جلسة 27 من فبراير سنة 1988
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عزيز بشاي سيدهم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة د. محمد جودت الملط وثروت عبد الله أحمد ومحمد معروف محمد وأحمد شمس الدين خفاجي المستشارين.
-----------------
(149)
الطعن رقم 172 لسنة 23 القضائية
عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - جزاءات تأديبية - إحالة للمعاش - فصل.
المادتان 20 و80 من القانون رقم 47 لسنة 1978.
ورد جزاء الإحالة إلى المعاش قبل جزاء الفصل من الخدمة مباشرة - مؤدى ذلك أن الجزاء الأول أخف من الثاني - إذا كان المشرع قد اشترط فيمن يعين ألا يكون قد سبق فصله من الخدمة بقرار أو حكم تأديبي نهائي ما لم تمضي على صدوره أربع سنوات فإن هذا الشرط لا ينسحب على جزاء الإحالة إلى المعاش فلا يشترط عند التعيين مضي أربع سنوات على توقيع هذا الجزاء - لا يشترط كذلك عند توقيع جزاء الإحالة للمعاش أن يكون المحكوم عليه مستحقاً لمعاش - أساس ذلك: أن الأحكام التأديبية شأنها شأن الأحكام الجزائية لا يجوز التوسع في تفسير نصوصها تخفيفاً أو تشديداً - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الثلاثاء الموافق 2 من ديسمبر 1989 أودع الأستاذ..... المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/..... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 172 لسنة 33 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية بجلسة 22 من نوفمبر 1986 في الدعوى رقم 165 لسنة 28 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعن والقاضي بمجازاته بالإحالة إلى المعاش.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه واحتياطياً بتعديله بالتخفيف وإلزام الجهة المطعون ضدها بالمصروفات.
وبعد أن تم إعلان الطعن على النحو المبين بالأوراق تقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وتوقيع الجزاء المناسب الذي يستحقه الطاعن طبقاً لما هو منسوب إليه.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 25 من نوفمبر 1987 وبجلسة 13 من يناير 1988 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" لنظره بجلسة 6 من فبراير 1988 وبتلك الجلسة استمعت المحكمة لما رأت لزوماً للاستماع إليه من إيضاحات ذوي الشأن ثم قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم بعد أن أودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق والاستماع إلى الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق أنه بتاريخ 9/ 12/ 1985 أودعت النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة التأديبية بالإسكندرية أوراق الدعوى التأديبية التي قيدت بسجل المحكمة تحت رقم 165 لسنة 28 القضائية وتقرير اتهام ضد السيد/.... بالدرجة الرابعة، محصل إنارة بالوحدة المحلية لمركز ومدينة أبو المطامير لأنه في المدة من 1 يونيو 1982 إلى يناير 1985 بالوحدة المحلية لمركز ومدينة أبو المطامير لم يؤد العمل المنوط به بدقة وأمانة وخالف القواعد والأحكام المالية بأن:
1 - قصد عدم إيضاح رقم الاشتراك بيوميات تحصيل متأخرات الإنارة المؤرخة 31/ 12/ 1983 و5/ 2/ 1984، 29/ 3/ 1984 مما أدى إلى عدم درج المبالغ المحصلة بموجب هذه اليوميات بسجل إنارة 6 على النحو المبين بالأوراق.
2 - زور قسائم التحصيل 33 ع. ح بعدد 12 دفتر مالي مسلم إليه بسبب وظيفته بتعديل المبلغ المحصل بالقسيمة إلى مبلغ أقل مما مكنه من اختلاس مبلغ 3929 جنيه من قيمة متحصلات الإنارة والمسلمة إليه بسبب وظيفته على النحو المبين بالأوراق.
وبجلسة 23 من نوفمبر 1986 أصدرت المحكمة الحكم المطعون فيه وأقامت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن المخالفة الأولى ثابتة في حقه من واقع اعترافه بارتكابها في أوراق التحقيق وبشهادة الشهود كما أن المخالفة الثانية ثابتة أيضاً في حقه بإقراره في تحقيقات النيابة العامة والنيابة الإدارية وبشهادة الشهود ومن واقع ما تضمنه تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله إذ أنه قضى بمجازاة المتهم بالإحالة إلى المعاش كجزاء أخف من جزاء الفصل من الخدمة وهذا يعني أن يتقاضى الموظف الموقع عليه الجزاء معاشه القانوني كاملاً. ولما كانت خدمة المذكور لا تمنحه حق الحصول على معاش فإن الجزاء في هذه الحالة يعتبر جزاء أشد مما قصدت إليه المحكمة وكان يتعين على المحكمة أن تستوثق من أحقية المذكور أو عدم أحقيته في معاش عن مدة خدمته، وإذ أغفلت ذلك فإن حكمها يكون قد شابه القصور الأمر الذي يتعين معه تعديل العقوبة بما يتناسب وما تقدم بيانه.
ومن حيث إن الطعن الماثل لا ينعى على الحكم المطعون فيه أي مطعن فيما يتعلق بالأسباب التي قام عليها قضاؤه في إثبات مسئولية المتهم وإدانته في المخالفتين المنسوبتين إليه بتقرير الاتهام. ومفاد ذلك أنه لا يجادل بل يقر ويسلم بإدانته للأسباب التي بني عليها الحكم المطعون فيه هذه الإدانة وعلى هذا النحو فإن طعنه يقتصر فقط على أن الجزاء الموقع عليه بموجب الحكم المطعون فيه لا يجوز توقيعه عليه بمقولة أنه يشترط قانوناً لتوقيعه على المتهم أن يكون قد استحق معاشاً وهو الأمر الذي لا يتوافر فيه ومن ثم يتعين تعديل الجزاء بما يتفق وكونه غير مستحق للمعاش.
ومن حيث إن نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 ينص في المادة 80 منه على الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العاملين وقد ورد ترتيب هذه الجزاءات بالنسبة للعاملين من غير شاغلي الوظائف العليا، شأن الطاعن، على نحو راعى فيه التدرج في أنواع الجزاءات.
ومن ثم فإنه قد أورد جزاء الإحالة إلى المعاش قبل جزاء الفصل من الخدمة مباشرة فإن جزاء الإحالة إلى المعاش يعتبر والحال كذلك أخف من جزاء الفصل من الخدمة، بما مفاده أن الآثار التي تترتب على توقيع جزاء الإحالة إلى المعاش على العامل تكون أقل حدة من الآثار التي يرتبها توقيع جزاء الفصل من الخدمة عليه.
ومن حيث إن الأحكام التأديبية، شأنها شأن الأحكام الجزائية بصفة عامة، لا يجوز التوسع في تفسير النصوص المقررة لها تخفيفاً - بإضافة قيود لإنزالها - وتشديداً - بمراعاة ظروف لأعمالها - ما لم يكن الاعتداد بهذه القيود وتلك الظروف مصدرة الأحكام العامة للقانون التي تسمح بأعمالها عند قيام المقتضى. ومن ثم إذا ما قرر النص جزاء معيناً.
وورد هذا النص مطلقاً من كل قيد غير معلق على شرط أو آخر لأعماله ولا يتعارض تنفيذه مع الأوضاع التي تقررها القوانين فإنه لا يتأتى والحال كذلك تعطيل تطبيقه بابتداع قيوداً أو اختلاق شروط لتعارض ذلك مع مبدأ المطلق يؤخذ على إطلاقه.
ومن حيث إن النصوص التي تقرر الجزاءات التأديبية، باعتبارها جزء من الأحكام التأديبية بصفة عامة، يسري في شأنها ما سبق بيانه وبمراعاة أن ما يعول عليه من آثار تترتب على توقيعها هو ما ينصرف من هذه الآثار إلى حياة العامل الوظيفية وهذه الآثار هي التي من شأنها جعل جزاء تأديبي معين أخف من جزاء تأديبي آخر.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم وكانت المادة 20 من نظام العاملين المدنيين بالدولة قد نصت على أنه "يشترط فيمن يعين في إحدى الوظائف...." ألا يكون قد سبق فصله من الخدمة بقرار أو حكم تأديبي نهائي ما لم تمض على صدوره أربع سنوات على الأقل. بيد أنها لم تشترط في تعيين من يكون قد حكم عليه تأديبياً بجزاء الإحالة إلى المعاش أن تكون قد مضت على صدور الحكم عليه بذلك مدة معينة. أي أن صدور مثل هذا الحكم الأخير عليه لا يحول دون عودته بلا أي قيد زمني إلى الوظيفة العامة ومن ثم فإن جزاء الإحالة إلى المعاش يكون في مجال الآثار المنعكسة على الحياة الوظيفية للعامل أخف من جزاء الفصل من الخدمة لما للأخير من آثار ينفرد بها دون جزاء الإحالة إلى المعاش وهي حرمان العامل من تقلد الوظيفة العامة والعودة إليها لفترة تمتد إلى أربع سنوات من تاريخ توقيعها عليه.
ومن حيث إن جزاء الإحالة إلى المعاش قد ورد النص عليه مطلقاً دون تقييد توقيعه باستحقاق العامل الذي يوقع عليه معاشاً من عدمه، فإنه في ضوء ما سبق بيانه لا يتوقف توقيعه على العامل أن يكون هذا الأخير مستحقاً لمعاش لما في ذلك من تخصيص للجزاء بغير نص يخصصه وتقييد للنص بقيد يتعارض وإطلاقه لا سيما وأن استحقاق العامل لمعاش عن مدة خدمته من عدمه هو أمر يرتبط بحقوقه التقاعدية التي تنشأ بعد انقضاء حياته الوظيفية ومن ثم فإن هذا الأمر يخرج عن نطاق الحياة الوظيفية للعامل التي يستهدف المشرع أن يتأثر بما ينعكس عليها من آثار الجزاء التأديبي الموقع عليه.
ومن حيث إنه لما تقدم من أسباب يكون الحكم المطعون فيه عندما وقع الجزاء الوارد به قد أصاب صحيح حكم القانون فمن ثم يغدو الطعن عليه غير قائم على أساس سليم من القانون مما يتعين القضاء برفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه برفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق