جلسة 27 من فبراير سنة 1988
برئاسة السيد الأستاذ المستشار عزيز بشاي سيدهم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة ثروت عبد الله ومحمد معروف محمد وأحمد شمس الدين خفاجي وفريد نزيه تناغو - المستشارين.
----------------
(150)
الطعن رقم 2173 لسنة 30 القضائية
(أ) عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - الواجبات الوظيفية والمخالفات التأديبية - طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في مجال العمل.
ينبغي أن تظل علاقة المرأة العاملة بزملائها ورؤسائها قائمة على ما توجبه قيم مجتمعنا من تحفظ في علاقة المرأة بالرجل وهي علاقة تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون والمودة بين العاملين مع تجنب كل ما من شأنه أن يخدش الحياء - إذا أخطأ العامل وخالف سواء السبيل في هذا المجال كان مرتكباً مخالفة تأديبية تستوجب الجزاء - تطبيق.
(ب) عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - الواجبات الوظيفية والمخالفات التأديبية. (شكوى)
حق الشكوى والإبلاغ عن الجرائم الجنائية أو التأديبية مكفول لكل مواطن وواجب عليه - مناط ذلك أن يكون الشاكي أو المبلغ على يقين من صحة ما يبلغ عنه ويملك دليل صحته - إذ ألقى الشاكي أو المبلغ باتهامات في أقوال مرسلة لا دليل على صحتها فهو إما يكون حسن النية ولكنه بنى ادعاءاته على الشك والتخمين وهو ما يمكن وصفه رغم حسن النية بالتهور وفساد التقدير وإما سيء النية يريد الكيد للغير والنكاية به والإساءة إليه نتيجة حقد أسود أو حماقة نكراء وفي كلتا الحالتين يكون قد أساء إلى الأبرياء وشهر بهم وأحاط سمعتهم بما يشين مما يشكل مخالفة تأديبية تستوجب العقاب - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الثلاثاء الموافق الرابع والعشرين من مايو سنة 1983 أودع الأستاذ..... المحامي بصفته وكيلاً عن السيدة/......، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2173 لسنة 30 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للرئاسة، بجلسة 17 من مارس سنة 1983 في الدعوى رقم 90 لسنة 24 القضائية المقامة، من النيابة الإدارية ضد الطاعنة، والقاضي بمجازاتها بتأجيل ترقيتها عند استحقاقها لمدة سنة.
وطلبت الطاعنة - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وببراءة الطاعنة مما هو منسوب إليها.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وعين النظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 25 من نوفمبر سنة 1987 وبجلسة 13 من يناير سنة 1988 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الرابعة موضوع - وحددت لنظره أمامها جلسة 30 من يناير سنة 1988 وبهذه الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه القانونية ومن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 19 من سبتمبر سنة 1982 أودعت النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة التأديبية الدعوى رقم 90 لسنة 24 القضائية منطوية على تقرير اتهام السيدة/....... أخصائية علاقات عامة، بمجلس مدينة الجيزة من الدرجة الثالثة - لأنها خلال الفترة من فبراير حتى مايو سنة 1982 بمجلس مدينة الجيزة خرجت على مقتضى الواجب الوظيفي وسلكت في تصرفاتها مسلكاً لا يتفق والاحترام الواجب وأتت ما من شأنه المساس بكرامة الوظيفة طبقاً للعرف العام بأن:
1 - أرسلت للسيد رئيس حي جنوب الجيزة ثلاثة خطابات على محل إقامته يتضمن أحدها عبارات غزل غير لائقة، مع تكرار زيارته بمقر العمل وبمنزله بما من شأنه أن يسيء إلى سمعته بين العاملين بالحي وبين أفراد أسرته.
2 - تقدمت بشكوى مؤرخة 24 من مايو سنة 1982 نسبت فيها إلى كل من...... و..... و...... و...... و..... و...... و...... من العاملين بحي جنوب الجيزة، أموراً من شأنها لو ثبتت أن تؤدي إلى مساءلتهم تأديبياً والتقليل من شأنهم في مجتمعهم الوظيفي.
ورأت النيابة الإدارية أنه بذلك تكون المذكورة قد ارتكبت المخالفة الإدارية المنصوص عليها بالمواد 76/ 1، 3 و78/ 1 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
وطلبت محاكمتها بالمواد المشار إليها وبالمادتين 80، 82/ 4 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 المشار إليه وبالمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 58 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المعدل بالقانون رقم 171 لسنة 1981 وبالمادتين 15، 19/ 1 من القانون رقم 47 لسنة 72 بشأن مجلس الدولة.
وبجلسة 27 من مارس 1983 أصدرت المحكمة حكمها بمجازاة السيدة/...... بتأجيل ترقيتها عند استحقاقها لمدة سنة.
وأقامت المحكمة قضاءها على أنه عن المخالفة الأولى المسندة إلى المتهمة وحاصلها أنها أرسلت للسيد رئيس حي جنوب الجيزة ثلاث خطابات يتضمن أحدها عبارات غزل غير لائقة مع تكرار زيارته بمقر العمل وبمنزله بما من شأنه أن يسيء إلى سمعته بين العاملين بالحي وبين أفراد أسرته، فإن الثابت من التحقيق الذي أجرته نيابة الجيزة الإدارية في هذا الصدد اعتراف المتهمة بذلك وبررت الخطابات بأنها تعبر عن مشاعر شخصية وبررت الزيارات بأنها كانت للاطمئنان عليه في مرضه.. أما عن المخالفة الثانية المنسوبة إلى المتهمة وحاصلها أنها تقدمت بشكاوى نسب فيها إلى عدد من العاملين بحي جنوب الجيزة أموراً غير صحيحة من شأنها لو ثبتت أن تؤدي إلى مساءلتهم تأديبياً والتقليل من شأنهم في مجتمعهم الوظيفي، فإن الثابت من التحقيق كذلك اعترافها بتقديم بعض هذه الشكوى التي ثبت عدم صحتها.. ومن حيث إن مؤدى ثبوت هذين الاتهامين في حقها يستوجب مساءلتها تأديبياً، فقد انتهت المحكمة التأديبية إلى قضائها بالإدانة وتوقيع الجزاء.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف الواقع والقانون.
(أولاً): لأن الطاعنة بريئة من المخالفات الواردة بمواد الاتهام التي طلبت النيابة الإدارية محاكمتها بها، لأنها لم تخل بالواجب الوظيفي، بل على العكس، فهي حريصة عليه مقدمة له، لأن التبليغ عن الجرائم من الحقوق المخولة للمواطنين بل والمفروضة عليهم، ولذا وجب شكر من يتقدم ببلاغ يستهدف الصالح العام لا تقديمه للمحاكمة والمساءلة، ولو تبين الحكم مدى حسن نية الطاعنة في إبلاغها عما اعتقدت أنه يشكل مخالفات لقضى ببراءتها.
(ثانياً) لأن الحكم المطعون فيه قد أخطأ حينما أخذ الشكوى المؤرخة 24/ 5/ 1982 واعتبرها شكوى قائمة بذاتها، في حين أن الطاعنة قد تقدمت بها بعد سابقتها المؤرخة في 12/ 5/ 1982 ولاحقتها المؤرخة في 12/ 6/ 1982 للسيد رئيس النيابة الإدارية بالجيزة لتوضيح وتفصيل وقائع الشكوى الأولى بتاريخ 1/ 3/ 1982 والموقع عليها بخط يدها، ولكن الدفاع لم يوضح تلك النقطة الهامة، الأمر الذي ترتب عليه مساءلتها رغم حسن نيتها وقصدها إيقاف انحرافات وظيفية كانت مقتنعة بصحة قيامها.
(ثالثاً) أن التحقيق لم يواجه الطاعنة بالشكوى المؤرخة 25/ 2/ 1982 وإنما سار في مجراه على أساس الشكوى المؤرخة 1/ 3/ 1982 دعوى غيرها.
(رابعاً) أن عمل الطاعنة الأخير برئاسة الجمهورية يفيد أنها محل تقدير، لبياض صفحتها وسلامة أدائها واجتهادها طوال مدة خدمتها، فإذا أضيف إلى ذلك أنها في مقتبل عمرها لاقتضى ذلك نظرة عطف ورافه..
ومن حيث إن النيابة الإدارية قد نسبت إلى الطاعنة اتهامين، يتعلق أولهما بأسلوب غير جيد في التعامل مع رؤسائها، ويتعلق ثانيها بأسلوب غير أمين في التعامل مع زملائها.
فأما عن الاتهام الأول، وهو أنها أرسلت إلى رئيسها خطابات على محل إقامته يتضمن أحدها عبارات غزل غير لائقة، مع تكرار زيارته بمقر العمل وبمنزله بما من شأنه أن يسيء إلى سمعته بين العاملين وبين أفراد أسرته، فقد ثبت من التحقيق أن أحد هذه الخطابات قد تضمن عبارة أنها تريد أن ترتمي بين أحضانه وتكتوي بنار حبه وترويه من نار حبها وأشواقها، وهي عبارة تدل على أن من حررتها قد فقدت مشاعر الحياء وتجردت من سياج الكرامة.
ومن حيث إنه وإن كان خروج المرأة إلى مجال العمل قد أصبح حقيقة في مجتمع اليوم، فإن علاقة المرأة العاملة بزملائها ورؤسائها ينبغي أن تظل قائمة على ما توجبه قيم مجتمعنا من تحفظ في علاقة المرأة بالرجل، تلك العلاقة التي تقوم على الاحترام المتبادل الذي ينبني على صفة العمل الكريمة التي توجب توافر التعاون والمودة بين العاملين مع تجنب كل ما من شأنه أن يخدش الحياء أو يتدنى بصورة التعامل إلى ما يمس نقاء الصلات وطهارة المعاملات. فإذا ما أخطأ العامل سواء السبيل في هذا المجال كان مرتكباً لمخالفة تأديبية تستوجب الجزاء.
ومن حيث إن السيدة/....... قد خرجت على حدود اللياقة على نحو ما تقدم علاقتها برئيسها، فإنها تكون قد أتت ما من شأنه المساس بكرامة الوظيفة بما يستوجب المساءلة التأديبية.
وأما عن الاتهام الثاني، وهي أن الطاعنة تقدمت بشكوى ضد زملائها العاملين بحي جنوب الجيزة نسبت إليهم فيها أموراً من شأنها لو ثبتت لأوجبت مساءلتهم تأديبياً والتقليل من شأنهم في مجتمعهم الوظيفي، فقد ثبت من التحقيق أن الطاعنة قد نسبت لعدد من موظفي الحي اتهامات مالية وخلقية خطيرة منها التلاعب في توزيع الوحدات السكنية ومنها تقاضى الرشاوى ومنها انحرافات خلقية ثبت عدم صحتها وأبدت الطاعنة في التحقيق صراحة أنه ليس لديها أي دليل يؤديها.
ومن حيث إنه وإن كان حق الشكوى والإبلاغ عن الجرائم الجنائية أو التأديبية مكفول لكل مواطن وواجب عليه، إلا أن مناط ذلك أن يكون الشاكي أو المبلغ على يقين من صحة ما يبلغ عنه، يملك دليل صحته أو يستطيع الاستشهاد عنه، أما إذا كان الشاكي أو المبلغ إنما يلقي باتهامات في أقوال مرسلة لا دليل على صحتها ولا سند يؤيدها ويؤكد قيامها، فإنه بذلك إما أن يكون حسن النية ولكنه بنى ادعاءاته على الشك والتخمين دون القطع واليقين، وهو ما يمكن وصفه رغم حسن نيته بالتهور وفساد التقدير، وإما سيئ النية يريد الكيد للغير والنكاية به والإساءة إليه، نتيجة حقد أسود أو حماقة نكراء وفي كلتا الحالتين فإن الشاكي يكون قد أساء إلى الأبرياء وشهر بهم وأحاط سمعتهم بما يشين على نحو يهدد كرامتهم بالإهدار وصفحة أعمالهم بالتشهير وهو ما يشكل في الصورتين مخالفة تأديبية من جانب الشاكي تستوجب الجزاء.
ومن حيث إنه قد ثبت في حق الطاعنة أنها قد أساءت إلى عدد من العاملين بحي جنوب الجيزة من خلال شكاوى ثبت عدم صحتها، فإنها - متى وإن كانت حسنة النية - تكون قد ارتكبت مخالفة تأديبية قوامها عدم تحققها من مدى صحة ما ادعته، قبل أن تسطر صفحات موزريه لهؤلاء الأبرياء على نحو يستوجب المساءلة والجزاء.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعنة عن المخالفتين السالفتين وقد راعى في تقدير العقوبة ظروف الدعوى وملابساتها على نحو تقدر فيه هذه المحكمة تمام الملاءمة لما ثبت في حق الطاعنة صدقاً وعدلاً، فإن هذا الحكم يكون قد صدر موافقاً لصحيح حكم القانون على نحو يكون الطعن عليه غير قائم على سند صحيح من القانون متعين الرفض.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق