جلسة 27 من يناير سنة 1974
برياسة السيد الأستاذ المستشار أحمد فؤاد أبو العيون - رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة محيي الدين طاهر وأحمد سعد الدين قمحة ومحمد بدير الألفي ويوسف شلبي يوسف - المستشارين.
--------------------
(54)
القضية رقم 382 لسنة 14 القضائية
(أ) عاملون مدنيون بالدولة - ترقية بالاختيار
- مدى مشروعية تعميم نظام الامتحان كوسيلة للترقية - تخويل وزير النقل ومجلس إدارة الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية سلطة تحديد الوظائف التي يشترط للترقية إليها اجتياز امتحان - جواز تعديل هذه الوظائف بالحذف أو الإضافة - أساس ذلك.
(ب) تفويض - لائحة
- النص في القانون على صدور اللائحة بقرار من رئيس الجمهورية لا يعتبر تفويضاً لرئيس الجمهورية بإصدار اللائحة وإنما هو تقرير لحق مخول له بمقتضى الدستور - النص في قرار رئيس الجمهورية على صدور قرار أخر منه ينظم بعض المسائل التفصيلية - ليس معناه أن رئيس الجمهورية فوض نفسه في إصدار القرار الثاني - كل من القرارين يكمل الأخر - أساس ذلك - مثال.
(جـ) إساءة استعمال السلطة
- لجهة الإدارة أن تضع من القواعد التنظيمية ما تراه ملائماً لحسن سير العمل بالمرفق - وأن تحدد الوقت المناسب لتنفيذها كما أن لها أن تعدلها أو تلغيها حسبما تراه محققاً لصالح العمل - لا محل للطعن على تصرفها بإساءة استعمال السلطة.
--------------------
1 - إن النزاع في هذه الدعوى يدور حول مدى مشروعية تعميم نظام الامتحان كوسيلة للكشف عن صلاحية الموظفين للترقية من الدرجات التي يشغلونها إلى الدرجات الأعلى بالكادر الملحق بنظام الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية والذي استندت الهيئة إلى نتيجته في إصدار القرار المطعون فيه وتخطت المدعى في الترقية.
ومن حيث إن الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية تستند في القول بمشروعية تعميم نظام الامتحان للترقي في الدرجات الأعلى إلا أن المشرع عندما أصدر القانون رقم 366 لسنة 1956 بإنشاء الهيئة نص في المادة الثانية من هذا القانون على أن يكون لهذه الهيئة مجلس إدارة يصرف أمورها طبقاً لأحكام هذا القانون دون تقيد بالنظم الإدارية والمالية المتبعة في المصالح الحكومية وقد أفصح الشارع في المذكرة الإيضاحية المرافقة لهذا القانون عن هدفه من عدم تقيد الهيئة بالنظم الإدارية والمالية المتبعة في المصالح الحكومية وهو أن يمنحها التحرر من الروتين الحكومي وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بنظام موظفي الحكومة ومستخدميها وعمالها تمكيناً لها من اختيار ما تراه أكثر ملاءمة لطبيعة المرفق من النظم والقواعد الإدارية والمالية ومن الانتفاع بالكفايات الممتازة. وقد نص في البند الثامن من المادة الرابعة من قانون إنشاء الهيئة التي حددت اختصاص مجلس الإدارة على أن من بين هذه الاختصاصات "اقتراح وضع لوائح خاصة بموظفي الهيئة ومستخدميها وعمالها تنظم قواعد تعيينهم وترتيب أقدمياتهم والتقارير الخاصة بهم وترقيتهم.. وتصدر اللائحة بقرار من رئيس الجمهورية" وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 بنظام موظفي الهيئة ونص في المادة 27 فقرة أخيرة منه على أنه إذا كان نوع الوظائف المطلوب الترقية إليها يستوجب اجتياز الامتحانات خاصة فتكون الترقية إلى هذه الوظائف مقصورة على الناجحين في الامتحان مع مراعاة الأسبقية وذلك طبقاً للائحة التنفيذية ولما صدرت اللائحة التنفيذية لنظام موظفي الهيئة بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 1640 لسنة 1960 نص في المادة 35 من هذا القرار على أنه "يشترط للترقية إلى الوظائف التي تحدد بقرار من وزير المواصلات - بعد موافقة مجلس الإدارة - اجتياز امتحانات خاصة وتراعى الأسبقية في ترتيب النجاح عند الترقية إلى هذه الوظائف ويصدر مدير السكك الحديدية القرارات اللازمة لتنظيم إجراءات الامتحان وشروطه" وقد وافق مجلس الإدارة بجلستيه المنعقدتين في 20 من مايو سنة 1961، 18 من يوليه سنة 1962 على تعميم الامتحان في الترقيات إلى جميع المراتب بالكادر العالي والمتوسط عدا الوظائف الرئيسية على أن يكون هذا التعميم نظاماً مرحلياً حتى نهاية السنة المالية 1964/ 1965 بحيث يكون الامتحان للترقية بعدها مقصوراً على الوظائف حتى المرتبة الثانية العالية وقد اعتمد وزير المواصلات قراري مجلس الإدارة سالفى الذكر وأصدر المدير العام للهيئة قرار تضمن قواعد تنظيم إجراءات امتحانات الترقية بالتطبيق لهذين القرارين.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه يذهب إلى أن الهيئة بتعميمها نظام الامتحان للترقية إلى الدرجات الأعلى تكون قد جعلت من الاستثناء قاعدة أصلية وعطلت تطبيق المواد التي تضمنت قواعد الترقية بالاختيار وتلك الخاصة بالترقية بالأقدمية والتي أوردها قرار رئيس الجمهورية رقما 2190 لسنة 1959، 1640 لسنة 1960.
ومن حيث إنه يبين من استقرار نص المادتين 27 فقرة أخيرة من قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959، 35 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1640 لسنة 1960 اللتين قررتا مبدأ الاستناد إلى الامتحان في الترقية إلى الدرجات الأعلى أن هاتين المادتين لم تقررا استثناء من قاعدة عامة أو من أصل عام وإنما وضعتا قاعدة أصلية يعمل بها جنباً إلى جنب مع القواعد التي نظمت الترقيات سواء بالأقدمية أو بالاختيار فقد جرى نص الفقرة الأخيرة من المادة 27 المشار إليها كالآتي "إذا كان نوع الوظائف المطلوب الترقية إليها يستوجب اجتياز امتحانات خاصة فتكون الترقية إلى هذه الوظائف مقصورة على الناجحين في الامتحان" وبمثل هذا جرى نص المادة 35 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1640 لسنة 1960 فقد قضى بأن يشترط للترقية إلى الوظائف التي تحدد بقرار من وزير المواصلات بعد موافقة مجلس الإدارة اجتياز امتحانات خاصة فهذان النصان لا يوردان استثناء من قاعد عامة وإنما يقرران قاعدة أصلية بالنسبة للترقية إلى الدرجات التي تستوجب إجراء امتحانات أو التي تحدد بقرار من وزير المواصلات ولا يمكن القول بأن عبارة "نوع الوظائف" أو عبارة الوظائف التي تحدد بقرار من وزير المواصلات تفيد أو تعنى أي منهما أن وضع اللائحة قصد أن يضع قيوداً أو حدوداً على ما خوله من سلطة تقديرية كاملة في تحديد نوع هذه الوظائف وقد يكون هذا النوع هو الأغلب الأعم فهذا الاتجاه في التفسير لا يجد له سنداً من النصوص السابقة وعلى النقيض من ذلك فإنه يسوغ القول بأنه لو أراد واضع اللائحة تقييداً وتحديداً للسلطة التقديرية الكاملة المخولة بمقتضى هذه النصوص لأفصح عن إرادته هذه بوسيلة أو بأخرى كما لا يستقيم القول بأن تعميم الامتحان للترقية إلى الوظائف الأعلى من شأنه أن يعطل تطبيق قواعد الترقية بالأقدمية وكذلك قواعد الترقية بالاختيار وذلك أن قرار تعميم الامتحان لم يشمل الترقية إلى سائر الوظائف إنما استثنى الوظائف الرئيسية كما أنه على ما سلف البيان بالنسبة للترقية إلى وظائف المرتبة الأولى نظاماً مرحليا يتوقف العمل به في نهاية السنة المالية 1964، 1965 ومن المتصور وقد خول مجلس الإدارة والوزير سلطة تحديد الوظائف التي يشترط للترقية إليها اجتياز امتحانات خاصة ليكون هناك قدر من المرونة في تعديل ما يصدر من قرارات في هذا الشأن بمراعاة مقتضيات وظروف العمل تحقيقاً للصالح العام من المتصور أن يكون هذا التعديل بالحذف كما يكون بالإضافة ومن ثم فإن أحكام الترقية بالأقدمية والاختيار بعد تعميم نظام الامتحان بقيت قائمة ومعمولاً بها في كل الأحوال التي لم تستلزم للترقية فيها إجراء امتحانات خاصة.
2 - ليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن قرار وزير المواصلات بتحديد نوع الوظائف الخاضعة للامتحان قد شابه البطلان لأنه جاء نتيجة تفويضات متلاحقة ولأنه لا يجوز لقرار أدنى وهو قرار وزير المواصلات أن يخالف الأسس التي قام عليها نظام موظفي الهيئة وهو صادر بقرار من رئس الجمهورية - ليس صحيحاً هذا الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه ذلك أن قرار وزير المواصلات لم يصدر نتيجة تفويضات متلاحقة كما أنه لم يخالف الأسس التي قام عليها نظام موظفي الهيئة ويتعين بادئ ذي بدء أن يسقط من حساب سلسلة التفويضات التي قال الحكم المطعون فيه بتلاحقها أن رئيس الجمهورية فوض نفسه بمقتضى قراره رقم 2190 لسنة 1959 بنظام موظفي الهيئة في إصدار قراره رقم 1640 لسنة 1960 باللائحة التنفيذية لهذا النظام والصحيح أن رئيس الجمهورية رأى وهو يصدر قراره رقم 2190 لسنة 1959 أن يترك بعض الأمور التفصيلية لقرار أخر يصدره هو القرار رقم 1640 لسنة 1960 فالقراران يكمل أحدهما الأخر وقد صدرا بأداة واحدة فلا يسوغ القول بأن أحدهما صدر نتيجة تفويض من الأخر أو أن أحدهما أدنى مرتبه من الآخر وليس صحيحاً كذلك أن رئيس الجمهورية فوض من المشرع بمقتضى المادة 2 من القانون رقم 366 لسنة 1956 بإنشاء الهيئة بإصدار لائحة نظام موظفي الهيئة ذلك أن ما تضمنه القانون المشار إليه في هذا الشأن لا يعدو أن يكون تقريراً لحق مخول لرئيس الجمهورية بمقتضى الدستور في مباشرة اختصاصه بإصدار اللوائح المنظمة للمصالح العامة ولا شك أن تنظيم شئون العاملين بهذه المصالح مما يدخل في مجال هذا التنظيم أما القول بأن رئيس الجمهورية فوضى بمقتضى المادة 35 من قراره رقم 1640 وزير المواصلات - بعد موافقة مجلس إدارة الهيئة - في تحديد الوظائف التي يشترط للترقية إليها اجتياز امتحانات الخاصة فإنه أياً كان الرأي في تكييف السلطة التي خولها وزير المواصلات في هذا الشأن وهل تنطوي على تفويض من رئيس الجمهورية لوزير المواصلات في مباشرة اختصاص من اختصاصاته أم أن تخويل وزير المواصلات هذه السلطة لا يعدو أن يكون نوعاً من توزيع الاختصاصات في إطار التنظيم الذي وضعه رئيس الجمهورية لشئون العاملين بالهيئة وأقر فيه مبدأ الاستناد إلى الامتحان في الترقية إلى الدرجة الأعلى أياً كان الرأي في هذا التكييف فإن الأمر لا يشكل على أي حال سلسلة متلاحقة من التفويضات من شأنها أن تبطل قرار وزير المواصلات على نحو ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه كما أنه ليس صحيحاً القول بأنه لا يجوز لقرار أدنى وهو قرار وزير المواصلات أن يخالف الأسس التي قام عليها نظام موظفي الهيئة وهو صادر بقرار من رئيس الجمهورية ذلك أن قرار وزير المواصلات إنما صدر تنفيذاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 1640 لسنة 1960 وهو قرار مكمل لقرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 كما سلف البيان.
3 - لا سند من القانون لما أثاره المدعى في مذكراته من أن تأجيل جهة الإدارة تطبيق نظام الامتحان للترقية ثم قصره على وظائف معينة من شأنه أن يجعل تصرفها مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة لأنه من المسلم أن لجهة الإدارة أن تضع من القواعد التنظيمية ما تراه ملائماً لحسن سير العمل بالمرفق وأن تحدد الوقت المناسب لتنفيذها كما أن لها أن تعدل هذه القواعد أو تلغيها حسبما تراه محققاً لصالح العمل، ولا محل للطعن على تصرفها في هذا الشأن ما دام قد تم بناء على السلطة المخولة لها بمقتضى القانون ودون مجاوزة لحدودها أو الخروج عليها في التطبيق الفردي كما أنه لا وجه لما ساقه المدعى من طعن على الامتحان بأن بعض أسئلته كانت هندسية محضة لا يجيب عليها إلا مهندس أو خبير الأعمال الهندسية وذلك لأن الأصل في الترقية بالامتحان هو أفضلية المرشح من حيث إلمامه بالمعلومات اللازم توافرها فيمن يشغل الوظيفة المرقى إليها بما يضمن مواجهته الأمور وحل المشكلات وتستقل جهة الإدارة بتحديد هذه المعلومات على أساس من سلطتها التقديرية المخولة لها قانوناً في هذا الشأن.
وما دام لم يثبت أنها انحرفت بهذه السلطة عن جادة الصالح العام كما هو الحال في الدعوى الراهنة فليس للقضاء أن ينصب نفسه مكانها في أمر هو من صميم اختصاصها.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم يكون قرار تخطى المدعى في الترقية لرسوبه في الامتحان تطبيقاً للقاعدة التي تقررت في هذا الشأن صحيحاً ولا مخالفة منه للقانون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق