة القانون وحماية المنتفعين من المستغلين وبث الثقة في النفوس. وخلص المدعي من هذا إلى طلب "رفض الطعن". وقد عقب الخصوم الثلث بدورهم على الطعن بمذكرة رددوا في مضمونها ما سبق أن أبدوه وأبداه المدعي من دفاع, ونعوا فيها على عريضة هذا الطعن ما وصفوه بأنه وقائع خاطئة, ثم تصدوا للرد على أسباب الطعن بأنه إذا صح أن المشرع فوض وزير الأشغال في إصدار قرارات لتعيين الأجر, وأن هذا يقتضي بحث حالات الأجور في سائر القطر في ضوء الظروف الاقتصادية القائمة وقت إجرائه, وأن حكمة التفويض ومراعاة الظروف الاقتصادية القائمة وقت تعديل القرارات تقتضي أن يكون العمل بالقرار الوزاري من تاريخ صدوره, إذا صح هذا بالنسبة إلى القرارات التالية للقرار الأول, فإنه غير صحيح بالنسبة إلى القرار الأول الذي يجب أن ينفذ من تاريخ صدور القانون ليسد الحاجة التي أوجبت صدوره. وقد جرى فعلاً بحث الظروف الاقتصادية قبل صدور القانون سنة 1953, ولم تحصل أبحاث بعد ذلك في سنة 1954 أو سنة 1955. ومن يوم صدور القانون رقم 20 لسنة 1953 نشأت للمنتفعين مراكز قانونية واجبة الاحترام بدليل ما نص عليه القانون من الحكم برد ما حصل زائداً على الأجر المستحق أداؤه, ومعنى لفظ حصل بصيغة الماضي أن يكون في الفترة ما بين 8 من يناير سنة 1953 وتاريخ صدور القرار الوزاري, أي أن المشرع قرر بالنص الصريح نفاذ التسعيرة من تاريخ صدور القانون, يؤيد هذا أيضاً النص على بطلان كل اتفاق مخالف ابتداء من 8 من يناير سنة 1953, فكل مبلغ يدفع إذا من هذا التاريخ هو تحت الحساب. وقد كان المشرع على حق عندما أصدر - عقب قانون الإصلاح الزراعي - القانون رقم 20 لسنة 1953, حتى يتعاصر تحديد فئات أجور الري مع تحديد فئة الإيجار. وعلى هذا فإن تلازم القرار الوزاري مع القانون رقم 20 لسنة 1953 ومع قانون الإصلاح الزراعي يوجب أن يكون القرار المشار إليه نافذاً من 8 يناير سنة 1953, وفي النص فيه على غير ذلك مخالفة قانونية. وانتهى الخصوم الثلث المنضمون إلى المدعي من هذا إلى التصميم على طلباتهم.
ومن حيث إن شركة وادي كوم أمبو قدمت مذكرة بأقوالها حاصلها أن الخلاف القانوني في هذه الدعوى لا يعدو الحكم القانوني السليم لمعرفة النطاق الزمني لسريان القرار الوزاري المطعون فيه, وهل يطبق هذا القرار بأثر مباشر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 3 من يوليه سنة 1955 كما تقضي بذلك الأصول القانونية المقررة وتمليه نصوص القرار ذاتها, أم أنه يتعين وجوباً عطف هذه الآثار إلى الماضي، وبعبارة أخرى هل الأصل في القرارات الإدارية التنظيمية أن ترجع إلى الماضي ولو نصت على غير ذلك, أم الأصل الواجب فيها أن تطبق من تاريخ العمل بها, وأن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من قوله إن القانون رقم 20 لسنة 1953 قد حل محل اتفاقات الري بين مالكي آلات الري والمنتفعين بها وأوقف العمل بهذه الاتفاقات هو قول بعيد عن الصحة؛ ذلك أن أثر القانون المشار إليه في شأن هذه الاتفاقات إنما اقتصر على تخويل الوزير سلطة تحديد فئات أجور الري تحديداً لا يملك المتعاقدون مخالفته متى تقرر, أما ما عدا ذلك من شروط, سواء ما تعلق منها بالضمانات التي يقدمها المنتفعون أو بعدد الريات التي يلتزم بها أصحاب الآلات أو بالمدة السارية لأمثال هذه الاتفاقات أو بشروط نسخها أو إلغائها, فتظل نافذة وسارية. كما أن التفرقة التي أقامها الحكم بين القرار التنظيمي الأول لأجور الري وبين ما يتبعه من قرارات وما رتبه على ذلك من سريان الأول على الماضي دون القرارات التالية, هي تفرقة لا سند لها من نصوص القانون رقم 20 لسنة 1953 ولا من المبادئ القانونية العامة. كذلك ذهب الحكم المطعون فيه إلى أن اللوائح التنفيذية تعتبر لوائح كاشفة فتسري بطبيعتها على الماضي, وهذا القول فيه من العموم والإطلاق ما يصدم المسلمات الفقهية والقضائية في هذا الخصوص؛ إذ من المسلم أن القرارات الإدارية, سواء كانت تنظيمية عامة أو فردية, لا يجوز تضمينها أثراً رجعياً حتى لا تمس الحقوق المكتسبة, وقاعدة عدم الرجعية هذه هي قاعدة آمرة. ولا يشفع في الخروج على هذا الأصل أن تكون جهة الإدارة قد تباطأت في إصدار قرار من القرارات التنفيذية لقانون؛ إذ لا ترتد القرارات لمثل هذا السبب إلى ما يسبق تاريخ صدورها. وقد استطلعت وزارة الأشغال عندما أزمعت إصدار القرار المطعون فيه رأى قسم الرأي بمجلس الدولة, فلما أفتاها بعدم جواز إرجاع أثر القرار إلى الماضي عملت بهذا الرأي. وطلبت شركة وادي كوم أمبو في ختام مذكرتها "القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبرفض دعوى المدعين, مع إلزامهم بكافة مصاريف الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إنه يؤخذ مما سلف إيراده أن مثار المنازعة ينحصر فيما إذا كان القرار الوزاري المطعون فيه رقم 8757 لسنة 1955 في شأن أجور الري من محطة طلمبات شركة كوم أمبو الصادر من وزير الأشغال العمومية في 3 من يوليه سنة 1955 يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية كما نص على ذلك في المادة الثانية منه, أم يرتد أثره إلى تاريخ نفاذ المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 في شأن أجور الري من الآلات الرافعة التي يديرها الأهالي والمقامة على النيل والترع العامة والمساقي؟
ومن حيث إنه في 8 من يناير سنة 1953 صدر المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 في شأن أجور الري من الآلات الرافعة التي يديرها الأهالي والمقامة على النيل والترع العامة والمساقين، ونص في المادة الأولى منه على أن "يعين الأجر الذي يؤديه الزارعون المتراضون على الري من الآلات الرافعة المقامة على النيل والترع العامة والمساقي إلى مستغلي هذه الآلات مقابل ري أراضيهم بحسب الفئات التي يعينها وزير الأشغال العمومية بقرارات يصدرها. ولا يجوز الاتفاق على أجر يزيد على الأجور التي تعينها هذه القرارات", كما قضى في مادته الثانية ببطلان كل اتفاق يخالف الحكم الواردة في المادة السابقة, وبالحكم برد ما حصل زائداً على الأجر المستحق أداؤه وفقاً للفئات المنوه عنها في تلك المادة. وحظر في مادته الرابعة على مستغلي الآلات الرافعة الامتناع عن ري أراضي المتراضين على الري منها إلا لأسباب طارئة لا يمكن تجنبها. وفرض في مادته الخامسة عقوبة الغرامة التي تتعدد بتعدد الأشخاص الذين وقعت في شأنهم الجريمة على كل مخالفة لأحكام هذا القانون. ونص في مادته الثامنة على أنه "على وزيري الأشغال العمومية والعدل كل فيما يخصه تنفيذ هذا القانون, ولوزير الأشغال العمومية إصدار ما يقتضيه تنفيذه من قرارات ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية".. وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم بقانون "جرت وزارة الأشغال حتى الآن على إصدار قرارات وزارية في شأن تحديد أجور الري من الآلات الرافعة التي يديرها الأهالي والمقامة على جسور النيل أو الترع أو المساقي, وذلك استناداً إلى المادة الثانية من الأمر العالي الصادر في 8 من مارس سنة 1881. وجرى العمل على أن ينص في الرخص التي تمنح لمستغلي هذه الآلات على تعهدهم بقبول ري أراضي المتراضين معهم في الري بالفئات التي تحددها تلك القرارات الوزارية التي آخرها القرار الصادر في 24 من يونيه سنة 1944. وقد تقدم بعض الزارعين المنتفعين بالري من هذه الآلات بالشكوى من أن أصحابها يعمدون إلى زيادة أجور الري عن الأجور المحددة بالقرار المذكور, فرأت الوزارة إعادة النظر في فئات هذه الأجور نظراً لتغير الظروف الآن عن تاريخ صدور هذا القرار. وقد أوصت اللجنة التي ألفت (من المختصين) لهذا الغرض بزيادة الأجور بمعدل 40% عما ينص عليه ذلك القرار. وقد رأت الجمعية العمومية لقسمي الرأي والتشريع بجلستها المنعقدة في 18 من يونيه سنة 1951 أن المادة الثانية من الأمر العالي المشار إليه لا تفوض وزير الأشغال في إصدار قرارات بتحديد هذه الأجور, وأنه يلزم لكي يتدخل المشرع في المعاملات المدنية بين الأفراد وفرض حد أقصى للأجور, أن يكون ذلك بقانون؛ لذلك رأت الوزارة إعداد مشروع القانون المرافق لينظم هذه الحالة وليحمي الزارعين المتراضين على الري من هذه الآلات من تحكم أصحابها وفرضهم عليهم أجوراً باهظة يضطرون لقبولها نظراً لاضطرارهم للري منها, ولمجاراة الاتجاه الحديث في الحد من موجة الغلاء وذلك بتخفيض مصاريف الإنتاج الزراعي. وقد نص في المادة الأولى منه على أن يكون تعيين هذه الأجور بحسب الفئات المبينة في القرارات التي يصدرها وزير الأشغال العمومية ؛ وبذلك يتيسر إصدار قرارات وزارية بتعديل الأجور بالزيادة أو النقص وفقاً لمقتضيات الحالة الاقتصادية؛ وذلك لكيلا يحتاج الأمر إلى تعديل القانون في هذه الأحوال إذا كانت الأجور محددة فيه".
ومن حيث إنه تنفيذاً للمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 آنف الذكر أصدر وزير الأشغال العمومية القرار الوزاري رقم 8631 لسنة 1953 في أول سبتمبر سنة 1953 من مادتين, تناول في الأولى منهما تعيين الأجور التي يؤديها الزارعون المتراضون على الري من الآلات الرافعة المقامة على النيل والترع العامة والمساقي إلى مستغلي هذه الآلات مقابل ري أراضيهم, ونص في الثانية على العمل بهذا القرار من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية. بيد أنه لما كانت فئات أجور الري التي تضمنها هذا القرار لا تصدق على الطلمبات ذات المواسير المتسعة الأقطار كما هو الحال في الآلات التي تستعملها شركة وادي كوم أمبو؛ إذ اقتصر جدول الفئات الملحق به على الطلمبات التي أقطارها أكثر من 16/ 18 لغاية 24 بوصة, بينما تزيد أقطار مواسير طلمبات الشركة على ذلك, فقد اقتضى الأمر أن تقوم الوزارة بدراسة خاصة لتقدير أجور عادلة تحصل عن الري من هذه الآلات على أساس التكاليف الفعلية لرفع المياه بعد الموازنة بين مصلحة كل من المستغلين والمنتفعين. واستقر الرأي, بعد هذه الدراسة التي تعاقبت عليها لجان شكلت لهذا الغرض من الفنيين المختصين بالوزارة وفي ضوء الملاحظات والاعتراضات التي تقدمت بها الشركة, على أن يكون أجر الرية الواحدة للفدان لزراعة القصب وللشراقي هو مبلغ 540 مليماً, وللزراعات الأخرى 270 مليماً. وقبيل إصدار القرار الوزاري بهذه الفئات تقدم المدعي إلى الوزارة بشكوى مؤرخة 11 من يونيه سنة 1955 يطلب فيها أن ينص في القرار على أن يكون نفاذه من تاريخ بدء نفاذ المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, استناداً إلى أن القرار المذكور مقرر لا منشئ, وإلى أن هذا لا يعتبر أثراً رجعياً له, بل تحقيقاً للمساواة بين من يشرع لهم بتوحيد تاريخ نفاذ المرسوم بقانون بالنسبة إلى الجميع. وعلى إثر هذه الشكوى استطلعت الوزارة رأي إدارة الفتوى والتشريع المختصة بمجلس الدولة في تعديل مشروع القرار الذي كانت قد أعدته وذلك على أساس استناد أثره إلى تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, فأجابتها الإدارة بأنها ترى إبقاء المادة الثانية من المشروع بالصيغة التي أقرتها اللجنة الثالثة؛ ومن ثم صدر القرار الوزاري رقم 8757 لسنة 1955 في 3 من يوليه سنة 1955 ناصاً في مادته الثانية على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن تحديد أجور الري من الآلات الرافعة التي يديرها الأهالي والمقامة على جسور النيل أو الترع العامة أو المساقي كان يتم قبل صدور المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 بقرارات وزارية جرت وزارة الأشغال العمومية على إصدارها استناداً على المادة الثانية من الأمر العالي الصادر في 8 من مارس سنة 1881 في شأن الآلات الرافعة - ولو أن هذه المادة لم تكن تفوض وزير الأشغال في ذلك - مع النص في الرخص التي تمنح لمستغلي هذه الآلات على تعهدهم بقبول ري أراضي المتراضين معهم في الري بالفئات التي تحددها تلك القرارات التي كان آخرها القرار رقم 8264 الصادر في 24 من يونيه سنة 1944, وأنه على إثر الشكوى التي تقدم بها بعض الزراعيين المنتفعين بالري من هذه الآلات من أصحابها يعمدون إلى زيادة أجور الري عن تلك المحددة بالقرار المذكور, رأت الوزارة إعادة النظر في فئات هذه الأجور نظراً إلى تغير الظروف, وأعدت مشروع قرار وزاري بتعديل تلك الفئات وفقاً لما أشارت به اللجنة الفنية التي شكلتها لهذا الغرض, إلا أن الجمعية العمومية لقسمي الرأي والتشريع بمجلس الدولة رأت أن المادة الثانية من الأمر العالي المشار إليه لا تفوض وزير الأشغال في إصدار قرارات بتحديد هذه الأجور، وأنه يلزم - لكي يتدخل المشرع في المعاملات المدنية بين الأفراد, ولفرض حد أقصى للأجور - أن يكون ذلك بقانون. وقد أبدت الجمعية العمومية هذا الرأي بجلستها المنعقدة في 18 من يونيه سنة 1951, أي قبل صدور المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 الخاص بالإصلاح الزراعي, مما يدل على سبق التفكير في المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 على قانون الإصلاح الزراعي؛ وإن صدر في تاريخ لاحق على هذا الأخير. وقد كشف المشرع في المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953 عن علة إصداره؛ إذ ذكر أنه استهدف به حماية الزارعين من تحكم أصحاب الآلات الرافعة من جهة, ومجاراة الاتجاه الحديث في الحد من موجة الغلاء بتخفيض نفقات الإنتاج الزراعي من جهة أخرى؛ ومن ثم تلاقي هذا التشريع في أهدافه مع تشريع الإصلاح الزراعي وصدر متمشياً معه في سياسته, ولو أن التفكير فيه بدأ استقلالاً من قبل. وقد نقل تقدير أجور الري من الآلات الرافعة المقامة على النيل والترع العامة والمساقي من مجال الاتفاق التعاقدي إلى المجال الجبري بتحديد أسعار قانونية خول وزير الأشغال العمومية سلطة تقديرها, وفوضه في ذلك تفويضاً شاملاً جعل أداته قرارات يصدرها الوزير بتعيين فئات هذه الأجور التي لا يجوز الاتفاق على ما يزيد عليها. ولما كانت الحكمة في هذا هي تيسير إصدار قرارات وزارية بتعديل الأجور بالزيادة أو النقصان وفقاً لمقتضيات الحالة الاقتصادية كلما تطلب الأمر ذلك, فإن للوزير إصدار هذه القرارات كلما تغيرت الظروف الزمنية والعوامل الاقتصادية بما يقتضي هذا التعديل, وبذلك تتحقق المرونة اللازمة لعدالة تحديد الأجور بما يتفق وتلك الظروف دون حاجة إلى تعديل القانون ذاته من وقت لآخر فيما لو كانت هذه الأجور محددة فيه. وإذا كانت سلطة الوزير في هذا هي بطبيعتها سلطة تقديرية, فإن هذا يستتبع بحكم اللزوم أن تكون له ذات السلطة في تعيين التاريخ الذي يسري منه العمل بالأجور التي يحددها في كل فاصل زمني بما يتلاءم مع حقيقة الأوضاع القائمة فيه لخضوع هذه الأجور لعوامل غير مستقرة دائبة التطور. ويصدق هذا الحكم على القرار الأول وعلى القرارات اللاحقة له على حد سواء لاتحاد العلة فيها جميعاً؛ إذ يملك الوزير, وإن تراخى به الوقت لأسباب فنية في إصدار قراره الأول, وأن يسند أثر هذا القرار إلى تاريخ العمل بالمرسوم بقانون ما دام هذا المرسوم بقانون نافذاً من ذلك التاريخ, وما دام قرار الوزير لا يتعداه إلى تاريخ سابق عليه؛ ذلك أن الأصل هو سريان الأجور الجبرية من التاريخ المشار إليه, دون أن يكون في هذا ترتيب أثر رجعي للقرار. بيد أن تحديد هذه الأجور قد لا يستطاع إجراؤه فوراً لتطلبه دراسات وأبحاثاً تستغرق بعض الوقت, فإذا تم تقدير الأجور على أساس مختلف الظروف الراهنة وقت صدور القرار, فإن من سلطة الوزير, بحكم المرونة التي توخاها الشارع بتفويضه في إصدار القرارات المحددة لفئات الأجور, أن يجعل نفاذ قراره من تاريخ نشره بمراعاة تلك الظروف. وبهذه المثابة يكون إغفال النص على نفاذ القرار قبل ذلك إقراراً للعمل بفئات الأجور القديمة وإخضاعها للتقدير الذي كان سارياً في الفترة السابقة على تاريخ العمل بالقرار, ولا يكون ثمت تعطيل لنفاذ حكم المرسوم بقانون بل إعمال له بما يتلاءم مع طبيعة الأوضاع التي اقتضاها, والمرجع في هذا كله إلى قصد الوزير. والثابت أنه قام بتشكيل لجان فنية متعاقبة من المختصين في الوقت المناسب, وأن الفترة التي استغرقها الوصول إلى قرار في شأن تحديد أجور الري من محطة طلمبات شركة وادي كوم أمبو إنما قضيت في أبحاث ودراسات فنية توالت وأعيدت بسبب ما أثير من جانب ذوي الشأن من اعتراضات, وأن الأمر اقتضى تعديل فئات الأجور المقترحة إبان فترة البحث هذه, وأن الأجور التي استقر عليها الرأي إنما ربطت على أساس التكاليف الفعلية والعوامل الاقتصادية الجارية وقت هذا الربط, وأن وزير الأشغال العمومية انتهى إلى إصدار قراره في صيغته الأخيرة التي أقرتها اللجنة الثالثة بعد إذ تلقى اعتراضات الشركة وشكوى المدعي واستطلع رأي إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة؛ ومن ثم يكون قد أقر عن قصد وبينة الأجور التي كانت سارية في الفترة من 8 من يناير سنة 1953, تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, حتى 3 من يوليه سنة 1955, تاريخ العمل بالقرار الوزاري رقم 8757 لسنة 1955. ولم يشأ أن يعدل فئاتها إلا ابتداء من هذا التاريخ الأخير بمراعاة الظروف القائمة وقتذاك. ويبين من الأوراق المودعة في ملف الدعوى رقم 3971 لسنة 9 القضائية المضمومة, وهي المقامة من شركة وادي كوم أمبو ضد وزارة الأشغال وآخرين أمام محكمة القضاء الإداري, أن الأسس التي كانت موضع الاعتبار لدى إصدار القرار المطعون فيه هي: (1) نوع الزراعة وهل هي صيفية أم شتوية أم قصب أم شراق. و(2) قطر الطلمبة الرافعة للمياه. و(3) مدى الارتفاع في رفع المياه. و(4) نوع التربة التي تروى بالمياه من ناحية كونها طينية أو رملية أو نصف رملية. و(5) ثمن الوقود. كما أن الأسس التي بنى عليها تقدير فئات الأجور كانت: (1) حساب كمية المياه اللازمة لرية الفدان الواحد, وقد اقتضى هذا: ( أ ) حصر كمية المياه المرفوعة من الطلمبات في الأشهر من مارس إلى يوليه سنة 1954. و(ب) حصر زراعة القصب والزراعات الأخرى في سنة 1954. و(جـ) حساب المقنن المائي للفدان في اليوم عن المدة ذاتها. و(2) حساب الأجر اللازم للري تبعاً لتقدير مصلحة الميكانيكا والكهرباء الذي انتهى إليه بحث اللجنة الفنية المختصة بها في مايو سنة 1954, وذلك بمراعاة تقدير قيمة الوقود المستهلك على اختلاف أنواعه على أساس متوسط سعر الطن منه في تلك السنة, وبحساب تكاليف الإدارة على أساس متوسط صرف الثماني السنوات الأخيرة, خلافاً لتقدير الشركة الذي بني على أساس متوسط الخمس السنوات من سنة 1950 إلى سنة 1954, والذي أدى إلى تفاوت في نتيجته عن تقدير الوزارة. ومفاد هذا كله أن التقدير الذي انتهت إليه الوزارة بعد بحوثها الدقيقة المستفيضة إنما استند إلى العناصر الواقعية التي كانت قائمة بالفعل وقت إجرائه لا قبل ذلك, وهي عناصر متغيرة بطبيعتها ومتقلبة. وإذا كانت الوزارة قد عرضت على إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة تعديل مشروع القرار الذي كانت قد سبق أن أعدته تعديلاً يجعل أثر هذا القرار مرتداً إلى تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1953, فليس معنى هذا أنه كان يستوي لديها إقرار فئات الأجور التي تضمنها القرار المذكور من تاريخ العمل به أو من تاريخ العمل بالمرسوم بقانون المشار إليه, بل لظنها على إثر شكوى المدعي أن هذا هو الوضع القانوني الذي لا محيص لها عنه وإن لم يطابق رأيها.
ومن حيث إنه لما تقدم فإن ما نص عليه وزير الأشغال العمومية - عن قصد - في المادة الثانية من قراره المطعون فيه رقم 8757 الصادر في 3 من يوليه سنة 1955, من العمل بهذا القرار من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية, يكون صحيحاً مطابقاً للقانون؛ ومن ثم فإن طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة يكون في محله. ويكون الحكم المطعون فيه الصادر من محكمة القضاء الإداري, إذ قضى بإلغاء القرار المذكور فيما تضمنه من النص على العمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية, قد قام على غير أساس سليم من القانون, ويتعين القضاء بإلغائه, وبرفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبرفض الدعوى, وألزمت المدعين بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق