برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور / عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية
السادة الأساتذة المستشارين / محمد أحمد الحسيني عبد المجيد مسلم و محمد رضا محمود
سالم وإسماعيل صديق محمد راشد و كمال زكي عبد الرحمن اللمعي ومحمد منير السيد
جويفل ومنصور حسنى على غربي والسيد محمد السيد الطحان و غبريال جاد عبد الملاك ود.
حمدي محمد أمين الوكيل وإدوارد غالب سيفين وسامي أحمد محمد الصباغ وعبد الله عامر
إبراهيم وأحمد عبد العزيز إبراهيم أبو العزم . نواب رئيس
مجلس الدولة
بحضور السيد الأستاذ المستشار / ألهم محمود أحمد مفوض الدولة
وحضور السيد / كمال نجيب مرسيس سكرتير المحكمة
--------------------
دعوى - الحكم في الدعوى - تسبيب الحكم - عدم جواز الإحالة إلى الأسباب
الواردة في تقرير هيئة مفوضي الدولة كأسباب للحكم.
ناط المشرع في المادة (27) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972
بهيئة مفوضي الدولة تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة وإيداع تقرير فيها يحدد
وقائعها والمسائل التي يثيرها النزاع وإبداء رأيها القانوني مسبباً فيها وإلا كان
الحكم باطلاً ، وحيث إن هيئة مفوضي الدولة لا تفصل في أي منازعة وإنما تطرح رأياً
استشارياً للمحكمة أن تأخذ به كله أو بعضه أو تطرحه كله أو بعضه ، لذا فإنه لا
يجوز الإحالة إلى الأسباب الواردة في تقرير هيئة مفوضي الدولة كأسباب للحكم
المطعون فيه باعتبار أن هذا التقرير يعد في مسائل قانونية بحتة ، وأن هذه المسائل
من صميم ولاية المحكمة - تطبيق
--------------
الوقائع
في يوم الأربعاء الموافق 4 من يناير سنة 1999 أودعت هيئة مفوضي الدولة
قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 7471 لسنة 45 قضائية
عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بجلسة 12 من يونية سنة
1999 في الدعوى رقم 1357 لسنة 13 ق المقامة من :- 1- البكري الصديق على جمعة - 2-
على المتولي إبراهيم سليمان -3- فهيمة على على عبد العال ضد :- 1- محافظ الدقهلية
-2- رئيس الوحدة المحلية لمركز المنزلة -3- رئيس الوحدة المحلية لميت سلسيل مركز
المنزلة- 4- فتحي محمود السيد مطاوع -5- فاطمة السيد محمد مطاوع -6- المرسي المرسي
حبيب -7- أم محمد محمد المتولي -8- نجاة على محمد سعيد -9- عايدة رجب محمد حبيب -
10- زمرة محمود البزاري .
والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وبقبول تدخل المدعي عليهم من الرابع حتى
العاشر خصوماً منضمين إلى جانب الجهة الإدارية المدعى عليها ، وفي الموضوع برفض
الدعوى وإلزام المدعين المصروفات .
وطلبت الهيئة الطاعنة - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول
الطعن شكلاً ، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى محكمة
القضاء الإداري بالمنصورة للفصل فيها مجدداً ، مع إبقاء الفصل في المصروفات .
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن
ارتأت فيه الحكم بذات الطلبات الواردة بتقرير الطعن .
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا
(الدائرة السادسة) جلسة 17 من أكتوبر سنة 2000 ، وتدوول نظره أمامها على النحو
المبين بمحاضر جلساتها ، وبجلسة 5/3/2002 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة
الإدارية العليا (الدائرة السادسة) لنظره بجلسة 20/3/2002 وتدوول نظره بجلساتها ،
وبجلسة 30/4/2003 قضت المحكمة إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ - المشكلة طبقاً
للمادة 54 مكرراً من القانون رقم 36 لسنة 1984 بتعديل القانون رقم 47 لسنة 1972 في
شأن مجلس الدولة - بعدها تقدمت هيئة مفوضي الدولة بتقرير مسبب بالرأي القانوني
افترضت فيه الحكم بعدم جواز الإحالة إلى الأسباب الواردة في تقارير هيئة مفوضي
الدولة كأسباب للحكم المطعون فيه .
وبعد تداول الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات ،
قررت إصدار الحكم بجلسة 14/1/2006 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسات تالية موضحة
بمحاضرها , إلى أن تقرر إصداره بجلسة اليوم ، حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على
أسبابه لدى النطق به .
-------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية .
ومن حيث إن عناصر المنازعة تجمل حسبما يبين من الأوراق في أن المدعين
أقاموا الدعوى رقم 1357 لسنة 13ق أمام محكمة القضاء الإداري بالمنصورة طالبين
الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 362 لسنة 1989 الصادر من الوحدة المحلية لمركز
المنزلة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المدعى عليها
المصروفات.
وأورد المدعون شرحاً لدعواهم أنه بتاريخ 26/8/1989 أصدرت الوحدة
المحلية القرار المشار إليه متضمناً إزالة التعدي الواقع منهم بين منازلهم بعرض
أربعة أمتار والمتصل بالطريق الزراعي بناحية ميت سلسيل مركز المنزلة ، ونعى
المدعون على هذا القرار مخالفته للقانون لأنه لا يوجد شارع بين منازلهم ، وإنما هو
منور لكل منزل مقام بواسطة جدار فاصل بين ملكية كل منهم وذلك منذ أكثر من خمسة
وعشرين عاماً وهو ملكية خاصة لا يحق للجهة الإدارية التدخل فيها إلا بالطرق التي
حددها القانون لنزع الملكية ، والتي لم تتوافر أسبابها في هذه الحالة .
تدوولت الدعوى بالجلسات وتقدم أطرافها بالمذكرات والمستندات ، وبجلسة
18/12/1990 أصدرت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة حكمها المطعون فيه والذي قضى
بقبول الدعوى شكلاً .وبقبول تدخل المدعى عليهم من الرابع حتى العاشر خصوماً منضمين
إلى جانب الجهة الإدارية المدعى عليها ، وفي الموضوع برفض الدعوى وإلزام المدعين
المصروفات وذلك على سند من القول بأنه إذا كان المقرر قانوناً أنه يجوز للمحكمة أن
تستند في حكمها إلى ما ورد بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى و الإحالة إليه في
أسباب حكمها بحيث يصبح هذا التقرير جزءاً متمماً للحكم ويعتبر الحكم معه مسبباً
تسبيباً كافياً .. إذا كان هذا هو الشأن بالنسبة لتقارير الخبراء في الدعاوى فإنه
يصدق من باب أولى في شأن التقارير التي تعدها هيئة مفوضي الدولة في الدعاوي وهي
هيئة موازية تماماً للمحكمة ولها ذات الضمانات المقررة لأعضاء المحكمة ، ومن ثم
فإنه يجوز للمحكمة أن تعتمد في أسباب حكمها على ما انتهى إليه تقرير هيئة مفوضي
الدولة المقدم في الدعوى .. من نتائج متى اطمأنت إلى صحة الأسباب التي تقوم عليها
وأنها مستخلصة استخلاصا سائغاً من الأوراق والمستندات ويكفي في هذا الشأن الإحالة
إليها ، لما كان ذلك وكان التقرير المقدم من هيئة مفوضي الدولة في الدعوى وقد
انتهى للأسباب التي تأخذ بها المحكمة وتحيل إليها إلى أن القرار المطعون فيه
والصادر بإزالة التعدي الواقع من المدعين على الشارع العام الواقع بين منازلهم قد
استقام على أسبابه المبررة له وصدر مطابقاً لأحكام القانون ، فإن طلب المدعين
الحكم بإلغائه يغدو غير قائم على سند صحيح من الواقع والقانون .
لم يصادف هذا القضاء قبولاً لدى هيئة مفوضي الدولة الطاعنة ، فأقامت
هذا الطعن ناعية على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون استناداً إلى أن الثابت من
الأوراق أن مسودة الحكم المطعون فيه لم تشتمل على الأسباب التي بني عليها ، بل
تضمنت إحالة إلى أسباب التقرير المقدم من هيئة مفوضي الدولة في ذات الدعوى المطعون
في حكمها وبالتالي يكون الحكم المطعون فيه غير مشتمل في مسودته على الأسباب التي
بنى عليها ومن ثم يكون باطلاً طبقاً لحكم المادة 176 وما بعدها من قانون المرافعات
ويتعين الحكم ببطلانه والأمر بإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري لتصدر حكمها
في النزاع مستوفية أسبابه في المسودة الخطية وباقي شرائطه القانونية مع إبقاء
الفصل في المصروفات للحكم الذي تنتهي به الخصومة طبقاً لحكم المادة 184 من قانون
المرافعات .
بعدها نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا حيث
قررت إحالته إلى هذه المحكمة "الدائرة السادسة" والتي أحالته بدورها إلى
دائرة توحيد المبادئ المشكلة طبقاً للمادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972
في شأن مجلس الدولة .
ذلك أن الدائرة السادسة بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها بإحالة هذا
الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ قد لاحظت أن ثمة اتجاهين يتجاذبان المنازعة محل
الطعن .. الاتجاه الأول وهو ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا من أنه
يتعين تسبيب الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة إعمالاً لمقتضى نصي المادتين
176 ، 178 من قانون المرافعات المدنية و التجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة
1968 ، ومن ثم فلا يجوز للمحكمة أن تحيل في حكمها إلى الأسباب الواردة في تقرير
هيئة مفوضي الدولة وتعتبرها أسباباً للحكم ، والاتجاه الآخر هو جواز إحالة الحكم
إلى الأسباب الواردة في تقرير هيئة مفوضي الدولة واعتبارها بمثابة أسباب للحكم
قياساً على الإحالة إلى الأسباب الواردة في تقارير الخبراء الذين قد تستعين بهم
المحاكم إذا ما رأت أن المنازعات المطروحة أمامها تحتاج إلى إعمال الخبرة لإجلاء
الجوانب الفنية لوقائع المنازعات أو بعضها .
وهو الاتجاه الذي اعتنقه الحكم المطعون فيه والذي يثير في ذات الوقت
احتمال عدول المحكمة الإدارية العليا عما استقر عليه قضاؤها في هذا الشأن على سند
من أن الأخذ بهذا الاتجاه يحقق فائدة جلية في سرعة إنجاز الأحكام .
لذا فإن مقطع النزاع المعروض للفصل فيه إنما يكمن في جواز الإحالة إلى
الأسباب الواردة في تقرير هيئة مفوضي الدولة كأسباب للحكم المطعون فيه من عدمه .
وحيث إن المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 الصادر في شأن
مجلس الدولة تنص على أنه " إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند
نظر أحد الطعون أنه صدرت منها أو من إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة يخالف بعضها
البعض أو رأت العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة من المحكمة الإدارية
العليا تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة في كل
عام قضائي من أحد عشر مستشاراً برئاسة رئيس المحكمة ..الخ ،، وعليه فإنه متى أحيل
الطعن إلى هذه المحكمة بالتطبيق لحكم المادة 54 مكرراً آنفة الإيراد فإن منازعة
الطعن برمتها تكون معروضة عليها ، ولا يكون ثمة حائل بين هذه المحكمة وبين الفصل
في الطعن بكامل أجزائه متى ارتأت ذلك شريطة أن يكون صالحاً للفصل فيه ومهيئاً
للحكم ، حيث تحسم النزاع وتقول في موضوع الطعن كلمة الحق و القانون ، كما يكون
لهذه المحكمة أن تقتصر في حكمها على البت في المسألة القانونية التي تكشف أوراق
الدعوى والطعن عن إنها كانت محلاً لتناقض الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية
العليا أو فصلت فيها أحكام سابقة على نحو معين ثم رؤى العدول عن مبدأ قانوني قررته
هذه الأحكام ، وبعدها تحيل الطعن إلى دائرة المحكمة المختصة لتفصل في موضوع الطعن
على هدى ما أصدرته من قضاء في المسألة القانونية التي تقول كلمتها فيها .
وحيث تنص المادة 176 من القانون رقم 13 لسنة 1968 بإصدار قانون
المرافعات المدنية والتجارية على أنه " يجب أن تشتمل الأحكام على الأسباب
التي بنيت عليها وإلا كانت باطلة " .
كما تنص المادة 178 من ذات القانون على أنه " يجب أن يبين الحكم
المحكمة التي أصدرته وتاريخ إصداره ومكانه وما إذا كان صادراً في مادة تجارية أو
مسألة مستعجلة وأسماء القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا في الحكم وحضروا
تلاوته ، وأسماء الخصوم وألقابهم وصفاتهم وموطن كل منهم وحضورهم وغيابهم ...
كما يجب أن يشتمل الحكم على عرض مجمل لوقائع الدعوى ثم طلبات الخصوم
وخلاصة موجزة لدفوعهم ودفاعهم ... وأسباب الحكم ومنطوقة" .
وحيث إن مقتضى نصي هاتين المادتين أنه يتعين أن تصدر الأحكام القضائية
مسببة بأن تحدد الوقائع ومواد القانون ووجه الرأي الذي اعتنقته المحكمة بوضوح كاف
يؤدي إلى منطوق الحكم منطقاً وعقلاً .. بحيث يرتبط منطوق الحكم بالأسباب المحددة
الواضحة التي تحمل هذا المنطوق وتبرره من حيث الواقع و القانون ، وحتى يتمكن أطراف
المنازعة من معرفة السند الواقعي والأساس القانوني الذي أقامت علية المحكمة حكمها
، وذلك إذا ما ارتأى أي طرف الطعن على الحكم وإبداء دفاعه بشأن ما أورده من منطوق
ونهض عليه من أسباب وذلك أمام محكمة الطعن على نحو يمكن هذه المحكمة من ممارسة
ولايتها القضائية فى مراجعة الأحكام المطعون فيها أمامها ووزنها بميزان الحق و
العدل بما هو مدون فيها من منطوق وأسباب واضحة ومحددة .
وحيث نظم القانون رقم 25 لسنة 1968 بإصدار قانون الإثبات في المواد
المدنية والتجارية أعمال الخبرة باعتبارها طريقاً من طرق الإثبات ونوعاً من
المعاينة الفنية التي تتم بواسطة أشخاص تتوافر فيهم الكفاءة من الجوانب الفنية
والمهنية التي لا يستطيع قضاة الحكم الإلمام بها ، وأجاز للمحكمة أن تستعين بأي من
هؤلاء الخبراء في الحالات التي يتوقف فيها الفصل في النزاع على معرفة بعض النواحي
الفنية التي لا يستطيع القاضي التوصل إليها من تلقاء نفسه خاصة إذا لم تكن هناك
وسائل لإثبات ادعاءات الخصوم ولم يكن في الدعوى ما يكفي من الأدلة لتكوين عقيدة
المحكمة للفصل فيها ، ومن ثم قضى القانون رقم 25 لسنة 1968 في المادة 135 منه بأن
للمحكمة عند الاقتضاء أن تحكم بندب خبير واحد أو ثلاثة ويجب أن تذكر في منطوق
حكمها بياناً دقيقاً لمأمورية الخبير والأمانة التي يجب إيداعها لحساب مصروفاته ،
والأجل الذى يتعين على الخبير إيداع تقريره فيه .
وحيث إن المشرع في المادة 27 من القانون رقم 47 لسنة 1972 في شأن مجلس
الدولة قد ناط بهيئة مفوضي الدولة تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة وإيداع تقرير
فيها يحدد وقائعها والمسائل التي يثيرها النزاع وإبداء رأيها القانوني مسبباً فيها
وإلا كان الحكم باطلاً ، وحيث إن هيئة مفوضي الدولة لا تفصل في أي منازعة وإنما
تطرح رأياً استشارياً للمحكمة أن تأخذ به كله أو بعضه أو تطرحه كله أو بعضه ، لذا
فإنه لا يجوز الإحالة إلى الأسباب الواردة في تقرير هيئة مفوضي الدولة كأسباب
للحكم المطعون فيه باعتبار أن هذا التقرير يعد في مسائل قانونية بحتة ، وأن هذه
المسائل من صميم ولاية المحكمة .
وحيث إنه لا يجوز في هذا المجال قياس تقرير هيئة مفوضي الدولة في
الدعوى أو المنازعة على تقرير الخبير المنتدب فيها للتوصل إلى القول بجواز الإحالة
على الأسباب الواردة بتقرير هيئة مفوضي الدولة واعتبارها أسباباً للحكم .. حيث ثمة
فروق جوهرية في الحالتين : فبينما يشترط في المنازعة الإدارية أن يتم تحضيرها
وإيداع تقرير بالرأي القانوني فيها من قبل هيئة مفوضي الدولة وإلا كان الحكم
الصادر فيها باطلاً ، فإنه يمكن للمحكمة الفصل في المنازعة دون حاجة إلى ندب خبير
فيها ودون الاستعانة بأي عمل من أعمال الخبرة طالما ارتأت المحكمة بموجب سلطتها
التقديرية عدم الحاجة إلى مثل هذه الأعمال بل أن محاكم مجلس الدولة عادة ما تفصل
في أغلب المنازعات الإدارية المطروحة عليها دون حاجة إلى ندب خبراء ودون حاجة إلى
الاستعانة بأعمال الخبرة فيها .
إضافة لذلك فإن تقرير الخبير - وكما أشير آنفاً - إنما يكون في مسائل
فنية تتصل بجوانب من وقائع المنازعة .. يستعصي على المحكمة تمحيصها والإلمام بها
وتحتاج إلى عمل من أعمال الخبرة لتجلية هذه الجوانب الفنية وتقصي حقيقتها وتمهيد
السبيل أمام المحكمة للفصل فيها ، ومن هنا فإن عمل الخبير ومضمون ما ورد بتقريره
يشكل عنصراً من عناصر الإثبات في المنازعة .
أما تقرير هيئة مفوضي الدولة فهو يعرض لكافة وقائع المنازعة وللمسائل
والأسانيد والنصوص القانونية الحاكمة لها ويقوم بإعمالها وتطبيقها توصلاً إلى
الرأي القانوني فيها شأنه في هذا شأن الحكم القضائي ، بل أن تقرير هيئة مفوضي
الدولة قد يقترح ندب خبير في الدعوى ، وقد يستند في تحصيل وقائعها وفي إبداء الرأي
القانوني فيها إلى ما أبداه الخبير المنتدب فيها من نتائج ومرئيات تتصل بجوانبها
الفنية .
وإزاء هذه الفروق الجوهرية والشكلية بين تقرير هيئة مفوضي الدولة
وتقؤير الخبير فإنه لا يجوز القياس في شأنهما للقول بجواز إحالة المحكمة إلى أسباب
تقرير هيئة مفوضي الدولة واعتبارها أسباباً للحكم في المنازعة حيث يضحى القياس في
هذه الحالة خاطئاً وبالتالي تكون النتائج المترتبة عليه مخالفة لصحيح القانون .
وعليه فإنه يتعين أن يشتمل الحكم المطعون فيه على الأسباب الكافية
لحملة ولا يجوز الإحالة في هذا الشأن إلى الأسباب الواردة بتقرير هيئة مفوضي
الدولة كأسباب لهذا الحكم .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :-
بعدم جواز الإحالة إلى الأسباب الواردة في تقرير هيئة مفوضي الدولة
باعتبارها أسباباً للحكم المطعون فيه ، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة
بالمحكمة للفصل فيه في ضوء ذلك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق