جلسة أوّل مايو سنة 1941
برياسة سعادة محمد فهمي حسين باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: عبد الفتاح السيد بك وعلي حيدر حجازي بك وحسن زكي محمد بك ومحمد زكي علي بك المستشارين.
--------------
(116)
القضية رقم 9 سنة 11 القضائية
(أ) قانون.
وضوح نصوصه. لا محل للبحث عن حكمته وغرض الشارع منه. متى يكون لذلك محل؟ غموض النص أو وجود لبس.
(ب) بطلان المرافعة.
دعوى. وقفها لوفاة أحد الخصوم. إجراءات أمام جهة قضائية أخرى. متى تقطع المدّة المنصوص عليها لطلب بطلان المرافعة؟ رفع أحد المدّعى عليهم دعوى بشأن الميراث أمام المحكمة الشرعية لم يكن المدّعي خصماً فيها. رفع المدّعى عليه الآخر بصفته الأصلية بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على وقف الدعوى الأولى دعوى بطلب بطلان المرافعة في الدعوى المدنية. النزاع الشرعي في هذه الحالة لا يقطع مدّة البطلان. سكوت المدّعي عن تجديد دعواه أكثر من ثلاث سنوات. بطلان المرافعة. واجب المدّعي في هذه الصورة.
(المادة 301 مرافعات)
الوقائع
تتضمن وقائع هذه الدعوى - كما يبين من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق الأخرى التي كانت تحت نظر محكمة الموضوع - أن المطعون ضدّه كان قد رفع الدعوى رقم 86 سنة 1926 كلي بني سويف ضدّ الطاعن وأخيه عزيز ناشد بك وآخرين طلب فيها تثبيت ملكيته إلى 5 أفدنة وقيراط و12 سهماً. ثم أحيلت تلك الدعوى إلى محكمة المنيا لاختصاصها بها وقيدت بجدولها تحت رقم 273 سنة 1928. وفي 14 من فبراير سنة 1935 أوقفت لوفاة عزيز بك ناشد أحد الخصوم. ولمضي أكثر من ثلاث سنوات على الإيقاف رفع الطاعن أمام محكمة المنيا الابتدائية الدعوى رقم 161 سنة 1938 ضدّ المطعون ضدّه وطلب فيها الحكم ببطلان المرافعة في الدعوى رقم 273 سنة 1928 كلي المنيا المرفوعة من المطعون ضدّه. وفي 28 من نوفمبر سنة 1938 حكمت محكمة المنيا ببطلان المرافعة وألزمت المطعون ضدّه بالمصاريف و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة. استأنف المطعون ضدّه حكم بطلان المرافعة أمام محكمة استئناف مصر طالباً إلغاءه ورفض دعوى الطاعن مع إلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد بنى المطعون ضدّه استئنافه على أنه كان متعذراً عليه تحريك دعواه بسبب النزاع الذي كان قائماً أمام المحكمة الشرعية بشأن وراثة المرحوم عزيز بك ناشد وقد استمر أكثر من ثلاث سنوات ولم يفصل فيه بصفة قاطعة إلا في 20 من ديسمبر سنة 1938 أي بعد أن رفعت هذه الدعوى بطلب بطلان المرافعة وبعد أن قضى فيها ابتدائياً. وقد أخذت محكمة الاستئناف بوجهة نظر المطعون ضدّه واعتبرته معذوراً في عدم تحريك الدعوى قبل مضي الثلاث السنوات وألغت الحكم الابتدائي ورفضت دعوى الطاعن وألزمته بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين وذلك في 10 من ديسمبر سنة 1940.
وقد أعلن الحكم الاستئنافي إلى الطاعن في 19 من يناير سنة 1941 فقرّر في 16 من فبراير سنة 1941 أنه يطعن فيه بطريق النقض للأسباب التي بينها في تقريره... إلخ.
المحكمة
وحيث إن الطاعن يبنى طعنه على أن محكمة الاستئناف قد أخطأت في تطبيق أحكام القانون: (أوّلاً) لأن الإجراءات المتخذة أمام جهة قضائية أخرى لا تحول دون طلب بطلان المرافعة لمضي المدة القانونية إلا إذا كانت متخذة من أحد الخصوم في الدعوى الأصلية ضدّ الخصم الآخر فيها. والحال ليس كذلك بالنسبة للدعوى الشرعية التي كانت مرفوعة بشأن وراثة عزيز بك ناشد، فإن المطعون ضدّه لم يكن خصماً فيها، وهي قد رفعت من شخص أجنبي عن الخصومة في الدعوى الأصلية التي طلب فيها إبطال المرافعة. (ثانياً) لأن الدعوى الشرعية سالفة الذكر لا يصح اعتبارها كما تقول محكمة الاستئناف قوّة قاهرة مانعة من تحريك الدعوى بعد إيقافها. (ثالثاً) لأن محكمة الاستئناف لم تفرّق بين حالة تقرير الإيقاف لوفاة أحد الخصوم وبين حالة تقريره حتى يفصل في دعوى أخرى. ففي الحالة الأولى لا يصح السكوت عن تحريك الدعوى مدّة أكثر من ثلاث سنوات وإلا كان للخصم الآخر حق طلب بطلان المرافعة فيها. وفي الحالة الثانية لا يجوز تحريك الدعوى قبل الفصل في الدعوى التي أوقفت الدعوى الأصلية من أجلها. (رابعاً) لأنه مع التسليم باعتبار الدعوى الشرعية مانعاً قهرياً من تحريك الدعوى الأصلية فإن هذا المانع قد زال قبل أن يطلب الطاعن الحكم ببطلان المرافعة بوقت طويل كان في وسع المطعون ضدّه تحريك الدعوى فيه. (خامساً) لأنه لم يكن هناك ما يمنع المطعون ضدّه من تحريك الدعوى في وجه الوارث الظاهر وهو الطاعن أو في وجهه ووجه مدّعي الوراثة حتى إذا ما رأت المحكمة أن هناك نزاعاً جدّياً بشأن الوراثة قرّرت إيقاف الدعوى حتى يفصل في شأن النزاع على الإرث. (سادساً) لأن محكمة الاستئناف قرّرت خطأ أن الأساس الوحيد الذي من أجله شرع بطلان المرافعة هو إهمال الخصم إهمالاً ينم عن تنازله عن الخصومة حالة كون هذا البطلان قد شرع لسببين آخرين هامين: وهما حماية الخصم من إطالة أمد الخصومة والحيلولة دون تراكم القضايا في المحاكم وتعطيل الفصل فيها بسبب إهمال الخصوم.
وحيث إن الحكم الاستئنافي الذي ألغى الحكم الابتدائي القاضي ببطلان المرافعة يقول:
"وحيث إن المستأنف (المطعون ضدّه) يستند إلى قيام نزاع على الإرث كان مانعاً له من تحريك الدعوى، وأن هذا المانع القهري يوقف سريان مدّة البطلان".
"وبما أن دعوى بطلان المرافعة إنما شرعت للخصم المهمل الذي ترك دعواه بعد إيقافها دون تحريكها مدّة ثلاث سنوات. فإذا انتفى هذا الإهمال، وكان هناك سبب قهري اضطرّ الخصم إلى عدم تحريك الدعوى سقط حق الخصم الآخر في دعوى بطلان المرافعة".
"وحيث إن المستأنف ما كان يتسنى له أن يحرّك دعواه مع قيام النزاع أمام المحاكم الشرعية على إرث المتوفى الذي أوقفت الدعوى لوفاته. والقول بأنه كان يستطيع رفع الدعوى في مواجهة المستأنف ضدّه باعتباره الوارث الظاهر يتنافى مع قيام النزاع على الميراث، لأنه وإن كان القضاء أجاز مقاضاة أحد الورثة أو بعضهم نيابة عن الآخرين إلا أن ذلك كان متعذراً في موضوع هذه الدعوى إذ لم يكن في الإمكان اعتبار المستأنف ضدّه ممثلاً لباقي الورثة مع قيام النزاع على الميراث".
"وحيث إنه متى تقرّر ذلك يكون المستأنف معذوراً في عدم تحريك الدعوى قبل مضي ثلاث سنوات ويكون الحكم المستأنف قد أخطأ فيما قضى به ويتعين إلغاؤه".
وحيث إن الصورة الحقيقية للدعوى المطلوب بطلان المرافعة فيها، وهي الصورة المستخلصة من الأوراق، هي أن تلك الدعوى قد رفعها المطعون ضدّه على الطاعن وأخيه وآخرين، ثم أوقفت لوفاة أخي الطاعن. وبعد وفاته ادعت سيدة أنها كانت زوجة له ورزقت منه ببنت، وأن الإرث منحصر فيها وفي بنتها وفي الطاعن، ورفعت بهذا النزاع دعوى أمام المحكمة الشرعية لم يكن المطعون ضدّه خصماً فيها. وبعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على تاريخ الإيقاف رفع الطاعن بصفته الشخصية، لا بصفته وارثاً لأخيه، هذه الدعوى طالباً بطلان المرافعة في الدعوى الموقوفة.
وحيث إن قانون المرافعات ينص في المادة 299 على أنه إذا توفى أحد الأخصام قبل تقديم الأقوال والطلبات الختامية فيها فتوقف المرافعة بغير إخلال بحقوق الأخصام، ويرجع إليها بتجديد الطلب من أو إلى من يقوم عمن أوقفت المرافعة بسبب وفاته. كما ينص في المادة 301 على أنه إذا استمرّ الانقطاع مدة ثلاث سنوات فلكل من الأخصام أن يطلب الحكم ببطلان المرافعة وتحكم به المحكمة ما لم يكن حصل قبل الطلب المذكور ما يترتب عليه منع ذلك البطلان من الإجراءات الصحيحة في المرافعة.
وحيث إن هذه النصوص جلية واضحة فلا محل للجري وراء البحث عن حكمة التشريع وغرض الشارع منها، إذ محل هذا البحث هو الغموض أو اللبس الذي يشوب النص القانوني ويضطر القاضي إلى تعرّف الحكم الصحيح من حكمة التشريع وغرض الشارع.
وحيث إنه متى تقرّر الإيقاف لمجرّد وفاة أحد الخصوم فإنه يكون من واجب الخصم الآخر الذي يعنى بالمحافظة على دعواه أن يجدّد السير فيها قبل أن يفاجئه خصمه بطلب بطلان المرافعة فيها.
وحيث إنه مما لا يصح أن يغيب عن الذهن في مثل هذه الأحوال أن من حق المحكمة أن تعيد القضية إلى الإيقاف حتى يفصل في النزاع القائم بشأنه الوراثة، وأن الأحكام لا تكون حجة إلا على من كان خصماً فيها فلا يضار بها وارث غاب عن المدّعي إعلانه.
وحيث إنه يبين مما تقدّم أنه كان على المطعون ضدّه أن يجدّد السير في دعواه في مواجهة الطاعن وحده إذا شاء ويحدّد طلباته ضدّه ويحتفظ بحقوقه قبل ورثة المتوفى، أو أن يجدّد السير فيها قبل الطاعن وقبل المتنازعين على إرث المتوفى إذا أراد أن يستبقى فيها طلباته كاملة ثم يطلب إيقافها لحين الفصل في النزاع القائم بشأن الإرث.
وحيث إنه لا محل لإقحام الإجراءات الشرعية الخاصة بالنزاع على الإرث في هذه الدعوى لأن المطعون ضدّه لم يكن خصماً فيها ولم توجه ضدّه، كما أن المتوفى لم يكن الخصم الوحيد في الدعوى. وفوق هذا وذاك فإن الطاعن رفع دعوى بطلان المرافعة عن نفسه بصفته خصماً أصلياً في الدعوى لا بصفته وارثاً لأخيه ومن حقه بهذه الصفة أن يطلب بطلان المرافعة بالنسبة له ولا شأن له بورثة الخصم المتوفى.
وحيث إنه يخلص مما سبق بيانه أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في اعتبار الإجراءات الشرعية التي لم تكن للمطعون ضدّه أية علاقة بها ولم تكن الدعوى موقوفة من أجلها - أخطأ في اعتبارها عذراً قانونياً مانعاً من تجديد السير في الدعوى قبل طلب بطلان المرافعة، ويتعين والحالة هذه نقضه.
وحيث إن موضوع الدعوى صالح للفصل فيه.
وحيث إن المطعون ضدّه قد سكت عن تجديد دعواه أكثر من ثلاث سنوات حتى فاجأه الطاعن بطلب بطلان المرافعة فيها فيتحتم إجابة الطاعن إلى طلبه هذا.
وحيث إن الحكم الابتدائي قضى ببطلان المرافعة فهو في محله للأسباب السالفة الذكر، ويتعين تأييده مع إلزام المطعون ضدّه بالمصاريف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق