الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 31 مارس 2025

الطعن رقم 50 لسنة 44 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 8 / 3 / 2025

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من مارس سنة 2025م، الموافق الثامن من رمضان سنة 1446هـ.
برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وخالد أحمد رأفت دسوقي وصلاح محمد الرويني ومحمد أيمن سعد الدين عباس محمود نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 50 لسنة 44 قضائية دستورية، بعد أن أحالت محكمة جنوب بنها الابتدائية - دائرة الجنح المستأنفة - بحكمها الصادر بجلسة 31/ 5/ 2022، ملف الدعوى رقم 9614 لسنة 2022 جنح مستأنف جنوب بنها

المقامة من
أحمد حمدي السيد أحمد
ضد
الـنيــابـة العــامـة
-------------------
" الإجـراءات "
بتاريخ التاسع والعشرين من أكتوبر سنة 2022، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقــــم 9614 لسنة 2022 جنح مستأنف جنوب بنها، بعد أن قضت محكمة جنوب بنها الابتدائية بوقف الاستئناف تعليقًا، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (76) من قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973، المستبدل بها قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 2014، فيما تضمنه من جعل الحد الأدنى لعقوبة الحبس الوارد به سنتين.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

--------------------
" المحكمــــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة أسندت إلى المستأنف في الدعوى المحالة أنه بتاريخ 22/ 8/ 2021، بدائرة قسم ثان شبرا الخيمة، أولاً: قاد مركبة عكس الاتجاه بالطريق العام داخل المدن، ونجم عن ذلك إصابة المجني عليهم ......، ثانيًا: تسبب بإهماله في إتلاف المنقولات المبينة وصفًا بالأوراق. قيدت الواقعة جنحة ومخالفة برقم 23580 لسنة 2021 قسم ثان شبرا الخيمة، وطلبت النيابة العامة معاقبته بالمواد (1 و3 و4 و64/ 1 و76/ 1-2) من قانون المرور الصادر بالقانون رقـــم 66 لسنة 1973، المعدل بالقوانين أرقام: 210 لسنة 1980، و121 لسنة 2008، و142 لسنة 2014، و155 لسنة 2019، والمادتين (2 و24/ 2) من اللائحة التنفيذية لقانون المرور، والمادة (378/ 6) من قانون العقوبات. وبجلسة 9/ 12/ 2021، قضت المحكمة -غيابيًّا- بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وتغريمه مبلغ عشرة آلاف جنيه. عارض المتهم في الحكم، وبجلسة 24/ 3/ 2022، حكمت المحكمة حضوريًّا برفض المعارضة، وتأييد الحكــــم المعارض فيه. طعن المحكوم عليه -المستأنف في الدعـوى المحالة- على الحكم أمـام محكمة جنوب بنهـا، بالاستئناف المقيد برقم 9614 لسنة 2022 جنح مستأنف جنوب بنها. وبجلسة 31/ 5/ 2022، حكمت المحكمة بوقف الدعوى تعليقًا، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية النص المحال، نعيًا عليه بمخالفة المواد (54 و92 و94 و96 و99 و184 و186) من الدستور القائم.
وحيث إن المادة (76) من قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973، المستبدل بها قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 2014، تنص على أنه مع عدم الإخلال بالتدابير المقررة في هذا القانون أو بأية عقوبة أشد في أي قانون آخر يعاقب كل من قاد مركبة وهو تحت تأثير مخدر أو مسكر أو السير عكس الاتجاه في الطريق العام داخل المدن أو خارجها بالحبس مدة لا تقل عن سنة.
فإذا ترتب على القيادة تحت تأثير مخدر أو المسكر أو السير عكس الاتجاه إصابة شخص أو أكثر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه.
وإذا ترتب على ذلك وفاة شخص أو أكثر أو إصابته بعجز كلي يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على سبع سنوات وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جينه.
وفي جميع الأحوال يقضى بإلغاء رخصة القيادة ولا يجوز منح رخصة جديدة إلا بعد مرور مدة مساوية لمدة الحبس المقضي بها عليه.
وحيث إن المصلحة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية المطروحة على بساط البحث أمام هذه المحكمة لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، المطروحة أمام محكمة الموضوع. والمحكمة الدستورية العليا وحدها هي التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى المقامة أمامها أو المحالة إليها للتثبت من شروط قبولها.
وحيث إنه ولئن كانت المناعي التي أوردها حكم الإحالة قد انصبت في مجملها على العقوبة المقررة بالنص المحال، بيد أنه للارتباط الذي لا يقبل الفصل أو التجزئة بين الفعل المؤثم في ذلك النص والعقوبات المرصودة لذلك الفعل، فإنه وبحكم الاقتضاء العقلي يتعذر الفصل في دستورية التقدير العقابي بمنأى عن أن تُجيل المحكمة بصرها في شأن دستورية تجريم الأفعال الموجبة لإيقاع العقوبة، فيكون مطروحًا لزومًا على هذه المحكمة، ويمتد إليه نطاق الدعوى الدستورية.
متى كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن المستأنف في الدعوى المحالة قد قُدم إلى المحاكمة الجنائية استنادًا إلى النص المحال، وقضي بإدانته بمقتضى النص ذاته، وتم إيقاع العقوبة الأصلية المنصوص عليها فيه، ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذا النص يكون له أثر مباشر وانعكاس أكيد على قضاء محكمة الموضوع في الاستئناف المطروح عليها، وتكون المصلحة في الدعوى المعروضة قد تحققت، ويتحدد نطاقها فيما تضمنه نص الفقرتين الأولى والثانية من المادة (76) من قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973، المستبدل بها قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 142 لسنة 2014، من تجريم فعل قيادة مركبة والسير بها عكس اتجاه الطريق العام داخل المدن أو خارجها، وإحداث إصابة شخص أو أكثر، والعقوبة المرصودة لها بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، دون باقي ما ورد بالفقرتين المذكورتين من أحكام أخرى.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال - محددًا نطاقًا على ما سلف بيانه - أنه انتقص من سلطة قاضي الموضوع في تفريد العقوبة المقيدة للحرية، وتقديره المناسب فيها، طبقًا للوقائع المطروحة، ووفقًا لظروف كل متهم، وذلك بجعل الحد الأدنى لعقوبة الحبس المقررة عن الأفعال المؤثمة بمقتضى هذا النص سنتين، مع ما ينطوي عليه ذلك من غل يد وتقييد لسلطته التقديرية، بما يمثل انتهاكًا لاستقلال السلطة القضائية، وتدخلًا في شئون العدالة، بما يقيد الحرية الشخصية والحق في المحاكمة المنصفة، ويخرج العقوبة عن معقوليتها لعدم تناسبها مع الأفعال المؤثمة.
وحيث إن قضــاء هذه المحكمة قـد جـرى على أن العدالــة - في غاياتها- لا تنفصل علاقاتها بالقانون باعتباره أداة تحقيقها، فلا يكون القانون منصفًا إلا إذا كان كافلًا لأهدافها، فإذا ما زاغ المشرع ببصره عنها، وأهدر القيم الأصيلة التي تحتضنها، كان منهيًا للتوافـق فـي مجـال تنفيذه، ومسقطًا كـل قيمة لوجـوده، ومستوجبًا تغييـره أو إلغاءه؛ ذلك أن العدالة الجنائية في جوهر ملامحها هي التي يتعين ضمانها من خلال قواعد محددة تحديدًا دقيقًا، ومنصفًا، يتقرر على ضوئها ما إذا كان المتهم مدانًا أو بريئًا، وذلك منظور إليه في ضوء الموازنة بين مصلحة الجماعة في استقرار أمنها، ومصلحة المتهم في ألا تفرض عليه عقوبة تبلغ في شدتها حدًّا تفتقر معه إلى الصلة العضوية بجسامة فعله وظروف ارتكابه للجريمة، بحيث يظل التجريم مرتبطًا بالأغراض النهائية للقوانين العقابية.
وحيث إن تجريم المشرع لأي فعل أو امتناع يرتبط بالضرورة الاجتماعية التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها؛ ذلك أن من المقرر -في قضاء هذه المحكمة- أن القانون الجنائي وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، فإن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد، من منظور اجتماعي، ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية. ومن ثم؛ يتعين على المشرع دومًا إجراء موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وحريات وحقوق الأفراد من جهة أخرى. ويتعين على المشرع -أيضًا- أن يقوم بصياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة، محددة، بلا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها. وتلك ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولًا عليها.
وحيث إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات غدا أصلًا ثابتًا كضمان ضد التحكم، فلا يؤثم القاضي أفعالًا ينتقيها، ولا يقرر عقوباتها وفق اختياره، إشباعًا لنزوة أو انفلاتًا عن الحق والعدل. وصار التأثيم من ثمَّ عائدًا إلى المشرع؛ إذ يقرر للجرائم التي يستحدثها عقوباتها التي تناسبها. ويُفسر هذا المبدأ بأن القيم الجوهرية التي يصدر القانون الجنائي لحمايتها، لا يمكن بلورتها إلا من خلال السلطة التشريعية التي انتخبها المواطنون لتمثيلهم، وأن تعبيرها عن إرادتهم يقتضيها أن تكون بيدها سلطة التقرير في شأن تحديد الأفعال التي يجوز تأثيمها وعقوباتها، لضمان مشروعيتها.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا تجــوز معاملة المتهمين بوصفهم نمطًا ثابتًا، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، وتقرير استثناء من هذا الأصل -أيًّا كانت الأغراض التي يتوخاها- مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما يعني إيقاع جزاء في غير ضرورة، بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتضى؛ ذلك أن مشروعية العقوبة -من زاوية دستورية- مناطها أن يباشر كل قاضٍ سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرًا لها، في الحدود المقررة قانونًا، فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرًا لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها، وأن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التي أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في كل حالة بذاتها؛ مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالهــــا بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملًا مجردًا يعزلها عن بيئتها، دالًّا على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامدًا فجًّا منافيًا لقيم الحق والعدل.
وحيث إن العقوبة التخييرية، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازي بعقوبة أصلية أشد، عند توافر عذر قانوني جوازي مخفف للعقوبة، أو إجازة استعمال الرأفة في مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل، عملًا بنص المادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقاف تنفيذ عقوبتي الغرامة أو الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقـاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون، على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هي أدوات تشريعية يتسـاند القاضي إليها- بحسب ظروف كل دعوى- لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة. ومن ثم؛ فإنه في الأحوال التي يمتنع فيها إعمال إحدى هذه الأدوات فإن الاختصاص الحصري بتفريد العقوبة المعقود للقاضي يكون قد استغلق عليه تمامًا، بما يفتئت على استقلاله ويسلبه حريته في تقدير العقوبة، ويفقده جوهر الوظيفة القضائية وينطوي على تدخل محظور في شئون العدالة.
وحيث إن تفريد عقوبة الغرامة يجنبها عيوبها باعتبارها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء، وكان فرض تناسبها في شأن جريمة بذاتها، إنصافًا لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن تفاضل المحكمة الجنائية بين حدين أعلى وأدنى لتختار لكل حال ما يناسبها، وأن تأمر بوقف تنفيذها متى قام لديها ما يبرر ذلك.
وحيث إن النص المحال -محددًا نطاقًا على ما سلف- قد تغيا مصلحة اجتماعية جديرة بالحماية الجنائية، حاصلها ضبط حركة المرور وانتظامها في الطرق العامة حفظًا لأرواح وأموال من يرتادونها، على نحو ما أفصح عنه تقرير اللجنة الثامنة عشرة عن قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 142 لسنة 2014، بتعديل بعض أحكام قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973 أن مصر تحتل المركز الأول في عدد ضحايا حوادث الطرق، حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية على مستوى الشرق الأوسط، بحوالي 13 ألف قتيل، و60 ألف مصاب سنويًّا، متصدرة قائمة الدول الأسوأ عالميًّا في حوادث الطرق بمعدل وفيات مرتفع جدًا. ووفقًا لبيانات البنك المركزي، فإن شركات التأمين قامت بسداد 5,5 مليار جنيه، خلال الثلاث سنوات الماضية، تعويضات عن حوادث السيارات في مصر، كما عين النص المحال عناصر الركن المادي للجريمة التي انتظمها، والتي تمثلت في فعل قيادة مركبة - بالتعريف الوارد لها في قانون المرور ذاته- عكس الاتجاه، في طريق عام، سواء كان داخل المدن أو خارجها، ويرتبط هذا الفعل - برابطة سببية - بنتيجتين، أولاهما مباشرة هى الإخلال بحركة المرور وانتظامها، وأخرى محتملة هى إصابة شخص أو أكثر، على أن يقارن ذلك الفعل وتلك النتيجة قصد جنائي عام قوامه علم الجاني بقيادته المركبة عكس اتجاه المرور، واتجاه إرادته إلى النتيجة المباشرة وقبوله النتيجة المحتملة؛ ومن ثم يكون النص المحال قد استوفى عناصر التجريم التي تطلبها الدستور، من حيث استهدافه مصلحة جديرة بالحماية الجنائية، وتحديد ركني الجريمة المادي والمعنوي على نحو قاطع لا لبس فيه ولا غموض، ولم يحل بين المتهم بهذه الجريمة وبين حقه الدستوري في نفي كل فعل ينسب إليه بكافة وسائل الإثبات الجنائي، ولم يقم قرينة ينقض بها أصل البراءة أو تقيد المحكمة الجنائية في إعمال سلطتها التقديرية في تمحيص الواقعة وتقدير أدلتها، في ضوء قواعد المحاكمة المنصفة؛ ومن ثم فإن التجريم الوارد في النص يكون قد استوى على قواعد الشرعية الدستورية.
وحيث إن العقوبة الأصلية التي رصدها النص المحال في فقرته الثانية، وهى الحبس مدة لا تقل عن سنتين وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، إنما تتناسب مع جسامة الجريمة العمدية مقترنة بالظرف المشدد الذي لابسها، باعتبار أن تحققه يستحيل معه الفعل إلى جريمة من جرائم الضرر، وعقوبة الحبس، باعتبارها الشق الأول من العقوبة الأصلية لهذه الجريمة، لا تستعصي على التفريد القضائي للعقوبة، كونها تقع بين حدين: أدنى عينه النص المحال، وأقصى مدته ثلاث سنين - بحسب الأصل في عقوبة الحبس - عملًا بنص الفقرة الأولى من المادة (18) من قانون العقوبات، ولا ينال من دستورية عقوبة الحبس المنصوص عليها في النص المحال عدم جواز إيقاف تنفيذها، ذلك أن النص الذي يحول دون وقف تنفيذ عقوبة الحبس المنصوص عليها في النص المحال هو نص المادة (55) من قانون العقوبات -غير المحال-، فضلًا عن أن إيقاف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية لا يُرد فحسب إلى قواعد التفريد القضائي للعقوبة التي تتسلط عليها محكمة الموضوع، وإنما يداخلها الغاية من تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، ليوسد الدستور إلى المشرع -في حدود سلطته التقديرية- تحقيق التوازن بينهما على ضوء اعتبارات عدة، تتصدرها جسامة الجرم ومبلغ أثره المجتمعي من ناحية، وجدوى إيقاف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية في إعادة تأهيل المحكوم عليه للانخراط في المجتمع مجددًا من ناحية أخرى. كما أن النص المحال لم يحل بين المحكمة الجنائية وبين سلطتها في إيقاف تنفيذ عقوبة الغرامة -الشق الثاني من العقوبة الأصلية- إذ رأت من ظروف المحكوم عليه ما يوجب ذلك؛ ومن ثم تغدو العقوبة الأصلية بشقيها قد سلمت من أية مثالب دستورية، ويكون الطعن على دستورية النص المحال -وفق نطاقه المحدد سلفًا- لا سند له، متعينًا رفضه.
وحيث إن النص المحال لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور؛ ومن ثم فإن المحكمة تقضي برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق