صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ عَلَى رَوْحٌ وَالِدِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَغَفَرَ لَهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا وَقْفِيَّة عِلْمِيَّة مُدَوَّنَةٌ قَانُونِيَّةٌ مِصْرِيّة تُبْرِزُ الْإِعْجَازَ التَشْرِيعي لِلشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وروائعِ الْفِقْهِ الْإِسْلَامِيِّ، مِنْ خِلَالِ مَقَاصِد الشَّرِيعَةِ . عَامِلِةَ عَلَى إِثرَاءٌ الْفِكْرِ القَانُونِيِّ لَدَى الْقُضَاة. إنْ لم يكن للهِ فعلك خالصًا فكلّ بناءٍ قد بنيْتَ خراب ﴿وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ﴾ القصص: 51
الصفحات
- الرئيسية
- أحكام النقض الجنائي المصرية
- أحكام النقض المدني المصرية
- فهرس الجنائي
- فهرس المدني
- فهرس الأسرة
- الجريدة الرسمية
- الوقائع المصرية
- C V
- اَلْجَامِعَ لِمُصْطَلَحَاتِ اَلْفِقْهِ وَالشَّرَائِعِ
- فتاوى مجلس الدولة
- أحكام المحكمة الإدارية العليا المصرية
- القاموس القانوني عربي أنجليزي
- أحكام الدستورية العليا المصرية
- كتب قانونية مهمة للتحميل
- المجمعات
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي شَرْحِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ
- تسبيب الأحكام الجنائية
- الكتب الدورية للنيابة
- وَسِيطُ اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْعَمَلِ
- قوانين الامارات
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْمُرَافَعَاتِ
- اَلْمُذَكِّرَة اَلْإِيضَاحِيَّةِ لِمَشْرُوعِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ 1948
- مُطَوَّل اَلْجُمَلِ فِي اَلتَّعْلِيقِ عَلَى قَانُونِ اَلْعُقُوبَاتِ
- محيط الشرائع - 1856 - 1952 - الدكتور أنطون صفير
- فهرس مجلس الدولة
- المجلة وشرحها لعلي حيدر
- نقض الامارات
- اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ
- الصكوك الدولية لحقوق الإنسان والأشخاص الأولى بالرعاية
بحث هذه المدونة الإلكترونية
الجمعة، 10 ديسمبر 2021
السبب الصحيح في التقادم الخمسي والأوضاع الشكلية في التسجيل الجديد عبد السلام ذهني بك
النظام الحالي لتسجيل الحقوق العقارية في مصر ومشروع إنشاء التسجيلات العقارية المستر جول واتليه
1/ لما أُنشئت المحاكم المختلطة من نصف قرن كانت علانية التصرفات العقارية منحصرة في أقلام كتاب المحاكم الشرعية وقاصرة على العقود الرسمية دون سواها.
وهذه العقود أو (الحجج) كانت تحرر بعناية تامة تحت إشراف القاضي ومع مراعاة الدقة التامة في تحديد الأملاك وتمييزها وتعيين المتعاقدين ولذا هي لا تزال موضع إعجاب كل من رجع إليها اليوم ويمكن القول بأن علنية التصرفات العقارية فيما عدا الأملاك الموقوفة كانت تفي تمامًا بالغرض المنشود في ذلك العهد.
2/ على أنه لما أُنشئت المحاكم المختلطة وسن تشريع مدني مبنٍ على مبادئ القانون الفرنسي انقلب النظام القضائي المتبع وأصبحت أقلام التسجيل المختلطة مركز علانية التصرفات العقارية وحلت في ذلك محل أقلام كتاب المحاكم الشرعية.
3/ وسنسرد فيما يأتي بعض الأسباب التي عجلت في حدوث هذا الانقلاب بالرغم من أن اختصاص المحاكم الشرعية بقي كما كان فيما يتعلق بالعقود الرسمية - أول هذه الأسباب أن النظام القضائي الجديد أباح التعاقد بعقود عرفية وجعلها ناقلة للملكية وقابلة للتسجيل فصار من السهل على المتعاقدين تحرير عقودهم بلا مصاريف ولا انتقال بخلاف العقود التي تسجل بالمحاكم الشرعية أو التي لا بد من تحريرها بصيغة رسمية بمعرفة القاضي الشرعي مما جعلها كثيرة التكاليف.
فضلاً عن ذلك فإن الشريعة الغراء المعمول بها دون غيرها في المحاكم الشرعية لا تعتمد للتأمين على القروض العقارية إلا البيع الوفائي والرهن الحيازي والغروقة بينما أن التشريع الجديد أضاف إلى هذه التصرفات تصرفًا عقاريًا حديثًا ألا وهو الرهن العقاري الذي انتشر بسرعة مدهشة في البلاد ولما كان هذا النوع من الرهن لا يسجل إلا في أقلام كتاب المحاكم المختلطة المنشأة حديثًا فقد زاد ذلك في الإقبال على التسجيل فيها. وأخيرًا مما يجب ملاحظته فإن التصرفات العقارية ما كانت تعتبر حجة على الأجانب إلا بعد تسجيلها في أقلام المحاكم المختلطة ولم يبقَ من اختصاص خاص للمحاكم الشرعية إلا العقود العامة بمسائل الوقف.
4/ على أن واضعي لائحة ترتيب المحاكم المختلطة رأوا ضرورة توحيد إجراءات التسجيل ليوفروا على المتقاضين مشقة الالتجاء في كل مسألة إلى أقلام كتاب المحاكم الشرعية والمختلطة معًا وذلك بأن أشاروا بإيجاد موظف دائم من موظفي قلم الكتاب المختلط في قلم كتاب المحاكم الشرعية وموظف من المحاكم الشرعية في قلم كتاب المحاكم المختلط ليتحققوا من تبادل العقود المسجلة بين القلمين ليسجلا فيها معًا، على أن إشارة الشارع لم يُعمل بها وأهملت أحكام المادتين (31) و(32) (باب أول) من لائحة ترتيب المحاكم المختلطة كما أهملت أحكام المادتين (372) و(373) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.
5/ وعند إنشاء المحاكم الأهلية سنة 1883 كانت معظم التسجيلات العقارية تحصل في أقلام كتاب المحاكم المختلطة ومع أن القانون المدني الأهلي نص على إنشاء أقلام تسجيل أهلية مطابقة تمامًا لنظام أقلام التسجيل المختلطة إلا أن هذه الأقلام الأهلية لم تنشأ فعلاً وقصر عمل أقلام كتاب المحاكم الأهلية على تسجيل بعض أوراق متعلقة بإجراءات نزع الملكية (إعلان التنبيه بالدفع، حكم نزع الملكية، حكم رسو المزاد) وكذا تسجيل اختصاص الدائن بعقارات مدينه وطلبات الأخذ بالشفعة والأحكام القاضية بها وبعض مستندات ذات صبغة إدارية خاصة بمسائل ردم البرك والمستنقعات، ويلاحظ أن طلبات الأخذ بالشفعة والأحكام الصادرة فيها هي وحدها دون غيرها من التسجيلات التي يبلغها أقلام كتاب المحاكم الأهلية لقلم كتاب المحكمة المختلطة لتسجيلها فيها.
6/ يتضح مما تقدم أن أول ما يلاحظ على نظام علانية التصرفات العقارية في مصر هي تشعب التسجيلات وعدم توحيدها ووجوب الالتجاء إلى أقلام عدة للوقوف على حالة عقار واحد.
وخلل هذا النظام لم يخفَ على الحكومة فلتدارك أمره قدمت في سنة 1880 إلى اللجنة الدولية اقتراحًا هذا نصه:
(تحتفظ الحكومة بحق إنشاء مكاتب خاصة تكلف دون سواها بتسجيل العقود المبرمة بين الأحياء لنقل أو إنشاء حق ملكية أو أي حق عيني آخر سواء كانت هذه العقود عرفية أو محررة أمام المحاكم الشرعية أو أقلام كتاب المحاكم المختلطة (مادة (71) من مشروع الحكومة).
على أن اللجنة رفضت هذا الاقتراح بحجة أنه لا بد من انتظار انقضاء أجل الخمس سنوات أولاً ثم الحصول على موافقة الدول على ذلك بعد أن تضع الحكومة المصرية نظام المكاتب الخاصة المقترح إنشاءها (المحضر الثاني عشر للجنة الفرنسية صـ 13).
طُرحت المسألة مجددًا على بساط البحث في سنة 1884 فأدمجت اللجنة الدولية في مشروع اللائحة الجديدة لترتيب المحاكم المختلطة مادة رقم (27) تحل محل المادتين (31) و(32) من الباب الأول من اللائحة الحالية وهذا نصها. علاقات أقلام كتاب المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية والمحاكم الشرعية ببعضها فيما يختص بالعقود بين الأحياء الناقلة للملكية أو لأي حق عيني آخر المودعة بأقلام كتاب المحاكم المذكورة تحددها القواعد التي ستدون في اللائحة العامة لترتيب المحاكم.
على أن جميع التعديلات المقترحة في سنة 1884 والتي كان يرمي بعضها إلى توسيع اختصاص المحاكم المختلطة في مادة الجنايات لم تعتمد وذلك لخلاف طرأ بين مندوبي الدول فيما يتعلق بعدد وظائف النيابة التي تختص بها كل دولة.
7/ وفي سنة 1890 اقترح أحد أعضاء اللجنة الفنية الدولية إنشاء قلم يختص دون سواه بالرهونات العقارية والتسجيلات، على أن الحالة بقيت على ما هي عليه إلى سنة 1903 حيث عرضت الحكومة المصرية على الدول بمنشور مؤرخ 20 مايو سنة 1903 مشروعين يرمي أحدهما إلى حصر علانية التصرفات العقارية في قلم واحد والآخر إلى إنشاء نظام السجلات العقارية.
ويظهر أن الحكومة كانت تعتقد وجود صلة وثيقة بين المشروعين بمعنى أنه لا بد من توحيد علانية التصرفات لتمهيد وضع نظام السجلات العقارية على أنه في الواقع لا نرى ما يمنع من تنفيذ المشروع الأول دون الثاني لا سيما وأن الأول يحتاج تحقيقه إلى نظام إداري محض لا يمس الحقوق في جوهرها بشيء.
فحصت اللجنة الفرعية مشروع التوحيد هذا بكل دقة ثم عرضت نتيجة فحصها على اللجنة العامة فاعتمدتها ضمن أعمالها التي تمت في البدء من سنة 1904 إلى سنة 1908 إلا أنه للأسف حال دون تنفيذ المشروع خلاف قام بين مصر وبعض الدول بشأن مدى مسؤولية الموظفين المكلفين بالتسجيل.
8/ بالرغم من ذلك سنلخص فيما يلي المبادئ التي بُني عليها هذا المشروع لأنه أول مشروع شامل ووافٍ في بابه:
( أ ) أقلام التسجيل مستقلة عن المحاكم وهي إدارية محض تابعة لوزارة الحقانية إلا أنه من باب التساهل والمجاملة نص على أن المدير العام لأقلام التسجيل يعين بموافقة رأي الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف المختلطة وأن الموظفين الأجانب في هذه الأقلام يخضعون من الوجهة الجنائية لسلطة المحاكم المختلطة أسوةً بمأموري الضبطية المختلطة.
(ب) لم يحدد المشروع عدد أقلام التسجيل المنوي إنشاؤها على أنه كان في النية إنشاء قلم على الأقل في كل مديرية أو محافظة.
(جـ) التشريع المعمول به بقي على ما هو عليه فيما يختص بما يجب تسجيله من العقود وما لا يجب ما عدا ما يتعلق بالأوقاف فقد وضعت أحكام جديدة لما يجب تسجيله من الأوراق.
(د) كافة العقود الخاضعة للعلنية تقدم للتسجيل أو للقيد للأقلام الجديدة مهما كانت السلطة التي أُبرمت أمامها كحجج الوقف المحررة أمام المحاكم الشرعية وأحكام رسو المزاد الصادرة من المحاكم الأهلية أو المختلطة وطلبات وأحكام الشفعة والأوامر الصادرة بالاختصاص وعقود الرهن... إلخ.
(هـ) لا يقبل للتسجيل إلا العقود الرسمية دون سواها والمكلفون بتحريرها هم كتاب المحاكم المختلطة المخولون هذا الحق، القضاة الشرعيون كتاب المحاكم الأهلية مأمورون عموميون تعينهم الحكومة خصيصًا لذلك.
(و) علاوة على كل ما تقدم كافة العقود الرسمية تُسجل بناءً على طلب الموظف أو المأمور الذي حررها أو استلمها وتحت مسؤوليته.
هذه البيانات لا تزيدنا إلا أسفًا على أن المشروع الذي نحن في صدده لم ينفذ وقت وضعه واعتماده فلو تم ذلك لكان من السهل بعد ذلك إدخال تعديلات جوهرية في مادة حقوق الملكية وإدخال نظام السجلات العقارية في مصر.
2 - مشروع إنشاء السجلات العقارية في مصر الذي حضرته اللجنة الدولية
المعقودة من سنة 1904 إلى سنة 1908
9/ في الوقت الذي بحثت فيه لجنة سنة 1904 الدولية مشروع توحيد أقلام تسجيل التصرفات العقارية عرضت عليها الحكومة مشروعًا آخر من مقتضاه إنشاء سجلات عقارية في الديار المصرية كان أيضًا موضع بحث اللجنة المذكورة.
10/ وقبل ما نخوض بحث هذا المشروع أرى من المناسب أن أعرض وجوه الاختلاف بين نظام السجلات العقارية وبين نظام التسجيل المتبع في الوقت الحاضر في فرنسا وإيطاليا وبلجيكا ومصر، وسأقتصر طبعًا على بيان الاختلافات الجوهرية بين النظامين أما التفصيلات فلا يتسع لها المقام لا سيما وأن كلا النظامين يتشعب إلى فروع عدة تختلف عن بعضها بعضًا في التفاصيل وعرضها يملأ مجلدات.
11/ ( أ ) لعلانية التصرفات العقارية طريقتان متقابلتان:
طريقة تسجيل الحقوق (نظام السجلات العقارية) وطريقة تسجيل العقود والفرق الجسيم بين الطريقتين يتجلى في العبارة الآتية ففي الأولى تسجل الحقوق بل كل الحقوق مهما كانت حتى التي لا تستمد الوجود من قيدها إذ أنه لا بد من مزاولتها والانتفاع بها تسجيلها وفي الأخرى تسجل العقود بل بعض العقود فقط.
أجل إن تشريعنا الحالي يعترف بوجود حقوق عقارية عينية لا تستند إلى عقود كتابية فالملكية يمكن أن تكتسب بمضي المدة وكذا بعض حقوق الارتفاق والحقوق العينية تنتقل بالميراث الشرعي (بلا وصية) وبالاتفاقات الشفهية فضلاً عن أن الحقوق العينية المتعاقد عليها بين الأحياء هي وحدها الواجبة التسجيل أما الحقوق العينية التي تنتقل بالميراث أو بالوصية فليست خاضعة لنظام التسجيل.
يتضح مما تقدم أن العلانية في نظام السجلات العقارية تامة كاملة تشمل جميع الحقوق بينما أنها في نظام التسجيل ناقصة لا تشمل إلا جانبًا بسيطًا من الحقوق.
فالسجل العقاري إذًا يرشد بلا ريب إلى كل ما على عقار من الحقوق نظرًا لأن كل التصرفات بلا استثناء تثبت فيه بما في ذلك من العقود المقررة للملكية فتسجيلها مضمون بما فرضه الشارع من الغرامات وبما سنه من عدم جواز التصرف في الملك موضوع تلك العقود قبل تسجيلها.
12/ (ب) أساس نظام السجلات العقارية هو أن العقود الناقلة للملكية لا مفعول لها ولا تنقل الملكية حتى بين المتعاقدين إلا بتسجيلها والتسجيل هو في ذاته الناقل للملكية أو المنشئ للحق.
من المعلوم أن قانون الثورة الفرنسية هو الذي وضع المبدأ القائل بأن حقوق الملكية تنتقل بين المتعاقدين بمجرد حصول التعاقد وهذا المبدأ أحدث انقلابًا عظيمًا في علم القانون ووصفه المؤلفون بأنه تحرير للحقوق من عبودية النظام الشكلي القديم الذي كان معمولاً به إلى ذلك العهد.
فالقاعدة المقررة في القانون الروماني هي أن الإنفاق على البيع لا ينقل الملكية بل يوجد فقط التزامات شخصية بين البائع والمشتري، وكل تعهد بالبيع لم يكن من نتائجه نقل ملكية المبيع إلى المشتري بل إن هذه الملكية ما كانت تنتقل إلا بإتمام إجراءات التسليم وطالما هذه الإجراءات لم تتم فلا تنتقل الملكية ولا يصبح المشتري مالكًا وكل ما لهذا الأخير هو حق شخصي للمشتري يخوله إرغام البائع على القيام بإجراءات التسليم الناقلة للملكية وبعبارة أخرى فإن التسليم أي وضع الشيء في حيازة المشتري هو الذي يتم به انتقال الملكية ولا نزال نرى أثرًا لهذا المبدأ الروماني في بعض القوانين المعمول بها الآن كالقانون المدني الإسباني مثلاً وفي بعض جهات فرنسا لا سيما الجهات الشمالية وفي بلجيكا والبلاد الألمانية كانت القاعدة القانونية المعتمدة في سالف الأزمان أن مجرد الإنفاق لا ينقل الملكية ولا بد لاكتساب الحق العيني من وضع الشيء في حوزة مالكه الجديد مع اتباع إجراءات معينة نذكر منها بوجه خاص وجوب تسجيل عقد البيع في سجل قضائي خاص.
ولما أزالت الثورة الفرنسية سيادة الأشراف وسلطتهم القضائية احتفظت بقاعدة وجوب تسجيل عقود البيع لنقل الملكية وذلك في المناطق البادي ذكرها التي كان فيها التسليم شرط لازم لنقل الملكية (راجع قانون 19 - 27 سبتمبر سنة 1790) على أن هذه القاعدة للأسف أُهملت فيما بعد ووضع التشريع الجديد (قانون أول نوفمبر سنة 1798) المبدأ الذي لا يزال العمل جاريًا به في فرنسا وفي البلاد التي اقتبست تشريعها من التشريع الفرنسي كمصر للآن وهو المبدأ القاضي بأن الملكية تنتقل بين الطرفين بمجرد الاتفاق ولكن لا بد من تسجيل عقد الاتفاق ليكون حجة على الغير، وهاك نص المادة (26) من هذا القانون:
(العقود الناقلة للملكية أو للحقوق القابلة للرهن العقاري يجب تسجيلها في قلم التسجيل الواقع في دائرته العقار وطالما هذا التسجيل لم يحصل فلا يجوز التمسك بها قِبل الغير الذي يكون قد تعاقد مع البائع واتبع أحكام هذا القانون).
على أنه بعد صدور قانون نابليون أتى زمن بطل فيه التزام تسجيل العقود لتكون حجة قِبل الغير ولم يقرر ثانيًا إلا ابتداءً من أول يناير سنة 1856 بمقتضى القانون الصادر في 23 مارس سنة 1855 وهو للآن أساس النظام المتبع في فرنسا والذي يحتم إجراء التسجيل لتكون العقود حجة على الغير.
أما نظام السجلات العقارية فقاعدته الأساسية هي أن لا تنقل الملكية حتى بين طرفي المتعاقدين بمجرد الاتفاق، وضرورة التسجيل أمر واضح لأن السجل العقاري يجب أن يشير إلى جميع الحقوق المترتبة على العين المقيدة به.
والأمر بخلاف ما بينّا في البلاد الخاضعة لنظام تسجيل العقود فأغلبها تتبع النظام القائل بانتقال الحقوق بين المتعاقدين بمجرد حصول الاتفاق على أن هذه القاعدة ليست نتيجة لازمة لاتباع هذا النظام إذ توجد بعض البلاد كهولندا واليونان لم تنشأ فيها سجلات عقارية ومع ذلك تتبع مبدأ عدم نقل الحقوق العينية حتى بين المتعاقدين ما لم يحصل التسجيل.
وسنبين أن في مصر قد قرر الشارع تمهيدًا لإدخال نظام السجلات العقارية بوجوب إجراء التسجيل ابتداءً من أول يناير سنة 1924 لنقل الحقوق حتى بين المتعاقدين وذلك بدون ترك تسجيل العقود المتبع، فبغض النظر عن فوائد إنشاء السجلات العقارية فهناك أسباب نظرية أخرى تبرر قاعدة عدم النقل بدون التسجيل، ذلك أنه ليس من المعقول أن حق الملكية وهو أقدس الحقوق وأقواها يؤسس على مجرد اتفاق قد يبقى في طي الكتمان وبما أن الغرض هو إيجاد حق عيني يمكن التمسك به قِبل الغير فمن الواجب أن هذا الحق يكون له هذا المفعول من منشئه.
علاوة على أن العامة كثيرًا ما تسيء فهم القاعدة القائلة بأن نقل الحق العيني يتم بين الطرفين بمجرد الاتفاق وبأنه لا يحتج به على الغير طالما لم يسجل العقد المثبوت فيه ويترتب على سوء فهم هذه القاعدة أن كثيرًا ما يصرف المشتري النظر عن تسجيل عقد البيع معتمدًا على ذمة البائع وعلى تأييد حقه الجديد بمضي المدة واجتنابًا للقيام بإجراءات التسجيل الشاقة وتخلصًا من دفع الرسوم المفروضة عليها.
ونتيجة ذلك أن عددًا كبيرًا من العقود المتعلقة بعقارات تظل بلا تسجيل في جميع البلدان التي تتبع النظام الفرنسي وهذا أمر لا يصح اعتباره مرضيًا.
ولذا فللجنة التي شكلت في بلجيكا لإعادة النظر في القانون المدني والتي للأسف لم تتبع إرشاداتها إلى الآن أشارت بلا تردد بترك المبادئ الفرنسية في مواد التسجيل ونصت في المادة (711) من مشروعها التحضيري على أن ملكية العقار لا تنتقل إلى المالك الجديد إلا بعد أن يقوم المالك بما فرضه عليه القانون من الإجراءات الرامية إلى نشر حقه وقد بررت المبدأ الجديد بأن عرضت وجوه الفرق بين الحقوق العينية والحقوق الشخصية قائلةً:
(الحق الشخصي موضوعه تعهدات ملقاة على عاتق شخص أو بضعة أشخاص معينة فصاحب الحق إن أراد الحصول على حقه وتنفيذ التعهدات المأخوذة في صالحه لجأ لذلك إلى الشخص أو إلى الأشخاص الذين تعهدوا دون سواهم فلا مانع في هذه الحالة من القول بأن مجرد اتفاق ذوي الشأن كافٍ لإنشاء الحق الشخصي حيث إن لا علاقة لهذا الحق بغيرهم ولا يمس إلا هم، ولن يطالب باحترامه أو بتنفيذه إلا الذين تعهدوا، وبمجرد رضاهم دون تدخل غيرهم ينشأ الحق ويترتب عليه ما ترتب..
والأمر بخلاف ذلك فيما يتعلق بالحقوق العينية لا سيما حق الملكية ويقابل هذا الحق واجبات مفروضة على الجميع فإذا ما يتعدى فرد من الأفراد من غير الطرفين على الملك حق للمالك مقاضاة المتعدي أيًا كان: فهل يعقل أن مثل هذه التعهدات العمومية تنشأ عن مجرد اتفاق يُجرَى في الخفاء بين طرفين ويظل مجهولاً للجميع؟)
13/ والآن فلنعد إلى ما كان ربما يجب أن نبتدئ به ولكن هذا الموضوع متشعب لدرجة أننا لا ندري من أي نقطة يحسن الكلام أولاً.
إن قيد العقود عبارة عن نسخ صورتها في سجلات يخصص عادةً كل منها لوحدة جغرافية مثل الناحية أو البلدة أو القرية وأحيانًا تستبدل الصورة بالأصل ذاته الذي يوضع بملف وكذا أصل الحوافظ في حالة الرهن ويتبع في نسخ العقود ترتيب تقديمها للتسجيل وقيدها في السجل المخصوص المعروف بسجل العرائض هو الذي يحدد ترتيبها في الأولوية.
وهناك فهارس تسمح بإيجاد العقود وارد بها أسماء الملاك الملتزمين أي اسم البائع عند نقل الملكية والمدين في حالة الرهن إلا أنه مع هذا فمن المتعذر الوقوف على اسم المالك الحالي لعقار معين امتلك حقه بموجب عقد حُرر بين أحياء لأن الوارد في الفهرست هو اسم البائع دون غيره، علاوة على ذلك فمن المعلوم أنه يوجد عدد عظيم من الحقوق غير مؤسسة على تعاقد فلا تقع تحت حكم التسجيل، ومن أصعب الأمور أيضًا الكشف على الحقوق المترتبة على العقارات واستخراج الشهادات العقارية يتطلب وقتًا طويلاً إذ أنه لا بد من الرجوع إلى عدة فهارس موضوعة سنة بعد سنة لكل ناحية على حدة، وباتباع هذا النظام يكون الأساس الحقيقي في الملكية راجع إلى وضع اليد المدة الطويلة وبدونه يصعب في أحوال عديدة إقامة الدليل على ملكية صاحب الحق الحالي.
والأمر عكس ذلك في نظام السجلات العقارية التي هي في آنٍ واحد سجلات وفهارس كل صحيفة من صحائفها مخصصة لعقار معين أي لكل قطعة أرض أو لعدة قطع متلاصقة مملوكة لشخص واحد وبذا يستعوض القيد الجاري باسم المالك أي القيد الشخصي بالقيد الواقعي على قاعدة الوحدة العقارية ومن ذلك فيظهر لأول وهلة أهمية هذه التفرقة.
يتضح مما تقدم أنه يكفي مجرد إلقاء نظرة على صحيفة سجل عقاري مخصصة لعقارٍ ما للوقوف في الحال على كافة الحقوق المتعلقة بهذا العقار فلا لزوم إذًا للمباحث الطويلة المقيدة في مختلف الفهارس التي لا تخلو من الوقوع في الخطأ والتي تؤدي إلى معلومات ناقصة عن حالة العقار.
ونظرًا لأن أساس الحقوق العقارية مهما كانت هو قيدها في السجلات العقارية فلا توجد حقوق عينية عقارية في نظام السجلات المشار إليها غير التي صار قيدها بها وعليه لا يكون للامتلاك بوضع اليد أي محل.
14/ ولا أرى أن يحتمل الجدال في أفضلية نظام السجلات العقارية والقيد العيني على نظام قيد العقود والتسجيل الشخصي وإن كانت جميع البلدان لم تتبع هذا النظام فهذا يرجع إلى الصعوبات العملية الجسيمة التي تعترض إدخاله في بلاد قديمة حيث تتشعب الأملاك ويكثر عددها كثرة عظيمة.
أما في البلاد الحديثة الاستعمار كتونس ومراكش والكنغو وأستراليا فلم تتردد في إدخال نظام السجلات العقارية كما وضعه السير روبرت تورنس لأول مرة في سنة 1855 في جنوب أستراليا والذي يعوق إدخال هذا النظام هو أول عملية لقيد كافة الحقوق المتعلقة بأراضي قطر كامل، وهذا القيد الأول على جانب عظيم من الأهمية لأنه أساس نظام السجلات العقارية المقبلة.
صعوبات عديدة تعترضه من الوجهتين الفنية والقانونية فضلاً عن أن تكاليفه هي باهظة بطبيعة الحال.
أما الصعوبات القانونية هي ناتجة عن أن القيد في السجلات العقارية سيعتبر في المستقبل حجة قاطعة فلا يمكن إجراؤه إلا باتخاذ كافة الضمانات الممكنة منعًا من هضم الحقوق الثابتة ولذلك يجب أن ينظر في وضع مواعيد وفي احتمال رفع معارضات وفي إيجاد جهات قضائية للنظر فيها.
وأما الصعوبات الفنية فهي من نوع آخر فيجب أن تعين الوحدة العقارية التي يصير قيدها في السجلات بطريقة جغرافية بدقة حسابية كافية لهذا يلزم عمل دفاتر حصر مرتبة ترتيبًا محكمًا بتحديد العقار تحديدًا يندر وقوع الخطأ معه وأساس هذا التحديد هو نظام المثلثات (Trigonométrie) يجب التوسع فيه كمًا والإكثار في عدد الأوتاد وهذا مما يستلزم عددًا كبيرًا من المستخدمين ونفقات جسيمة ولا يمكن إجراؤه إلا ببطء.
وفي البلاد التي اتبع فيها نظام قيد العقود فدفاتر القيد لم توضع فيها إلا لأغراض مالية فتنقصها الدقة وغير مستوفاة يومًا بيوم أما نظام السجلات العقارية يستدعي قيدًا في غاية الضبط والدقة ويستصوب تتبع كافة التغييرات التي تطرأ على الملك أولاً بأول.
فالصعوبات التي تعترض حصر الأملاك للمرة الأولى هي جسيمة لدرجة أنه من المتعذر إجراء قيد عام يكون إلزاميًا وكاملاً عن كافة الأملاك الواقعة في أحد الأقطار في الوقت الذي يتبع فيه نظام السجلات العقارية وعمل مثل هذا لا يكون نصيبه إلا الفشل.
أما في البلاد الجديدة أمثال أوستراليا وتونس ومراكش حيث توجد أملاك واسعة الأطراف ولا أهمية لما يقع فيها من اختلاف الحدود وإن كان جسيمًا فإدخال نظام السجلات العقارية وبالتالي عملية القيد الأولى وقد سبق ونبهنا بأنه هو أصعب وأدق عملية في هذا السبيل يحصل بطريقة اختبارية بناءً على طلب الأهالي أنفسهم وهذا ما كان السبب في أن هذا النظام لم يمتد بسرعة وعدم وجود سجلات مناسبة هو الذي حملهم إلى اتباع هذه الخطة ولكن إن كان هذا النظام يصح في بلاد فيها أملاك واسعة لا يهم فيها دقة التحديد فإنه خطر جدًا في البلاد التي بها أملاك كثيرة مقسمة لأنه عند الشروع في قيد القطعة الأخيرة يخشى من ظهور تراكم القطع على بعضها وعدم صحة خريطة المساحة بأكملها بعد أن تم وضعها جزءًا بعد جزء.
وهناك طريقة أخرى تسمح بإدخال نظام السجلات العقارية شيئًا فشيئًا وهي أن تجعل القيد إلزاميًا بالنسبة لبعض العقارات في السجل العقاري وذلك إما بمناسبة تسجيل العقود الناقلة للملكية أو المؤيدة لها وإما يكون هذا الإلزام بالتتابع بالنسبة لنوع معين من العقارات.
وأفضلية هذه الطريقة التي ترمي إلى إدخال نظام السجلات العقارية بالتدريج على الطريقة الاختيارية المعروضة سابقًا ترجع إلى أن القيد في السجلات العقارية يكون إجباريًا لا اختياريًا وإلى أن الوصول بعد أمد قريب إلى قيد جميع عقارات القطر في السجلات الجديدة قد يكون أمره مضمونًا على أن هاتين الطريقتين لا يمتنع معهما الضرر الناشئ من وجود نظامين مختلفين لا يمكن التوفيق بينهما وجارٍ في وقت واحد طالما أن عملية قيد جميع الأملاك لم تكن قد تمت وتصير الأملاك منقسمة إلى قسمين قسم مقيد في السجلات العقارية وخاضع لأحكامها وقد بيناها فيما سبق وقسم يظل خاضعًا لأحكام التشريع القديم.
17/ يستنتج مما تقدم أن الطريقة المثلى لإدخال نظام السجلات العقارية في بلدٍ ما هي إدخال نظام السجلات العقارية تمامًا في منطقة بعد الأخرى بقدر ما يتيسر ذلك عمليًا ويجب أن نستبعد فكرة إدخال هذا النظام دفعة واحدة في كامل أنحاء القطر.
18/ والآن وقد انتهينا من هذه الاعتبارات العمومية يمكن الرجوع إلى مسألة إدخال السجلات العقارية بالقطر المصري بنوع خاص.
سبق أشرت إلى أن الحكومة المصرية عرضت منذ سنة 1904 على الدول الأجنبية مشروعًا ملحقًا بالمنشور الرقيم 20 مايو سنة 1903 وقد قامت اللجنة المتفرعة من اللجنة الدولية للإصلاح القضائي وكذا اللجنة الخاصة بدرس المشروعات بفحص هذا المشروع بين سنة 1904 وسنة 1908 وتصدق عليه في سنة 1908 بأغلبية الآراء في اللجنة العامة.
وهذا ملخص مميزات المشروع الخاص بإدخال نظام السجلات العقارية في مصر: فهي أنه يرمي إلى إدخال هذا النظام بالتدريج منطقة فمنطقة وعلى أن العقارات الواقعة في منطقةٍ ما خاضعة له يجب قيدها كلها بلا استثناء.
19/ وإجراءات قيد العقارات للمرة الأولى مبينة بكل دقة فقد بدئ أولاً باتخاذ طرق النشر العامة والخاصة التي يضمن معها ذوو الشأن بالشروع في عملية القيد ثم يباشر بعد ذلك في فحص العقارات من وجهتين وجهة التمييز بين كل عقار وآخر من حيث موقعها ووجهة الوقوف على كافة الحقوق العينية التي على كل عقار وذلك بواسطة عمل تحريات في موقع الأرض وهذا التحقيق يدعى لحضوره ذوو الشأن وممثلو السلطة المحلية وتحرر الصحائف الأولى من السجلات بمساعدة الرجال الفنيين أمثال عمال المساحة ورجال القانون على أن البيانات الواردة في هذه الصحائف تكون مؤقتة ولذوي الشأن حق الطعن فيها في بحر سنة ويُرفع هذا الطعن أمام محكمة خاصة ويُقضَى فيها ابتدائيًا من قاضٍ واحد وفي الاستئناف من محكمة مكونة من ثلاثة أعضاء وهؤلاء القضاة يُنتخبون من بين قضاة المحاكم المختلطة الذين والحالة هذه كان يجب ازدياد عددهم نظرًا للأعمال الجديدة التي أحيلت عليهم.
20/ فإذا ما صار تنظيم أول قيد بهذه الدقة جاز اعتبار البيانات الواردة في صحائف السجلات العقارية نهائية وغير قابلة للطعن وهذا ما نص عليه المشروع بالعبارة الآتية:
البيانات الواردة في السجلات العقارية التي أصبحت نهائية لعدم حصول منازعة فيها في الميعاد أو بناءً على حكم صدر في موضوع منازعة تقدم تكون غير قابلة للطعن من قِبل الغير فيما يتعلق بالحقوق العينية المثبوتة فيها.
وبذا يعطي القيد الأول للملكية أساسًا جديدًا وتصير السجلات العقارية المرجع الوحيد الذي يركن إليه فيما يطرأ عليه من التغييرات في المستقبل ولا أرى محلاً للكلام عن التفاصيل المتعلقة بشكل صحائف السجلات العقارية أو بطريقة مسكها ولا فيما يتعلق بأملاك الحكومة العمومية والخصوصية بنوع خاص ولا بأرض الصحراء أو الجزائر.
21/ وعلانية الحقوق العقارية تكون مكفولة على أتم وجه فبينما أنه يُكتفَى في النظام الحالي بتسجيل بعض عقود معينة نرى أن الأمر بخلاف ذلك في نظام السجلات العقارية فالعلانية فيه شاملة لكل العقود التي تترتب عليها إنشاء أو انتقال أو إقرار أو تعديل أو زوال الحقوق العينية علاوة على ذلك تشمل العلانية الحقوق الناشئة عن غير عقد أو اتفاق مثل الحقوق الآيلة بطريق الميراث الشرعي وهذه العلنية أصبحت لا ترمي فقط إلى إحاطة الغير بانتقال حق عيني من شخص إلى آخر بل صار اتفاق الطرفين غير كافٍ لهذا الانتقال ولا بد من العقد الرسمي الذي يكون وحده قابلاً للقيد ولا تنتقل الملكية سواء كان بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير إلا بواسطة التسجيل وعلى ذلك فاتفاق الطرفين من شأنه إيجاد التزامات شخصية بمعنى أن كل من تلقى حقًا بمقابل له أن يطالب البائع بتعويض إن امتنع عن تحرير العقد الرسمي وله أيضًا أن يحصل على حكم يحل محل هذا العقد ويكون قابلاً للتسجيل.
22/ والآن ننظر ما هي قوة الإثبات التي يمكن إعارتها للسجلات العقارية. إنه من البد أن نتائج القيد تختلف عن بعضها بسبب مصدر نقل العين إن كان بين الأحياء أو بسبب الوفاة وسواء كان متعلقًا بحق أصلي أو فرعي ونحن في جميع هذه المسائل مضطرون للاختصار.
فلنبدأ بحالة انتقال الملكية بين الأحياء: وأول ما يجب علينا ملاحظته أنه ليس هناك قوة إثبات للقيد بين طرفي المتعاقدين بل لكل منهما حق الطعن في الحقوق العينية طبقًا للقواعد العامة رغم قيدها بالسجلات العقارية (مادة (18) من المشروع) وإنما لقوة الإثبات مفعول في مواجهة الغير ونعني بالغير هنا ليس فقط من لهم حقوق على العقار موضوع النزاع سجلوها طبقًا للقانون وإنما نقصد أيضًا كل شخص آخر عدا المتعاقدين حل محلهم بالميراث.
والحق ينشأ أو ينتقل في كل الأحوال حتى بين المتعاقدين بمجرد قيده في السجلات أما قوة الإثبات فلا تترتب دائمًا بمجرد القيد.. مثال ذلك دعوى البطلان التي يرفعها عديم الأهلية يصح رفعها في خلال السنة التي تلي القيد وهذا الأجل يكون خمس سنين إن كانت دعوى البطلان مرفوعة من مالك فقد ملكه بعقد مزور.
واكتساب الحقوق بمضي المدة لا يزال ممكنًا بمعنى أن من حاز عقارًا مقيدًا في السجلات العقارية باسم خلافه يكتسب ملكية هذا العقار إن مضت على حيازته خمس عشرة سنة على أنه لا يمكنه أن يتصرف في هذا العقار إلا بعد أن يثبت ملكيته بحكم قضائي ويقيد هذا الحكم في السجلات العقارية وطالما لم يتم هذا القيد يظل المالك المقيد اسمه صاحب الحق في التصرف في العقار تصرفًا قانونيًا.
أما فيما يختص بالحقوق التبعية مثل الرهن والاختصاص والامتياز فقيدها في السجلات العقارية لا يزيل عيوب العقد المثبت للدين ولا عيوب الدين ذاته.
أما انتقال الحقوق بالميراث فلا قوة فيها للقيد بالسجلات بين المتخاصمين فالوارث الظاهري وورثته من بعده والموصى لهم جميعهم خاضعون لدعوى استرداد الميراث وكذلك من الجائز أن يتعرض شخص موصى إليه لشخص آخر موصى إليه أيضًا إذا كان حق الأول أسبق على حق الثاني وإنما إذا باع الوارث أو الموصى إليه عقارًا أو رتب عليه للغير حقوقًا عينية خاضعة للتسجيل فإذ ذاك يصح التمسك بقوة الإثبات.
ومتى قُيدت هذه الحقوق صارت ثابتة في مواجهة الوارث الحقيقي أو الموصى له على شرط أن تكون قد ترتبت بحسن نية وبعوض على أن دعوى البطلان إذا رفعها الوارث الحقيقي أو الموصى إليه في ظرف السنة من تاريخ الوفاة تبطل كل هذه التصرفات ولو كان صدورها بحسن نية، وعلاوة على ما تقدم مما نلفت إليه النظر هو أن الوارث أو الموصى إليه لا يسعهما التصرف في حقوقهما الموروثة إلا بعد قيدها.
ولا أرى محلاً هنا للكلام بالتفصيل على طريقة مسك السجلات العقارية وما يتأشر بها بقصد ضمان حق ما حفظ مؤقتًا ولا عن البيانات التي تسمح بعلانية أسباب عدم الأهلية وغير ذلك.
23/ وخلاصة القول أن المشروع الذي وضعته اللجنة الدولية في سنة 1904 - 1908 قد وُضع بعد بحث متقن ولو نظرنا إليه من الوجهة القانونية المحضة لوجدناه عملاً يكاد يكون مستوفيًا وكل ما يمكن أن يؤخذ عليه أنه تجاهل الصعوبات الفنية التي تعترض إدخال السجلات العقارية على بلد مثل القطر المصري منقسمة مأهولة بالسكان وبها أملاك عديدة.
على أن هذا المشروع أهمل لأسباب ثانوية تماثل الأسباب التي حالت دون تنفيذ مشروع توحيد أقلام التسجيل ولا يسعنا إلا أن نأسف شديدًا لأن مشروع توحيد أقلام التسجيل وإيجاد السجلات العقارية لم ينفذ منذ سنة 1908 فلو كان تنفذ وقتئذٍ لكنا الآن على وشك الانتهاء من إدخال النظام الجديد بدلاً من الشروع فيه الآن بعد ضياع كل هذا الزمن.
3 - مباحث وإرشادات لجنة دوسن
(1918 - 1920)
24/ في خلال الحرب العظمى وعلى أثر انتهائها أعيدت مسألة السجلات العقارية على بساط البحث على أساس جديد بعد إجراء مباحث دقيقة مرتبطة بحالتنا الداخلية وبالامتيازات الحديثة التي تمت في الخارج.
ومن سنة 1918 - 1920 قامت لجنة تحت رياسة المستر دوسن مدير مصلحة المساحة وقتئذٍ متفرعة من لجنة الامتيازات بحث للمرة الثانية من ابتداء القرن الحالي ببحث مسألة إدخال السجلات العقارية في الديار المصرية بحثًا عامًا.
25/ ونتيجة هذا البحث دونت في عدة تقارير مهمة مرقومة بنمر متسلسلة من (1) إلى (6) علاوة على الورقة المرقومة نمرة (7) والتي تتضمن مشروعين ابتدائيين يتعلق أولهما بالسجلات العقارية والآخر بالعقود الرسمية وأهم التقارير المذكورة هي الواردة تحت نمرة (3) و(6) على أنه من يهمه الأمر يجب عليه مراجعتها كلها لأنها جديرة بالاطلاع.
26/ وأول ما شعرت به اللجنة الفرعية المذكورة التي نسميها لجنة دوسن لسهولة التعبير هو ضرورة توحيد أقلام التسجيل الحالية التي لا تزال باقية على ما هي عليه منذ مباحث اللجنة الدولية في سنة 1904 ولزوم الشروع في درسها مع نظام السجلات العقارية وقد لفت نظر هذه اللجنة اختلاف الطرق المتبعة في مسك السجلات التي كانت موجودة إذ ذاك.
فتوطيدًا لإدخال نظام السجلات العقارية ورغبةً في الإسراع في إعطاء شهادات الرهنيات أشارت بالإسراع في وضع فهرس عام مكون من قسائم (فيشات) يشتمل على كافة التصرفات المقيدة الماضية منها والحاضرة وقدرت عدد التصرفات التي تمت من سنة 1876 إلى سنة 1917 بمليون ونصف تقريبًا.
27/ وكانت لجنة دوسن هذه تؤمل أنه مع قيامها بعمل هذا الفهرست العام عن الصرفات السابقة أن ينشأ في الحال فهرست واقعي ببيان الأملاك التي حصل التصرف فيها بمقتضى عقود سابقة وللأسف قد أدت التجربة التي أجرتها في ناحيتين اختارتها وهما ناحية كوم الأحمر (بمركز بني سويف وأبو الغيط بمركز قليوب) على أن وضع الفهرست الواقعي على هذه الصورة أمر محال لأن البيانات الواردة في 22 % من العقود لا تسمح بالاستدلال على الأحواض الكائنة بها الأملاك وفي 27 % من تلك العقود كان يمكن الاستدلال على الحوض الواقعة به ولكن كان من المتعذر حتى مع الانتقال لموقع العين تمييزها إلا أنها واقعة بحوض معين فاضطرت اللجنة إلى العدول عن وضع الفهرست الواقعي كما عدلت عن فهرست القسائم (الفيشات).
28/ على أن هذه التجارب أفادت من بعض الوجوه فإنها ألفتت الأنظار إلى نقص العقود فيما يختص بتعيين الأشخاص المتعاقدين وبتحديد الملك، وسنرى فيما يلي الإجراءات التي اتخذت لتدارك هذا النقص.
وفي الأثناء أخذت لجنة دوسن سالفة الذكر في درس الحالة التي كانت عليها سجلات الزمام بمصر درسًا متقنًا والتعديلات التي يلزم إدخالها عليها لجعلها ملائمة لنظام السجلات العقارية، وقد سبق لي أن قلت في بدء هذه المحاضرة عندما عرضت عليكم مبادئ هذا النظام العامة وميزاته الجوهرية إن هذا النظام أدخل في بعض البلاد بغير أن يسبقه عمل تجربة بمسح العقارات بها هذا ما حصل في أوستراليا وكندا وتونس ومراكش بينما أن الألساس واللورين والنمسا والمجر وألمانيا وسويسرا كانت لديها دفاتر مساحة بالأملاك عند العمل بنظام السجلات العقارية وهذا الاختلاف بين بلاد وأخرى يُعزى فقط إلى عوامل تاريخية على أن إدخال نظام السجلات العقارية على بلد مسحت عقاراتها أسهل بالرغم من أن فك الزمام لم يحصل في الغالب إلا لجباية الأموال إذ أنه توجد في كل بلد مصلحة مختصة بأعمال المساحة ومنقطعة لها وقد اعتاد أهلوها على أعمال هذه المصلحة.
أما فيما يختص بمصر فإن أعمال فك زمامها لا تؤدي إلى تمييز عقارٍ ما عن العقار المجاور تمييزًا دقيقًا يسمح بقيد حقوق الملكية بضمانة كافية.
من الواجب مبدئيًا إعادة النظر في شبكة العلامات المساحية في كل القطر، نعم إن علامات المثلثات من الدرجتين الأولى والثانية حالتها لا بأس بها ولكن علامات مثلثات الدرجتين الثالثة والرابعة في حاجة لمراجعة كبيرة وتجديد وتقوية.
أما علامات الترافرس والعلامات المساعدة فيجب إنشاؤها من جديد لأن العلامات القديمة من هذين النوعين التي أُنشئت أثناء فك الزمام كانت كلها مؤقتة، فضلاً عن ذلك فقد اختفى أغلبها.
مما تقدم يعلم أن المساحة التفصيلية وحدها في حاجة لبرنامج إعدادي كبير يجب تنفيذه قبل البدء في تحديد الأملاك العقارية وإدخالها في السجل العقاري.
ومصر كما لا يخفى هي إحدى ممالك العالم حيث العقارات كثيرة القطع مرتفعة القيمة وحيث الحدود الفاصلة بين القطع وبعضها غير ظاهرة في الطبيعة، هذا ولقد قيد في دفاتر المساحة أثناء فك الزمام الأخير حوالي 2.5 مليون قطعة ممكن تقسيمها إلى ثلاث فصائل الفصيلة الأولى وهي عبارة عن 36.1 % من المجموع تقل مساحة كل قطعة فيها عن 12 قيراطًا والفصيلة الثانية وهي عبارة عن 56.1 % من المجموع يتراوح مسطح كل قطعة فيها 5 أفدنة و12 قيراطًا أما الفصيلة الثالثة وهي عبارة عن 7.8 % فقط من المجموع فمساحة كل قطعة فيها أكثر من 5 أفدنة.
وعلى ذلك ففي قطر كالقطر المصري حيث لا يزيد متوسط مسطح القطعة عن فدان و12 قيراطًا يحتاج الأمر لبذل دقة وعناية كبيرتين في تعيين الموقع الطبيعي للعقارات أكثر مما تستلزمه الحالة في بلاد كبلاد تونس أو بلاد ويلز الجديدة الجنوبية حيث متوسط مسطح القطعة في الأولى 412 فدانًا وحيث يملك 46.65 % من أراضي الثانية 720 شخصًا فقط أي بمعدل 31576 فدانًا لكل شخص من هؤلاء.
أما دوائر الفرق المسموح المقررة بمعرفة لجنة دوسن فهي 25 سهمًا فيما يتعلق بالأراضي الزراعية و10 أسهم فيها يتعلق بأراضي المدن، وهذا الفرق كما لا يخفى هو فرق حسابي أو بمعنى آخر إذا فرض وعملت مساحات متتالية لمنطقةٍ ما في أحسن الظروف وعلى أساس شبكة العلامات المساحية الموجودة حينئذٍ ففرق المقاسات التي أجراها المساح بين كل مساحة وأخرى يجب أن لا يتجاوز الأرقام المتقدم ذكرها.
29/ بعدما انتهت لجنة دوسن من بحث المسألة من الوجهة الفنية التطبيقية فيما يختص بمسح الأراضي وأزالت كل الصعوبات التي اعترضتها انتقلت إلى فحص طريقتين أساسيتين اتبعت إحداهما في تونس والأخرى في سويسرا عند إدخال نظام السجلات العقارية على هذين القطرين وعملت بذلك تقريرًا واحدًا ولا شك في أن الطريقة السويسرية هي التي اتبعت عند وضع النظام المرغوب تطبيقه في مصر، وقد أكدت اللجنة أن النظام السويسري ربما كان أحسن الأنظمة المتبعة في الوقت الحاضر.
30/ والتقرير المرقوم نمرة (5) تناول تاريخ فك الزمام في مصر من سنة 1879 لسنة 1906 مع إيضاح الخطأ الذي ارتكب فيه وببيان ما يمكن استنتاجه من التجربة الماضية في سبيل إيجاد سجلات مساحة حقيقية.
31/ انتهت لجنة دوسن من أعمالها في أواخر سنة 1920 فكان تقريرها تقريرًا ختاميًا ذا أهمية تذكر يحسن فحصه إجماليًا فاستبعدت اللجنة أولاً فكرة إنشاء سجلات عقارية بضمانة سواء كان بشكل قيد وعام بلدة بلدة أو بشكل غير منتظم يحصل إما تبعًا لاختبار الأفراد أو لنوع الأملاك التي يصير قيدها أو للطوارئ العرضية مثل قيد الحقوق ثم أشارت بما يأتي:
أولاً: إنشاء السجلات العقارية في الحال على أساس الوحدة العقارية تخصص كل صحيفة لوحدة منها ولكن بدون ضمان الحقوق المسجلة بها.
ثانيًا: تقرير وجوب فحص العقود المقدمة للقيد سواء كان من وجهة الشكل أو من وجهة مطابقة الحقوق للطبيعة ومشروعية الحقوق:
أما الفحص من وجهة الشكل فتكلف به مصلحة المساحة التي ستراعي تمييز العقار عن الآخر وتراقب عدم معارضته لما هو وارد بالعقد وعدم تعديه على حدود العقار المجاور أو على الحقوق السابق التسليم بها ولا بد للقيام بهذه المهمة من إيجاد خريطة مساحة تكون مستوفاة التأشيرات على الدوام بمقياس 1/ 1000 تشمل تحديد الأملاك وفصلها من بعضها.
أما الفحص من الوجهة القانونية فنتيجته تستلزم قبول العقود الرسمية فقط للتسجيل مما يدعو إلى إيجاد موظفين محلفين يخولون حق التأكد من أهلية الطرفين للتعاقد ومراجعة الحجج والمستندات المقدمة.
وعلاوة على ما تقدم قد أشارت اللجنة الفرعية بما يأتي:
أولاً: ضرورة قيد العقود في السجلات العمومية حتى يصح انتقال الحقوق قانونًا سواء كان بين الطرفين المتعاقدين أو في مواجهة الغير.
ثانيًا: وجوب اتخاذ التدابير اللازمة لنشر حجج الوقف القديمة ولعلانية انتقال الحقوق بسبب الوفاة.
ثالثًا: لا تكتسب الحقوق بمضي المدة ما لم ترتكز على سندٍ ما، فبهذه الطريقة تُستعمل السجلات العقارية لقيد الحقوق المدعى بها ولكن بغير ضمان ومع احتمال تعديلها في المستقبل وبهذه الكيفية نكون قد احتفظنا بسائر مزايا نظام تسجيل العقود الحالي وفقط نكون قد استبدلناه بطريقة التسجيل على أساس الوحدة العقارية قبل أن تتحد نهائيًا الحقوق على العقار وهذا مما يؤدي شيئًا فشيئًا إلى تحديد الحقوق تحديدًا صحيحًا بفضل العوامل الثلاثة الآتية:
أولاً: مراقبة الحقوق من البدء من الوجهتين الشكلية والقانونية مراقبة دقيقة.
ثانيًا: مفعول الوقت.
ثالثًا: مفعول الأحكام القضائية.
ولهذه الطريقة أيضًا مزية تجنب الصعوبات التي تعترض القيد المنتظم الذي عمل لهذا الغرض وهو يسمح بإدخال عملية القيد في أنحاء القطر في مدة وجيزة ويصل بنا تدريجيًا إلى درجة من الضبط تزداد سنة بعد أخرى حتى تمكننا من إدخال نظام السجلات العقارية بضمانة تلك الحقوق.
لا شك في أن هذه الطريقة التي بيناها والتي تشير لجنة دوسن باتباعها على جانب عظيم من الملائمة وهي مقتبسة من الطريقة التي اتبعت في ألمانيا والنمسا وسويسرا وتسمح بالوصول تدريجيًا من سنة إلى أخرى إلى إيجاد السجلات العقارية مع الضمان.
وبعبارة أخرى فإننا نتبع طريقة القيد الفعلي أو جعل تسجيل الحقوق إجباريًا وهذا من المميزات الأساسية للسجلات العقارية ثم نفحص فحصًا دقيقًا كل حق يترتب على عقار معين إلى أن تتوطد تلك الحقوق وتسمح بالوصول بلا خطر إلى طريقة السجلات العقارية كاملة مع الضمان عليها.
4 - أعمال اللجنة الخاصة
التي شُكلت تحت رياسة عبد الفتاح باشا يحيى
من سنة 1922 لسنة 1926
32/ قلنا سابقًا إن لجنة دوسن انعقدت في يوليه سنة 1917 بصفتها لجنة متفرعة من لجنة الامتيازات ولذا كانت مباحثها وآراؤها مبنية على احتمال إلغاء الامتيازات ولو فيما يتعلق بشكلها الحالي وله على أثر توحيد القضاء المصري يكون للحكومة حق التشريع المطلق مما يمكنها من تعديل أقلام التسجيل الحالية ومن توحيدها وكان رأي اللجنة أن تناط أعمال السجلات العقارية بمصلحة المساحة وتكون تابعة لوزارة المالية وأما تحرير العقود الرسمية ومراجعة هذه العقود من الوجهة القانونية فيكون من اختصاص وزارة الحقانية.
على أن لجنة الامتيازات لم تستمر في العمل إلا سنتين كما تعلمون فلم يبقَ لها أثر بعد حوادث سنة 1919 واللجنة الفرعية المسماة لجنة دوسن انتهت أعمالها في ديسمبر سنة 1920 من غير أن تفرض تنفيذ مشروعها في حالة بقاء الامتيازات.
33/ ولكن لجنة دوسن أعيد تشكيلها بصفة لجنة مستقلة بموجب قرار صدر من مجلس الوزراء في أول مايو سنة 1920 فقامت بأعمال جسيمة وقل وجود لجنة حكومية قامت بمأموريتها بعناية تامة مثلها فهل ترى يذهب مجهودها سدى كما حصل في سنة 1908.
وفي إبريل سنة 1922 رأت الوزارتان صاحبتا الشأن (وزارة المالية ووزارة الحقانية) أن تعرضا تقارير دوسن على مجلس الوزراء حتى إذا وافق على ما بها يبادر في تنفيذ ما اقترحته مع مراعاة الحالة السياسية الجديدة.
فبعد أن بسطت الوزارتان في المذكرة التي رفعتاها إلى مجلس الوزراء تاريخ المباحث التي تمت عن السجلات العقارية بمصر ختمتها بالصيغة الآتية:
(وقد أوضحنا أعلاه أن لجنة السجلات العقارية بنت اقتراحاتها في الموضوع الموكول إليها بحثه على أساس أن الامتيازات ستُلغَى وأن الحكومة المصرية سيكون لها مطلق الحرية في وضع التشريع الذي يحقق إصلاح نظام السجلات العقارية ولكن بعد أن قامت اللجنة المذكورة بطبع مستنداتها رقم (1) إلى (6) تبدلت الحالة وتبين أن الامتيازات باقية وأن المحاكم المختلطة امتد أجلها لمدة غير معينة.
فإذا كان مجلس الوزراء يوافق مبدئيًا على اقتراحات اللجنة وهي المبينة في نهاية المستند رقم (6) يتعين البحث بصفة خاصة في الوسائل التي تؤدي لتطبيق وتنفيذ هذا الإصلاح على الأجانب أصحاب الامتيازات وعلى المصريين على السواء وللوصول إلى هذه الغاية يحسن تشكيل لجنة لبحث هذا الموضوع تمثل فيها المحاكم المختلطة بأن تتكون من سبعة أعضاء أربعة يعينهم مجلس الوزراء وثلاثة تعينهم محكمة الاستئناف المختلطة).
34/ واعتمد مجلس الوزراء في قراره الصادر في 25 إبريل سنة 1922 نتائج واقتراحات لجنة دوسن وشكل لجنة خاصة لدراسة نظام السجلات العقارية برئاسة حضرة صاحب السعادة عبد الفتاح يحيى باشا فوالت هذه اللجنة اجتماعاتها من سنة 1922 إلى اليوم.
35/ وأول ما لاحظته هذه اللجنة لأول وهلة أن النجاح في عملها يستلزم الاسترسال فيه تدريجيًا والسير بتمهل في طريق تنفيذ مشروع السجلات العقارية.
وفي شتاء سنة 1922 - 1923 وجهت اللجنة أنظارها إلى تحسين نظام العلانية في أقلام الرهونات المختلطة وهي كما تعلمون تسجل 97 % من مجموع العقود وكانت نتيجة بحثها أن صدر المرسومان نمرة (18) ونمرة (19) لسنة 1923 الرقيمان 12 يوليه و26 نوفمبر سنة 1923.
والقرارات اللازمة لتنفيذها لا سيما قرارات 12 يوليه و26 نوفمبر سنة 1923 وقد نفذ هذا التشريع الجديد ابتداءً من أول يناير سنة 1924.
36/ والمبدأ الأساسي الذي بُني عليه هذا التشريع هو أنه لا بد من التسجيل ليتم انتقال الملكية بين طرفي المتعاقدين أولاً وفي مواجهة الغير ثانيًا.
وهذا التشريع الجديد وضع لأول مرة قاعدة تسجيل الحقوق ويعتبر الخطوة الأولى نحو إنشاء السجلات العقارية وقد ترتب على إقراره العدول عن بعض المبادئ الأساسية التي بُني عليها القانون المدني المعمول به الآن أهمها انتقال الملكية بمجرد اتفاق الطرفين.
ولئلا يفاجأ الأفراد بهذا المبدأ الجديد اهتمت الحكومة على وجه خاص بنشر التشريع الجديد في سائر أنحاء القطر حتى يلم به جميع ذوي الشأن.
ولكن هذا التشريع الجديد لم يحتم تسجيل جميع العقود وبقي بعضها غير خاضع لهذا التسجيل إلا أن الحكومة تواصل السعي لتعميم التسجيل على جميع العقود، على أنه لا بد من مرور مدة من الزمن حتى يرسخ هذا المبدأ في أذهان الأفراد وحتى يفطنوا إلى وجوب تسجيل عقودهم، وكما أنه عند وضع نظام التسجيل في أقلام كتاب المحاكم المختلطة لم يقتنع الفلاح في بادئ الأمر بوجوب تسجيل تصرفاته حتى تكون حجة على الغير تراه الآن يحاول الاستغناء عن التسجيل ويكتفي بتحرير عقده على ورق التمغة وأخذ إشارة مصلحة المساحة عليه وتسجيل الإمضاءات أو إثبات التاريخ على أنه لما يتحقق في المستقبل أن هذه الإجراءات غير كافية وأن المحاكم ستقضي بضياع حق الملكية عليه لعدم قيامه بالتسجيل عندها يشعر بضرورة هذا التسجيل ويخضع لنظامه الجديد، وبهذه المناسبة نلاحظ أن جميع عقود التصرف في مديرية المنوفية تسجل بلا استثناء والسبب في ذلك أن مصلحة المساحة تباشر الآن تحديد الأملاك والعقارات في المديرية المذكورة على الطبيعة عند كل تصرف ولذلك نرى ضرورة الإسراع في تحديد العقارات على الطبيعة بمناسبة كل تصرف في جميع أنحاء القطر أسوةً بما هو متبع في مديرية المنوفية ابتداءً من أول يناير سنة 1924.
37/ ولما أن أصدرت الحكومة قوانين سنة 1923 رأت الفرصة سانحة لإخضاع كثير من أنواع التعاقد لقاعدة التسجيل بعد أن كانت معفاة منه بمقتضى النظام القديم وأهمها عرائض الدعاوى العقارية المطلوب بها الحكم بإيصال أو تعديل حقوق عينية يُدعى بها والأحكام الصادرة في تلك الدعاوى وكذلك عقود التنازل عن الديون المؤمن عليها برهن عقاري أو بحق امتياز عقاري ورهن تلك الحقوق وتحويلها والتنازل عن الترتيب في رهن عقاري وعرائض دعاوى الاسترداد وأحكامها.
38/ كذلك اتخذت الاحتياطات اللازمة لتعيين أشخاص المتعاقدين بالدقة التامة بأن تحتم ذكر أسماء آبائهم وأجدادهم كما تحتم عليهم تسجيل إمضاءاتهم، كذلك فرض القانون ضرورة تعيين العقار الحاصل التعاقد عليه تعيينًا دقيقًا بأن اشترط ذكر اسم الناحية الكائن بها واسم الحوض ونمرته ونمرة القطعة وظاهر أن هذه الاشتراطات أتت بفائدة جليلة إذ قبل تقريرها كانت العقود تقدم للتسجيل وفيها من التحديد الغامض أو الناقص ما يجعل تعيين العقار صعبًا ومستحيلاً وزيادة على تلك الاشتراطات قد تمهد الطريق للتسجيل على قاعدة الوحدة العقارية.
39/ فضلاً عن ذلك فإن التشريع الجديد أدخل إصلاحًا هامًا في نظام أقلام التسجيل العقاري وسجلات القيد والتسجيل من ذلك أن المحاكم المختلطة أنشأت في المديريات تسع مأموريات علاوة على الأقلام الثلاثة التي كانت موجودة من قبل وكلفت بتسجيل العقود العرفية المتعلقة بعقارات داخلة في دائرتها.
40/ وقد قرر هذا التشريع وجوب تحرير العقود على ورق خاص، وأعدت الحكومة نماذج مطبوعة للعقود الكثيرة التداول لتسهيل مهمة المتعاقدين علاوة على ما تقدم تقرر خلافًا لما هو متبع في نظام التسجيل العقاري ألا يُعاد أصل العقد المسجل إلى المتعاقدين وإنما يُحفظ في أقلام الرهونات وبذلك يمتنع الغش والتزوير في العقود الأصلية وهذا الإجراء مطابق للنظام المتبع في السجلات العقارية.
41/ ومما يلفت النظر أن أقلام الرهونات اتخذت المعدات اللازمة لنقل صور العقود المودعة بها بالفوتوغرافية (التصوير الشمسي) وبذلك تجنبت الالتجاء إلى نسخ تلك العقود ومراجعتها واحتمال حصول غلط في النسخ المنقولة.
42/ وترتب على إدخال هذه التعديلات أن تعاونت المحاكم المختلطة ومصلحة المساحة المصرية في هذا العمل المشترك فمصلحة المساحة هي المكلفة بنقل صور العقود بالتصوير الشمسي وببيع ورق التمغة ونماذج العقود، علاوة على أنه تحتم على المتعاقدين الالتجاء إليها لمراجعة البيانات الواردة في العقود المرغوب تسجيلها بشأن حدود العقارات والتحقق من صحتها، وفي مديرية المنوفية حيث تحديد الأملاك الحاصل التصرف بها جارٍ على قاعدة تحديد العقار على الطبيعة تمهيدًا لإنشاء السجلات العقارية بها مع ضمان الملكية تتبع الآن إجراءات خاصة.
فكلما تقدم للتسجيل أو للقيد عقد يتعلق بعقارٍ ما يقوم عمال مصلحة المساحة بتحديد هذا العقار بواسطة وضع علامات حديدية تتحمل الحكومة مصاريفها علاوة على ما تقدم فإن مصلحة المساحة ترسل إحدى الصور الفوتوغرافية للعقد للمديرية المختصة ليتسنى لها إجراء النقل اللازم في المكلفات.
ها هي التعديلات الأساسية التي أدخلها تشريع سنة 1923 سردناها بعبارة وجيزة لأنه لا يسعنا طبعًا التوسع في الكلام عنها.
43/ وقد بحثت اللجنة الخصوصية التي يرأسها حضرة صاحب السعادة عبد الفتاح باشا يحيى عدة نقط أخرى مرتبطة بنظام علانية التصرفات العقارية فوضعت القانونين رقم (49) و(50) اللذين أجازا للدائن المرتهن تأجير العقار المرهون لمدينه الراهن بشروط تضمن علانية هذا التصرف كما أنهما قررا بطلان الرهن العقاري الذي يبرم في صورة عقد بيع وفائي.
بخلاف ذلك بحثت اللجنة موضوع الديون التي تكون على التركات الإسلامية واقترحت بشأنها اتباع نظام جديد يكلف بمقتضاه الدائنون بإخطار المحكمة الشرعية في ميعاد محدد بما لهم من الديون ومن لم يفعل سقطت حقوقه قِبل من اشترى عقارًا من الورثة بحسن نية.
وأشارت اللجنة أيضًا بوجوب تسجيل جميع الوقفيات القديمة وتنظيم مسألة صحة تصرفات الوارث الظاهر، وقد تناقشت اللجنة في هذه المسائل مع أئمة الشرع الإسلامي الذين اتفقوا معها على هذه المبادئ ولم يبقَ سوى وضع القوانين اللازمة لنفاذها.
وتناقشت اللجنة كذلك في موضوع إلغاء حق الاختصاص وأعدت مشروعًا بذلك أدخل بعض التعديلات في إجراءات نزع الملكية على أن اللجنة لم تتخذ قرارًا نهائيًا في الموضوع.
ترون حضراتكم مما تقدم أن اللجنة التي يرأسها سعادة عبد الفتاح يحيى باشا حذت حذو اللجان التي سبقتها (لجنة سنة 1904 - 1908 الدولية ولجنة دوسن) وقامت بمجهود عظيم لإنجاز المهمة الخطيرة التي عهد بها إليها.
44/ أما مصلحة المساحة فقد قامت هي أيضًا بمجهود عظيم بخلاف الاشتراك مع أقلام التسجيل المختلطة في الأعمال التي بينّاها سابقًا فقد شرعت بالاتفاق مع وزارة المالية التابعة لها ابتداءً من أول يناير سنة 1924 في إنشاء سجل عقاري حقيقي قيدت فيه لكل وحدة عقارية أي أمام كل قطعة جميع البيانات التي تُدرج عادةً في السجلات العقارية الرسمية. أجل إن هذه البيانات مقتبسة فقط مما وُجد مذكورًا في المستندات المقيدة أو المسجلة في أقلام التسجيل المختلط والمنقولة في مصلحة المساحة بالتصوير الشمسي فيحق لنا والحالة هذه أن نسمي هذه السجلات نواة السجلات العقارية وإن كانت لا تشتمل بعد على تسجيلات المحاكم الأهلية والشرعية ولا على العقارات التي انتقلت ملكيتها بالميراث ومن البدهي أن ليس للبيانات الواردة بالسجلات الحالية المشار إليها قوة إثبات أو صيغة رسمية ما، فما هي الآن سوى نوع من الفهرس مرتب على أساس الوحدة العقارية للتصرفات المقيدة والمسجلة في أقلام الكتاب المختلطة.
ومن مزايا السجلات الحالية أنها تمهد الطريق لإدخال السجلات العقارية الحقيقية فإذا استمر العمل بها عدة سنوات وإذا نفذت فكرة قيد العقود والتصرفات المسجلة بالمحاكم الأهلية والشرعية فيها أيضًا نكون قد خطونا خطوة واسعة نحو إدخال السجلات العقارية في هذه الديار أو سهلنا الانتقال بدون صعوبات جسيمة من نظام تسجيل العقود إلى نظام تسجيل الحقوق.
وقد أضيف إلى هذا السجل فهرس بأسماء الملاك لكل ناحية على حدة وسجل آخر للحقوق المتعلقة بكل عقار مرتبًا ترتيبًا أبجديًا بأسماء الملاك في كل مركز وهذا وذاك مدون في صحايف منفصلة كي يسهل في المستقبل اتباع أي ترتيب آخر يرى أكثر مناسبة من الترتيب الحالي.
45/ لا أنكر أننا لا زلنا بعيدين عن نظام السجلات العقارية إلا أن كل ما بذلناه إلى الآن من مجهودات لم يذهب سدى وها قد أدخلنا على النظام الحالي تحسينات هامة وإذا كان المدى لا يزال واسعًا بيننا وبين نظام السجلات العقارية إلا أننا نأمل أن نقطع الطريق خطوة فخطوة حتى نصل إلى تحقيق هذا النظام.
46/ وأول ما يجب علينا فعله الآن هو إلزام ذوي الشأن بتحرير العقود الواجبة التسجيل في صيغة رسمية فإن تحرير العقود بمعرفة كاتب العقود الرسمية يكفل لنا حسن ودقة تحريرها فضلاً عن التحقق من أهلية المتعاقدين وثبوت الملكية، ولسنا أول من فكر في هذا الاقتراح فقد سبقتنا فيه لجنة سنة 1904 الدولية التي اقترحته بمناسبة مشروع توحيد أقلام التسجيل، أجل إن العقود الرسمية هي ضرورية فقط في نظام تسجيل الحقوق إلا أن كثيرًا من البلدان الخاضعة لنظام تسجيل العقود فقط قررت ضرورة تحرير العقود في صورة رسمية.
إني مقتنع تمامًا أن من السهل إعداد طائفة من كتاب العقود الرسمية يعينون من حملة شهادة الليسانس في الحقوق الذين يكثر عددهم في هذه البلاد ويمكن تدريبهم على هذا النوع من الأعمال في بضعة شهور بواسطة تلقي بعض دروس في موضوع العقود الرسمية.
47/ ومتى تم ذلك يصير تعميم استعمال ورق التمغة والتصوير الشمسي في العقود والمستندات التي تحرر في أقلام تسجيل المحاكم الأهلية وفي المحاكم الشرعية مع ضرورة تبليغ صورها إلى مصلحة المساحة أسوةً بما هو جارٍ في أقلام كتاب المحاكم المختلطة.
48/ وكذلك يجب إعداد الوسائل التي تمكن مصلحة المساحة من تعميم تحديد عقارات القطر بأكمله بوضع علامات حديدية كما فعلت في مديرية المنوفية ومن وضع البيانات اللازمة أولاً فأول على خارطة مصر المساحية التي بمقاس 1/1000.
49/ وفي النهاية تعالج مسألة علانية انتقال الحقوق العقارية بالميراث وتنشأ مصلحة خاصة تكلف بمسك السجلات العقارية ويوضع قانون منظم لهذه السجلات مع التصريح بأنه في عدد معين من السنين الأولى لإنشائها لا تكون هذه السجلات ضامنة للحقوق التي تسجل فيها. لا نزاع في أن وضع هذا النظام يكلف الحكومة مبالغ طائلة وطبيعي أن إنشاء سجلات عقارية لا يتم بدون نفقة تتحملها الخزينة إلا أنه يتلاحظ أن الرسوم النسبية الحالية التي لا تتعدى 3.5 % هي في غاية الاعتدال إذا قارناها بما يقابلها في الأقطار الأخرى فضلاً عن أن هذه الرسوم لا تحصل على الثمن الحقيقي للعقار بل على أقل منه بكثير بحيث إن ما يحصل فعلاً لا يزيد على 2 % من قيمة العقار الحقيقية ولذا نرى أنه يقتضي سن قانون يفرض نهائيًا ولمدة طويلة رسومًا نسبية قدرها 3.5 % على أساس القيمة الحقيقية للعقار فإذا تم ذلك ونفذ بكل دقة زاد ما تحصله الحكومة من هذه الرسوم زيادة كبرى ويتوفر لها المال اللازم لإنشاء هيئة مأموري العقود الرسمية وإيجاد الإصلاحات الأخرى التي يطلبها هذا النظام في أقلام كتاب المحاكم الأهلية والشرعية وفي مصلحة المساحة.
50/ إن قطرًا كالقطر المصري حيث الأراضي الزراعية هي مورد الثروة وحيث هي موزعة بين السكان على قطع صغيرة للغاية لا يمكن أن يهمل فيه هذا الإصلاح الحيوي بسبب كثرة النفقات التي يستلزمها، والمزايا التي تترتب على تحقيق هذا النظام لا يستهان بها، إذ بفضل هذه السجلات يصبح انتقال ملكية العقارات في غاية من السهولة وتصبح التصرفات في متناول كل إنسان وكفى أن تنظر إلى الصعوبات الجمة لتحقيق انتقال الملكية بحسب النظام الحالي وما يستلزمه من وقت وعناء في مراجعة حجج ومستندات الملكية واستخراج شهادات عقارية من جهات مختلفة فضلاً عن الخطأ الذي يتعرض له الإنسان بسبب تشابه الأسماء المصرية ببعضها والتغيير والتبديل في حدود الأقسام الإدارية والعدد العظيم للسجلات والفهارس الجاري العمل بها علاوة على استحالة العثور على بعض التصرفات أو البيانات التي لا يمكن الوصول إليها في النظام الحالي في حين أنه يمكن الاستدلال عليها بسهولة وبكل سرعة ودقة في نظام السجلات العقارية.
ونظام السجلات العقارية هذا يحول دون تعدي الأفراد على أملاك غيرهم ويرفع عن كاهل المحاكم تلك المنازعات العقارية التي تشغلها سنينًا طويلة في بحث أصل الملكية والتصرفات المتوالية والحقوق المرتبة عليها تلك الحقوق التي تتصل ببعضها وتندمج في بعضها وتجعل الحق غامضًا يتعذر الاهتداء والوصول إليه.
هناك فائدة أخرى عظيمة لنظام السجلات العقارية: ألا وهي زيادة قيمة الأملاك العقارية هذه الزيادة قدرها المسيو هوربيه رئيس المحكمة المختلطة بالقاهرة بنسبة 20 أو 25 % من القيمة الحالية (راجع الكتاب الذهبي لليوبيل الخمسيني للمحاكم المختلطة 1876 - 1926 صحيفة 331).
علاوة على ما تقدم فإن هذا النظام ديمقراطي محض وهو يفيد صغار المزارعين بصفة خاصة.
لنظام السجلات العقارية في مصر خصوم نخص بالذكر منهم من يتعايشون من وراء اعتلال النظام الحالي ويستغلون نقصه ومن رأي هؤلاء أن الالتجاء إلى مصلحة المساحة يؤخر التسجيل أو القيد تأخيرًا ضارًا وليس من وراءه فائدة لأحد، على هذا نجيب أنه من المحتمل أن الأعمال تتراكم أحيانًا في مصلحة المساحة لكثرتها ولقلة عدد العمال فلا تستطيع إنجازها كلها بالسرعة اللازمة على أن مسؤولية هذا التأخير لا تقع على عاتق المصلحة وإنما على من يضنون عليها بالمستخدمين اللازمين لها علاوة على ذلك فمن المحقق أن مزايا وفوائد النظام الجديد لا تظهر ولا يشعر بها الجمهور إلا بعد الانتهاء من وضع السجلات العقارية بأكملها.
ومن رأيي أن الاعتراضات الموجهة للنظام الجديد غير جدية وأدعو من لا يشاطرني هذا الرأي أن يتفضل بالانتقال إلى شبين الكوم ليشاهد هناك بنفسه الطريقة العملية لتطبيق هذا النظام وليحادث في الموضوع فلاحي المنوفية الذين تم تحديد أراضيهم على الطبيعة وتسجيلها في السجلات العقارية.
على أنه لبلوغ الغاية المنشودة يتحتم المثابرة في العمل والمواظبة عليه لأن إدخال نظام السجلات العقارية في بلد كمصر يستلزم مجهودًا متواصلاً مدة عشرين عامًا بغير توانٍ وبلا انقطاع.
إن غاية أمنيتي لخير هذا البلد هو أن تقرر الحكومة والبرلمان مواصلة العمل الذي بدئ فيه فإن صحت عزيمتهم على ذلك فخيرًا يفعلون وإلا فالأجدر أن يعدل من الآن عن إدخال نظام السجلات العقارية بمصر اجتنابًا للمتاعب والنفقات الجسيمة التي يستلزمها هذا النظام.
وفي الختام أقول ليس في الأمر استحالة بل إذا أرادت مصر إدخال نظام السجلات العقارية لأمكنها ذلك وتصبح كبلاد سويسرا قدوة لأقطار العالم في هذا العمل الجليل هذا ما أورده لها والسلام.
بحث في الحراسة القضائية إسماعيل مجدي المحامي
مجلة المحاماة – العدد الأول
السنة الثامنة – 1927/ 1928
بحث في الحراسة القضائية
بمناسبة حكم محكمة أسيوط الاستئنافية
رقم (473) بالعدد الثامن من المحاماة
تنازع بعض القسس مع الدار البطريركية على ملكية كنيسة، وطرح هذا النزاع أمام محكمة أسيوط الأهلية للفصل فيه، وفي الوقت نفسه تقدمت الدار البطريركية إلى محكمة الموضوع بطلب (الحكم بصفة مستعجلة بتعيين حارس قضائي على الكنيسة المتنازع عليها لمباشرة إقامة الشعائر الدينية فيها حتى يتم الفصل في الملكية).
فقضت محكمة أسيوط برفض طلب الحراسة، وقالت في حكمها: (حيث إن من ضمن شروط دعوى الحراسة أن يكون الشيء المراد وضعه تحت الحراسة مما يمكن للغير (Tiers) أن يتولى إدارته، فإذا لم يتوفر هذا الشرط فلا وجه لتعيين حارس، وبناءً على ذلك قضت المحاكم الفرنسوية بأنه لا يجوز أن يعهد في إدارة أجزاخانة أو مصلحة أميرية لحارس قضائي، ومعنى ذلك راجع لتعريف الحراسة وواجبات الحارس، إذ أن الحراسة هي وضع الشيء المتنازع عليه تحت يد شخص ثالث حتى يُفصل في النزاع القائم بخصوصه، ومن واجبات الحارس إدارة الشيء موضوع الحراسة، فإن كان هذا الشيء مما لا يمكن للغير إدارته فلا يمكن تعيين حارس عليه (راجع شرح Boudry على الوديعة صفحة (684) فقرة (1274) وصفحة (674) فقرة (1253) وما بعدها)، وحيث إنه في هذه الدعوى مما لا شك فيه أنه لا يمكن لأي شخص خلاف الطرفين أو من ينوب عن المدعي من رجال الدين أن يتولى إدارة الكنيسة للغرض الذي ذكره المدعي في عريضة دعواه (إقامة الشعائر الدينية) وإذن فهذه الدعوى على غير أساس ويتعين رفضها - وحيث إنه لا محل بعد ذلك للبحث في باقي ما دفع به المدعى عليهما... إلخ).
استأنفت الدار البطريركية هذا الحكم فقضت محكمة أسيوط الاستئنافية بإلغائه بحكمها المنشور في العدد الأخير من المحاماة، وقررت بأنه لا محل لما أخذ به الحكم المستأنف من أن الحراسة لا يصح أن يؤمر بها إلا فيما يمكن للغير أي غير المتخاصمين إدارته إذ لا معنى لهذا التقييد مع وجود النص الصريح على إطلاقه في المادة (491) من القانون المدني.
ولأن هذا الموضوع من الأبحاث الطريفة أمام القضاء واعتقادًا منا بأن الحكم الاستئنافي لا يتمشى مع المبادئ القانونية المقررة، رأينا أن نعلق عليه بهذا البحث الوجيز إتمامًا للفائدة.
الحراسة القضائية هي وضع عقار أو منقول بين يدي شخص ثالث بقصد المحافظة على حقوق طرفي الخصوم ذوي المصلحة في حفظه (Audry , Rou t. 6p. 145).
فالحراسة إذن تتعلق بحماية الحقوق الخاصة للطرفين المتنازعين، وهذه الحقوق في القضية القائمة بين الدار البطريركية وخصومها تتعلق بملكية الكنيسة، ولا شك أن حق الملكية، وهو وحده محل النزاع في قضية الموضوع، لا شأن له بإقامة الشعائر الدينية في الكنيسة، والحراسة القضائية لا يقصد بها إلا المحافظة على المصالح الخاصة والحقوق العينية دون غيرها
Le sequestre judiciaire est ordonné pour sauvegarder des intérêts privés (Dalloz: Rép. Pratique: Dépôt - Sequestre No. 259).
Le Sequestre judiciaire se rattache á l’organisation et á la protection des droits reéls. (Dalloz: Nouv b, biv ann. Art 1961 No. 4)
ومن البداهة أن (إقامة الشعائر الدينية) وهي مهمة الحارس القضائي الذي تطلب الدار البطريركية تعيينه لا تدخل مطلقًا ضمن المصالح الخاصة (intérêts privés) أو الحقوق العينية (droits réels) التي يعين الحارس القضائي لحمايتها والمحافظة عليها، ولهذا كان طلب الحراسة في هذه القضية متنافرًا مع طبيعة معنى الحراسة القضائية من الوجهة القانونية.
على أن هذا التنافر يظهر جليًا فوق ذلك عند البحث في ركن الخطر وهو أحد الركنين الواجب توفرهما ليكون طلب الحراسة مقبولاً.
من المقرر قانونًا أن الحراسة القضائية لا تكون إلا حيث يكون الخطر مهددًا لحقوق أحد الخصمين المتنازعين (Dalloz. N.C. Civ art 1961 No. 46).
على أن الخطر في هذه القضية لا يتعلق بحق أحد الطرفين المتنازعين وهو حق الملكية على العقار المتنازع عليه، وإنما يتعلق بإقامة الشعائر الدينية، وبعبارة أخرى أن طالب الحراسة لا يشكو من خطر يهدد الحق المتنازع عليه، وهو حق الملكية، أو ما يتعلق به من الحقوق الأخرى، حتى يكون من الجائز تعيين حارس قضائي للمحافظة على العقار المتنازع عليه وصيانته وحفظ غلته حتى ينتهي النزاع في موضوع ملكيته، ولكن طالب الحراسة يشكو من تعطيل الشعائر الدينية في الكنيسة المتنازع على ملكيتها ويطلب أن يكون تعيين الحارس لإقامة هذه الشعائر المعطلة.
وهذا النوع من الخطر لا يعرفه القضاء المدني ولا يصح أن يكون محل نزاع أمامه وليس من شأنه أن ينظر فيه أو أن يتلافاه من طريق الحراسة القضائية، لأنه متعلق بمصلحة أدبية عامة غير مقومة بمال، وطلب الحراسة إنما يقصد به أصلاً حماية المصالح الخاصة والحقوق العينية بوضع العين المتنازع على ملكيتها أو حيازتها تحت يد أمين وذلك متى كان هناك خوف من أن واضع اليد الحالي ليس من القدرة المالية بحيث يستطيع في المستقبل أن يعوض ما يصيب العين من التلف تحت يده أو يرد ما يصل إليه من ثمراتها.
وأحكام المحاكم جميعها بهذا المعنى والأمثلة على ذلك كثيرة، فقد حكمت المحاكم بجواز تعيين الحارس القضائي إذا كانت حيازة أحد المتخاصمين بمفرده تضر بحقوق الآخر ويخشى من تبديد غلاته وعدم صيانتها (استئناف بني سويف، مجلة الحقوق سنة خامسة صـ 380) أو إذا كان يخشى من تبديد إراداته من أشخاص يتضح للمحكمة عدم اقتدارهم فيما بعد على القيام بدفع تعويض الضرر (محكمة الجيزة: الحقوق سنة سادسة صـ 380) أو إذا كان يخشى على العين من وجودها تحت يد الخصم بالنظر لإعساره في الحال أو ترجيح إعساره في المستقبل (بني سويف: الحقوق سنة سابعة صـ 349).
وقضت محكمة الاستئناف بأنه لو قدم الخصم المطلوب رفع يده بطريق الحراسة تأمينات كافية تضمن الريع المتنازع عليه للخصم الطالب الحراسة لم يكن هناك موجب لتعيين حارس (استئناف: حقوق سنة 25 صـ 273).
فالفكرة السائدة إذن في قضاء المحاكم وآراء علماء القانون ترمي إلى عدم إجازة الحراسة إلا في سبيل المحافظة على الحقوق المتنازع عليها إذا كان هناك خطر من بقاء العين المتنازع عليها تحت يد أحد طرفي الخصوم، أي أن يكون ذلك الخصم من عدم الكفاءة المالية بحيث لا يستطيع خصمه الرجوع عليه فيما بعد بما يستحقه.
ولا شك أن هذه الفكرة التي قامت عليها الحراسة القضائية لا تتمشى مطلقًا مع الغرض الذي تطلب الدار البطريركية تعيين الحارس من أجله.
وهذه الفكرة نفسها هي التي لا تجعل محلاً للحراسة متى كان الشيء المتنازع عليه مما لا يتيسر للغير إدارته، وذلك لأن الحراسة في الأصل تقضي بأن تعهد المحكمة بالعين المتنازع عليها إلى شخص ثالث (tiers) تتوفر فيه الكفاءة والأمانة للحراسة، فإذا كان الغرض المقصود من الحراسة مما لا يتيسر لغير الخصوم القيام به خرجت الحراسة عن معناها، وهو وضع العين تحت يد أمين للمحافظة على حقوق الطرفين فيها.
وإلا فإذا كان من الجائز أن تترتب الحراسة على كل نزاع مهما كانت طبيعته، ودفعًا لكل ضرر من أي نوعٍ كان، كما فهمت محكمة استئناف أسيوط من إطلاق نص المادة (491) مدني، لجاز مثلاً للزوج الذي يطلب في دعوى شرعية ضم أولاده إليه أن يطلب من القضاء تعيين حارس قضائي على الأولاد لتربيتهم حتى ينتهي النزاع الشرعي.
ولقد قضت المحاكم بأنه لا يجوز وضع صيدلية أو مصلحة عامة تحت الحراسة القضائية (baudry السابق الإشارة إليه) وقضت أيضًا بأنه لا يجوز تعيين حارس قضائي على (جريدة) لإصدارها مؤقتًا حتى ينتهي النزاع القائم بشأنها(Dalloz: N.C. Civ, art, 1961 No. 13).
من أجل هذا نعتقد أن الحكم بتعيين حارس قضائي على كنيسة لإقامة الشعائر الدينية فيها لا يتفق من الوجهة القانونية مع المعنى المقصود بالحراسة القضائية.
إسماعيل مجدي المحامي |