جلسة 26 من يناير سنة 1988
برئاسة السيد الأستاذ المستشار أبو بكر دمرداش أبو بكر نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد العزيز أحمد حمادة وجمال السيد دحروج وفاروق علي عبد القادر والدكتور محمد عبد السلام مخلص المستشارين.
----------------
(115)
الطعن رقم 291 لسنة 31 القضائية
عاملون مدنيون بالدولة - استقالة صريحة - حدود سلطة جهة الإدارة في رفض طلب الاستقالة.
المادة (97) من القانون رقم 47 لسنة 1978 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة.
لا تملك جهة الإدارة سوى إرجاء قبول استقالة العامل لأسباب تتعلق بمصلحة العمل مع إخطاره بذلك على ألا تزيد مدة الإرجاء على أسبوعين بالإضافة إلى مدة الثلاثين يوماً المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة المذكورة - مؤدى ذلك: أن جهة الإدارة لا تمتلك رفض استقالة العامل - الفقرة الثانية من المادة (72) من قانون العاملين المدنيين السابق كانت تقضي بجواز إرجاء قبول الاستقالة دون النص صراحة على تحديد مدة زمنية لهذا الإرجاء - بمقتضى هذا الاختلاف في الصياغة أن المشروع كان حريصاً على عدم جواز رفض الاستقالة وعلى ألا تزيد مدة الإرجاء على أسبوعين بالإضافة إلى المدة التي يجب البت خلالها في طلب الاستقالة وهي ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمها - هذا كله ما لم يكن طلب الاستقالة معلقاً على شرط أو مقترناً بقيد - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الخميس الموافق 2 من ديسمبر سنة 1984 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن السيد/ محافظ القاهرة (بصفته) قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 291 لسنة 31 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة التسويات" بجلسة 22 من أكتوبر سنة 1984 في الدعوى رقم 3739 لسنة 38 القضائية المقامة من السيد/ ..... ضد السيد/ محافظ القاهرة (بصفته) والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً وفي الشق المستعجل بوقف تنفيذ القرار السلبي بامتناع إدارة عابدين التعليمية عن إنهاء خدمة المدعي ومن إعطائه شهادة تفيد هذا الإنهاء مع خلو طرفه وبيان مدة خبرته وإلزام محافظة القاهرة بمصروفات هذا الطلب، وأمرت بإحالة الشق الموضوعي لهيئة مفوضي الدولة لتحضيره وطلب الطاعن، للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه حتى يفصل في موضوع الطعن مع إلزام المطعون ضده بمصاريف وأتعاب هذا الطلب وفي الموضوع بإلغائه والقضاء أولاً: وبصفة أصلية بعدم قبول وقف تنفيذ القرار المطعون عليه. ثالثاً: من قبيل الاحتياط الكلي رفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده في جميع الأحوال بالمصاريف والأتعاب عن درجتي التقاضي.
وبعد أن تم إعلان تقرير الطعن إلى ذوي الشأن قدم السيد/ مفوض الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني انتهى فيه إلى أنه يرى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من وقف تنفيذ قرار إدارة عابدين التعليمية بالامتناع عن إنهاء خدمة المدعي وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 18 من نوفمبر سنة 1987 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - دائرة ثالثة - وحددت لنظره أمامها جلسة 15 من ديسمبر سنة 1987 وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل، حسبما يخلص من الأوراق، في أن السيد/ .... أقام الدعوى رقم 3739 لسنة 48 القضائية ضد السيد/ محافظ القاهرة (بصفته) أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت قلم كتاب تلك المحكمة بتاريخ 21 من إبريل سنة 1984 وطلب في ختامها الحكم (أولاً) وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار السلبي بامتناع إدارة عابدين التعليمية عن إصدار قرارها بقبول استقالة الطالب اعتباراً من 7 من ديسمبر سنة 1983 وإعطائه شهادة تثبت ذلك وبخلو طرفه وبياناته الوظيفية مع إلزام جهة الإدارة مصروفات هذا الشق من الدعوى. (ثانياً) وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار السلبي وما يترتب على هذا الإلغاء من آثار مع إلزام جهة الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه يعمل مدرساً بمدرسة التحرير الابتدائية التابعة لإدارة عابدين التعليمية، وبتاريخ 29 من نوفمبر سنة 1983 تقدم باستقالته عن العمل لعدم رغبته في الاستمرار فيه، وقد ردت جهة الإدارة على المدعي في الأول من فبراير سنة 1984 بأن تعليمات النشرة رقم 45 لسنة 1980 لا تجيز قبول الاستقالة المقدمة من العاملين بالإدارة التعليمية وأضاف المدعي أنه طبقاً لنص المادة 97 من القانون رقم 47 لسنة 1978 الصادر بنظام العاملين المدنيين بالدولة فإنه يتعين على جهة الإدارة البت في الاستقالة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمها وإلا اعتبرت مقبولة بحكم القانون، إذ لم يخول القانون جهة الإدارة سلطة مطلقة في عدم قبول الاستقالة لأن حق الاستقالة هو حق مستمد من الحرية الشخصية للشخص الذي من حقه أن يختار العمل الذي يعمله، ونظراًَ لأن إدارة عابدين التعليمية قد تراخت وتقاعست في إصدار قرار قبول استقالة المدعي في التاريخ المشار إليه، وكان المدعي قد حاول الحصول على صورة من قرار قبول استقالته وإخلاء طرفه ومدة خبرته إلا أن جهة الإدارة لم تستجب لطلباته، ولما كان هذا التصرف من جانبها تترتب عليه نتائج يتعذر تداركها لأن امتناع جهة الإدارة عن إصدار قرارها بقبول استقالته دون سند من الواقع والقانون يقيم عقبة تحرمه من السفر والانتقال فضلاً عن عدم إمكانه الالتحاق بعمل آخر وهو الأمر الذي يشكل قيداً خطيراً على حريته في الانتقال والهجرة والعمل مما يتوافر معه ركن الاستعجال فضلاً عن ركن الجدية الأمر الذي يكون معه من حق المدعي أن يطلب وقف تنفيذ هذا القرار السلبي بصفة مستعجلة. وبجلسة 22 من أكتوبر سنة 1984 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وفي الشق المستعجل بوقف تنفيذ القرار السلبي بامتناع إدارة عابدين التعليمية عن إنهاء خدمة المدعي ومن إعطائه شهادة تفيد هذا الإنهاء مع خلو طرفه وبيان مدة خبرته وإلزام محافظة القاهرة بمصروفات هذا الطلب وأمرت بإحالة الشق الموضوعي لهيئة مفوضي الدولة لتحضيره.
وشيدت المحكمة قضاءها على أن الثابت من ظاهر الأوراق دون التعرض لأصل طلب الإلغاء أن المدعي قد قدم استقالته بتاريخ 29 من نوفمبر سنة 1983 وقررت جهة الإدارة بتاريخ 7 من ديسمبر سنة 1983 بأن الاستقالة ممنوعة وهذا يعتبر قرار برفضها ينطوي بحسب الظاهر على مخالفة للمبادئ الدستورية المتعلقة بحرية العمل وحرية السفر ومن ثم فهو قرار ظاهر البطلان ولا يعتد به، وتعتبر خدمة المدعي الظاهر منتهية وكان يتعين على جهة الإدارة إصدار قرار بإنهاء خدمته وإعطائه شهادة تفيد ذلك وخلو طرفه ومدة خبرته، مما يتوافر معه ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ، ولما كان امتناع جهة الإدارة عن إنهاء خدمة المدعي يترتب عليه حرمانه من السفر والانتقال وكذا عدم إفادته من مدة خبرته السابقة عند تقدمه إلى عمل آخر يتكسب منه، وهي أمور يتعذر تداركها ما يتوافر ركن الاستعجال.
ومن حيث إن حاصل أسباب الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك أنه من المبادئ المستقرة في الفقه والقضاء الإداري أن قرارات إنهاء الخدمة وما في حكمها من قرارات سلبية يجب التظلم منها قبل طلب إلغائها وإلا تعين عدم قبولها إعمالاً لحكم الفقرة الثانية من المادة 49 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 ولما كان الثابت أن القرار السلبي المطعون عليه يندرج في عموم المنازعات الخاصة بإنهاء الخدمة ومن ثم لا يقبل طلب وقف تنفيذه، ويكون الحكم المطعون فيه مخطئاً لمخالفته ذلك ويتعين إلغاؤه، وأضاف الطاعن أن حق العامل في ترك الخدمة سواء عن طريق الاستقالة الصريحة أو الاستقالة الضمنية ليس مطلقاً من كل قيد ولكن تحكمه اعتبارات الصالح العام ضماناً لدوام حسن سير العمل في المرافق العامة، وعلى ذلك فإن الأمر متروك لمطلق تقرير الجهة الإدارية.
ومن حيث إن نقطة النزاع تتحصل فيما إذا كان يجوز لجهة الإدارة أن ترفض في ظل العمل بالقانون رقم 47 لسنة 1978 الصادر بنظام العاملين المدنيين بالدولة أن ترفض قبول الاستقالة.
ومن حيث إن المادة 97 من القانون المذكور تنص على أنه "للعامل أن يقدم استقالته من وظيفية وتكون الاستقالة مكتوبة، ولا تنتهي الخدمة إلا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة. ويجب البت في طلب الاستقالة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة بحكم القانون ما لم يكن الطلب معلقاً على شرط أو مقترناً بقيد. وفي هذه الحالة لا تنتهي خدمة العامل إلا إذا تضمن قرار قبول الاستقالة إجابته إلى طلبه.
ويجوز خلال هذه المدة إرجاء قبول الاستقالة لأسباب تتعلق بمصلحة العمل مع إخطار العامل بذلك على ألا تزيد مدة الإرجاء على أسبوعين بالإضافة إلى مدة الثلاثين يوماً الواردة بالفقرة السابقة".
ومن حيث إن جهة الإدارة لا تملك - وفقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة 97 سالفة الذكر - إلا إرجاء قبول استقالة العامل لأسباب تتعلق بمصلحة العمل مع إخطاره بذلك على ألا تزيد مدة الإرجاء على أسبوعين بالإضافة إلى مدة الثلاثين يوماً المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة المذكورة وبهذه المثابة فإن جهة الإدارة لا تملك رفض استقالة العامل ليس أدل على ذلك من أن الفقرة الثانية من المادة 72 من قانون العاملين المدنيين السابق رقم 58 لسنة 1971 كانت تقضي بجواز إرجاء قبول الاستقالة دون النص صراحة على تجديد مدة زمنية لهذا الأرجاء. ومقتضى هذا الاختلاف في الصياغة أن المشرع كان حريصاً على عدم جواز رفض الاستقالة كما كان حريصاً على ألا تزيد مدة الإرجاء على أسبوعين بالإضافة إلى المدة التي يجب البت فيها في طلب الاستقالة وهي ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمها، والتي اعتبر المشرع أن عدم البت في طلب الاستقالة خلال هذه المدة قبولاً لها بحكم القانون وذلك كله بطبيعة الحال ما لم يكن طلب الاستقالة معلقاً على شرط أو مقترناً بقيد.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن السيد/ .... (المطعون ضده) تقدم بطلب استقالة من وظيفته في 29 من نوفمبر سنة 1983 فردت عليه جهة الإدارة في 7 من ديسمبر سنة 1983 برفض قبول الاستقالة ومن ثم يكون قرارها بالرفض مخالفاً لأحكام قانون العاملين المدنيين رقم 47 لسنة 1978 المشار إليه ولا يترتب أي أثر وبهذه المثابة تكون خدمة المطعون ضده قد انتهت بمضي ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه طلب الاستقالة.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد ذهب هذا المذهب فإنه يكون قد أصاب وجه الحق والصواب في قضائه والتزام جانب الفهم الصحيح للقانون، ويكون الطعن فيه منهار الأساس متعين الرفض.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق