الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 23 يونيو 2023

الطعن 817 لسنة 49 ق جلسة 26 / 6 / 1980 مكتب فني 31 ج 2 ق 349 ص 1877

جلسة 26 من يونيه سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ حافظ رفقي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: يوسف أبو زيد، ومصطفى صالح سليم، درويش عبد المجيد، وعزت حنورة.

---------------

(349)
الطعن رقم 817 لسنة 49 القضائية

(1) دعوى "الخصوم في الدعوى". حكم "حجية الحكم" وقف.
الشخصية الاعتبارية للوقف. استقلالها عن غيرها من الأوقاف. لا يغير من ذلك تولي ناظر واحد تمثيل عدة أوقاف "اختصام وزير الأوقاف بصفته ناظراً على وقف خيري معين" لا ينصرف إلى غيره من الأوقاف الخيرية. علة ذلك.
(2) إثبات "الإقرار". محكمة الموضوع.
الإقرار غير القضائي. خضوعه لتقدير قاضي الموضوع. جواز اعتباره دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة. جواز عدم الأخذ به.
(3) إثبات "البينة". خبرة.
تصريح المحكمة للخبير المنتدب في الدعوى بمناقشة الشهود حلف يمين. عدم اعتباره تحقيقاً قضائياً ولا يلتزم الخبير بإجرائه. حق الخصم في طلب الإحالة للتحقيق أمام المحكمة.

----------------
1 - النائب - بصدد تمثيله لمن ينوب عنهم - تقوم لديه صفات تتعدد بعد الشخصيات التي يمثلها، ولا يمنع من هذا التعدد أن تتماثل هذه الشخصيات أو أن تتماثل صلاحياته في تمثيله لها، أو أن تنحصر فيه أصلاً - بمقتضى القانون - مسئولية النيابة عنها. الوقف يتمتع بشخصية اعتبارية وله نائب يعبر عن إرادته عملاً بالمادتين 52، 53 من القانون المدني. وينشأ الوقف بإشهاد رسمي يصدر من مالك الأعيان محل الإشهاد يبين فيه شروط الوقف ومصارفه، مما يجعل كل وقف متميزاً عن غيره من الأوقاف طبقاً للإشهاد الصادر بإنشائه، ومن ثم يتحدد الوقف بإشهاد إنشائه وتثبت له الشخصية الاعتبارية في نطاقه وإذ تولى شخص واحد النظر على عدة أوقاف، كانت له صفة نيابة مستقلة عن كل وقف منها على حدة، كما هو الشأن بالنسبة لوزارة الأوقاف في توليها نظارة الأوقاف الخيرية المتعددة. ولا يقدح في هذا ما نص عليه القانون رقم 247 لسنة 1953 في مادته الثانية من فرض نظارة الوزارة، على الأوقاف الخيرية ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه. وفي مادته الأولى من أنه إذا لم يعين الواقف جهة البر الموقوف عليها أو عينها ولم تكن موجودة أو وجدت جهة بر أولى جهاز لوزير الأوقاف بموافقة مجلس الأوقاف الأعلى أن يصرف الربع كله أو بعضه على الجهة التي يعينها. ذلك أن مفاد هاتين المادتين أنه ما زال لإشهاد الوقف مجاله في تنظم أحكامه. فإذا ما تضمن اشتراط الواقف النظر لنفسه امتنعت النظارة أصلاً على الوزارة، وإذا عين جهة البر الموقوف عليها وكانت قائمة ولا يوجد ما هو أولى منها امتنع على الوزارة يغير هذا المصرف. أما القانون رقم 36 لسنة 1946 المعدل بالقانون رقم 206 لسنة 1953 والملغى بالقانون رقم 272 لسنة 1959 فليس سوى لائحة بإجراءات وزارة الأوقاف ولم تخرج أحكامها - في هذا الصدد - عما سبق بيانه. ومن ثم فان ما تتمسك به الطاعنة من القول بأن تلك الأحكام قد انتهت الشخصية المستقلة لكل وقت على حدة وصهرتها جميعاً في شخصية واحدة يمثلها وزير الأوقاف بحيث إذا اختصم انصرف أثر ذلك إلى الأوقاف الخيرية جميعاً دون حاجة إلى تحديد الوقف محل التداعي، يكون غير سديد. إذ كان ذلك، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه وحكم أول درجة تؤكد أن الطاعن لم تقم الدعوى السابقة ضد وزير الأوقاف بصفته ناظراً على وقف....... لا صراحة ولا ضمناً، ولم تتضمن هذه الدعوى ثمة إشارة إلى هذا الوقف سواء في وقائعها أو أسانيدها أو في دفاع الخصوم فيها فإن الحكم الصادر فيها لا يحوز أية حجية قبل الوقف المذكور لأنه لم يكن ممثلاً في تلك الدعوى. ولا يغير من ذلك أنه بعد صدور هذا الحكم أقام وزير الأوقاف التماس إعادة نظر فيه تأسيساً على اكتشاف أن أعيان النزاع تتبع وقف..... الخيري، ذلك أنه لم يقض في هذا الالتماس بقضاء موضوعي فرعي ذي حجية وإنما قضى فيه بعدم جواز الالتماس الأمر الذي لا يعدل أو يغير من صفات الخصوم في الحكم المقام عنه هذا الالتماس. لما كان ذلك كذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وقضى برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الحكم فيها في الدعوى رقم....... تأسيساً على أن وقف....... الخيري المقام عنه الدعوى الماثلة لم يكن مختصماً في تلك الدعوى السابقة فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
2 - الإقرار الذي يصدر في غير مجلس القضاء يخضع لتقدير قاضي الموضوع الذي يجوز له أن يعتبره دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة كما يجوز ألا يأخذ به أصلاً.
3 - مأمورية الخبير هي التوصل بخبرته وبحثه إلى الحقيقة الواقعية أو الفنية المطلوب الكشف عنها، أما ما تأذن له به المحكمة من مناقشة شهود الخصوم أو من يرى هو سماع أقوالهم دون حلف يمين عملاً بالمادة 148 من قانون الإثبات، فلا يعد تحقيقاً قضائياً ولا تفويضاً به من المحكمة يلزم الخبير بالقيام به، وإنما هو مجرد تصريح برخص له أن يستهدي بهذه المناقشة في أداء مهمته ولا تثريب عليه إن هو لم يلجأ إلى الاستعانة بهذا الإجراء، وعلى من يرى من الخصوم ضرورة سماع الشهود كوسيلة لإثبات إدعاءاته، أن يطلب من المحكمة إحالة الدعوى للتحقيق (1).


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده بصفته أقام الدعوى رقم 1288 سنة 1971 مدني كلي جنوب القاهرة ضد الطاعنة بطلب الحكم بتبعية العقارات محل التداعي لوقف الأمير....... مستحفظان الخيري المشمول بنظارته، تأسيساً على أنها من بين أعيان حجة هذا الوقف. فدفعت الطاعنة بعدم جواز نظر هذه الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 1455 سنة 1961 مدني كلي القاهرة. بتاريخ 22/ 3/ 1973 قضت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى المذكورة. فاستأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 2884 سنة 90 ق. بتاريخ 21/ 3/ 1974 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وحددت جلسة لنظر الموضوع وبعد ذلك ندبت خبيراً في الدعوى لبيان ما إذا كانت أعيان النزاع تدخل ضمن أعيان حجة الوقف المشار إليه وبيان واضع اليد عليها وصفته ومدة وضع يده....... الخ، وإذ قدم الخبير تقريره بأن أرض وعقارات التداعي تدخل ضمن حجة ذلك الوقف دون خلاف بين الطرفين على ذلك وأن معظم المساحة أرض فضاء غير مستغلة والمباني مقامه من غير خصوم الدعوى، أعادت المحكمة المأمورية إليه لتحقيق وضع اليد على تلك العقارات في المدة السابقة على 3/ 6/ 1956، وهو تاريخ استلام وزارة الأوقاف لها. قدم الخبير تقريره الثاني منتهياً إلى أن الطاعنة لم يثبت بأي طريق من طرق الإثبات وضع يدها على أي قدر من أطيان النزاع في أي مدة سابقة على التاريخ المشار إليه. بتاريخ 19/ 2/ 1979 قضت محكمة الاستئناف بتبعية الأعيان محل التداعي لوقف الأمير... ابن.... الخيري طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم. وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة. فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 21/ 3/ 1974 الذي قضى بإلغاء حكم أول درجة وبرفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، بالخطأ في تطبيق القانون. وحاصل هذا النعي أنه بصدور القانونين رقمي 246، 247 سنة 1953 لم يعد لوزير الأوقاف بصدد الأوقاف الخيرية سوى صفة واحدة هي أنه الممثل القانوني لكافة الأوقاف الخيرية عامة في مجموعها فلم تعد له صفات تتعدد بتعدد تلك الأوقاف بحيث تكون له صفة مستقلة تخص كل وقف منها على حدة. ولما كانت الطاعنة قد أقامت الدعوى رقم 1455 سنة 1961 مدني كلي القاهرة ضد وزير الأوقاف بصفته بطلب الحكم لها بأحقيتها لعين النزاع قولاً بأنها كانت تتبع وقف كتخدا الأهلي ولم تكن في وقت من الأوقات وعاء لوقف خيري فصدر الحكم للطاعنة بأحقيتها، وصار انتهائياً بعدم استئنافه وحاز قوة الأمر المقتضي ضد وزارة الأوقاف بما لا يجيز لها معاودة طرح ذات النزاع بوصفها ناظرة على وقف.......، خاصة أن الوزارة كانت قد أقامت التماساً عن الحكم المذكور بذات الصفة التي كانت مختصمة بها أصلاً واستندت فيه إلى العثور على حجة وقف...... الخيري وقضى في هذا الالتماس بعدم جوازه لعدم سبق الطعن في الحكم بطريق الاستئناف، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها على سند من أن القانون رقم 247 سنة 1953 قد استبقى الشخصية الاعتبارية لكل وقف بالنسبة لباقي الأوقاف، ويكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن النائب - بصدد تمثيله لمن ينوب عنهم - تقوم لديه صفات تتعدد بعد الشخصيات التي يمثلها، ولا يمنع من هذا التعدد أن تتماثل هذه الشخصيات أو أن تتماثل صلاحياته في تمثيله لها، أو أن تنحصر فيه أصلاً - بمقتضى القانون - مسئولية النيابة عنها. الوقف يتمتع بشخصية اعتبارية وله نائب يعبر عن إرادته عملاً بالمادتين 52، 53 من القانون المدني وينشأ الوقف بإشهاد رسمي يصدر من مالك الأعيان محل الإشهاد يبين فيه شروط الوقف ومصارفه، بما يجعل كل وقف متميزاً عن غيره من الأوقاف طبقاً للإشهاد الصادر بإنشائه. ومن ثم يتحدد الوقف بإشهاد إنشائه وتثبت له الشخصية الاعتبارية في نطاقه. وإذ تولى شخص واحد النظر على عدة أوقاف كانت له صفة نيابة مستقلة عن كل وقف منها على حدة، كما هو الشأن بالنسبة لوزارة الأوقاف في توليها نظارة الأوقاف الخيرية المتعددة. ولا يقدح في هذا ما نص عليه القانون رقم 247 لسنة 1953 في مادته الثانية من فرض نظارة الوزارة، على الأوقاف الخيرية ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه. وفي مادته الأولى من أنه إذا لم يعين الواقف جهة البر الموقوف عليها أو عينها ولم تكن موجودة أو وجدت جهة بر أولى جاز لوزير الأوقاف بموافقة مجلس الأوقاف الأعلى أن يصرف الريع كله أو بعضه على الجهة التي يعينها. ذلك أن مفاد هاتين المادتين أنه ما زال لإشهاد الوقف مجاله في تنظم أحكامه، فإذا ما تضمن اشتراط الوقف النظر لنفسه امتنعت النظارة أصلاً على الوزارة، وإذا عين جهة البر الموقوف عليها، وكانت قائمة ولا يوجد ما هو أولى منها امتنع على الوزارة يغير هذا المصرف. أما القانون رقم 36 لسنة 1946 المعدل بالقانون رقم 246 لسنة 1953 والملغي بالقانون رقم 272 لسنة 1959 فليس سوى لائحة بإجراءات وزارة الأوقاف ولم تخرج أحكامها - في هذا الصدد - عما سبق بيانه. ومن ثم فإن ما تتمسك به الطاعنة من القول بأن تلك الأحكام قد أنهت الشخصية المستقلة لكل وقف على حدة وصهرتها جميعاً في شخصية واحدة يمثلها وزير الأوقاف بحيث إذا اختصم انصرف أثر ذلك إلى الأوقاف الخيرية جميعاً دون حاجة إلى تحديد الوقف محل التداعي، يكون غير سديد. إذ كان ذلك، وكانت الطاعنة لم تقدم في الطعن صورة رسمية من الحكم الصادر في الدعوى رقم 1455 سنة 1961 م ك القاهرة، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه وحكم أول درجة تؤكد أن الطاعنة لم تقم الدعوى المذكورة ضد وزير الأوقاف بصفته ناظراً على وقف......... الخيري لا صراحة ولا ضمناً، ولم تتضمن هذه الدعوى ثمة إشارة إلى هذا الوقف سواء في وقائعها أو أسانيدها أو في دفاع الخصوم فيها. فإن الحكم الصادر فيها لا يحوز أية حجية قبل المذكور لأنه لم يكن ممثلاً في تلك الدعوى. ولا يغير من ذلك أنه بعد صدور هذا الحكم أقام وزير الأوقاف التماس إعادة نظر فيه تأسيساً على اكتشاف أن أعيان النزاع تتبع وقف...... الخيري، ذلك أنه لم يقض في هذا الالتماس بقضاء موضوعي فرعي ذي حجية وإنما قضي فيه بعدم جواز الالتماس الأمر الذي لا يعدل أو يغير من صفات الخصوم في الحكم المقام عنه هذا الالتماس. لما كان كذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر، وقضى برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الحكم فيها في الدعوى رقم 1455 سنة 1961 م ك القاهرة تأسيساً على أن وقف....... الخيري المقام عنه الدعوى الماثلة لم يكن مختصماً في تلك الدعوى السابقة فإن النعي عليه في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إن السبب الثاني للطعن ينصب على الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 19/ 2/ 1979 في موضوع التداعي، يتكون من خمسة وجوه تنعى الطاعنة بالوجهين الأول والثاني منها على الحكم المذكور الخطأ في تطبيق القانون، والقصور في التسبيب وحاصلهما أنه نظر لأن حجة وقف.... قد خلت من بيان حدود أعيانه فقد طلب خبير الدعوى من وزارة الأوقاف تقديم كشوف التحديد الرسمية والخرائط. ولما لم تقدم الوزارة تلك الكشوف فقد قرر وكيل الطاعنة في محضر أعمال الخبير بأنه يسلم بأن عقارات النزاع تقع ضمن حجة الوقف المذكور وبأن النزاع ينحصر في تحقيق وضع يد الطاعنة المكسب للملكية ولا حاجة للمستندات المطلوبة من وزارة الأوقاف ولما كان الخبير قد خلص في تقريره إلى حجة الوقف تنطبق على أعيان النزاع قولاً بأن وكيل الطاعنة قد أقر بذلك. وإذ أيده الحكم المطعون فيه رغم تسمك الطاعنة بمذكرتها المؤرخة في 10/ 1/ 1978 بأن ما قرره وكيلها لا يعد إقراراً بالحق وإنما كان من باب الجدل الافتراض وبهدف المساعدة على إيجار المأمورية، ودون رد على هذا الدفاع الجوهري، يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير أدلة الدعوى واستخلاص الحقيقة منها ولا رقابة عليها في ذلك المحكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة.
وأن الإقرار الذي يصدر في غير مجلس القضاء يخضع لتقدير قاضي الموضوع الذي يجوز له أن يعتبر دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة كما يجوز ألا يأخذ به أصلاً. وكان البين من محضر أعمال الخبير المؤرخ 23/ 5/ 77 أن وكيل الطاعنة بدأ أقواله بعبارة "مع تسليمنا بأن العقارات موضوع النزاع الحالي تقع ضمن حجة وقف الأمير...... فإن النزاع الحالي أصبح ينحصر في تحقيق وضع اليد معرفة المستأنف عليها" ثم ختم أقواله بعبارة "لا داعي لتقديم كشوف تحديد رسمية عن وقف الأمير..... ما دمنا قد سلمنا بأن العقارات موضوع النزاع تقع ضمن ذلك الوقف وأصبح لا خلاف بين الطرفين في هذا الشق" وكان ما انتهى إليه تقرير الخبير الذي أخذ به الحكم المطعون فيه - من أن ما قرره وكيل الطاعنة بهاتين العبارتين يعتبر إقراراً حقيقاً، هو استخلاص سائغ تحتمله العبارتان، ويكون النعي على الحكم المطعون فيه إذ اعتبر هذا الإقرار غير القضائي دليلاً كاملاً جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل تنحسر عنه رقابة محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان في أخذ محكمة الموضوع بذلك الإقرار وتقديره كدليل كامل في الدعوى الرد الضمني على ما أثارته الطاعنة من جدل حول دلالته بما لا يستوجب رداً صريحاً مستقلاً على ذلك الدفاع فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون وبالقصور في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالأوجه الثالث والرابع والخامس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت بتبعية أعيان النزاع لوقف..... الأهلي بالتقادم المملك بأن وضع هذا الوقف يده على هذه الأعيان بواسطة نظاره ثم مستحقيه حتى سنة 1956 فندبت محكمة الاستئناف خبيراً لتحقيق وضع اليد وقدم تقريره الأول منتهياً إلى أرض النزاع أغلبها فضاء متروك دون استغلال والباقي مبان في وضع يد آخرين غير ممثلين في الدعوى ولم تتضح مدى علاقتهم بأي من الطرفين وأن الطاعنة لم تثبت وضع يدها بأي دليل، فاعترضت الطاعنة على هذا التقرير بأن المنشآت المقامة على أرض النزاع أقيمت بتصريح من نظار الوقف الأهلي فأعادت المحكمة المأمورية إلى الخبير لفحص هذه الاعتراضات بسماع أقوال الطرفين وشهودهما وواضعي اليد المبينة أسماءهم بالتقرير وصرحت للخبير بالانتقال لوزارة الأوقاف والاطلاع على سجلاتها لبيان صفة واضعي اليد، ولكن الخبير لم ينفذ ذلك مقرراً أن واضعي اليد رفضوا الحضور للإدلاء بأقوالهم في حين أن ذلك كان بالنسبة للتقرير الأول دون الثاني. كما أن الطاعنة قدمت مستندات لإثبات وضع اليد منها الحكم الصادر في الدعوى رقم 1455 سنة 1961 والحكم رقم 46 لسنة 1957 مدني الدرب الأحمر ومحضر تنفيذه وحجتي استبدال وإشهاد شرعي صادر سنة 1907 متضمناً فتوى من الأوقاف بعدم وجود مانع شرعي من بقاء الوقف المذكور في يد مستحقيه. واستندت الطاعنة أيضاً إلى ما قرره الحاضر عن الوزارة أمام الخبير بأن الطاعنة كانت مغتصبة هذه الأرض بما عليها من عقارات بما يفيد الإقرار بوضع يد الطاعنة. ولكن الحكم المطعون فيه أطرح كل ذلك وأخذ بتقرير الخبير رغم قصوره عن تنفيذ المأمورية مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن مأمورية الخبير هي التوصل بخبرته وبحثه إلى الحقيقة الواقعية أو الفنية المطلوب الكشف عنها، أما ما تأذن له به المحكمة من مناقشة شهود الخصوم أو من يرى سماع أقوالهم دون حلف يمين عملاً بالمادة 148 من قانون الإثبات، فلا يعد تحقيقاً قضائياً ولا تفويضاً به من المحكمة يلزم الخبير بالقيام به، وإنما هو مجرد تصريح برخص له أن يستهدي بهذه المناقشة في أداء مهمته ولا تثريب عليه إن هو لم يلجأ إلى الاستعانة بهذا الإجراء، وعلى من يرى من الخصوم ضرورة سماع الشهود كوسيلة لإثبات إدعاءاته، أن يطلب من المحكمة إحالة الدعوى إلى التحقيق. وكان رأي الخبير لا يخرج عن أنه عنصر من عناصر الإثبات يخضع لتقدير محكمة الموضوع ومتى اقتنعت بكفاية أبحاثه وسلامة الأسس التي بني عليها تقريره ورأت في حدود سلطتها التقديرية الأخذ به، فإن النعي بعد ذلك على التقرير لعدم استعانة الخبير بسماع أقوال بعض الأشخاص يكون جدلاً موضوعياً في كفاية الدليل الذي اقتنعت به المحكمة مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. ولما كانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بتتبع جميع حجج الخصوم وأوجه دفاعهم والرد على كل منها استقلالاً لأن الحقيقة التي استخلصتها واقتنعت بها فيها الرد الضمني المسقط لكل حجة تخالفها. كما أنها ليست ملزمة بالرد على دفاع ظاهر الفساد أو عار عن الدليل. لما كان ذلك، وكانت الطاعنة لم تطلب من محكمة الموضوع إحالة الدعوى إلى التحقيق لتمكينها من إثبات توافر أركان وشرائط تملك أعيان النزاع بالتقادم الطويل. وكان حاصل ما انتهى إليه الخبير أن معظم أعيان النزاع ما زالت أرضاً فضاء متروكة بدون استغلال ولا تواجد بها أية مظاهر وضع يد وبعضاً منها مقام عليه ورش ومحلات في وضع يد أشخاص آخرين غير ممثلين في الدعوى ورفضوا الإدلاء بأقوالهم، ولأنه بانتقاله إلى وزارة الأوقاف وهيئة الأوقاف المصرية للبحث عن عقود إيجار أو أي أوراق تتعلق بوضع اليد في الفترة السابقة على النزاع فلم يجب، وأن الطاعنة لم تقدم أية مستندات تتعلق بتحقيق وضع اليد كما لم تقدم أي شهود. وخلص من ذلك إلى أن الطاعنة لم يثبت وضع اليد على شيء من أرض النزاع في أي سنة من السنين سابقة على 3/ 6/ 1956، وكان الحكم المطعون فيه قد أطمأن إلى ما انتهى إليه الخبير وأخذ به مقرراً أن المحكمة لم تعد ترى مبرراً لسؤال واضعي اليد على العقارات المبينة بالتقرير بعد رفضهم الإدلاء بأقوالهم وعدم تقديم الطاعنة أوراقاً أو شهوداً تفيد أو واضعي اليد يستأجرون منها أو أنهم ينوبون عنها في وضع اليد.
وكانت الأوراق التي تشير إليها الطاعنة في صحيفة الطعن أغلبها صوراً عرفية غير ذات حجية فضلاً عن أنها لا تثبت أن أعيان النزاع بذاتها وحدودها قد توافرت لها الحيازة المملكة بالتقادم بركنيها المادي والمعنوي وشرائطها من ظهور وهدوء واستمرار. وكذلك الحال بالنسبة لما قرره الحاضر عن الوزارة المطعون ضدها أمام الخبير من أن الطاعنة كانت تغتصب أعيان النزاع إذ هو - فضلاً عن أنه لا يعتبر إقرار قضائياً يلزم محكمة الموضوع فإنه لا يكفي بذاته للدلالة على توافر شرائط الحيازة ومدتها. فمن ثم لا يعيب الحكم المطعون فيه عدم الرد استقلالاً على كل حجة مما سلف بيانه. لما كان ذلك كذلك، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالأوجه الثلاثة المشار إليها يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.


(1) نقض جلسة 20 / 11/ 1973 - مجموعة المكتب الفني - السنة 24 ص 1114.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق