الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 2 مايو 2019

دستورية العقاب على التهرب الضريبي (الامتناع عن تقديم إخطار مزاولة النشاط، والامتناع عن تقديم الإقرار الضريبي)

الدعوى رقم 50 لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 2 / 3 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من مارس سنة 2019م، الموافق الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو، ورجب عبد الحكيم سليم، والدكتور حمدان حسن فهمى، وحاتم حمد بجاتو، والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع  أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 50 لسنة 37 قضائية "دستورية".
المقامة من
وائل لطفى إسماعيل العوضى
ضد
1-    رئيس الجمهوريـة
2-    رئيس مجلس الــــوزراء
3-    وزير العـــــــــدل
4-    وزيـر الماليـــــة
الإجراءات
  بتاريخ السابع من مارس سنة 2015، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص البند (5) من الفقرة الثانية والفقرة الأخيرة من المادة(133)، والمادة (135) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005.
      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليًّا: بعدم قبول الدعوى فيما جاوز البند (5) من الفقرة الثانية والفقرة الأخيرة من المادة (133)، والبندين (1، 2) من الفقرة الأولى من المادة (135)، واحتياطيًّا: برفضها.
 وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
  ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة كانت قد اتهمت المدعى في الدعوى رقم 12591 لسنة 2014 جنح أجا، بأنه في غضون الفترة من عام 2007 حتى عام 2010، بدائرة مركز أجا:-
1 - بصفته ممن يزاولون نشاطًا تجاريًّا خاضعًا للضريبة على الدخل لم يقدم لمصلحة الضرائب إخطارًا عن بدء مزاولته لنشاط تجارة الدواجن خلال تلك الفترة.
2 - تهرب من أداء الضريبة المقررة قانونًا والمستحقة على أرباحه من ذلك النشاط خلال الفترة المذكورة، وذلك باستعمال إحدى الطرق الاحتيالية، بأن أخفى ذلك النشاط كليًّا عن علم مصلحة الضرائب.
3 - لم يقدم لمأمورية الضرائب المختصة إقرارًا شاملاً، ومبينًا به الإيرادات والتكاليف، وصافى الأرباح والخسائر، من مختلف مصادر الدخل خلال تلك الفترة.
      وطلبت عقابه بالمواد (6/2، 19/3، 74/1، 82/1، 83/أ، الفقرة الأولى والبند (5) من الفقرة الثانية من المادة 133، والبند (2) من الفقرة الأولى من المادة 135) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005.
      وبجلسة 13/12/2014، دفع المدعى بعدم دستورية البند (5) والفقرة الأخيرة من المادة (133)، والمادة (135) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، وصرحت له المحكمة برفع الدعوى الدستورية، فأقام دعواه المعروضة.
      وحيث إن قانون الضريبة على الدخل، الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، قد وضع التنظيم العام لأحكام هذه الضريبة، وبعد أن حدد كل ما يتصل بأوضاع فرضها، واستحقاقها، وتحصيلها، نظم في الكتاب السابع منه أحكام ما يتصل بهذه الضريبة من جرائم وعقوبات، فنص في المادة (133) على أن "يعاقب كل ممول تهرب من أداء الضريبة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة تعادل مثل الضريبة التي لم يتم أداؤها بموجب هذا القانون أو بإحدى هاتين العقوبتين.
      ويعتبر الممول متهربًا من أداء الضريبة باستعمال إحدى الطرق الآتية:
1 - تقديم الإقرار الضريبي السنوي بالاستناد إلى دفاتر أو سجلات أو حسابات أو مستندات مصطنعة مع علمه بذلك أو تضمينه بيانات تخالف ما هو ثابت بالدفاتر أو السجلات أو الحسابات أو المستندات التي أخفاها.
2 - تقديم الإقرار الضريبي السنوي على أساس عدم وجود دفاتر أو سجلات أو حسابات أو مستندات مع تضمينه بيانات تخالف ما هو ثابت لديه من دفاتر أو سجلات أو حسابات أو مستندات أخفاها.
3 - الإتلاف العمد للسجلات أو المستندات ذات الصلة بالضريبة قبل انقضاء الأجل المحدد لتقادم دين الضريبة.
4 - اصطناع أو تغيير فواتير الشراء أو البيع أو غيرها من المستندات لإيهام المصلحة بقلة الأرباح أو زيادة الخسائر.
5 - إخفاء نشاط أو جزء منه مما يخضع للضريبة.
      وفى حالة العود يحكم بالحبس والغرامة معًا.
      وفى جميع الأحوال تعتبر جريمة التهرب من أداء الضريبة جريمة مخلة بالشرف والأمانة".
      وتنص المادة (135) من القانون ذاته - قبل استبدالها بالقانونين رقمي 11 لسنة 2013 و53 لسنة 2014 - على أن: "يعاقب بغرامة لا تقل عن ألفى جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه كل من ارتكب أيًّا من الأفعال الآتية:
1 - الامتناع عن تقديم إخطار مزاولة النشاط.
2 - الامتناع عن تقديم الإقرار الضريبي.
3 - ......................
وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويتغيا هذا الشرط أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه، ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعى – في الحدود التى اختصـم فيها النص المطعون فيه – الدليل على أن ضررًا واقعيًّـا – اقتصاديًّا أو غيره – قد لحق به، سواء كان مهددًا بهذا الضرر أو كان قد وقع فعلاً، ويتعين دومًا أن يكون الضرر مباشرًا، منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاًّ بالعناصر التى يقوم عليها، ممكنًا تصوره ومواجهته بالترضية القضائية، تسوية لآثاره. ثانيهما: أن يكون الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه، وليس ضررًا متوهمًا أو منتحلاً أو مجهلاً. فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعى في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أيّة فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
      وحيث إن النزاع المثار في الدعوى الموضوعية التى أقيمت الدعوى الدستورية بمناسبتها يدور حول تقديم المدعى للمحاكمة الجنائية، لاتهامه بارتكاب جرائم عدم تقديم إخطار عن بدء مزاولة النشاط لمصلحة الضرائب، وتهربه من أداء الضريبة المقررة قانونًا والمستحقة على أرباحه، وذلك باستعمال إحدى الطرق الاحتيالية، بإخفائه النشاط كليًّا عن علم مصلحة الضرائب، وعدم تقديمه إقرارًا مبينًا به إيراداته، وصافى أرباحه وخسائره، وكان الدفع المبدى من المدعى أمام محكمة الموضوع قد انصب على نص البند (5) من الفقرة الثانية والفقرة الأخيرة من المادة (133)، والمادة (135) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 سنة 2005، وهى النصوص التي انصب عليها تقدير محكمة الموضوع لجدية هذا الدفع، وتصريحها للمدعى برفع الدعوى الدستورية طعنًا عليها، وانحصرت فيها طلباته الختامية التي ضمنها صحيفة دعواه المعروضة، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة في هذه الدعوى تكون متوافرة، بالنسبة للطعن على نص البند (5) من الفقرة الثانية والفقرة الأخيرة من المادة (133)، وصدر الفقـــــرة الأولى والبندين (1، 2) من هذه الفقرة من المادة (135) من القانون المشار إليه - قبل استبدالها بالقانونين رقمي 11 لسنة 2013 و53 لسنة 2014 - وهى النصوص المحددة لنطاق التجريم والعقاب المواجه به المدعى، والتي ارتكبت الوقائع المنسوبة إليه في ظل العمل بها، بحسبان الفصل في دستورية هذه النصوص سيكون ذا أثر وانعكاس على المسئولية الجنائية للمدعى، وقضاء محكمة الموضوع في هذا الشأن، الأمر الذى يتعين معه القضاء بقبول الدعوى بالنسبة لهذه النصوص في حدود نطاقها المتقدم، وعدم قبولها فيما جاوز ذلك.
وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، تقتضى إخضاع القواعــد القانونية جميعها - وأيًّا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القائم، لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فـــلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. إذ كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعى إلى النص المطعون فيه تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي، ومن ثم، فإن المحكمة الدستورية العليا تمارس رقابتها على دستورية النصين المطعون فيهما على ضوء أحكام الدستور القائم.
      وحيث إن المدعى ينعى على النصوص المطعون فيها مخالفتها لأحكام المادة (38) من الدستور، لتضمنها جزاءات جنائية مفرطة لا تتناسب مع الجرائم المختلفة الواردة بالنصوص المطعون فيها، وتتنافى مع ضوابط العدالة الاجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبي في الدولة.
      وحيث إن من المقرر أن الضريبة بكل صورها، تمثل في جوهرها عبئًا ماليًّا على المكلفين بها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الأعباء التى انتظمها نص المادة (38) من الدستور، ويتعين بالتالي – وبالنظر إلى وطأتها وخطورة تكلفتها – أن يكون العدل من منظور اجتماعي، مهيمنًا عليها بمختلف صورها، محددًا الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائيًا عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التي كفلها الدستور للمواطنين جميعًا في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها، ومن ثم كان منطقيًا أن يُلزِم الدستور في المادة (38) منه الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبى، وتبنى النظم الحديثة التى تحقق الكفاءة واليسر والاحكام في تحصيل الضرائب، ونص على أن يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب والرسوم، وصولاً إلى تحديد المال المحمل بعبئها والمتخذ وعاءً لها، والملتزمين بها الذين تتوافر بالنسبة لهم الواقعة المنشئة للضريبة.
            وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ العدل باعتباره إلى جانب مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك حرص الدستور في المادة (96) منه على جعله ضابطًا للمحاكمة القانونية العادلة والمنصفة، التي يكفل للمتهم فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، فالعدالة الجنائية في جوهر ملامحها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هى التى يتعين ضمانها من خلال قواعد محددة تحديدًا دقيقًا، ومنصفًا، يتقرر على ضوئها ما إذا كان المتهم مدانًا أو بريئًا، ويفترض ذلك توازنًا بين مصلحة الجماعة في استقرار أمنها، ومصلحة المتهم في ألا تفرض عليه عقوبة ليس لها من صلة بفعل أتاه، أو تفتقر هذه الصلة إلى الدليل عليها، ولا يجوز من ثم أن تنفصل العدالة الجنائية عن مقوماتها التى تكفل لكل متهم حدًا أدنى من الحقوق التى لا يجوز النزول عنها أو التفريط فيها، ولا أن تخل بضرورة أن يظل التجريم مرتبطًا بالأغراض النهائية للقوانين العقابية.
 وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائي على أوجه السلوك التي تضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، ذلك أن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، إلا أن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعي ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية.
  وحيث إن النطاق الحقيقي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات يأتي على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها.

      وحيث إن الضريبة - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا من المكلفين بأدائها إسهاماً من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة ؛ ومن المقرر أن اتخاذ العدالة الاجتماعية مضموناً وإطارًا للنظام الضريبي في البلاد إنما يقتضى بالضرورة أن يقابل حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها منهم، وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نائيًّا لتحيفها، وحيدتها ضمانًا لاعتدالها. فإذا كان ذلك، وكان الجزاء الجنائي الذى فرضه المشرع بالنص المطعون فيه، والذى رآه المدعى مغالاً فيه، إنما تقرر لضرورة تبرره، وهى تنبيه الممولين وحثهم على احترام التزاماتهم الضريبية، وسدادها في المواعيد المقررة، وعدم تهربهم من أدائها، وهى جريمة أثمتها المادة (38) من الدستور، وتُعد في العديد من الدول من الجرائم المخلة بالشرف، وذلك تمكيناً للدولة من الاستمرار في أداء الواجـبات والمهام المعهودة إليها، وتسيير مرافقها العامة بانتظام واضطراد؛ وقد تقرر هذا الجزاء كوسيلة نهائية وأخيرة لحمل الممول على الوفاء بالتزامه الضريبي، وبعد تجاوز الحدود التي يجوز التسامح فيها، بما لا يتبقى معه بعد ذلك عذر لعزوف الممول عن سداد الضريبة في المواعيد المقررة وتهربه من سدادها. وبذلك فإن هذه العقوبة لا تكـون مقصودة لذاتها، وإنما لتقويم سلوك الأفراد المارق، المنهى عنه جنائيًّا، وفق قواعد موضوعية يتساوى الجميع أمامها، ومن خلال منظور اقتصادي واجتماعي يكفل تحقيق مصالح الدولة، ولا يخل بحقوق الأفراد، مما يصبح معه تقرير هذا الجزاء ضرورياً ومفيداً ومبرراً، تحقيقًا للغاية من العقوبة، وهى تحقيق الردع العام والخاص، وليس فيه - من منظور دستوري - مخالفة لمبدأ العدالة الاجتماعية.
      وحيث إن البين من أحكام القانون 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل أنه بعد أن ألغى القانون رقم 157 لسنة 1981 برمته - أعاد ترتيب أوضاع هذه الضريبة إجرائيًّا وموضوعيًّا، وجاء بنصوص مغايرة للقانون السابق في تحديده للأفعال المجرمة والعقوبات المقررة لها، نابذًا عقوبة الجناية التي كانت مقررة بمقتضى نص المادة (178)، مستبدلاً بها عقوبة أخف وطأة هي عقوبة الجنحة، وهى الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات، وغرامة تعادل مثل الضريبة التى يتم أداؤها، وأجاز للمحكمة الاكتفاء بالحكم بإحدى هاتين العقوبتين، على ما تقضى به أحكام المادة (133) من ذلك القانون. كما نص صدر الفقرة الأولى من المادة (135) والبندين (1، 2) من هذه الفقرة، من القانون ذاته على معاقبة مرتكب جريمة الامتناع عن تقديم إخطار مزاولة النشاط، والامتناع عن تقديم الإقرار الضريبى، بعقوبة الغرامة فقط التى لا تقل عن ألفى جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه، بما مؤداه أن القانون الجديد قد أتى بعقوبات أخف وطأة من سابقه. هذا فضلاً عن أن جريمة التهرب من أداء الضريبة عن طريق إخفاء النشاط الذى يخضع للضريبة، أو جزء منه، إنما تمثل أخطر جرائم التهرب الضريبي، وكان ما توخاه المشرع من تقرير جزاء لها على النحو المتقدم - منظورًا في ذلك إلى مداه - هو حمل الممولين على إيفائها مباشرة إلى الخزانة العامة لضمان تحصيلها، والتقليل من تكلفة جبايتها، فلا يتخلون عن توريـدها، وإلا كان ردعهم لازمًا حفاظًا على أموال الدولة. ومن ثم يكون ذلك الجزاء قد جاء متناسبًا مع الأفعال التي أثمها المشرع، ومن ثم يكون مبررًا ومفيدًا من وجهة اجتماعية، وهو ما يتفق مع القيم التي ارتضتها الأمم المتحضرة والتي تؤكد بمضمونها رقى حسها، وتكون علامة على نضجها عن طريق تطورها.
      وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت النصوص المطعون فيها لا تتعارض مع أي حكم آخر من أحكام الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق