الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 20 سبتمبر 2021

الطعن 12251 لسنة 57 ق جلسة 6 / 4 / 2013 إدارية عليا مكتب فني 58 توحيد مبادئ ق 4 ص 64

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. محمد عبد الحميد مسعود نائب رئيس مجلس الدولة. وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ يحيى أحمد راغب دكروري وعبد الله عامر إبراهيم سليمان ومحمد عبد العظيم محمود سليمان وفايز شكري حنين ود. عبد الفتاح صبري أبو الليل ومحمد عبد الحميد عبد اللطيف إبراهيم وربيع عبد المعطي أحمد الشبراوي ولبيب حليم لبيب ومحمود محمد صبحي العطار وحسن كمال محمد أبو زيد شلال. نواب رئيس مجلس الدولة.

---------------

1 - النيابة العامة.

طبيعتها- كما أن النيابة العامة شعبة أصيلة من السلطة القضائية، فهي في الوقت نفسه شعبة من السلطة الإدارية- ما تتولاه من أعمال وما تقوم به من تصرفات على وفق نصوص حاكمة لذلك بقانون الإجراءات الجنائية هو أعمال وتصرفات قضائية، تقوم بها وتتخذها بحسبانها شعبة من السلطة القضائية، أما ما تتخذه من قرارات خارج نطاق هذه النصوص، فيعوزه السند لإسباغ الصفة القضائية عليه في جميع الأحوال، وعلى وجه الخصوص حينما يكون من اللازم صدور تشريع ينظم كيفية وحدود إصدار مثل هذه القرارات.

2 - حقوق وحريات.

حرية التنقل- الحرية الشخصية بجميع صنوف أوجه ممارستها، بما في ذلك حرية التنقل، سواء داخل البلاد أو إلى خارجها، مصونة ومكفولة دستوريا، بما تكون معه عصيةً على النيل منها بحرمانٍ، أو تقييدٍ لأوجه ممارستها بافتئاتٍ- حظر المشرع ما يؤدي بها إلى ذلك، مُضَيِّقا من ولوج أي طريق أو اتخاذ أي إجراء مآله تقييد الحرية، بما في ذلك منع الشخص من التنقل، إلا إذا كانت هناك ضرورة استلزمها التحقيق معه، صيانةً لأمن المجتمع، وبحيث يصدر بذلك أمر على وفق القـانون عن القاضي المختص أو النيابة العامة- قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نصي المادتين (8) و(11) من القانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر، وسقوط نص المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996، استنادًا إلى أن حرية الانتقال تنخرط في مصاف الحريات العامة، وأن تقييدها دون مقتضٍ مشروع يجرد الحريـة الشخصية من بعض خصائصها، ويقوض صحيح بنيانها- يلزم إصدارُ تشريع لتنظيم الحق في التنقل ومغادرة البلاد، وما يستلزم الحدَّ مؤقتًا من ممارسة هذا الحق، هو أمرٌ ضروري، لاسيما أن النص الدستوري غير كافٍ للتطبيق بذاته.

3 - اختصاص.

ما يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة- تختص بالفصل في الدعاوى التي تقام طعنًا على القرارات الصادرة عن النيابة العامة بالمنع من السفر- النيابة العامة لا تستنهض ولايتها في خصوص المنع من السفر إلا على وفق قانون ينظم جميع القواعد الشكلية والموضوعية المنظمة لإصدار قرار المنع من السفر- ما يصدر عن النيابة العامة من قرارات بالمنع من السفر يكون غير مصطبغ بالصبغة القضائية ريثما يصدر ذلك القانون.

-------------

الوقائع

في يوم الأربعاء الموافق 19/1/2011 أودع الأستاذ/ ... المحامي بصفته وکيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن قيد بجدولها العام برقم 12251 لسنة 57 القضائية عليا، وذلك في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (الدائرة الأولى) بجلسة 28/12/2010 في الدعوى رقم 22257 لسنة 64ق الذي قضى: (أولا) برفض الدفع المبدى بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى وباختصاصها. (ثانيا) بقبول الدعوى شكلا، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب.

وطلب الطاعن – للأسباب الواردة بتقرير الطعن – الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، على أن يكون التنفيذ بمسودة الحكم الأصلية، مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

وعين لنظر الطعن أمام الدائرة الأولى (فحص) جلسة 21/2/2011، وتدوول نظره على النحو الموضح بمحاضر الجلسات، وبجلسة 16/5/2011 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة.

وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيا بنظر الدعوى، وإحالتها إلى محكمة جنايات القاهرة، مع إبقاء الفصل في المصروفات.

وحدد لنظر الطعن ثانية أمام دائرة فحص الطعون جلسة 3/7/2011، وفيها قررت إصدار الحكم بجلسة 24/9/2011، حيث قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى (موضوع) لنظره بجلسة 12/11/2011، وتدوول نظره أمام هذه الدائرة على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 9/6/2012 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ المشكلة طبقا للمادة (54) مكررا من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984، حيث إن هناك تعارضا بين أحكام الدائرة فيما يتعلق باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعاوى التي تقام طعنا على القرارات التي يصدرها النائب العام بمنع بعض المواطنين من السفر، حيث ذهبت في بعض أحكامها – بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 243 لسنة 21ق. دستورية بجلسة 4/11/2000 بعدم دستورية نص المادتين رقمي (8) و(11) من القانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر، وبسقوط نص المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996 - إلى عدم اختصاصه ولائيا بنظر مثل هذه الدعاوى، کما هو الشأن في أحكامها الصادرة في الطعون أرقام 4588 و5190 لسنة 47ق. ع بجلسة 22/2/2003 و4248 لسنة 47ق.ع بجلسة 9/3/2002 و3216 لسنة 47ق.ع بجلسة 8/11/2003 و9359 لسنة 47ق. ع بجلسة 15/5/2004 و8791 لسنة 47ق. ع بجلسة 3/7/2004، بينما ذهبت في بعض الأحكام الأخرى إلى اختصاصه بنظرها، ومن هذه الأحكام الحكم الصادر في الطعن رقم 10932 لسنة 47ق.ع بجلسة 1/1/2005، والطعن رقم 305 لسنة 48ق. ع بجلسة 4/2/2006.

وعينت لنظر الطعن أمام دائرة توحيد المبادئ جلسة 1/7/2012، وتدوول نظره على وفق الثابت بمحاضر الجلسات، حيث أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا مسببا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعاوى التي تقام طعنا على القرارات الصادرة عن النائب العام بالمنع من السفر، مع إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه على هذا الأساس، وقدم خلالها الحاضر عن الطاعن مذكرة دفاع وحافظتي مستندات، وبجلسة 1/12/2012 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 2/3/2013، وبهذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل الحكم لجلسة 6/4/2013 لإتمام المداولة، حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

--------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.

وحيث إن عناصر المنازعة تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أنه بتاريخ 13/3/2010 أقيمت الدعوى رقم 22257 لسنة 64ق بإيداع صحيفتها قلم کتاب محكمة القضاء الإداري، وطلب المدعي (الطاعن) في ختامها الحكم بقبولها شكلا، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها رفع اسمه من قوائم الممنوعين من السفر، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار، مع إلزام المدعى عليهما (المطعون ضدهما الأول والثاني) المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، على أن ينفذ الحكم بمسودته.

وقال المدعي شارحا دعواه إنه بتاريخ 2/3/2010 أصدر المدعى عليه الأول (النائب العام) قرارا بمنعه من السفر وإدراج اسمه على قوائم الممنوعين من السفر استنادا إلى المحضر رقم 156 لسنة 2007 حصر أموال عامة، وقد تقدم بتظلم من هذا القرار، إلا أنه لم يتم البت فيه حتى إقامة هذه الدعوى، ونعى المدعي على القرار المطعون فيه مخالفة القانون على سند من القول بأنه بالرجوع إلى المحضر المشار إليه يتبين أنه قيد برقم 2127 لسنة 2007 جنايات عابدين، وبرقم 76 لسنة 2007 جنايات وسط القاهرة، وقد تدوولت هذه الجناية أمام المحكمة، وحضر المدعي أمامها، وكانت المحكمة تخلي سبيله ولم تأمر بمنعه من السفر، وبذلك يكون القرار الطعين متعارضا مع مسلك محكمة الجنايات المختصة بنظر القضية سبب المنع من السفر، كما أن المدعي قد حصل على حكم من الجمهورية الفرنسية برقم 6386 ف/6 صادر عن مجلس الفصل في المنازعات بين أرباب العمل ومستخدميهم في باريس بتاريخ 4/9/2009 بأحقيته في الحصول على راتبين من فرع شركة ..... للسياحة بباريس وشركة ......... في الوقت نفسه، وأحقيته في التعويضات والرواتب المتأخرة وهو ما يؤكد عدم صحة اتهامه في المحضر المشار إليه، وجميع ذلك يصم القرار الطعين بمخالفة القانون لعدم قيامه على سبب صحيح فضلا عن تعارضه مع أحكام الاتفاقيات الدولية وما كفله الدستور المصري من حرية التنقل والسفر.

وتدوول نظر الشق العاجل من الدعوى على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 28/12/2010 صدر الحكم (أولا) برفض الدفع المبدى بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى وباختصاصها. (ثانيا) بقبول الدعوى شكلا، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب.

وشيدت المحكمة قضاءها فيما يتعلق بالدفع المبدى بشأن عدم اختصاص المحكمة على أساس أن نعت القرار المطعون فيه بأنه قرار قضائي أمر يخالف طبائع الأمور؛ ذلك أن اتصال المحكمة الجنائية بالدعوى الجنائية لا يكون إلا بعد تصرف النيابة العامة في التحقيقات، ويستحيل عملا قياس حالة المنع من السفر أو الإدراج من النيابة العامة (وهو محض عمل إداري) على ما يصدر عنها من أوامر بالحبس الاحتياطي التي نظمها المشرع وبين طرق الطعن فيها، ومن ثم فإنه إزاء هذه الطبيعة الإدارية لقرارات النائب العام بالمنع من السفر والإدراج، يكون القضاء الإداري صاحب الاختصاص بمراقبة مشروعيتها، بالإضافة إلى وجود فراغ تشريعي لتنظيم المنع من السفر بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 4/11/2000 في القضية رقم 243 لسنة 21ق. دستورية، وبالتالي فإن ما يصدر من قرارات تتعلق بالمنع من السفر – أيا كانت سلطة إصدارها – يخضع لرقابة المشروعية التي يباشرها القضاء الإداري لوزنها بميزان القضاء الذي يهدف إلى تحقيق الموازنة بين المصلحة العامة وحريات الأفراد، وذلك إلى حين صدور قانون ينظم حالات المنع من السفر ويبين شروطه وإجراءاته.

أما فيما يتعلق بركن الجدية بشأن وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فقد أقام الحكم قضاءه على أساس أن البين من ظاهر الأوراق أن المدعي قد أجري معه تحقيق في المحضر رقم 156 لسنة 2007 حصر أموال عامة عليا لما نسب إليه من الاستيلاء بغير حق على المبالغ المالية المبينة بالمحضر والمملوکة لجهة عمله، وقد قيدت الدعوى برقم 2127 لسنة 2007 جنايات عابدين، وبرقم 76 لسنة 2007 کلي وسط القاهرة، وبرقم 66 لسنة 2007 جنايات أموال عامة عليا، وما زالت متداولة أمام المحكمة، ومتى كان الأمر على هذا النحو فإن منع المدعي من السفر للخارج يكون قد اقتضته ضرورة استكمال محاكمة المدعي في القضية المذكورة، ولم تكشف الأوراق أو يقدم المدعي ما يفيد انتهاء محاكمته، ومن ثم يكون القرار الصادر بذلك قد قام على سببه المسوغ له قانونا، وجاء متفقا مع صحيح حكم القانون، الأمر الذي ينتفي معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه، مما يتعين معه القضاء برفضه. ودون حاجة لبحث ركن الاستعجال لعدم جدواه.

وإذ لم يرتض الطاعن هذا الحكم أقام طعنه الماثل على أسباب محصلها أن السبب الذي أقيم عليه قرار منعه من السفر (والذي أقام عليه أيضا الحكم المطعون فيه قضاءه) قد زال بانتهاء محاکمته، حيث صدر الحكم حضوريا في القضية رقم 2127 لسنة 2007 جنايات عابدين (والمقيدة برقم 76 لسنة 2007 کلي وسط القاهرة) بجلسة 5/1/2011 بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة، و برد مبلغ 185351.11 يورو أو ما يعادله بالجنيه المصري، وبتغريمه مبلغا مساويا لما قضي عليه برده، وأمرت المحكمة بوقف تنفيذ عقوبة الحبس والغرامة وقفا شاملا لمدة ثلاث سنوات، وهو الأمر الذي يفقد قرار المنع من السفر شرطا من أهم شروطه، وهو الخشية من هروب الطاعن.

أما فيما يتعلق برد المبلغ المقضي به فإن الحكم مطعون عليه أمام محكمة النقض، وهذا الذي قضى به الحكم نوع من التعويضات المدنية التكميلية للحكم الجنائي يتم تنفيذه على وفق اللوائح والقوانين بشأن تنفيذ الدين المدني.

فضلا عن أن الطاعن له موطن معلوم بالجمهورية الفرنسية تعلمه الشركة التي كان يعمل بها، كما أنه يملك عقارات وأطيانا بجمهورية مصر العربية تغطي قيمة المبلغ المقضي برده.

يضاف إلى ذلك أن قرار المنع من السفر المطعون فيه باطل لمخالفته المادة (208) من قانون الإجراءات الجنائية، كما أنه صدر بعد انتهاء التحقيقات في الاتهام وإحالته إلى محكمة الجنايات وحضوره جلسات المحاكمة، بما تنحسر معه سلطة النائب العام في إصدار قرار منعه من السفر، الأمر الذي يتوفر معه ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ خلاف ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه.

وحيث إن جوهر الإحالة إلى هذه الدائرة ينحصر في الترجيح بين اتجاهين للدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا فيما صدر عنها من أحكام بشأن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الأنزعة المتعلقة بإلغاء قرارات المنع من السفر إلى الخارج والتي تصدر عن النائب العام، لاسيما بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 243 لسنة 21ق. دستورية بجلسة 4/11/2000 بعدم دستورية نصي المادتين (8) و(11) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر، وبسقوط نص المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996 الصادر تنفيذا لبعض أحكام ذلك القرار بالقانون، حيث ذهب أحد الاتجاهين إلى عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعاوى التي تقام طعنا بالإلغاء في مثل هذه القرارات، على أساس أن النيابة العامة شعبة أصيلة من السلطة القضائية، تتولى أعمالا قضائية أهمها وظيفة التحقيق التي ورثتها عن قاضي التحقيق، ثم وظيفة الاتهام أمام المحاكم الجنائية، حيث يتعين تمثيلها في تشكيل هذه المحاكم وإلا كان قضاؤها باطلا، وهذا هو ما أكدته المحكمة العليا (المحكمة الدستورية) في قرارها التفسيري في طلب التفسير رقم 15 لسنة 8ق بجلسة 1/4/1978، ومن ثم فإن القرارات والإجراءات التي تتخذها النيابة العامة بحكم وظيفتها القضائية تعد من الأعمال القضائية، وهي المتعلقة بإجراءات التحقيق والاتهام كالقبض على المتهم وتفتيشه وتفتيش منزله وحبسه احتياطيا والتصرف في التحقيق، سواء برفع الدعوى العمومية ومباشرتها أم بالتقرير بألا وجه لإقامتها أم بحفظ التحقيق مؤقتا، إلى غير ذلك من الإجراءات والاختصاصات المخولة لها قانونا، وقد خولها الدستور سلطة المنع من التنقل كالمنع من السفر إلى خارج البلاد إذا ما استلزمت ضرورة التحقيق ذلك، وبالتالي تكون القرارات التي تصدر عن النيابة العامة قرارات أو أوامر قضائية وليست قرارات إدارية؛ لأن هذه القرارات تصدر عنها كسلطة تحقيق، وبمناسبة التحقيق وبسببه أيا كان وقت صدور القرار، فيستوي في ذلك أن يصدر قبل بدء التحقيق مباشرة أو أثناءه أو عند إحالة المتهم إلى المحكمة الجنائية المختصة أو بعدها، مادام أنها قدرت إصدار القرار في إطار اختصاصها القضائي، وإعمالا للسلطة المخولة لها في ذلك، كما هو الشأن في إجراءات التحقيق الأخرى، فتوقيت صدور القرار تقدره النيابة العامة باعتبارها السلطة القائمة بالتحقيق والاتهام والأمينة على الدعوى العمومية وهي التي تقدر ذلك، وليس من شأن هذا التوقيت أن يؤثر في الطبيعة القضائية للقرار ويتحول بسببه إلى قرار إداري.

بينما ذهب الاتجاه الآخر إلى اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر مثل تلك الدعاوى على سند من أنه في ضوء المبادئ الدستورية المتعلقة بالحرية الشخصية (ومن دروبها حرية التنقل والهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج) قضت المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 243 لسنة 21ق. دستورية المشار إليها بعدم دستورية نصي المادتين (8) و(11) من القانون رقم 97 لسنة 1959في شأن جوازات السفر، وکذلك بسقوط نص المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996، استنادا إلى أن حرية الانتقال تنخرط في مصاف الحريات العامة، وأن تقييدها دون مقتض مشروع إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها ويقوض صحيح بنيانها، كما أن الدستور عهد إلى السلطة التشريعية وحدها تقدير هذا المقتضى، ولازم ذلك أن يكون الأصل هو حرية التنقل، والاستثناء هو المنع منه، وأن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاض أو عضو نيابة عامة يعهد إليه القانون بذلك، كما هو نص المادة (41) من دستور 1971، وينظم هذا القانون القواعد الشكلية والموضوعية لإصدار الأمر بذلك في ضوء الضوابط التي وضع الدستور أصولها، وعلى هذا فإن أي نص يخالف هذه الأصول يعتبر منسوخا حتما بقوة الدستور نفسه، باعتباره القانون الأسمى، ولما كان ذلك فإنه ولئن كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن النيابة العامة شعبة أصيلة من السلطة القضائية، تتولى أعمالا قضائية أهمها وظيفة التحقيق ثم وظيفة الاتهام أمام المحاكم الجنائية، وأن القرارات والإجراءات التي تتخذها بحكم وظيفتها القضائية تعد من صميم الأعمال القضائية، إلا أن النيابة العامة لا تنهض ولايتها في خصوص المنع من السفر إلا على وفق قانون ينظم القواعد الشكلية والموضوعية لإصدار قرارات بذلك، وفي غياب هذا القانون وفي ضوء ما قضت به المحكمة الدستورية العليا بحكمها المذكور سالفا فلا تستنهض النيابة هذه الولاية ولا تقوم لها قائمة، ويكون ما تصدره النيابة في هذا الشأن مجرد إجراء فاقد لسنده الدستوري والقانوني، مما تختص محاكم مجلس الدولة بمراقبته باعتبارها صاحبة الولاية العامة في المنازعات الإدارية، وذلك هو عين ما أكدته محكمة النقض في الطعن رقم 2361 لسنة 55ق بجلسة 15/11/1988.

ومن حيث إن مقطع النزاع حول المسألة القانونية المثارة يتمثل فيما إذا كان الطعن في قرار النيابة العامة الذي يصدر بمنع أي من المواطنين من السفر إلى خارج البلاد - ومن ثم إدراجه على قوائم الممنوعين من السفر – مندرجا ضمن تلك الطعون التي يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري – أصالة – بالفصل فيها، أم أنه غير مندرج ضمن هذه الطعون، وبالتالي لا يكون مجلس الدولة مختصاً ولائيا بالفصل فيه.

وحيث إن المادة (41) من دستور جمهورية مصر العربية الصادر عام 1971 تنص على أن: "الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو من النيابة العامة وذلك وفقا لأحكام القانون ..."، وهو عين ما نص عليه الإعلان الدستوري الصادر في 30 من مارس 2011 في المادة (8).

وتنص المادة (35) من الدستور الحالي الصادر عام 2012 على أنه: "فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق ..."، وتنص المادة (42) منه على أن: "حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة، ولا يجوز بحال إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة الدولة ولا فرض الإقامة الجبرية عليه إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة".

وتنص المادة (172) من دستور 1971 على أن: "مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى"، وهو عين ما نصت عليه المادة (48) من الإعلان الدستوري المشار إليه.

وتنص المادة (174) من الدستور الحالي على أن: "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة يختص دون غيره من جهات القضاء بالفصل في كافة المنازعات الإدارية ... ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى".

وحيث إن مقتضى ما سلف ذكره من نصوص أن الحرية الشخصية بجميع صنوف أوجه ممارستها، وجميع دروب أوجهها، بما في ذلك حرية التنقل سواء داخل البلاد أو إلى خارجها، مصونة ومكفولة دستوريا، بما تكون معه عصية على النيل منها بحرمان، أو تقييد لأوجه ممارستها بافتئات، حيث حظر المشرع ما يؤدي بها إلى أي مما ذكر، مُضيّقا من ولوج أي طريق أو اتخاذ أي إجراء مآله تقييد الحرية، بما في ذلك منع الشخص من التنقل، إلا إذا كان ثمة ضرورة استلزمها التحقيق معه صيانة لأمن المجتمع، وبحيث يصدر بذلك أمر على وفق أحكام القانون عن القاضي المختص أو النيابة العامة كما هو صريح نص المادة (41) المذكورة سالفا، وهو ما تبناه الإعلان الدستوري الصادر في 30 من مارس 2011، حيث جاء نص المادة (8) منه محاكيا نص هذه المادة، كما جاء نصا المادتين (35) و(42) من الدستور الحالي بنفس مضمون كل من هاتين المادتين فيما يتعلق بصون وكفالة الحرية الشخصية وحظر تقييدها بأي قيد، بما في ذلك المنع من التنقل إلا إذا استلزم ذلك التحقيق مع الشخص، على أن يكون المنع من السفر ومغادرة البلاد بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة.

ومن حيث إنه في ضوء إعلاء شأن الحرية الشخصية دستوريا، وما انتهجه دستور 1971، ومرورا بالإعلان الدستوري المنوه عنه، وانتهاء بالدستور الحالي، وترسما لخطاها جميعا فيما رسخته من أن حرية الانتقال منخرطة في مصاف الحريات العامة لا سيما الحرية الشخصية، بما يجعل تقييدها دون مقتض مشروع تجريدا لهذه الحرية من بعض أوجه ممارستها بل من بعض خصائصها، فلا مندوحة – حتى لا يكون ثمة نيل منها بانتقاص أو حرمان – من أن يكون هناك قانون منظم لموجبات تقييد حرية الشخص في الانتقال ومغادرة البلاد بما لا يقوضها، ومبين لحدود استخدام سلطة المنع من التنقل، وموضح لضمانات عدم استحالة إصدار الأمر بذلك إلى سلطة مطلقة عن الضوابط التي تنأى بها عن إساءة استعمالها، ومحدد لمدة المنع حتى لا تستحيل مدة مطلقة عن التأقيت، خاصة أن النيابة العامة التي وسد إليها المشرع الدستوري بالمادة (41) من دستور 1971 – وحاكاه في ذلك الإعلان الدستوري على نحو ما سلف ذكره – كما أنها شعبة أصيلة من السلطة القضائية هي في الوقت نفسه شعبة من السلطة الإدارية على وفق قضاء مستقر للمحكمة الإدارية العليا، وإذا كان ما تتولاه من أعمال وما تقوم به من تصرفات على وفق نصوص حاكمة لذلك بقانون الإجراءات الجنائية هو أعمال وتصرفات قضائية تقوم بها وتتخذها بحسبانها شعبة من السلطة القضائية، فإن ما تتخذه من قرارات خارج نطاق هذه النصوص يعوزه السند لإسباغ الصفة القضائية عليه في جميع الأحوال، وعلى وجه الخصوص حينما يكون من اللازم صدور تشريع ينظم كيفية وحدود إصدار مثل هذه القرارات، كما هو الشأن بالنسبة لقرارات المنع من السفر، التي استلزم المشرع الدستوري أن تصدر على وفق أحكام القانون، الذي لما يصدر حتى تاريخ العمل بالدستور الجديد.

وإنه ليس ثمة تباين فيما سلف ذکره في ظل الدستور الجديد (دستور 2012) الذي جاء نصا المادتين (35) و(42) فيه غير مُوسدين الأمر القضائي المسبب الذي يصدر بالمنع من السفر إلى جهة قضائية تعيينا لها دون غيرها، بما يجوز معه توسيد إصداره إلى من يُقدّر المشرع العادي منحه اختصاصا بذلك، لاسيما مجلس الدولة بحسبانه قاضي المشروعية والأقدر على حماية الحريات، وبما يكون معه ما يصدر عن النيابة العامة من قرارات بالمنع من السفر غير مصطبغة بالصبغة القضائية ريثما يصدر قانون ينظم موجبات هذا المنع، ويبين المختص بإصدار القرار به، ويوضح حدود هذا الاختصاص وضمانات عدم الخروج عليه أو تجاوز حدوده، ويحدد مدة هذا المنع؛ إذ إصدار مثل هذا التشريع ضرورة لتنظيم الحق في التنقل ومغادرة البلاد، وما يستلزم الحدّ مؤقتا من ممارسة هذا الحق بحسبان ذلك حدا من حرية من الحريات التي تنخرط – كما سلف – في مصاف الحريات العامة، لاسيما أن النص الدستوري غير كاف للتطبيق بذاته بما يكفل هذه الحرية ويصونها، سواء في ظل الدستور السابق أو في ظل الدستور الحالي.

وحيث إنه لما كان ذلك وكان هناك قضاء للمحكمة الدستورية العليا في ظل الدستور السابق قد ذهب بجلسة 4 من نوفمبر سنة 2000 في القضية رقم 243 لسنة 21ق. الدستورية إلى عدم دستورية نصي المادتين (8) و(11) من القانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر، وسقوط نص المادة (3) من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996، استنادا إلى أن حرية الانتقال تنخرط في مصاف الحريات العامة، وأن تقييدها دون مقتض مشروع إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها، ويقوض صحيح بنيانها، كما أن الدستور بنص المادة (41) منه عهد إلى السلطة التشريعية وحدها تقدير هذا المقتضى.

ولازم ذلك أن الأصل هو حرية التنقل، والاستثناء هو المنع منه، وأن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاض أو عضو نيابة عامة يعهد إليه القانون بذلك، وينظم القواعد الشكلية والموضوعية لإصدار الأمر بذلك، في ضوء الضوابط التي وضع الدستور أصولها، وعلى هذا فإن أي نص يخالف هذه الأصول يعتبر منسوخا حتما بقوة الدستور نفسه؛ باعتباره القانون الوضعي الأسمى.

وبالبناء على ذلك فإن النيابة العامة لا تستنهض ولايتها – سواء في ظل الدستور السابق أو الحالي – في خصوص المنع من السفر إلا على وفق قانون ينظم جميع المسائل التي سبقت الإشارة إليها والتي تنظمها تلك القواعد التي نعتتها المحكمة الدستورية العليا بأنها القواعد الشكلية والموضوعية المنظمة لإصدار القرار بالمنع من السفر، ويكون ما تصدره النيابة العامة بمنأى عن تلك القرارات التي تتسم بالصفة القضائية، وتكون بالتالي مندرجة ضمن ما يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بمراقبة مشروعيته؛ بحسبانه صاحب الولاية العامة بالفصل في المنازعات الإدارية والتي ورد النص على ولايته القضائية بشأنها في المادة (172) من الدستور السابق، وشاکلتها المادة (48) من الإعلان الدستوري الصادر في 30 من مارس 2011، ثم قننت هذه الولاية المادة (174) من الدستور الحالي، على وفق صريح نصوص هذه المواد المذكورة سالفا.

ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم جميعه يكون متعينا الحكم باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في الدعاوى التي تقام طعنا في القرارات التي تصدر عن النيابة العامة بالمنع من السفر، سواء في ظل الدستور السابق، ومرورا بالإعلان الدستوري الصادر في 30 من مارس 2011، أو في ظل الدستور الحالي.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في الدعاوى التي تقام طعنا على القرارات الصادرة عن النيابة العامة بالمنع من السفر، وذلك على النحو المبين بالأسباب، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل في موضوعه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق