جلسة 5 من مايو سنة 1993
برئاسة السيد المستشار/
محمد حسين لبيب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف علي أبو
النيل وعمار إبراهيم فرج وأحمد جمال الدين عبد اللطيف نواب رئيس المحكمة وبهيج حسن
القصبجي.
--------------
(61)
الطعن رقم 13920 لسنة 61
القضائية
(1) رشوة. تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير الدليل". استدلالات.
تقدير جدية التحريات
وكفايتها لإصدار الإذن. موضوعي.
(2)موظفون عموميون. رشوة. جريمة "أركانها". إثبات "بوجه
عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
انطباق المادة 103 عقوبات
على المرتشي إذا توافر اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء الموظف لعمل من
أعمال وظيفته يستوي في ذلك أن يكون الاتفاق سابقاً أو معاصراً لأداء هذا العمل.
مثال.
(3)إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض
"أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة
بالتحدث إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
يكفي في شهادة الشاهد أن
تؤدي إلى الحقيقة المراد إثباتها.
تساند الأدلة في المواد
الجنائية. مؤداه؟
(4)حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
خطأ الحكم الذي لا يؤثر
في عقيدة المحكمة. لا يعيبه.
مثال.
(5) إثبات "بوجه
عام". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير
معيب".
عدم التزام المحكمة
بالتحدث إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
مثال.
(6)إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق
الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على المحكمة قعودها
عن تحقيق لم يطلب منها. غير جائز.
(7) عقوبة "العقوبة
التكميلية" "تطبيقها". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل
منها" "المصلحة في الطعن". محكمة النقض "سلطتها". رشوة.
معاقبة الطاعن بالسجن
لمدة ثلاث سنوات وتوقيت مدة العزل بست سنوات خطأ في القانون. أساس ذلك؟
عدم جواز إضارة الطاعن من
طعنه. مؤدى ذلك؟
انتفاء مصلحة الطاعن في
الطعن على الحكم. أثره؟
--------------
1 - من المقرر أن تقدير
جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل
الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ومتى اقتنعت المحكمة بجدية
الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على
تصرفها في هذا الشأن - كما هو الحال في الدعوى الراهنة. فإنه لا معقب عليها فيما
ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون
سديداً.
2 - لما كانت المادة 103
من قانون العقوبات تنص على أن "كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو
أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالأشغال الشاقة
المؤبدة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به". ومفاد
هذا النص أنه إذا توافر اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء الموظف لعمل من
أعمال وظيفته انطبقت المادة آنفة الذكر يستوي في ذلك أن يكون العطاء سابقاً أو
معاصراً لأداء هذا العمل ما دام أنه كان تنفيذاً لاتفاق سابق إذ أن نية الإتجار
بالوظيفة في هذه الحالة تكون قائمة منذ بداية الأمر.... لما كان ذلك، وكان الحكم
المطعون فيه، بعد أن سرد واقعة الدعوى استخلص منها ومن مؤدى أقوال شهود الإثبات
وفى حدود سلطته الموضوعية أن....... قد تقدم بصفته مفوضاً من إحدى الشركات بست
طلبات استيراد قطع غيار سيارات إلى مصلحة الرقابة الصناعية وذلك بتاريخ 4/ 9/ 1988
- ونيط بالطاعن فحص هذه الطلبات والتأشير عليها قبولاً أو رفضاً واستيفاء
التوقيعات عليها وتسليمها إلى العميل فور الانتهاء من تلك الإجراءات، وخلال تردده
على تلك الجهة - لإنهاء تلك الطلبات وفى يوم 17/ 9/ 1988 طلب منه الطاعن خمسمائة
جنيه لقاء تسليمه إياها مستوفاة إجراءاتها فانقده مائتين وخمسين جنيهاً واستمهله
في الوفاء بباقي المبلغ وإذ ذاك سلمه الطاعن أربعة طلبات تامة الإجراءات دون
الطلبين الآخرين المتبقين، فأبلغ بتاريخ 24/ 9/ 1988 إدارة مكافحة جرائم الرشوة
بما حدث وبعد أن أكدت التحريات صحة هذا البلاغ وصدر إذن النيابة العامة بالتسجيل
والضبط والتفتيش وتم إعداد مكتب الطاعن وتجهيزه فنياً للتسجيل. توجه المبلغ آنف
الذكر إلى الطاعن وأنقده مبلغ مائتي جنيه احتفظ بها في مكتبه، وبعد أن أشار للضابط
بالإشارة المتفق عليها سارع الأخير بضبط ذات المبلغ السابق ترقيمه في مكتب الطاعن
كما تم العثور على الطلبين الأخيرين بمعرفة اللجنة المشكلة من قبل رئيس المصلحة في
مكتب الطاعن وقد تمت الموافقة عليهما منذ 15/ 9/ 1998، واستخلص الحكم من ذلك كله
أن الطاعن قد طلب وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته، فإن الواقعة على هذا
النحو - المار بيانه - تكون منطبقة على نص المادة 103 من قانون العقوبات التي دين
بها الطاعن ولا يؤثر في ذلك النظر أو يقدح فيه أو ينال من سلامته أن تكون الموافقة
على الطلبين الأخيرين من الطلبات الست المقدمة قد تمت بتاريخ 15/ 9/ 1988 ما دام
أن الطاعن لم يقم بتسليمها لصاحب الشأن بالفعل بل أن اتفاق الطاعن معه كان منصباً
على دفع مبلغ الرشوة لقاء تسليمها في وقت لاحق. وفى حين أن التسليم في هذه الحالة
هو المرحلة النهائية من المراحل التي تمر بها إجراءات الموافقة على مثل تلك
الطلبات. ويزكى هذا النظر ويؤكد سلامته أن الطاعن قد قام بتسليم بعض من هذه
الطلبات تامة الموافقة بتاريخ 17/ 9/ 1988 بعد أن انقده جانباً من قيمة الرشوة
المتفق عليها وامتنع عن تسليم هذين الطلبين الأخيرين. على الرغم من تمام إجراءات
الموافقة عليهما في تاريخ سابق على واقعة تسليم تلك الطلبات ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن
بدعوى عدم توافر أركان الجريمة يكون بعيداً عن محاجة الصواب.
3 - من المقرر أن المحكمة
لا تلتزم في أصول الاستدلال بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين
عقيدتها. وأنه يكفي في شهادة الشاهد أن تؤدي إلى الحقيقة المراد إثباتها باستنتاج
سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد مع عناصر الإثبات الأخرى
المطروحة أمامها ولا يلزم أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل
دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية
متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ولا ينظر إلى دليل معين لمناقشته على
حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم
منها منتجة في إقناع المحكمة واطمئنانها. كما هو الحال في الدعوى الراهنة، ويضحى
ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص من قبيل الجدل الموضوعي الذي لا يقبل إثارته أمام
محكمة النقض.
4 - لما كان البين مما
حصله الحكم المطعون فيه من أقوال الشاهد....... أنها خلت من تحديد مكان ضبط
الطلبين - خلافاً لما يزعمه الطاعن في أسباب طعنه ونسب فيه للشاهد المذكور مقولة
ضبطها في مكتبه. كما وأن ما ذهب إليه من خلو أقواله من تحديد شخصية مقدمهما. فإنه
وبفرض صحة مدعاة في هذا الصدد - فإن هذه الواقعة محض ثانوية وغير مؤثرة في جوهر
الواقعة حسبما استقرت في عقيدة المحكمة حسبما استخلصتها من أن الطاعن قد طلب لنفسه
وأخذ المبالغ النقدية وأن ذلك كان ثمناً لإتجاره في أعمال وظيفته. أيا ما كان شخص
مقدم الطلبين وسواء كان هو ذلك الشخص أم غيره، خاصة وأن تلك الطلبات غير خاصة به
وإنما تخص شركة آخري، ومن ثم فإن دعوى الخطأ في الإسناد لا يكون له وجه.
5 - من المقرر أن المحكمة
غير ملزمة في التحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها. وكان
الحكم المطعون فيه لم يعول في قضائه على تقرير لجنة الجرد - فإنه لا يعيبه عدم
إيراد مؤدى هذا التقرير - ويضحى منعى الطاعن على الحكم بدعوى القصور في التسبيب في
غير محله.
6 - لا يبين من محضر جلسة
المحاكمة أن الطاعن قد طلب من المحكمة إجراء تحقيق في شأن مآل تقرير لجنة الجرد أو
بشأن طلبي الموافقة على الاستيراد وما يحملانه من تأشيرات وتوقيعات - فليس له أن
ينعى على المحكمة قعودها على إجراء تحقيق أو اتخاذ إجراء لم يطلبه منها ولم تر هي
حاجة إليه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة من أدلة الإثبات التي اطمأنت إليها ووثقت
فيها وعولت عليها في قضائها. ويكون منعاه في هذا الصدد غير قويم.
7 - لما كان الحكم
المطعون فيه إذ عاقب الطاعن بالسجن لمدة ثلاث سنوات إلا إنه قضى بتوقيت مدة العزل
بست سنوات خلافاً لما هو مقرر في القانون، ذلك أن توقيت عقوبة العزل لا يكون إلا
في حالة الحكم بعقوبة الحبس طبقاً لما تقضي به المادة 27 من قانون العقوبات. ومن
ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في القانون، إلا أنه لما كان الطاعن هو
المحكوم عليه، فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ، لما في ذلك من أضرار
بالمحكوم عليه إذ أنه من المقرر أنه لا يصح أن يضار المتهم بناء على الطعن المرفوع
منه وحده، متى كان ذلك وكانت مصلحة الطاعن منتفية في هذا الوجه للنعي، وكانت
المصلحة شرطاً لازماً في كل طعن فإذا انتفت لا يكون الطعن مقبولاً.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعن بأنه بصفته موظفاً عمومياً "مهندس بالإدارة الهندسية بمصلحة الرقابة
الصناعية بوزارة الصناعة". طلب وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته
من ..... هي مبلغ خمسمائة جنيه وأخذ منه مبلغ أربعمائة وخمسون جنيهاً على سبيل
الرشوة مقابل إنهائه إجراءات الموافقة على طلبات استيراد قطع غيار سيارات لحساب
شركة ....... وأحالته إلى محكمة جنايات الجيزة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف
الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 103 من قانون
العقوبات مع إعمال المادة 17 من القانون ذاته بمعاقبة المتهم بالسجن ثلاث سنوات
وغرامة ألف جنيه والعزل من الوظيفة لمدة ست سنوات.
فطعن الأستاذ/ .......
المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعن ينعى
على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الرشوة طبقاً للمادة 103 من قانون
العقوبات قد شابه القصور والتخاذل والتناقض في التسبيب والفساد في الاستدلال
والخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن المدافع
عن الطاعن دفع بعدم جدية التحريات التي بني عليها الإذن بالتفتيش استناداً إلى قصر
المدة التي استغرقتها وعدم وضوح وكفاية ما تضمنته من معلومات بشأن الواقعة وصياغة
محضرها في عبارة عامة، بيد أن الحكم تناول هذا الدفع برد قاصر لا يؤدى إلى إطراحه،
وما حصله الحكم من الأوراق وأقوال الشهود - وخاصة الشاهد........ - مؤداه أن كافة
إجراءات الموافقة الاستيرادية قد تمت في تاريخ سابق على الوقت الذي حدده المبلغ
لطلب الطاعن للرشوة. وهو ما لا تتوافر به أركان الجريمة. خلافاً لما خلص إليه
الحكم، وخلا الحكم من بيان ماهية الإشارة المتفق عليها بين المبلغ والشاهد عقب
تسليم الطاعن قيمة الرشوة. كما خلا محضر تفريغ شريط التسجيل من ذلك، بما ينبئ عن
حدوث التفتيش دون تمام الإشارة المتفق عليها، وأورد الحكم في لسان الشاهد.......
أن لجنة الجرد تمكنت من ضبط الطلبين الأخيرين المقدمين للمصلحة من........ موافق
عليهما في 15/ 9/ 1988 في حين أن أقوال هذا الشاهد قد خلت من تحديد شخص مقدمهما
ولم تتضمن واقعة العثور على الطلبين بمكتب الطاعن وهو ما يزكى دفاع الطاعن المبدى
بالتحقيقات من نفي صلة الشخص آنف الذكر بذاتيك الطلبين وأنه لم يجرى ثمة حديث
بشأنهما مع صاحب الشركة مقدمتهما كما أغفل الحكم إيراد مؤدى تقرير لجنة الجرد التي
عثرت في مكتبه - الطاعن - على الطلبين آنفي الإشارة. وكان يتعين على المحكمة إجراء
تحقيق للوقوف على مآل هذا التقرير والإطلاع على الطلبين وإثبات ما يحملانه من
تأشيرات وتوقيعات للوقوف على مدى صلته بهما إزاء ما قام عليه دفاعه بعدم تدخل
المبلغ في تقديمها حسب الثابت من سجلات الجهة المعنية بهما وما جرى عليه العمل
فيها - وفقاً لما قرره رئيس تلك الجهة من تسلم الطلبات بواسطة قسم الأرشيف وليس عن
طريق المهندس الذي أجرى الفحص، وأخيراً فإن الحكم قد أوقع عقوبة السجن على الطاعن
وقضى بتوقيت مدة العزل دون أن يطبق المادة 27 من قانون العقوبات. وذلك كله يعيب
الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن البين من
الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن دفع بعدم جدية التحريات وما تلاها من
إجراءات دون أن يسوق شواهده. وقد عرض الحكم لهذا الدفع وأطرحه في قوله "وحيث
إن المحكمة تطمئن إلى أقوال الشاهد...... كما تطمئن إلى جدية التحريات التي أجراها
النقيب....... إذ قام بعمل تحرياته عما اشتمل عليه بلاغ....... وانتهى في يقينه
إلى جدية البلاغ من تحرياته وهو ما تقره عليه هذه المحكمة وتطمئن إلى كفاية هذه
التحريات وسلامتها بما يكون معه الدفع غير سديد". لما كان ذلك وكان من المقرر
أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي
يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ومتى اقتنعت المحكمة
بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت
النيابة على تصرفها في هذا الشأن - كما هو الحال في الدعوى الراهنة. فإنه لا معقب
عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد
لا يكون سديداً. لما كان ذلك وكانت المادة 103 من قانون العقوبات تنص على أن
"كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من
أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن ألف
جنيه ولا تزيد على ما أعطي أو وعد به". ومفاد هذا النص أنه إذا توافر اتفاق
بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء الموظف لعمل من أعمال وظيفته انطبقت المادة
آنفة الذكر يستوي في ذلك أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً لأداء هذا العمل ما دام
أنه كان تنفيذاً لاتفاق سابق إذ أن نية الاتجار بالوظيفة في هذه الحالة تكون قائمة
منذ بداية الأمر.... لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه، بعد أن سرد واقعة
الدعوى استخلص منها ومن مؤدى أقوال شهود الإثبات وفى حدود سلطته الموضوعية
أن....... قد تقدم بصفته مفوضاً من إحدى الشركات بست طلبات استيراد قطع غيار
سيارات إلى مصلحة الرقابة الصناعية وذلك بتاريخ 4/ 9/ 1988 - ونيط بالطاعن فحص هذه
الطلبات والتأشير عليها قبولاً أو رفضاً واستيفاء التوقيعات عليها وتسليمها إلى
العميل فور الانتهاء من تلك الإجراءات، وخلال تردده على تلك الجهة - لإنهاء تلك
الطلبات وفى يوم 17/ 9/ 1988 طلب منه الطاعن خمسمائة جنيه لقاء تسليمه إياها
مستوفاة إجراءاتها فانقده مائتين وخمسين جنيهاً واستمهله في الوفاء بباقي المبلغ
وإذ ذاك سلمه الطاعن أربعة طلبات تامة الإجراءات دون الطلبين الآخرين المتبقيين،
فأبلغ بتاريخ 24/ 9/ 1988 إدارة مكافحة جرائم الرشوة بما حدث وبعد أن أكدت
التحريات صحة هذا البلاغ وصدر إذن النيابة العامة بالتسجيل والضبط والتفتيش وتم
إعداد مكتب الطاعن وتجهيزه فنياً للتسجيل. توجه المبلغ آنف الذكر إلى الطاعن
وأنقده مبلغ مائتي جنيه احتفظ بها في مكتبه، وبعد أن أشار للضابط بالإشارة المتفق
عليها سارع الأخير بضبط ذات المبلغ السابق ترقيمه في مكتب الطاعن كما تم العثور
على الطلبين الأخيرين بمعرفة اللجنة المشكلة من قبل رئيس المصلحة في مكتب الطاعن
وقد تمت الموافقة عليهما منذ 15/ 9/ 1988 واستخلص الحكم من ذلك كله أن الطاعن قد
طلب وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته، فإن الواقعة على هذا النحو -
المار بيانه - تكون منطبقة على نص المادة 103 من قانون العقوبات التي دين بها
الطاعن ولا يؤثر في ذلك النظر أو يقدح فيه أو ينال من سلامته أن تكون الموافقة على
الطلبين الأخيرين من الطلبات الست المقدمة قد تمت بتاريخ 15/ 9/ 1988 ما دام أن
الطاعن لم يقم بتسليمها لصاحب الشأن بالفعل بل أن اتفاق الطاعن معه كان منصباً على
دفع مبلغ الرشوة لقاء تسليمها في وقت لاحق. وفى حين أن التسليم في هذه الحالة هو
المرحلة النهائية من المراحل التي تمر بها إجراءات الموافقة على مثل تلك الطلبات.
ويزكى هذا النظر ويؤكد سلامته أن الطاعن قد قام بتسليم بعض من هذه الطلبات تامة
الموافقة بتاريخ 17/ 9/ 1988 بعد أن انقده جانباً من قيمة الرشوة المتفق عليها
وامتنع عن تسليم هذين الطلبين الأخيرين. على الرغم من تمام إجراءات الموافقة
عليهما في تاريخ سابق على واقعة تسليم تلك الطلبات ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن
بدعوى عدم توافر أركان الجريمة يكون بعيداً عن محاجة الصواب. لما كان ذلك، وكان
البين من محضر جلسة المحاكمة أنه خلى من ثمة منازعة للطاعن في صدور الإشارة المتفق
عليها بين المبلغ والضابط الذي باشر إجراءات الضبط والتفتيش بعد صدور الإذن بهما
من النيابة العامة. وكان الحكم في مقام تحصيله لمؤدى شهادة كل منهما. والتي لا
يماري الطاعن في أن لها أصله الثابت في الأوراق - ضمنها أن الإشارة المتفق عليها
فيما بينهما بعد تسليم مبلغ المائتي جنيه السابق أخذ بياناتها قد أعطيت من المبلغ
للضابط وعلى أثرها قام بضبط الطاعن والمبلغ النقدي ذاته في مكتب الأخير - فإنه هذا
بحسب الحكم بياناً لتمام الإشارة المتفق عليها. ولا مغبة في عدم بيان ماهية هذه
الإشارة - كما لا ينال من سلامة هذا الإجراء أن يكون محضر تفريغ شريط التسجيل قد
خلا من بيانها، بفرض صحة ما يدعيه الطاعن - ما دام الحكم المطعون قد أفصح عن
اطمئنانه لسلامة إجراءات القبض والتفتيش بما ينتجه وله معينه الصحيح من الأوراق.
خاصة وأن تلك الواقعة من الأمور القانونية التي لا تمس جوهر الواقعة المراد
إثباتها، وذلك لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم في أصول الاستدلال بالتحدث في
حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها، وأنه يكفي في شهادة الشاهد أن
تؤدي إلى الحقيقة المراد إثباتها باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما
قاله الشاهد مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها ولا يلزم أن تكون الأدلة
التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات
الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة
ولا ينظر إلى دليل معين لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون في
مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها منتجة في إقناع المحكمة واطمئنانها.
كما هو الحال في الدعوى الراهنة، ويضحى ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص من قبيل
الجدل الموضوعي الذي لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان البين مما
حصله الحكم المطعون من أقوال الشاهد....... أنها خلت من تحديد مكان ضبط الطلبين -
خلافاً لما يزعمه الطاعن في أسباب طعنه ونسب فيه للشاهد المذكور مقولة ضبطها في
مكتبه. كما وأن ما ذهب إليه من خلو أقواله من تحديد شخصية مقدمهما. فإنه وبفرض صحة
مدعاة في هذا الصدد - فإن هذه الواقعة محض ثانوية وغير مؤثرة في جوهر الواقعة
حسبما استقرت في عقيدة المحكمة حسبما استخلصتها من أن الطاعن قد طلب لنفسه وأخذ
المبالغ النقدية وأن ذلك كان ثمناً لاتجاره في أعمال وظيفته. أياً ما كان شخص مقدم
الطلبين وسواء كان هو ذلك الشخص أم غيره، خاصة وأن تلك الطلبات غير خاصة به وإنما
تخص شركة أخرى، ومن ثم فإن دعوى الخطأ في الإسناد لا يكون له وجه. لما كان ذلك،
وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة في التحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر
في تكوين عقيدتها. وكان الحكم المطعون فيه لم يعول في قضائه على تقرير لجنة الجرد
- فإنه لا يعيبه عدم إيراد مؤدى هذا التقرير - ويضحى منعى الطاعن على الحكم بدعوى
القصور في التسبيب في غير محله. لما كان ذلك، وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة
أن الطاعن قد طلب من المحكمة إجراء تحقيق في شأن مآل تقرير لجنة الجرد أو بشأن
طلبي الموافقة على الاستيراد وما يحملانه من تأشيرات وتوقيعات - فليس له أن ينعى
على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق أو اتخاذ إجراء لم يطلبه منها ولم تر هي حاجة
إليه بعد أن اطمأنت إلى صحة الواقعة من أدلة الإثبات التي اطمأنت إليها ووثقت فيها
وعولت عليها في قضائها. ويكون منعاه في هذا الصدد غير قويم. لما كان ما تقدم وكان
الحكم المطعون فيه إذ عاقب الطاعن بالسجن لمدة ثلاث سنوات إلا أنه قضى بتوقيت مدة
العزل بست سنوات خلافاً لما هو مقرر في القانون، ذلك أن توقيت عقوبة العزل لا يكون
إلا في حالة الحكم بعقوبة الحبس طبقاً لما تقضى به المادة 27 من قانون العقوبات.
ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في القانون، إلا أنه لما كان الطاعن هو
المحكوم عليه فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ، لما في ذلك من إضرار
بالمحكوم عليه إذا أنه من المقرر أنه لا يصح أن يضار المتهم بناء على الطعن
المرفوع منه وحده، متى كان ذلك وكانت مصلحة الطاعن منتفية في هذا الوجه للنعي،
وكانت المصلحة شرطاً لازماً في كل طعن فإذا انتفت لا يكون الطعن مقبولاً. لما كان
ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق