جلسة 11 من يناير سنة 1978
برياسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد الباجوري، ومحمود رمضان، وعاصم المراغي؛ وإبراهيم فراج.
------------------
(36)
الطعن رقم 448 لسنة 43 القضائية
(1، 2) التزام "الحوادث الطارئة". محكمة الموضوع.
(1) نظرية الحوادث الطارئة. شرط إعمالها. م 147 مدني. تقدير ما إذا كان الحادث طارئاً أو أن في وسع الشخص العادي توقعه من سلطة قاضي الموضوع.
(2) نفي الحكم المطعون فيه عنصر المفاجأة عن الصراع المسلح سنة 1967 بين مصر وإسرائيل واستبعاده تطبيق نظرية الحوادث استناداً إلى أسباب سائغة. لا خطأ.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن الأول ومورث الطاعنة الثانية أقاما ضد المطعون عليها الدعوى رقم..... مدني أمام محكمة القاهرة الابتدائية طالبين الحكم بتخفيض أجرة الفندق الموضح بالصحيفة إلى مبلغ 37.500 جنيه ابتداء من أول يونيو سنة 1963 وقالا شرحاً لها أنه بموجب عقد مؤرخ 19/ 4/ 1959 استأجرا من المطعون عليها العقار رقم.... بقصد تحويله إلى فندق سياحي باسم........ لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد مقابل إيجار سنوي قدره 1800 جنيه، وعقب مفاجأة البلاد بالعدوان الإسرائيلي في يونيو سنة 1967 شلت الحركة السياحية وهبطت نسبة الأشغال بالفندق إلى حد كبير، وإذا كان من جراء تأثر الإيرادات أن أصبحت الأجرة الواردة بالعقد لا تتناسب مع الظروف الطارئة التي أصابت المستأجرين، فقد أقاما الدعوى، استصدرت المطعون عليها أمر أداء بإلزام الطاعن الأول ومورث الطاعنة الثانية بأن يؤديا لها مبلغ 2850 جنيهاً وتثبيت الحجز الموقع في 15/ 9/ 1968 وفاء لهذا المبلغ الذي يمثل الأجرة المتأخرة عن سنتي 1967، 1968، فتظلم المستأجران من هذا الأمر بالدعوى رقم....... مدني أمام محكمة القاهرة الابتدائية طالبين إلغاءه واعتباره كأن لم يكن استناداً إلى الظروف الطارئة التي تذرعا بها في الدعوى الأولى، وإلى أن المطعون عليها لم تزود الفندق بما يحقق الغرض من التأجير واتخذت من وضع بعض الأثاث المستهلك ذريعة للتحايل على أحكام التشريع الاستثنائي بإيجار الأماكن. وبعد أن قررت المحكمة ضم الدعوى الثانية إلى الدعاوى الأولى حكمت في 9/ 12/ 1968 بندب أحد الخبراء لتقدير الأجرة السنوية للفندق اعتباراً من أول مايو 1967 على ضوء ما أحدثه عدوان يونيو 1967 من تغييرات أثرت على حركة السياحة في أنحاء الجمهورية عامة وفي مدينة حلوان خاصة، وبعد تقديم التقرير الأخير حكمت في 19/ 3/ 1972 (أولاً) في الدعوى........ بتخفيض أجرة الفندق إلى مبلغ 2769 جنيهاً و500 مليماً عن المدة من 1/ 6/ 1967 حتى آخر ديسمبر سنة 1969 ويندب مكتب الخبراء لتحديد الأجرة عن الفترة التالية لأول يناير سنة 1970 (ثانياً) في الدعوى...... بتعديل أمر الأداء إلى إلزام المستأجرين أن يدفعا للمطعون عليها مبلغ 1336 جنيهاً و500 مليماً وتثبيت الحجز التحفظي بالنسبة لهذا المبلغ استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم....... القاهرة للقضاء بطلباتهما، كما استأنفته المطعون عليها بالاستئناف رقم...... القاهرة بطلب رفض الدعوى، بتاريخ 21/ 4/ 1973 حكمت محكمة الاستئناف بعد ضم الاستئنافين بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى تخفيض الأجرة وتأييد أمر الأداء المتظلم فيه طعن الطاعنان على هذا الحكم بطريق النقض، قدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بني على سبعة أسباب، ينعى الطاعنان بالسبب الأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقولان أن الحكم أقام قضاءه على أن العدوان الإسرائيلي سنة 1967 لم يكن حادثاً طارئاً غير متوقع على سند من أن الحرب قائمة بين مصر والدول العربية وبين إسرائيل منذ عام 1948 دون عدوان 1956 ثم عدوان 1967 هو تكملة للحرب الأولى وتنفيذاً لخطط مرسومة بين دول الاستعمار وإسرائيل فلا تعد الحرب بهذه المثابة حادثاً استثنائياً نظراً لأنها متوقعة بين لحظة وأخرى في حين أن بذر الحرب قد حددتها قرارات جمهورية وأوامر عسكرية بينت فيها تاريخ بداية ونهاية كل حرب نشبت بين مصر وإسرائيل والمدة التي استغرقتها، مما كان يقتضي الامتداد بهذه القرارات التي تشير إلى أن حرب سنة 1948 انتهت في 24/ 2/ 1949، وإن حرب سنة 1956 انتهت في 1/ 3/ 1957 بما يقتضي معه القول بأن عدوان سنة 1967 لم يكن في المكنة توقعه عند إبرام العقد، هذا إلى أن التصريحات التي أدلى بها المسئولون قبل حصول العدوان وبعده تؤكد أنه حدث طارئ عام، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وشابه الفساد في الاستدلال.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان قوام نظرية الحوادث الطارئة في معنى المادة 147 من القانون المدني أن يكون الحادث استثنائياً وغير متوقع الحصول وقت انعقاد العقد، والمعيار في توافر هذا الشرط - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - معيار مجرد، مناطه ألا يكون في مقدور الشخص أن يتوقع حصوله لو وجد في ذات الظروف عند التعاقد، دون اعتداد بما وقر في ذهن هذا المدين بالذات من توقع الحصول أو عدم توقعه. والبحث فيما إذا كان الحادث الطارئ هو مما في وسع الشخص العادي توقعه أو أنه من الحوادث الطارئة مما يدخل في نطاق سلطة قاضي الموضوع طالما أقامها على أسباب مؤدية إلى ما انتهى إليه. لما كان ذلك فإنه وإن كان الأصل في فقه القانون الدولي أن الحرب بمعناها العام هي الصراع المسلح بين دولتين إلا أن للأمر الواقع أثره على تحديد هذا المعنى في الحالة القائمة بين مصر وإسرائيل، وهي حالة لها كل مظاهر الحرب ومقوماتها، وكانت الحرب لا تنتهي إلا بانقضاء النزاع بين الدولتين المتصارعتين أو إبرام صلح بينهما بسحب أسباب النزاع القائم نهائياً، فإنه لا يمس ما استدل به الحكم على استمرار قيام حالة الحرب بين مصر وإسرائيل وانتفاء عنصر المفاجأة صدور أوامر عسكرية أو قرارات جمهورية تحدد المدد التي استغرقها القتال بالتلاحم بين الفريقين على أرض المعركة، إذ أن هذه القرارات وتلك الأوامر إنما تستهدف تنظيمات إدارية داخلية خاصة ولا صلة لها بالقيام الفعلي الواقعي لحالة الحرب. لما كان ما تقدم، وكانت التصريحات التي تصدر عن أعلى المستويات في الدولة ليس من شأنها أن تخل بقيام حالة الحرب الواقعية، ولا يجوز إرهاق المعاني التي تستخلص منها للقول بعدم التوقع ما يلابس هذه التصريحات من ضغوط سياسية تنتهي بانتهائها. لما كان ما سلف وكان الحكم المطعون فيه قد حصل أن الحرب قائمة بين مصر وإسرائيل منذ بدء الخلاف في سنة 1948 مما ينقضي معه عنصر المفاجأة لدى الشخص العادي من تجدد القتال بين لحظة وأخرى، وعلى تقدير أن حربي سنتي 1956، 1967 ليستا إلا حلقتين من حلقات هذا الصلح المسلح لحالة الحرب القائمة فعلاً، والتي تستهدف تنفيذ مخطط مرسوم من جانب دول الاستعمار وإسرائيل وكان ما قرره الحكم في هذا الخصوص سائغاً ويحمل النتيجة التي انتهى إليها، فإن النعي عليه بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالأسباب من الثالث إلى السادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقولان بأن الحكم استدل على أن حرب سنة 1967 لم يكن لها تأثير على استغلال الفندق ولم تؤد إلى نقص إيراداته إلى ما جاء بتقرير الخبير من أن الفندق حقق أرباحاً في سنة العدوان وإلى دلالة الخطاب المقدم من المطعون عليهما عن حجم تعامله مع المؤسسة النقابية العمالية في الفترة من 30/ 10/ 1969 حتى 27/ 10/ 1972 ومن تسديد الطاعنين مبلغ 750 جنيهاً من الأجرة المستحقة وإلى أن منطقة حلوان ليست من المناطق السياحية في حين أن محكمة أول درجة قضت ببطلان تقرير الخبير ولم تعول عليه في قضائها، وأن تعامل الفندق مع المؤسسة النقابية العمالية لا يؤدي إلى النتيجة التي استخلصها الحكم منه لأن تسديد الأجرة كان من الأرباح التي حققها الفندق قبل العدوان بالإضافة إلى أن منطقة حلوان معدودة من المناطق السياحية، وإذ عول الحكم على تلك المستندات مستدلاً منها على ما انتهى إليه في قضائه فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون علاوة على فساد استدلاله.
وحيث إن النعي غير سديد، ذلك أنه متى كان الحكم قد انتهى في استدلال سائغ إلى أن حرب سنة 1967 لا تعتبر حادثاً استثنائياً غير متوقع، وكانت هذه الدعامة كافية في ذاتها لحمل قضائه برفض تطبيق نظرية الظروف الطارئة وفق المادة 147/ 2 من القانون المدني، ورتب على ذلك إلزام الطاعنين بالأجرة الثابتة بعقد الإيجار، فإنه لا يعيبه استطراده إلى تقريرات - أياً كان وجه الرأي فيها تعد زائدة عن حاجة الدعوى ويستقيم الحكم بدونها، ويكون النعي بفرض صحته غير منتج.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب السابع على الحكم المطعون فيه انعدامه، وفي بيان ذلك يقول الطاعنان بأن الحكم ألزم في منطوقه كل من الطاعن الأول ومورث الطاعنة الثانية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي في حين أن هذا الأخير توفى عام 1969 مما يعيب الحكم بالانعدام لصدوره ضد متوفى.
وحيث إن النعي غير صحيح، ذلك أنه لما كانت هذه المحكمة وهي بسبيل التحقق من سبب النعي أمرت بضم الملف الاستئنافي للاطلاع على نسخة الحكم الأصلية، وكان البين من الاطلاع عليها أن محكمة الاستئناف ألزمت الطاعنين المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة في أسباب الحكم ومنطوقه، وكان ما ورد بصورة الحكم المقدمة من ذكر اسم المورث دون الطاعنة الثانية لا يعدو أن يكون خطأ مادياً، فإن النعي يكون وارداً على غير محل.
وحيث إن الطاعنين أضافا بالجلسة سبباً جديداً ينعيان به على الحكم المطعون فيه إخلاله بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقولان بأن الحكم استدل في قضائه بالمستندات المقدمة بالحوافظ 9، 10، 11 ملف الاستئناف وعلى ما أثبت في الصفحات من 16 إلى 24 من مذكرة المطعون عليها، في حين أن هذه المستندات لم تقدم إلا في اليوم الأخير من فترة الأجل الممنوح لتبادل المذكرات، ودون أن يكون مصرحاً لها بتقديمها وأن الصفحات من 15 إلى 24 أضيفت خفية إلى مذكرتها، ودون أن يتمكنا من الاطلاع عليها مما يعتبر إخلالاً بحق الدفاع.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أنه لما كان مفاد المادة 253/ 3 من قانون المرافعات أنه إذ كان ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه غير وارد في صحيفة الطعن فلا اعتداد بالتحدث عنه بالمذكرة الشارحة أو شفوياً بالجلسة، وكان ما أثاره الطاعنان بالجلسة من دعوى الإخلال بحق الدفاع لم يبيناه بصحيفة الطعن مع أنه مطلوب على وجه الوجوب تحديداً للطعن وتعريفاً بوجوهه منذ ابتداء الخصومة وكانت الأسباب التي أورداها ليست متعلقة بالنظام العام، فإن النعي يكون غير مقبول.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق