الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 2 فبراير 2020

الالزام بالرسوم القضائية في حالة رفض الدعوى (رغم الاعفاء) فهم خاطئ للنص وتطبيق غير صحيح لأحكامه.

الدعوى رقم 19 لسنة 33 ق " دستورية " جلسة 4 / 1 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار سعيد مرعى عمرو    رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر والدكتور محمـد عمـاد النجـار والدكتـور عبدالعزيـز محمـد سالمان والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا       نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع        أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 19 لسنة 33 قضائية " دستورية ".

المقامة من
محمد عبد العزيز عطية
ضد
1 - رئيس الجمهوريــة
2- رئيس مجلس الوزراء
3- رئيس مجلس الشعب (مجلس النواب حاليًا)
4- وزيــــر العــدل
5- معاون تنفيذ محكمة السويس
الإجراءات
بتاريخ الثامن من فبراير سنة 2011، أودع المدعى صحيفة الدعوى المعروضة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طلبًا للحكم بعدم دستورية المادة السادسة من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، المعدل بالقانون رقم 180 لسنة 2008.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت في ختامها الحكم أصليًا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًا برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- في أن المدعى، كان أحد العاملين بشركة مصر إيران للغزل والنسيج، وصدر قرار بفصله من عمله، فأقام، ضد الشركة، الدعوى رقم 240 لسنة 2009 عمال كلى، أمام محكمة السويس الابتدائية، طالبًا الحكم بإلغاء قرار فصله والقضاء بعودته إلى العمل، مع استحقاقه لكامل أجره لحين عودته للعمل، وتعويضه بمبلغ مائة ألف جنيه عما أصابه من أضرار. وتدوولت الدعوى أمام تلك المحكمة، وبجلسة 19/11/2009، قضت برفض الدعوى، وألزمت المدعى المصروفات. وبناء على ذلك صدر أمر تقدير الرسوم النسبية ورسم الخدمات عن تلك الدعوى، بموجب المطالبة رقم 395 لسنة 2009/2010، بمبلغ 4972 جنيهًا "رسم نسبى"، ومبلغ 2483,75 جنيهًا "رسم صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية"، فتظلم المدعى من تلك المطالبة، طالبًا إلغاءها، كما أقام دعوى مبتدأه للمنازعة في أساس الالتزام، قُيدت برقم 450 لسنة 2010 عمال كلى، أمام المحكمة ذاتها، وبجلسة 29/7/2010، قررت المحكمة ضم الدعوى الأخيرة إلى التظلم ليصدر فيهما حكم واحد، وحال نظرهما دفع المدعى بعدم دستورية المادة السادسة من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، والمادتين (14و16) من قانــــون الرســــوم القضائية الصادر بالقانون رقم 90 لسنة 1944، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، صرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة، قاصرًا طلباته فيها على نص المادة (6) من قانون العمل المشار إليه.
وحيث إنه من المقرر – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن نطاق الدعوى الدستورية التي أتاح المشرع للخصوم إقامتها، يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المبدى أمام محكمة الموضوع، وفى الحدود التي تقدر فيها جديته، وصرحت برفع الدعوى الدستورية بشأنه، وبما لا يجاوز الطلبات الختامية الواردة بصحيفة الدعوى الدستورية أو يتعدى نطاقها. متى كان ذلك، وكان المدعى قد قصر طلباته في صحيفة الدعوى المعروضة على نص المادة (6) من قانون العمل المشار إليه، دون باقي النصوص التشريعية التي دفع أمام محكمة الموضوع بعدم دستوريتها، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية عنها، ومن ثم يقتصر نطاق الدعوى المعروضة على نص المادة (6) المشار إليها، دون سواها.
وحيث إن المادة (6) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، تنص على أن: "تعفى من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي الدعاوى الناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكام هذا القانون التي يرفعها العاملون والصبية المتدرجون وعمال التلمذة الصناعية أو المستحقون عن هؤلاء، وللمحكمة في جميع الأحوال أن تشمل حكمها بالنفاذ المعجل وبلا كفالة، ولها في حالة رفض الدعوى أن تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها.
وتعفى الفئات المشار إليها في الفقرة السابقة من رسم الدمغة على كل الشهادات والصور التي تعطى لهم، والشكاوى والطلبات التي تقدم منهم تطبيقًا لأحكام هذا القانون."
وحيث إن المدعى ينعى على نص هذه المادة الإخلال بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، والإخلال بالحق في التقاضي؛ لتحميلها العامل عبء المصروفات القضائية بما يثقل كاهله، ويُقعد همته عن إقامة الدعاوى القضائية دفاعًا عن حقوقه .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة ، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، وهو كذلك يقيد مباشرتها لولايتها في شأن هذه الخصومة، فلا تفصل في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعي. ويتحدد مفهـوم هـذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعى - في حدود الصفة التي اختصم بها النص المطعون عليه - الدليل على أن ضررًا واقعيًا - اقتصاديًا أو غيره - قد لحق به، سواء أكان هذا الضرر الذى يتهدده وشيكًا، أم كان قد وقع فعلاً. ويتعين دومًا أن يكون هذا الضرر مباشرًا، منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكنًا تصوره ومواجهته بالترضية القضائية لتسوية آثاره. ثانيهما : أن يكون هذا الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه. وليس ضررًا متوهمًا أو منتحلاً أو مجهلاً، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته الدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
      وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الخطأ في تأويل أو تطبيق النصوص القانونية لا يوقعها في دائرة المخالفة الدستورية إذا كانت صحيحة في ذاتها، ذلك أن الفصل في دستورية النصوص القانونية المدعى مخالفتها للدستور، لا يتصل بكيفية تطبيقها عملاً، ولا بالصورة التي فهمها القائمون على تنفيذها، وإنما مرد اتفاقها مع الدستور أو خروجها على أحكامه إلى الضوابط التي فرضها الدستور على الأعمال التشريعية جميعها. فإذا كان الضرر المدعى به ليس مرده إلى النص المطعون بعدم دستوريته، وإنما مرده إلى الفهم الخاطئ له والتطبيق غير الصحيح لأحكامه، غدت المصلحة في الدعوى الدستورية منتفية.

متى كان ذلك، وكانت رحى الخصومة في الدعوى الموضوعية تدور حول منازعة المدعى في الرسوم القضائية (النسبية) والرسم المستحق لصندوق الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية، الواردة بأمر تقدير الرسوم المار ذكره، دون سائر العناصر الداخلة في المصروفات، ومن ثم فإن نطاق الدعوى المعروضة يتحدد فيما نص عليه عجز الفقرة الأولى من المادة (6) من قانون العمل المشار إليه، من أن للمحكمة " في حالة رفض الدعوى أن تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها"، دون سائر أحكام تلك المادة.
وحيث إن مدلول الرسوم القضائية لا يختلف عن مدلول المصروفات القضائية، في اشتمال كل منهما على رسم الدعوى، ورسوم الصور والشهادات والملصقات والأوراق القضائية والإدارية، وأجر نشر الإعلانات، والمصاريف الأخرى، كأمانة الخبير وبدل سفر الشهود، وغيرها مما كان لازمًا لتحقيق الدعوى أو اتخاذ إجراءات تحفظية أثناء سيرها، وأتعاب المحاماة. إلا إنه حال وجود نص قانوني يقضى بالإعفاء من الرسوم القضائية، لاعتبارات قدرها المشرع، إما لتيسير السبيل للمطالبة القضائية بما يُعتقد أنه حق، أو تقديرًا من الدولة لرفع العبء عن بعض الجهات أو الهيئات، فإن أثر هذا الإعفاء يقتصر على ما هو مستحق فقط من رسوم للدولة عند رفع الدعوى أو الطعن في الحكم الصادر فيها، باعتبار أن الرسم مبلغ من النقود تحصله الدولة جبرًا من شخص معين مقابل خدمة يؤديها له أحد مرافقها، ومن ذلك مرفق القضاء. أما ما ينفقه الخصم الآخر الذي كسب الدعوى من رسوم أو مصاريف، فإنه إعمالاً لنص المادة (184) من قانون المرافعات، يتعين إلزام خاسر الدعوى بها، وهو من رفعها أو دفعهـا بغير حق، إذ عليه أن يتحمل ما ألجأ إليه خصمه من دفع رسوم ومصروفات. وأساس الإلزام بالمصاريف أن الخصومة القضائية، كوسيلة قانونية لحماية الحق، يجب ألا يؤدى استخدامها من قبل صاحب الحق إلى إنقاص حقه بمقدار ما تحمله من نفقات في سبيل حمايته، فلا ينبغي أن يكون طلب الحق سببًا للغرم والخسران. وذلك كله، ما لم ينص القانون صراحةً على أن الإعفاء من الرسوم القضائية، يشمل ما توجبه المادة (184) من قانون المرافعات، من إلزام خاسر الدعوى بالمصاريف، ويدخل في حسابها مقابل أتعاب المحاماة.
وحيث كان ما تقدم، وكان المشرع بموجب صدر نص الفقرة الأولى من المادة (6) من قانون العمل المشار إليه، قد أعفى العاملين والصبية المتدرجين وعمال التلمذة الصناعية أو المستحقين عن هؤلاء، من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي عن الدعاوى التي يرفعوها متى كانت ناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكام ذلك القانون. وكانت غاية المشرع من قصر الإعفاء على الرسوم القضائية، التي تؤول إلى خزانة الدولة، تمكين العمال من الولوج إلى ساحة القضاء للدفاع عن مصالحهم، غير محملين بعبء هــــذه الرسوم، واضعًا نصب عينيه تباين أوضاعهم المالية التي لا تُمكن قطاعًا كبيرًا منهم من تحمل هذا العبء المالي، وحتى لا يحول هذا العبء بين العامل وطرح دعواه على القضاء. ومن جانب آخر، فقد نص عجز الفقرة الأولى من المادة (6) من ذلك القانون على أن للمحكمة " في حالة رفض الدعوى أن تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها"، لينصرف حكم هذه المصروفات إلى ما ينفقه الخصم الآخر – رب العمل – الذي كسب الدعوى، من رسوم أو مصاريف جراء هذه الخصومة القضائية.

متى كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن أمر تقدير الرسوم محل التداعي في الدعويين الموضوعيتين، قد انصب على مطالبة قلم كتاب المحكمة للعامل (المدعى) بالرسوم القضائية النسبية، ورسم الخدمات، بعد أن قُضى برفض دعواه العمالية. وكانت تلك الرسوم محل إعفاء صريح بموجب صدر نص الفقرة الأولى من المادة (6) من قانون العمل المشار إليه، ومن ثم فإن الضرر الذي لحق بالمدعى لا يكون راجعًا إلى النص المطعون فيه، وإنما إلى الفهم الخاطئ لهذا النص، والتطبيق غير الصحيح لأحكامه، من قبل السلطة المختصة، والذي لا يشكل عيبًا دستوريًّا، يستنهض ولاية هذه المحكمة، الأمر الذى تنتفى معه مصلحة المدعى في الطعن على هذا النص، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى بالمصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

دستورية التفريد العقابي على جريمة التهرب من الضريبة على الدخل


الدعوى رقم 217 لسنة 31 ق "دستورية" جلسة 4 / 1 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور عبد العزيـز محمـد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا       نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع      أمين السر

أصدرت الحكم الآتى
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 217 لسنة 31 قضائية "دستورية"


المقامة من
رأفت فوزى محمود
ضد
1-    رئيس الجمهوريــــة
2-    رئيس مجلس الـوزراء
3-    وزير العـــــدل
4-    وزيـــــر الماليـــــــــة
5-    النائب العـــــــــــام


الإجراءات
      بتاريخ الثانى والعشرين من أكتوبر سنة 2009، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة(133) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005.


      وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
      وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
      ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قدم الحاضر عن الدولة مذكرة، طلب في ختامها الحكم أصليًّا بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا برفضها، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يتبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة كانت قد أسندت إلى المدعى وآخر، في الدعوى رقم 59595 لسنة 2008 جنح قسم المنتزه، أنهما في تاريخ سابق على عام 2006، بدائرة قسم المنتزه – محافظة الإسكندرية:
1- أخفيا جزءًا من النشاط الخاضع للضريبة بقصد التهرب واستعملا وسائل احتيالية.
2- قدما الإقرار الضريبى السنوى استنادًا لبيانات مخالفة.
3- امتنعا عن تقديم إخطار بمزاولة النشاط.
وقدمتهما للمحاكمة الجنائية، بطلب عقابهما بالمواد (91/1، 187/ثانيًّا/1) من القانون رقم 157 لسنة 1981 بإصدار قانون الضرائب على الدخل، المعدل بالقانون رقم 187 لسنة 1993 بإصدار قانون الضريبة الموحدة على الدخل ولائحته التنفيذية، والمواد (6/3، 32/1، 74/1، والفقرة الأولى والبند (5) من الفقرة الثانية من المادة 133، والفقرة الأولى من المادة 135) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005. وبجلسة 8/9/2009، قضت المحكمة حضوريًّا بتوكيل، بتغريم كل من المتهمين ألفى جنيه، وإلزامهما بأداء الضريبة المستحقة، وتعويض يعادل مثل الضريبة والمصاريف. ولم يلق هذا القضاء قبولاً لدى المحكوم عليهما، فطعنا عليه أمام محكمة جنح مستأنف المنتزه بموجب الاستئناف رقم 38584 لسنة 2009، وبجلسة 17/10/2009 طلب الحاضــــر عن المدعى أجلاً لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية المادة (133) من القانون رقم 91 لسنة 2005 المشار إليه، فقدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وقررت التأجيل لجلسة 25/10/2009 لتقديم شهادة بما يفيد الطعن بعدم الدستورية، فأقام المدعى دعواه المعروضة.



      وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى، على سند من أن المدعى قد أقام الدعوى الدستورية المعروضة دون تصريح واضح من محكمة الموضوع، فذلك مـــــردود بأن المقـــــرر في قضاء هذه المحكمة أنه ليس لازمًا – في مجال تقدير جدية الدفع المثار أمام محكمة الموضوع – صدور قرار صريح لمن أثار الدفع بإقامة الدعوى الدستورية، بل يكفيها أن يكون قرارها في هذا الشأن ضمنيًّا مستفادًا من عيون الأوراق. ومن ثم فإن تعليق محكمة الموضوع الفصل في الاتهام المسند للمدعى وآخر، على تقديم شهادة بما يفيد الطعن بعدم الدستورية، بعد أن أبدى المدعى دفعه بعـــدم دستوريـــــة المادة (133) من القانـــون رقـــم 91 لسنة 2005 أمامهــــــــا، يُعد تصريحًا له بإقامة الدعوى الدستورية.



      وحيث إن قانون الضريبة على الدخل، الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، قد وضع التنظيم العام لأحكام هذه الضريبة، وبعد أن حدد كل ما يتصل بأوضاع فرضها، واستحقاقها، وتحصيلهــــا، نظم في الكتاب السابع منه أحكام ما يتصل بهذه الضريبة من جرائم وعقوبات، فنص في المادة (133) على أن "يعاقب كل ممول تهـــــــــــرب من أداء الضريبة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة تعادل مثل الضريبة التى لم يتم أداؤها بموجب هذا القانون أو بإحدى هاتين العقوبتين.



      ويعتبر الممول متهربًا من أداء الضريبة باستعمال إحدى الطرق الآتية:
1 - تقديم الإقرار الضريبى الســــنوى بالاستناد إلى دفاتر أو سجلات أو حسابات أو مستندات مصطنعة مع علمه بذلك، أو تضمينه بيانات تخالف ما هو ثابت بالدفاتر أو السجلات أو الحسابات أو المستندات التى أخفاها.
2 - تقديم الإقـــــــــــــــــرار الضريبى السنوى على أساس عدم وجود دفاتر أو سجلات أو حسابات أو مستندات مع تضمينـــــــــــــه بيانات تخالــــــــــف ما هو ثابت لديه من دفاتر أو سجلات أو حسابات أو مستندات أخفاها.
3 - الإتلاف العمد للسجلات أو المستندات ذات الصلة بالضريبة قبل انقضاء الأجل المحدد لتقادم دين الضريبة.
4 - اصطناع أو تغيير فواتير الشراء أو البيع أو غيرها من المستندات لإيهام المصلحة بقلة الأرباح أو زيادة الخسائر.
5 - إخفاء نشاط أو جزء منه مما يخضع للضريبة.
      وفى حالة العود يحكم بالحبس والغرامة معًا.
      وفى جميع الأحوال تعتبر جريمة التهرب من أداء الضريبة جريمة مخلة بالشرف والأمانة".



وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويتغيا هذا الشرط أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبهـــــــا العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلهـــــا في تلك الخصومة، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى، وبالقدر اللازم للفصل فيه. متى كان ذلك، وكان النزاع المثار في الدعوى الموضوعية، الذى أقيمت الدعوى الدستورية بمناسبته، يدور حول تقديم المدعى للمحاكمة الجنائية، لاتهامه بارتكاب جريمة إخفاء جزء من النشاط الخاضع للضريبة بقصد التهرب من أداء الضريبة المقررة قانونًا والمستحقة على أرباحه. وكان الدفع المبدى من المدعى أمام محكمة الموضوع قد انصب على نص المادة (133) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 سنة 2005، وهو النص الذى انصرف إليه تقدير محكمة الموضوع لجدية هذا الدفع، وتصريحها للمدعى برفع الدعوى الدستورية طعنًا عليه، وانحصرت فيه طلباته الختامية التى ضمنها صحيفة دعواه المعروضة، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة في هذه الدعوى تكون متوافرة، بالنسبة للطعن على نص الفقرة الأولى والبند (5) من الفقرة الثانية من المادة (133) من القانون المشار إليه - قبل استبدالها بالقانون رقم 11 لسنة 2013 - وهو النص المحدد لنطاق التجريم والعقاب المواجه به المدعى، الذى ارتكبت الوقائع المنسوبة إليه في ظل العمل به، بحسبان الفصل في دستورية هذا النص سيكون ذا أثر وانعكاس على المسئولية الجنائية للمدعى، وقضاء محكمة الموضوع في هذا الشأن، الأمر الذى يتعين معه القضاء بقبول الدعوى بالنسبة لهذا النص في حدود نطاقه المتقدم، دون أن يمتد إلى ما ورد به من أحكام أخرى.



      وحيث إن المحكمة الدستورية العليا سبق أن حسمت أمر دستورية نص البند (5) من الفقرة الثانية من المادة (133) المطعون فيه، بحكمها الصادر في الدعوى رقم 50 لسنة 37 قضائية "دستورية" بجلسة 2/3/2019، الذى قضى برفض الدعوى، وقد نُشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بعددها رقم (10 مكرر ب) بتاريخ 11/3/2019، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، ونصى المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون أحكام هذه المحكمة ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لهــــا حجيــة مطلقــة بالنسبة لهــم، باعتبارهــا قــولاً فصــلاً في المسألــة المقضــى فيها، لا يقبل تأويلاً ولا تعقيبًا من أى جهة كانت، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعتها. متى كان ذلك، وإذ سبق وأن قضت هــــذه المحكمــة في الدعــــوى الدستوريــــــة المشــــار إليها برفض الدعــــوى المقامــة طعنًا على دستورية نص البند (5) من الفقرة الثانية من المادة (133) من القانون رقم 91 لسنة 2005 بشأن الضريبة على الدخل، الذى يدخل ضمن نطاق الدعوى المعروضة، فإن الخصومة الدستورية بالنسبة لهذا النص، وهى عينية بطبيعتها، تكون قد انحسمت، الأمر الذى يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى المعروضة في هذا الشق منها.



      وحيث إن المدعى ينعى على التقدير العقابى الوارد بنص الفقرة الأولى من المادة (133) من القانون المشار إليه مخالفته لأحكام المواد (34، 38، 65) من الدستور الصادر عام 1971، المقابلة لأحكام المواد (35، 38، 94) من الدستور الحالى، وذلك بتضمنها جزاءات جنائية مفرطة غير متدرجة، لا تتناسب مع الجرائم المختلفة الواردة بالفقرة الثانية من النص ذاته، وتتنافى مع ضوابط العدالة الاجتماعية التى يقوم عليها النظام الضريبى في الدولة، وأنها جاءت منتقصة من العناصر الإيجابية للذمة المالية للممولين الخاضعين لأحكامها، دون أن تمنح القاضى أية سلطة تقديرية في تحديد الغرامة المناسبة.



      وحيث إن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التى ينبغى أن تقوم عليها الجماعة، تقتضى إخضاع القواعـــــــــــــــد القانونية جميعها - وأيًّا كان تاريخ العمل بها – لأحـــــكام الدســـــــتور القائم، لضــــــمـــــــــــان اتساقها والمفاهيم التى أتى بها، فـــلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظـــــم مختلفة يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. إذ كان ذلك، وكانت المناعى التى وجهها المدعى إلى النص المطعون فيه تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التى تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعى لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعى، ومن ثم، فإن المحكمة الدستورية العليا تمارس رقابتها على دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (133) من القانون رقم 91 لسنة 2005 المشار إليه، في ضوء أحكام الدستور القائم.



      وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الضريبة بكل صورها، تمثل في جوهرها عبئًا ماليًّا على المكلفين بها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الأعباء المالية التى انتظمها نص المادة (38) من الدستور، ويتعين بالتالى – وبالنظـــــــر إلى وطأتهـــــــــــــــا وخطورة تكلفتها – أن يكون العدل من منظور اجتماعى، مهيمنًا عليها بمختلف صورها، محددًا الشروط الموضوعية لاقتضائها، نائيًا عن التمييز بينها دون مسوغ، فذلك وحده ضمان خضوعها لشرط الحماية القانونية المتكافئة التى كفلها الدستور للمواطنين جميعًا في شأن الحقوق عينها، فلا تحكمها إلا مقاييس موحدة لا تتفرق بها ضوابطها، ومن ثم كان منطقيًا أن يُلزِم الدستور في المادة (38) منه الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبى، وتبنى النظم الحديثة التى تحقق الكفاءة واليسر والإحكام في تحصيل الضرائب، ونص على أن يحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب والرسوم، وصولاً إلى تحديد المال المحمل بعبئها والمتخذ وعاءً لها، والملتزمين بها الذين تتوافر بالنسبة لهم الواقعة المنشئة للضريبة.



      وحيث إن الدستور الحالى قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ العدل، باعتباره إلى جانب مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك حرص الدستور في المادة (96) منه على جعله ضابطًا للمحاكمة القانونية العادلة والمنصفة، التى يكفل للمتهم فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، فالعدالة الجنائية في جوهر ملامحها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هى التى يتعين ضمانها من خلال قواعد محددة تحديدًا دقيقًا، ومنصفًا، يتقرر على ضوئها ما إذا كان المتهم مدانًا أو بريئًا، ويفترض ذلك توازنًا بين مصلحة الجماعة في استقرار أمنها، ومصلحة المتهم في ألا تفرض عليه عقوبة ليس لها من صلة بفعــــــــــــــــــــــل أتاه، أو تفتقر هذه الصلة إلى الدليل عليها، ولا يجوز من ثم أن تنفصل العدالة الجنائية عن مقوماتها التى تكفل لكل متهم حدًا أدنى من الحقوق التى لا يجوز النزول عنها أو التفريط فيها، ولا أن تخل بضرورة أن يظل التجريم مرتبطًا بالأغراض النهائية للقوانين العقابية.



      وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائى على أوجه السلوك التى تضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، ذلك أن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، إلا أن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعي ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية.
     
      وحيث إن النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات، يأتى على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها.



      وحيث إن الضريبة - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة -    فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا من المكلفين بأدائها إسهامًا من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة ؛ ومن المقرر أن اتخاذ العدالة الاجتماعية مضمونًا وإطارًا للنظام الضريبي في البلاد إنما يقتضى بالضرورة أن يقابل حق الدولة في اقتضاء الضريبة لتنمية مواردها، ولإجراء ما يتصل بها من آثار عرضية، بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها منهم، وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نائيًّا لتحيفها، وحيدتها ضمانًا لاعتدالها. متى كان ذلك، وكان الجزاء الجنائي الذى فرضه المشرع بالنص المطعون فيه، والذى رآه المدعى مغالاً فيه، إنما تقرر لضرورة تبرره، وهى تنبيه الممولين وحثهم على احترام التزاماتهم الضريبية، وسدادها في المواعيد المقررة، وعدم تهربهم من أدائها، وهى جريمة أثمتها المادة (38) من الدستور، وتُعد في العديد من الدول – ومن بينها مصر - من الجرائم المخلة بالشرف، وذلك تمكينًا للدولة من الاستمرار في أداء الواجـبات والمهام المعهودة إليها، وتسيير مرافقها العامة بانتظام واضطراد؛ وقد تقرر هذا الجزاء كوسيلة نهائية وأخيرة لحمل الممول على الوفاء بالتزامه الضريبى، وبعد تجاوز الحدود التى يجوز التسامح فيها، بما لا يتبقى معه بعد ذلك عذر لعزوف الممول عن سداد الضريبة في المواعيد المقررة وتهربه من سدادها. وبذلك فإن هذه العقوبة لا تكـون مقصودة لذاتها، وإنما لتقويم سلوك الأفراد المارق، المنهى عنه جنائيًّا، وفق قواعد موضوعية يتساوى الجميع أمامها، ومن خلال منظور اقتصادي واجتماعي يكفل تحقيق مصالح الدولة، ولا يخل بحقوق الأفراد، مما يصبح معه تقرير هذا الجزاء ضروريًا ومفيدًا ومبررًا، تحقيقًا للغاية من العقوبة، وهى تحقيق الردع العام والخاص، وليس فيه - من منظور دستوري - مخالفة لمبدأ العدالة الاجتماعية.
      وحيث إن البين من أحكام القانون 91 لسنة 2005 بإصدار قانون الضريبة على الدخل أنه بعد أن ألغى القانون رقم 157 لسنة 1981 برمته - أعاد ترتيب أوضاع هذه الضريبة إجرائيًّا وموضوعيًّا، وجاء بنصوص مغايرة للقانون السابق في تحديده للأفعال المجرمة والعقوبات المقررة لها، نابذًا عقوبة الجناية التي كانت مقررة بمقتضى نص المادة (178) منه، مستبدلاً بها عقوبة أخف وطأة هي عقوبة الجنحة، وهى الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات، وغرامة تعادل مثل الضريبة التي لم يتم أداؤها، وأجاز للمحكمة الاكتفاء بالحكم بإحدى هاتين العقوبتين، على ما تقضى به أحكام الفقرة الأولى من المادة (133) المطعون فيها. بما مؤداه أن القانون الجديد قد أتى بعقوبات أخف وطأة من سابقه. هذا فضلاً عن أن جرائم التهرب الضريبي، وما توخاه المشرع من تقرير جزاء لها على النحو المتقدم - منظورًا في ذلك إلى مداه - هو حمل الممولين على إيفائها مباشرة إلى الخزانة العامة لضمان تحصيلها، والتقليل من تكلفة جبايتها، فلا يتخلون عن توريدها، وإلا كان ردعهم لازمًا حفاظًا على أموال الدولة. ومن ثم يكون ذلك الجزاء مبررًا ومفيدًا من وجهة اجتماعية، وهو ما يتفق مع القيم التى ارتضتها الأمم المتحضرة والتي تؤكد بمضمونها رقى حسها، وتكون علامة على نضجها عن طريق تطورها.
      وحيث إن الدستور الحالي، إذ نص في المادة (94) منه على خضوع الدولة للقانون، وأن استقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريـــات. كما أكد على هذه المبـــادئ في المادتين (184، 186) منه. فقد دلَّ على أن الدولة القانونية، هى التى تتقيد في كافة مظاهر نشاطها، وأيًّا كانت طبيعة سلطاتها، بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة. ذلك أن ممارسة السلطة، لم تعد امتيازًا شخصيًّا لأحد، ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها. ولأن الدولة القانونية هي التي يتوافر لكل مواطن في كنفها، الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها في إطار من المشروعية، وهى ضمانة يدعمها القضاء من خلال ضمان استقلاله وحصانته، لتصبح القاعدة القانونية محورًا لكل تنظيم، وحدًّا لكل سلطة، ورادعًا ضد كل عدوان.

      وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن العقوبة التخييرية، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازي، بعقوبة أصلية أشد – عند توافر عذر قانوني جوازي مخفف للعقوبة – أو إيقاف تنفيذ عقوبتي الغرامة أو الحبس الذى لا تزيد مدته على سنة، إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية    للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمة، ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون، على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هي أداوت تشريعية يتساند القاضي إليها – بحسب ظروف كل دعوى - لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة، ومن ثم ففي الأحوال التي يمتنع فيها إعمال إحدى هذه الأدوات، فإن الاختصاص الحصري بتفريد العقوبة المعقود للقاضي، يكون قد استغلق عليه تمامًا، بما يفتئت على استقلاله، ويسلبه حريته في تقدير العقوبة، ويفقده جوهر وظيفته القضائية، وينطوي على تدخل محظور في شئون العدالة والقضايا.

      وحيث إن العقوبة المقررة بالنص المطعون فيه، وهى الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات، والغرامة التي تعادل مثل الضريبة التي لم يتم أداؤها، أو إحدى هاتين العقوبتين، قد جاءت في إطار من التدرج والتناسب والمعقولية؛ إذ جاءت عقوبة الحبس متدرجة بين حدين أدنى وأقصى، لتسمح لقاضى الموضوع بالتدرج في إيقاعها، وفقًا لما يقدره من خطورة الممول المتهرب، وجسامة ما أتاه من أفعال التهرب. كما أن عقوبة الغرامة التي تعادل مثل الضريبة، التي لم يتم أداؤها وفقًا لأحكام القانون، فهي من المعقولية بمكان، بعد أن صارت جاهــرة بعدالتها، إذ حرص المـرع بهذا التقـــرير لعقوبـــة الغرامـــة، وفـــق ذلك التنظيم، أن يؤمن بها للخزانـة العامة، المبلـغ الذى كان يتعين على الممول سـداده، لو لم يرتكب فعلاً من أفعال التهرب من الضريبة، تعويضًا للخزانة العامة عن الضرر الذى أصاب المصلحة الاجتماعية، نتيجة ذلك التهرب. وفضلاً عن ذلك، فقد أجاز النص المطعون فيه للقاضي، الاختيار بين توقيع عقوبـة الحبس أو الغرامة. وقد جاء مسلك المشرع في ذلك في إطار السلطة التقديرية المقررة له، كما استقامت العقوبتان على قواعد تجعلهما ملاءمتين ومبررتين.

      وحيث إنه عما نعى به المدعى من إخلال النص المطعون فيه بالحماية المقررة للملكية الخاصة، إذ جاءت عقوبة الغرامة منتقصة من العناصر الإيجابية للذمة المالية للممولين الخاضعين لها، فإنه غير سديد، ذلك أن الإخلال بالحماية المقررة لحق الملكية الخاصة، وفقًا لنص المادتين (33، 35) من الدستور القائم، لا يتحقق- في الأعم من الأحوال – إلا من خلال نصوص قانونية تفقد ارتباطها عقلاً بمقدماتها، فلا يكون لها من أساس عــادل، ولا سند مبرر لتقريرها. ولا كذلك النص المطعون فيه، إذ من بين ما استهدفه المشرع من رصد عقوبة الغرامة في ذلك النص تحقيق الردع الخاص للمتهرب من أداء الضريبة، بإيلامه بالانتقاص من ماله بقدر الضريبة التى تهرب من أدائها، حتى لا يعاود ارتكاب الإثم ذاته، جزاءً وفاقًا لما اقترفته يداه، وهو ما يردع غيره عن مجاراته فيما اقترفه من إثم، ويوفر في الآن ذاته تعويضًا عادلاً للخزانة العامة للدولة عن الضرر الذى أصاب المصلحة الاجتماعية نتيجة التهرب، ومن ثـــم فإن رصد عقوبة الغرامة لمن يقترف هذا الإثم لا يمثل افتئاتًا على الحماية المقررة للملكية الخاصة.

متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه، لا يكون قد خالف أحكام المواد (35، 38، 94) من دستور سنة 2014، كما لا يخالف أى أحكام أخرى من هذا الدستور، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.


      وحيث إن محكمة جنح مستأنف المنتزه، ولئن استمرت في نظر الدعوى الموضوعية، وقضت فيها بتأييد الحكم المطعون فيه، وكان يتعين عليها – بعد تقديرها جدية الدفع بعدم الدستورية وتصريحها للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية المعروضة – أن تتربص قضاء هذه المحكمة في المسألة الدستورية، ألا أن حكمها في الدعوى الموضوعية لا يناقض في أثره ما انتهى إليه الحكم في الدعوى الدستورية برفضها.

فلهذه الأسباب

      حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى بالمصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

عدم دستورية الاخلال باستقلال الجمعيات التعاونية وحلها بقرار من الوزير المختص


الدعوى رقم 93 لسنة 26 ق "دستورية" جلسة 4 / 1 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يناير سنة 2020م، الموافق التاسع من جمادى الأولى سنة 1441 هـ.
برئاسة السيد المستشار/ سعيد مرعى عمرو   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور عبد العزيــز محمـد سالمان والدكتور طارق عبدالجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا   نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع   أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 93 لسنة 26 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بحكمها الصادر بجلسة 22/2/2004 ملف الدعوى رقم 2782 لسنة 54 قضائية.
المقامة من
جمعية إنتاج وتربية وتسمين الدواجن ببندر بلبيس
ضــــد
نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي

الإجـراءات
بتاريخ التاسع عشر من أبريل سنة 2004، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 2782 لسنة 54 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري، بحكمها الصادر بجلسة 22/2/2004، بوقف الدعوى، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريـة نص المادة (68) (وصحتها المادة 69) من قانون التعاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
      حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكـم الإحالة وسائر الأوراق – في أن الجمعية التعاونية لإنتاج وتربية وتسمين الدواجن ببندر بلبيس، كانت قد أقامت الدعوى رقم 746 لسنة 1999 تنفيذ مصر الجديدة، أمام محكمة مصر الجديدة الجزئية - دائرة إشكالات التنفيذ - بطلب الحكم بوقف تنفيذ قرار وزير الزراعة واستصلاح الأراضى رقم 593 لسنة 1999، المتضمن حل وتصفية الجمعية لحين الفصل في الدعوى رقم 8052 لسنة 1999 مدنى كلى الزقازيق، بقالة أن القرار المطعون فيه فيما خلص إليه من حل الجمعية وتصفيتها قد انبنى على مباشرتها لأنشطة تخالف النشاط الذى أُنشئت من أجله، وعدم عقدها للجمعية العمومية أعوام 1996 و1997 و1998، فضلاً عن عدم إعدادها ميزانيات لها، وأن هذا القرار جاء في غير محله، وخالف أحكام القانون. وبجلسة 1/11/1999 قضت المحكمة بعدم اختصاصها ولائيًّا بنظر الدعوى، وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري، ونفاذًا لذلك أُحيلت الدعوى إلى المحكمة الأخيرة وقيدت أمامها برقم 2782 لسنة 54 قضائية، وبجلسة 22/2/2004، قررت المحكمة وقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص المادة (68)، وصحتها المادة (69)، من قانون التعاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980.
      وحيث إن المادة (68) من قانون التعـاون الزراعي الصـادر بالقانـون رقم 122 لسنة 1980 تنص على أن " تنقضي الجمعية بالحل أو الإدماج بقرار من الجمعية العمومية غير العادية أو بقرار من الوزير المختص بناء على طلب المحافظ المختص أو الجهة الإدارية المختصة متى قامت بها إحدى الحالات الآتية:
1- إذا فقدت الجمعية أحد أركان قيامها.
2- إذا اقتضى التنظيم العام للقطاع التعاوني الزراعي حلها أو إدماجها في جمعية تعاونية أخرى.
3- إذا لم تعقد الجمعية العمومية اجتماعها السنوي العادي خلال سنة مالية كاملة بغير مبرر.
4- إذا تعذر على الجمعية مواصلة عملها بانتظام سواء لاضطراب أعمالها اضطرابًا مستمرًا أو لتكرار إخلالها بالمبادئ الأساسية للتعاون أو بالتزاماتها أو خروجها على القواعد التى يقررها القانون أو نظام الجمعية أو لحدوث منازعات أو لأى سبب جسيم آخر.
      وفى جميع الأحوال يجب إجراء تحقيق كتابى عن طريق الجهة الإدارية المختصة قبل صدور قرار الحل أو الإدماج.
      وتبين اللائحة التنفيذية قواعد وإجراءات الحل والإدماج والتصفية وكيفية توجيه ناتج التصفية.
      ولا يجوز للوزير المختص التفويض في اختصاصه المبين في هذه المادة".

      وتنص المادة (69) من هذا القانون على أن "يكون لكل ذي شأن أن يطعن في القرار الصادر بانقضاء الجمعية من الوزير المختص وذلك أمام المحكمة الابتدائية الكائن في دائرة اختصاصها مقر الجمعية خلال ثلاثين يومًا من تاريخ نشره في الوقائع المصرية، وتفصل المحكمة في الطعن على وجه الاستعجال وبغير مصروفات ويكون حكمها نهائيًّا".

      وتنص الفقرة الأخيرة من المادة (52) من قانون التعاون الزراعي المشار إليه المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 204 لسنة 2014 على أن "...... ولا يجوز بأية حال من الأحوال حل الجمعيات التعاونية على أي مستوى أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي".

      وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة على سند من أن قرار الإحالة جاء مجهلاً، ولم يتضمن البيانات الجوهرية التي تطلبها قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، فإنه مردود بأن المادة (30) من قانون هذه المحكمة تنص على أنه "يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقًا لحكم المادة السابقة بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه المخالفة". ومؤدى ذلك - على ما جرى بـه قضاء هـذه المحكمة - أن المشرع أوجب لقبول الدعاوى الدستورية أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما نصت عليه المادة (30) سالفة الذكر من بيانات جوهرية تنبئ عن جدية هذه الدعاوى ويتحدد بها موضوعها، وذلك مراعاة لقرينة الدستورية لمصلحة القوانين، وحتى يتاح لذوى الشأن ومن بينهم الحكومة - الذين أوجبت المادة (35) من قانون المحكمة إعلانهم بالقرار أو الصحيفة - أن يتبينوا كافة جوانبها ويتمكنوا في ضوء ذلك من إبداء ملاحظاتهم وردودهم وتعقيبهم عليها في المواعيد التي حددتها المادة (37) من القانون ذاته، بحيث تتولى هيئة المفوضين بعد انتهاء تلك المواعيد تحضير الموضوع وتحديد المسائل الدستورية والقانونية المثارة وتبدى فيها رأيها مسببًا وفقًا لما تقضى به المادة (40) من قانون المحكمة الدستورية العليا. متى كان ذلك، وكان الثابت أن قرار الإحالة الصادر بتاريخ 22/2/2004 من محكمة الموضوع قد تضمن تحديدًا للنص المحال وهو، بحسب حقيقة ما قصدت إليه محكمة الموضوع، يتحدد في نص المادة (69) من قانــــــون التعــاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980، كما أبانت المحكمة في قرارها النص الدستوري المدعى بمخالفته، وهو نص المادة (172) من الدستور الصادر سنة 1971، وانصبت أوجه المخالفة حسبما ارتأتها إلى ما تضمنه النص المحال من منح الاختصاص لمحاكم القضاء العادي بالفصل في الطعن في قرار انقضاء الجمعية، بقالة أنه يترتب عليه انتزاع الاختصاص المقرر لمجلس الدولة بمقتضى أحكام الدستور في الفصل في المنازعات الإدارية. الأمر الذي يضحى معه قرار الإحالة المار ذكره مستوفيًّا البيانات الجوهرية التي تطلبها نص المادة (30) من قانون هذه المحكمة، بالنسبة لما تضمنه نص المادة (69) المحال من تخويل المحكمة الابتدائية الواقع في دائرة اختصاصها مقر الجمعية اختصاص الفصل في الطعن المقدم من ذي الشأن في قرار الوزير المختص بانقضاء الجمعية، وذلك دون باقي الأحكام التي تضمنها هذا النص، والتى جاء قرار الإحالة في خصوصها خلوًا من تلك البيانات، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لها.

      وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولهـا، مناطها - على ما جــرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحـة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضـوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها. ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في ذلك النزاع، وأنه لا تلازم بين الإحالة من محكمة الموضوع وتوافر هذه المصلحة، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النص الذي ثارت بشأنه شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان الفصل في اختصاص محكمة الموضوع بنظر النزاع المعروض عليها هو من الأمور المتعلقة بالنظام العام، بحكم اتصاله بولاية هذه المحكمة في نظر هذا النزاع والفصل فيه، ومن أجل ذلك كان التصدي له سابـق بالضرورة على البحث في موضوعه. وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع، إنما يدور حول الطعن على قرار وزير الزراعة واستصلاح الأراضي رقم 593 لسنة 1999 بحل وتصفية الجمعية التعاونية لإنتاج وتربية وتسمين الدواجن ببندر بلبيس بمحافظة الشرقية، المسجلة برقم (451) بتاريخ 8/6/1981، والمشهرة بالوقائع المصرية بالعدد رقم (150) بتاريخ 28/6/1981- والتي أفادت الجهة الإدارية على نحو ما هو ثابت بالأوراق أن تلك الجمعية لم يتم تصفيتها حتى الآن -، وكان نص المادة (69) من قانون التعاون الزراعي المشار إليه ، الذى انصبت عليه حقيقة الإحالة الواردة من محكمة الموضوع، قد أسند إلى المحكمة الابتدائية الكائنة في دائرة اختصاصها مقر الجمعية الاختصاص بالفصل في الدعاوى المقامة من ذي الشأن بالطعن على قرار الوزير المختص بانقضاء الجمعية، ومن ثم فإن المصلحـة في الدعوى المعروضة تكون متحققة بالنسبة لهذا النص في مجال انطباقه على قرار الوزير المختص بحل الجمعية – والذى يندرج ضمن حالات انقضاء الجمعيات التعاونية الزراعية التي تناولها النص المشار إليه - دون غيرها من الأحكام التي تضمنها هذا النص، بحسبان الفصل في دستوريته، في الإطار المشار إليه، يكون له أثره وانعكاسه على حسم مسألة اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر النزاع الموضوعي والفصل فيه، بوصف مجلس الدولة هو صاحب الاختصاص الأصيل، والولاية العامة دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية، وهو عين ما قصدت إليه محكمة الموضوع بمقتضى حكم الإحالة المشار إليه. وإذ كان نص المادة (68) من قانون التعاون الزراعي المشار إليه قد خول الوزير المختص سلطة حل الجمعية، وحدد القواعد والإجراءات التي تحكم ذلك، وكان القرار الصادر من الوزير في هذا الشأن والفصل في مشروعيته، هو محل الاختصاص المقرر للمحكمة الابتدائية التابعة لجهة القضاء العادي بمقتضى نص المادة (69) المار ذكره، فإنه يُكوّن مع النص الأخير التنظيم القانوني الحاكم لتلك المسألة، ويكون ضمهما كافلاً تحقيق الأغراض التي توختها محكمة الموضوع من الإحالة، وليضحي ما تضمنته المادة (68) المشار إليها من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير المختص، مطروحًا حكمًا على هذه المحكمة بحكم اللزوم العقلي، ولارتباطه بنص المـــادة (69) آنف الذكر ارتباطًا لا يقبــل الفصـل أو التجزئة. ولا يغير من ذلك إلغاء ما تضمنته كل من المادتين المشار إليهما من منح الوزير المختص سلطة حل الجمعيات التعاونية الزراعية، لتصير بحكم قضائي، يتحدد الاختصاص به طبقًا للقواعد العامة، إعمالاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة (52) من قانون التعاون الزراعي المشار إليه، المعدلة بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 204 لسنة 2014، بعد أن طبق النصان المشار إليهما على الجمعية المدعية في الدعوى الموضوعية، ذلك أن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعي لا يحول دون الطعن عليه والفصل في دستوريته، متى طبق ذلك النص على ذي الشأن في الدعوى الموضوعية خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليه، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية أنها تسرى على الوقائع التي تتم في ظلها، أي خلال الفترة من تاريخ العمل بها حتى تاريخ إلغائها، فإن ألغيت هذه القاعدة وحلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسرى من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمنى لسريان كل من القاعدتين القانونيتين، ومن ثمَّ فإن المراكز القانونية التي نشأت وترتبت آثارها في ظل أى من القانونين – القديم أو الجديد – تخضع لحكمه، فما نشأ منها وترتبت آثاره في ظل القانون القديم يظل خاضعًا له، وما نشأ من مراكز قانونية وترتبت آثاره في ظل القانون الجديد يخضع لهذا القانون وحده. ومن ثم فإن نطاق الدعوى المعروضة والمصلحة فيها يتحددان بالمادتين (68، 69) من قانون التعاون الزراعي المشار إليه، قبل تعديله بالقرار بقانون رقم 204 لسنة 2014، فيما تضمنته الأولى من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير المختص، وما تضمنته الثانية من النص على تخويل المحكمة الابتدائية الكائنة في دائرة اختصاصها مقر الجمعية الاختصاص بالفصل في الطعن المقدم من ذى الشأن في القرار المشار إليه دون غيرها.
      وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال فيما تضمنه من تقرير الاختصاص للمحكمة الابتدائية التابعة لجهة القضاء العادي بالفصل في الطعن على قرار حل الجمعية، مخالفته لنص المادة (172) من الدستور الصادر سنة 1971 (وتقابلها المادة 190 من الدستور الحالي)، لانتزاعه الاختصاص الأصيل المقرر لمجلس الدولة بموجب هذا النص بالفصل في المنازعات الإدارية.
      وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى نظمها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيــــــره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصـدارة بين قواعد النظام العام، التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي تضمنها حكم الإحالة على النص المحال تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواهــــا الموضوعي، وكانت المادتان (68، 69) المشار إليهما قد استمر العمل بأحكامهما في ظل العمل بأحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014، بعد أن تم تعديلهما بمقتضى قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 204 لسنة 2014 المشار إليه، المعمول به اعتبارًا من 22/12/2014، اليوم التالي لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية، طبقًا لنص المادة الثالثة من ذلك القرار بقانون، ومن ثم فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها القضائية على دستوريتهما طبقًا لأحكام الدستور الحالي باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

      وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت على صون الملكية التعاونية ورعاية المنشآت التعاونية، فألزمت المادة (16) من دستور سنة 1956 الدولة بتشجيع التعاون، ورعاية المنشآت التعاونية بمختلف صورها، وهو ما أكدته المادة (18) من دستور سنة 1964، الذى عرفت المادة (13) منه الملكية التعاونية بأنها ملكية كـــل المشتركين في الجمعية التعاونية، وقـــد سـار دستور سنة 1971 على ذات النهج، فألزمت المادتان (28، 29) منه الدولة بحماية الملكية التعاونية، ورعاية المنشآت التعاونية بكل صورها، ودعم الجمعيات التعاونية الزراعية، وعرفت المادة (31) منه الملكية التعاونية بأنها ملكية الجمعيات التعاونية، وأوجبت على القانون رعايتها، وضمان الإدارة الذاتية لها، وهو ما جرى عليه دستور سنة 2012، الذى ألزمت المادتان (21، 23) منه الدولة بكفالة الملكية التعاونية، ورعاية التعاونيـــات بكل صـــورها، ودعمها، وكفالة استقلالهـــا، وقد نحا الدستور الحالي المنحى ذاته، فألزمت المادتان (27، 33) منه الدولة بكفالة الأنواع المختلفة للملكية وحمايتها، شاملة الملكية التعاونية، واعتبرت ذلك أحد الأهداف التى يسعى النظام الاقتصادي إلى تحقيقها، ومن أجل ذلك حرصت المادة (37) منه على التأكيد على صون الملكية التعاونية، والتزام الدولة برعاية التعاونيات بمختلف صورها، ووسعت من نطاق الحماية التى كفلها الدستور للمنشآت التعاونية لتشمل إلى جانب حمايتها ودعمها وضمان استقلالها، عدم جواز حلها أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي، هادفًا من كل ذلك إلى تحقيق غاية أساسية هى أن يكون تأسيس تلك المنشآت، ومباشرتها لنشاطها عملاً اختياريًّا وتصرفًا إراديًّا حرًا، لا تتدخل فيه الجهة الإدارية بل يستقل عنها، باعتباره قوام بنيانها، وأساس اضطلاعها بدورها، ومن ثم فقد صار لازمًا امتناع تقييدها إلا في الحدود التى عينها الدستور، وأصبح ضمان استقلالها، وعدم تدخل الجهات الإدارية في شئونها، بما ينال من هذا الاستقلال أو يقوضه، من الأصول الدستورية الثابتة، التى لا يجوز المساس بها، أو مصادرتها على أى وجه من الوجوه، ومن أجل ذلك تضمن نص المادة (92) من الدستور الحالى قيدًا عامًا على سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق والحريات، يحظر بمقتضاه على أى قانون يتناول بالتنظيم ممارسة الحقوق والحريات كافة، أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.

      وحيث إن الدستور قد اعتمد بمقتضى نصى المادتين (29، 42) منه الجمعيات التعاونية الزراعية باعتبارها أحد صور التعاونيات، كما حرص على التأكيد على دورها في خدمة النشاط الزراعي - وهو أحد المقومات الأساسية للاقتصاد الوطني - وإسهامها بالاتفاق مع الدولة في توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي والحيواني وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب يحقق هامش ربح للفلاح، وتوفير الدعم لصغار الفلاحين، وضمان تمثيلهم بنسبة لا تقل عن 80% في مجالس إدارتها. وقد تولى قانون التعاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980 بالتنظيم تلك الجمعيات، في إطار السياسة التشريعية التى انتهجها المشرع المصرى – على ما أوضحت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون - بأن يختص كل قطاع من قطاعات التعاون بقانون مستقل، فعرفت المادة (1) من هذا القانون التعاون بأنه حركة شعبية ديمقراطية ترعاها الدولة، ويسهم التعاون في تنفيذ الخطة العامة للدولة في القطاع الزراعى، كما عرفت الجمعيات التعاونية الزراعية بأنها وحدات اقتصادية واجتماعية غايتها تطوير الزراعة في مجالاتها المختلفة، وكذلك الإسهام في التنمية الريفية في مناطق عملها من أجل رفع مستوى أعضائها اقتصاديًّا واجتماعيًّا في إطار الخطة العامة للدولة. وتتكون هذه الجمعيات طبقًا لنص المادة (2) من القانون المشار إليه من الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين المشتغلين بالعمـــل الزراعـــى في مجالاتــه المختلفــــــة باختيارهم ، وبما لا يتعارض مع المبادئ التعاونية المتعارف عليها دوليًّا. وتمارس هذه الجمعيات نشاطها، طبقًا لنص المادة (3) من هذا القانون المعدلة بالقانون رقم 122 لسنة 1981، في خدمة مجالات الإنتاج النباتى والحيوانى والإصلاح الزراعى واستصلاح الأراضى وتنميتها وتعميرها. وتتمتع الجمعية طبقًا لنص المادة (10) من ذلك القانون بالشخصية الاعتبارية، وتتوافر لها خصائصها كوحدة اقتصادية واجتماعية يُنشِئُها الأشخاص الطبيعيون والاعتباريون بإرادتهم الحرة، وفق القواعد الرئيسية للتعاون، ويقوم إنشاؤها على تلاقى إرادة الأشخاص المكونين لها، لتحقيق أهــــداف اقتصادية واجتماعية ترعى بها مصالح أعضائها، وتدار الجمعية وفقًا للنظام الداخلى الذى يضعه مؤسسوها. ومن ثم فقد بات إقامة بنيانها وإدارتها وممارسة نشاطها بحرية واستقلال، بعيدًا عن الخضوع لتبعية حكومية معينة، تقوض ذلك أو تنتقص منه، أمرًا حتميًّا تستوجبه الطبيعة القانونية لهذا الكيان، والهدف من إنشائه، في ضوء الضمانات والقيود الدستورية الحاكمة لكل ذلك، ومن بينها ما قررته المادة (37) من الدستور من عدم جواز حل التعاونيات بمختلف أشكالها، والتي تُعد الجمعيات التعاونية الزراعية أحد أنواعها، إلا بحكم قضائي، مستبدلاً بذلك إجراءات التقاضي المنتهية بالحكم القضائي، بالإجراءات الإدارية المنتهية بقرار الوزير المختص بحل الجمعية، وذلك باعتبار أن القضاء يُعد الضمانة الأساسية لحماية الحقوق والحريات طبقًا لنص المادة (94) من الدستور، وهى ضمانة موضوعية لهذه الحقوق والحريات، ترتبط بالنسبة للأشخاص التعاونية بوجود وبقاء الشخص القانوني واستمراره، ليغدو اللجوء إلى القاضي الطبيعي في هذه الحالة هو الطريق الوحيد الذى عينه الدستور لذى الشأن لترتيب هذا الأثر، في إطار حق التقاضي الذى كفلته المادة (97) منه للكافة، باعتبار هذا التنظيم أحد وسائله لحماية تلك التعاونيات ودعمها وضمان استقلالها.

وحيث كان ما تقدم، وكان ما تضمنته المادة (68) من القانون رقم 122 لسنة 1980 المشار إليه، من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير المختص، وما يترتب على ذلك، من انقضاء الشخصية القانونية للجمعية وتصفيتها، متضمنًا مساسًا باستقلالها، وإخلالاً من المشرع بالتزامه المقرر بنص المادة (37) من الدستور، بكفالة الحماية، والدعم والاستقلال لتلك الجمعيات، بما يوقعهما في حدود نطاقها المشار إليه، في حومة مخالفة نصوص المواد (27، 29، 33،37، 42، 92، 94، 97) من الدستور، مما يتعين معه القضاء بعدم دستوريتها فيما تضمنته من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير المختص.


وحيث إن نص المادة (69) من القانون المشار إليه قد تضمن تحديد المحكمة المختصة بالفصل في الطعن على قرار الوزير بحل الجمعية، فإن هذا النص في حدود النطاق المتقدم، والمادة (49) من اللائحة التنفيذية لقانون التعاون الزراعي الصادرة بقرار وزير الدولة للزراعة والأمن الغذائي رقم 1 لسنة 1981 المعدل بالقرار رقم 1503 لسنة 1992، والمادة (53) من اللائحة التنفيذية لقانون التعاون الزراعي بالنسبة للجمعيات التعاونية الزراعية لاستصلاح الأراضي وتنميتها وتعميرها الصادرة بقرار وزير الزراعة والأمن الغذائي رقم 388 لسنة 1984، فيما تضمنتاه من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير، ترتبط بنص المادة (68) من القانون رقم 122 لسنة 1980 المشار إليه، ارتباطًا لا يقبل الفصـل أو التجزئة، ومن ثم فإن القضاء بعدم دستورية نص المادة (68) في حدود إطارها المتقدم، يستتبع، بحكم اللزوم، سقوط نص المادة (69) من ذلك القانون، فيما تضمنه من منح الاختصاص للمحكمة الابتدائية الكائن في دائرة اختصاصها مقر الجمعية، بالفصل في الطعن المقدم من ذى الشأن في القرار الصادر من الوزير المختص بحل الجمعية، والمادتين (49، 53) من اللائحة التنفيذية لقانون التعاون الزراعى المشار إليهما، فيما تضمنتاه من النص على حل الجمعية، بقرار من الوزير.

فلهذه الأسباب
      حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة (68) من قانون التعاون الزراعي الصادر بالقانون رقم 122 لسنة 1980 فيما تضمنته من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير المختص، وسقوط ما تضمنته المادة (69) من القانون ذاته، من النص على اختصاص المحكمة الابتدائية، الكائن في دائرة اختصاصها، مقر الجمعية، بالفصل في الطعن المقدم من ذي الشأن في قرار الوزير المختص بحل الجمعية، والمادة (49) من اللائحة التنفيذية لقانون التعاون الزراعي المشار إليه، الصادرة بقرار وزير الدولة للزراعة والأمن الغذائي رقم 1 لسنة 1981 المعدل بالقرار رقم 1503 لسنة 1992، والمادة (53) من اللائحة التنفيذية لقانون التعاون الزراعي المار ذكره، بالنسبة للجمعيات التعاونية الزراعية، واستصلاح الأراضي، وتنميتها، وتعميرها، الصادرة بقرار وزير الزراعة والأمن الغذائي رقم 388 لسنة 1984، فيما تضمنتاه من النص على حل الجمعية بقرار من الوزير.