باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة الجنائية الثلاثاء ( ج )
المؤلفة برئاسة السيد المستشار / علاء الدين مرسي " نائب رئيس
المحكمة " وعضوية السادة المستشارين / مجدي عبد الحليم ، محمود عصر د/ هاني
صبري و أحمد عبد المعز " نواب رئيس المحكمة "
وحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض السيد / زاهر الحسيني .
وأمين السر السيد / خالد صلاح .
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة
القاهرة .
في يوم الثلاثاء 11 من رجب سنة 1445 ه الموافق 23 من يناير سنة 2024 .
أصدرت الحكم الآتي :
في الطعن المقيد بجدول المحكمة برقم 21985 لسنة 92 القضائية .
المرفوع من
1- .....
2- ........... " المحكوم عليهما "
ضد
النيابة العامة
----------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين في قضية الجناية رقم ۸۸ لسنة ۲۰۲۲ قسم
مدينة نصر أول ( والمقيدة بالجدول الكلي برقم ٢١ لسنة ۲۰۲٢ كلي القاهرة الجديدة )
بأنهما في يوم 26 من مارس سنة 2022 وبتاريخ سابق عليه بدائرة قسم أول مدينة نصر –
محافظة القاهرة :
تعاملا في النقد الأجنبي على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانونا بأن
استبدلا العملات الأجنبية بما يعادلها من العملة الوطنية دون أن يكون ذلك عن طريق
البنوك والجهات المرخص لها قانونا على النحو المبين بالتحقيقات .
باشرا عملا من أعمال البنوك بأن تعاملا في النقد الأجنبي والمصري بيعا
وشراء دون أن يكونا من المسجلين في البنك المركزي المصري لممارسة هذا النشاط على
النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات القاهرة الاقتصادية لمحاكمتهم طبقا للقيد
والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضوريا بجلسة ١٤ من أغسطس سنة ۲۰۲۲ عملا
بالمواد 63/1 ، 225/1 ، 233/1-4 ، 236 من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي
الصادر بالقانون رقم ١٩٤ لسنة ۲۰۲۰ ، مع تطبيق المادة ۳۲ من قانون العقوبات ،
بمعاقبة كل منهما بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمهما متضامنين مبلغ مليون جنيه
مصري وبمصادرة المبلغ النقدي محل التعامل وقدره ( عشرين ألف دولار أمريكي )
والهواتف المحمولة الثلاثة وأمرت بنشر ملخص الحكم بأحد المواقع الإلكترونية على
نفقة المحكوم عليهما وألزمتهما بالمصاريف الجنائية .
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 25 من سبتمبر
سنة 2022 .
وأودعت مذكرتان بأسباب الطعن بالنقض بتاريخ 11 من أكتوبر سنة 2022
الأولى عن المحكوم عليه / ..... موقعا عليها من الأستاذ / ..... المحامي والثانية
عن المحكوم عليه / .... موقعا عليها من الأستاذ / ..... المحامي .
وبجلسة اليوم سمعت المحكمة المرافعة كما هو مبين بمحضر الجلسة .
--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة قانونا .
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
ومن حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما
بجريمتي التعامل في النقد الأجنبي عن غير طريق البنوك المعتمدة أو الجهات المرخص
لها بذلك ، ومباشرة عمل من أعمال البنوك حال كونهما غير مسجلين قانونا ، قد شابه
قصور في التسبيب ، وفساد في الاستدلال ، وانطوى على خطأ في تطبيق القانون ، وإخلال
بحق الدفاع ، ذلك بأن أسبابه جاءت غامضة ومجملة خلت من بيان الواقعة وظروفها بيانا
تتحقق به أركان الجريمتين اللتين دانهما بهما ومؤدى أدلة الثبوت التي عول عليها في
قضائه ، واطرح بما لا يسوغ الدفع ببطلان القبض والتفتيش لعدم صدور إذن بذلك من
النيابة العامة مما يبطل تفتيش مسكن الطاعن الأول ولانتفاء حالة التلبس لشواهد
عددها ، وعول في قضائه بالإدانة على التقرير الفني رغم بطلانه وعدم صلاحيته
ومشروعيته كدليل ، ويضيف الأول بأن الحكم لم يورد مضمون التقرير الفني الذي عول
عليه في الإدانة في بيان مفصل ، وقضى بإدانته على الرغم من خلو ملف الدعوى مما
يفيد صدور طلب كتابي من محافظ البنك المركزي أو رئيس مجلس الوزراء بمباشرة
التحقيقات ورفع الدعوى الجنائية قبله بالمخالفة لنص المادة ۱۳۱ من القانون ٨٨ لسنة
۲۰۰۳ ، ويضيف الثاني بأن الحكم لم يستظهر أركان الجريمتين اللتين دانه بهما
بركنيها المادي والمعنوي ملتفتا عن دفعه المثار في هذا الشأن ، ولم يستظهر القصد
الجنائي لديه ، وعول على أقوال ضابط الواقعة رغم اختلاقه حالة التلبس ، ولعدم
معقوليه تصويره للواقعة ، وأن شهادته جاءت سماعية ومنقولة ، وانفراده بالشهادة
وحجبه باقي أفراد القوة المرافقة له ، كما تساند إلى تحريات الشرطة رغم عدم جديتها
لشواهد عددها بيد أنه اطرح الدفع بعدم جديتها بما لا يسوغ ، وقام دفاعه على بطلان
إقراره بمحضر الضبط لكونه وليد إكراه مادي ومعنوي وببطلان تحقيقات النيابة العامة
لعدم حضور محام معه إجراءات التحقيق ، وببطلان الدليل الفني لعدم مشروعيته ، مما
يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة
العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما وأقام عليهما في حقهما أدلة
سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها ، وأورد الحكم - على خلاف ما يزعمه
الطاعنان بأسباب طعنهما - مؤدى تلك الأدلة ، وجاء استعراض المحكمة لها على نحو يدل
على أنها محصتها تمحيصا كافيا وألمت بها إلماما شاملا يفيد أنها قامت بما ينبغي
عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، وكان مجموع ما أورده الحكم كافيا في تفهم
الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة ، فإن حكمها يكون محققا لحكم
القانون . لما كان ذلك ، وكان القول بتوافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من
المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دامت قد أقامت
قضاءها على أسباب سائغة ، كما أن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها ،
وإذ كان ما أورده الحكم المطعون فيه بمدوناته تدليلا على توافر حالة التلبس وردا
على ما دفع به الطاعنان من عدم توافر هذه الحالة ومن بطلان القبض والتفتيش كاف
وسائغ في الرد على الدفع ويتفق وصحيح القانون ، ولا ينال من ذلك تظاهر المصدر
السري لضابط الواقعة للطاعن برغبته في شراء النقد الأجنبي إذ لم يكن ذلك من الضابط
إلا بعد أن علم أن الطاعنين يتعاملان في النقد الأجنبي في السوق السوداء بما مفاده
أن الجريمة كانت واقعة وأن الضابط لم يخلق فكرتها في وجدان الطاعنين ولم يحرضهما
عليها ، فلا يستنتج أن يعاقب على ذلك التظاهر ما دامت غايته لم تتعد الكشف عن
الجريمة والتوصل إلى مرتكبيها ، ذلك أن مهمة مأمور الضبط القضائي بمقتضى المادة
الحادية والعشرين من قانون الإجراءات الجنائية الكشف عن الجرائم والتوصل إلى
معاقبة مرتكبيها ، وكل إجراء يقوم به في هذا السبيل يعتبر صحيحا منتجا لأثره ما
دام لم يتدخل في خلق الجريمة بطريق الغش أو الخداع أو التحريض على مقارفتها وطالما
بقيت إرادة الجاني حرة غير معدومة ، ولا تثريب على مأمور الضبط القضائي في أن
يصطنع في تلك الحدود من الوسائل البارعة ما يسلس لمقصوده في الكشف عن الجريمة ،
ولا يتصادم مع أخلاق الجماعة ، وكان لا تثريب على مأموري الضبط القضائي ومرؤوسيهم
فيما يقومون به من التحري عن الجرائم بقصد اكتشافها أن يتخذوا في سبيل ذلك التخفي
وانتحال الصفات حتى يأنس الجاني لهم ويأمن جانبهم ، فمسايرة رجال الضبط للجناة
بقصد ضبط جريمة يقارفونها لا يجافي القانون ولا يعد تحريضا منهم للجناة ما دامت
إرادة هؤلاء تبقى حرة غير معدومة ولم يقع منهم تحريض على ارتكاب هذه الجريمة ، كما
أن الطاعنين قد أوجدا نفسهما طواعية في أظهر حالة من حالات التلبس ، فإن قيام
الضابط بضبطهما يكون صحيحا منتجا لأثره ، ولا عليه إن لم يسع للحصول على إذن من
النيابة العامة بذلك إذ لم يكن في حاجه إليه ، ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد
غير سديد . لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن التفتيش لم
يقع على مسكن الطاعن الأول ، بل على شخصه أثناء وجوده في المسكن ، فلا محل لما
يثيره من بطلان تفتيش مسكنه بمقولة أنه تم دون إذن من النيابة العامة ، وإذ كان
الحكم قد التزم في رده على الدفع ببطلان تفتيش مسكنه هذا النظر ، وكان الطاعن لا
ينازع في أن ما أورده الحكم في هذا الخصوص له معينه الصحيح من الأوراق ، فإن ما
ينعاه الطاعن الأول على الحكم في هذا الصدد لا يكون قويما ، هذا فضلا عن أن الرضا
بدخول المسكن وتفتيشه يكفي أن تكون المحكمة قد استبانته من وقائع الدعوى وظروفها
واستنتجته من دلائل مؤدية إليه ، وتفصل فيه محكمة الموضوع بما لها من سلطة في
تقديره ، وكان غير لازم أن يكون الرضا بالتفتيش ثابتا كتابة ممن حصل تفتيشه ، ومن
ثم فإن دخول ضابط الواقعة إلى مسكن الطاعن الأول وضبط المبالغ المالية به يكون
صحيحا ومشروعا ، وتكون المحكمة إذ اعتبرته كذلك ودانته وآخر استنادا إلى الدليل
المستمد منه لم تخالف القانون ، ويكون منعى الطاعن الأول في هذا الصدد غير سديد .
لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التقارير الفنية وإن كانت لا تدل بذاتها على نسبة
الجريمة إلى المتهم إلا أنها تصلح كدليل مؤيد لأقوال الشهود فلا يعيب الحكم
استناده إليها ، ومن ثم فإن مجادلة الطاعنين في أن المحكمة عولت على التقرير الفني
رغم أنه لا يعد دليلا على نسبة الاتهام إليهما لا يكون له محل . لما كان ذلك ،
وكان الحكم المطعون فيه قد حصل مؤدى تقرير قسم البحوث الفنية بالإدارة العامة
لمكافحة جرائم الأموال العامة وأبرز ما جاء به من أنه بفحص الهواتف المحمولة
المضبوطة حوزة المتهمين تبين احتوائها على العديد من المحادثات عبر تطبيق "
الواتس آب " تفيد قيام المتهمين بالتعامل في النقد الأجنبي بعملات مختلفة
خارج نطاق السوق المصرفي وأرفق نسخا مطبوعة من الرسائل المشار إليها اطلعت عليها
المحكمة ، لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص
تقرير الخبير بكامل أجزائه ، وكان ما أورده الحكم بالنسبة لتقرير قسم البحوث
الفنية بالإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة يكفي لتبرير اقتناعه
بالإدانة ويحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة ۳۱۰ من قانون الإجراءات
الجنائية من دعوى بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة ، فإن
ما يثيره الطاعن الأول في هذا الشأن لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكانت المادة ۲۳۸
من القانون ١٩٤ لسنة ۲۰۲۰ بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي قد نصت على
أنه في غير حالات التلبس لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ أي إجراء من
إجراءات التحقيق في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون والقرارات الصادرة
تنفيذا له وفي الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون
العقوبات في نطاق تطبيق أحكام هذا القانون إلا بناء على طلب كتابي من المحافظ ،
وكانت واقعة الدعوى تمت بتاريخ ٢٦/٣/۲۰۲۱ وفي ظل سريان القانون ١٩٤ لسنة ۲۰۲۰ والمعمول
به بتاريخ ١٥/٩/۲۰۲۰ وخاضعة للتأثيم الوارد بنص المادة (۲۳۸) سالفة البيان ، وكان
المشرع - وطبقا لتلك المادة - قد استن طريقين لمباشرة إجراءات الدعوى الجنائية
استدلالا وتحقيقا وإحالة ، إذ أورد طريقا أول حالما تكون الواقعة قد ضبطت في حالة
من حالات التلبس وقرر طريقا ثانيا في حال حدوث الواقعة في غير حالة من حالات
التلبس ، ورفع كل قيد عن مباشرة الدعوى الجنائية حتى إحالتها والقضاء فيها ما دامت
الواقعة نتاج حالة من حالات التلبس ، وقيدها بطلب من محافظ البنك المركزي في غيرها
من حالات الضبط ، فلا تباشر الدعوى استدلالا وتحقيقا وإحالة وقضاء إلا بالطلب سالف
الذكر ، وبإنزال ذلك على واقعات الدعوى ، وكانت حالة الضبط بها نتاج تلبس أساغته
محكمة الموضوع وأقرته هذه المحكمة - محكمة النقض - فإنه لا حاجة لطلب من محافظ
البنك المركزي ، وتكون النيابة العامة ومن بعدها محكمة الموضوع غير مقيدتين بقيد
فيما يباشرونه من إجراءات وقضاء ، وتكون إجراءات الدعوى جلها قد تمت وفقا لصحيح
القانون ، وسلمت من كل عوار أو بطلان ، فإن ما يثيره الطاعن الأول بشأن مخالفة
الحكم لنص المادة ١٣١ من القانون رقم ۸۸ لسنة ۲۰۰۳ والذي ألغي بالقانون رقم ١٩٤
لسنة ۲۰۲۰ يكون غير سديد ، فضلا عن أن البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن
الأول لم يدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون ، فإنه لا
يقبل منه إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم يدفع به أمام محكمة الموضوع .
لما كان ذلك ، وكانت جريمة التعامل في النقد الأجنبي على غير الشروط والأوضاع
المقررة في القانون لنص المادة ۲۳۳ من القانون رقم ١٩٤ لسنة ۲۰۲۰ بإصدار قانون
البنك المركزي والجهاز المصرفي يكفي لتحققها وجود النقد الأجنبي والاتفاق على بيعه
أو شرائه على خلاف الشروط والأوضاع المقررة في هذه المادة ، وكان من المقرر أن
القصد الجنائي في جريمة التعامل في النقد الأجنبي على خلاف أحكام القانون هو من
المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة
عليها وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع
ما يدل عليه ، وكان مؤدى ما حصله الحكم المطعون فيه في بيانه لواقعة الدعوى وأدلة
الثبوت أن الطاعنين عرضا على المصدر السري لضابط الواقعة أن يبيعا له نقدا أجنبيا
" دولارات أمريكية " وحددا سعر بيعها مقابل مبالغ محددة من النقد المصري
وحددا معه موعدا لإتمام عملية البيع وحال الوصول قاما بتسليمه الدولارات الأمريكية
نظير مبلغ من الجنيه المصري بما يتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعنين بها
ويضحى ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الصدد في غير محله ، هذا فضلا عن أنه من
المقرر أنه حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي
صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه
في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، فإن ما يثيره
الطاعن الثاني من قصور الحكم لعدم الرد على الدفع بانتفاء أركان الجريمة لا يعدو
أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى
واستنباط معتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان
الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الجريمتين المسندتين إلى الطاعن
الثاني جريمة واحدة وعاقبه بالعقوبة المقررة لأشدهما ، فإنه لا مصلحة له فيما
يثيره بشأن جريمة مباشرة عمل من أعمال البنوك حال كونه من غير المسجلين بممارسة
هذا العمل ما دامت المحكمة قد دانته بجناية التعامل في النقد الأجنبي على خلاف
الشروط المقررة قانونا ، وأوقعت عليه عقوبتها عملا بالمادة ۳۲ من قانون العقوبات
بوصفها الجريمة الأشد . لما كان ذلك ، وكان الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من
أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى
حسبما يؤدي إليه اقتناعها ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل
والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة
الموضوع بغير معقب ، كما أن سكوت الضابط عن الأدلاء بأسماء أفراد القوة المصاحبة
له لا ينال من سلامة أقواله وكفايتها كدليل في الدعوى ، وكان من المقرر أن للمحكمة
الأخذ بأقوال الشاهد لو كانت سماعية ذلك أن الأصل في الشهادة هو تقرير الشخص لما
يكون قد رآه أو سمعه نفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه ، وكان الطاعن الثاني لا
يماري في طعنه أن الشاهد يتمتع بسائر الحواس الطبيعية فلا على الحكم إن هو أخذ
بشهادته ، ولما كانت المحكمة قد بينت واقعة الدعوى على الصورة التي استقرت في
وجدانها وأوردت أدلة الثبوت فيها ، ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم في صورة الواقعة
التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ولا في تعويله في قضائه بالإدانة على أقوال
الضابط بدعوى عدم معقوليتها ، وانفراده بالشهادة ، واختلاقه حالة التلبس ليصحح
الإجراء الباطل ، فضلا عن أن المحكمة قد عرضت لما يثيره الطاعن الثاني في هذا
الشأن واطرحته في منطق سائغ ، فإن ما يثيرانه إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير
الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها بشأنه
أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، ولئن كان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تقبل
منه الشهادة عليه إلا أن ذلك لا يكون إلا عند قيام البطلان وثبوته ، وإذ كان الحكم
المطعون فيه قد انتهى سديدا إلى صحة إجراءات القبض والتفتيش ، فإنه لا تثريب عليه
إن هو عول في الإدانة على أقوال ضابط الواقعة ، ويكون منعى الطاعن الثاني في هذا
الشأن غير قويم . لما كان ذلك ، وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين
عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة أخرى إلا أنها لا تصلح
وحدها لأن تكون قرينة معينة أو دليلا أساسيا على ثبوت الجريمة ، كما أنه لا محل
للاستناد إلى عدم إفصاح الضابط عن مصدر تحرياته في القول بعدم جديتها ، وكان ما
أورده الحكم المطعون فيه للتدليل على ثبوت التهمة في حق الطاعن قد جاء مقصورا على
أقوال شاهد الإثبات ولم يتساند في ذلك إلى التحريات ، ومن ثم فإن منعى الطاعن
الثاني في هذا الشأن لا يكون سديدا . لما كان ذلك ، وكان البين من الحكم المطعون
فيه أنه لم يستند في قضائه بالإدانة إلى دليل مستمد من اعتراف مستقل من الطاعنين
بل استند إلى ما أقرا به لضابط الواقعة في هذا الخصوص وهو بهذه المثابة لا يعد
اعترافا بالمعنى الصحيح وإنما هو مجرد قول للضابط يخضع التقدير المحكمة التي أفصحت
عن اطمئنانها إليه ، ومن ثم فلا محل للنعي على الحكم في هذا الشأن ، فضلا عن أن
محاميهما ساق القول بذلك مرسلا فلم يؤيده بدليل ولم يبين وجه البطلان المدعى به ،
ومع ذلك فقد عرض الحكم للدفع ببطلان إقرار الطاعنين بمحضر الضبط ورد عليه في منطق
سليم بما يفنده ، ومن ثم فإن منعى الطاعن الثاني في هذا الشأن لا يكون سديدا . لما
كان ذلك ، وكانت المادة ١٢٤ من قانون الإجراءات الجنائية المستبدلة بالقانونين ١٤٥
لسنة ۲۰۰٦ ، ٧٤ لسنة ۲۰۰۷ قد نصت على أنه لا يجوز للمحقق في الجنايات وفي الجنح
المعاقب عليها بالحبس وجوبا أن يستجوب المتهم أو يواجهه بغيره من المتهمين أو
الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور وعدا حالة التلبس وحالة السرعة بسبب الخوف من
ضياع الأدلة على النحو الذي يبينه المحقق في المحضر وعلى المتهم أن يعلن اسم محاميه
بتقرير لدى قلم كتاب المحكمة أو إلى مأمور السجن أو يخطر به المحقق كما يجوز
لمحاميه أن يتولى هذا الإعلان أو الإخطار وإذا لم يكن للمتهم محام أو لم يحضر
محاميه بعد دعوته وجب على المحقق من تلقاء نفسه أن ينتدب له محاميا ، وكان مفاد
هذا النص أن المشرع تطلب ضمانة خاصة لكل متهم في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس
وجوبا هو وجوب دعوة محاميه إن وجد لحضور الاستجواب أو المواجهة فيما عدا حالتي
التلبس والسرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة على النحو الذي أثبته المحقق في المحضر
وذلك تطمينا للمتهم وصونا لحرية الدفاع عن نفسه وللتمكن من دعوة محامي المتهم
تحقيقا لهذه الضمانة الهامة يجب على المتهم أن يعلن اسم محاميه بتقرير لدى قلم
كتاب المحكمة أو إلى مأمور السجن أو أن يتولى محاميه هذا الإقرار أو الإعلان ولم
يتطلب القانون لهذه الدعوة شكلا معينا ، فقد يتم بخطاب أو على يد محضر ، وإذا لم
يكن للمتهم محام أو لم يحضر محاميه بعد دعوته وجب على المحقق من تلقاء نفسه أن
يندب له محاميا . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم أن الطاعنين لم يكشفا
عن اسم محاميهم سواء للمحقق في محضر الاستجواب أو قبل استجوابهما بتقرير في قلم
الكتاب أو أمام مأمور السجن فإن استجوابهما في تحقيق النيابة من هذه الناحية يكون
قد تم صحيحا في القانون ، وكانت النيابة العامة قد اتخذت من جانبها الوسيلة
الممكنة لندب أحد السادة المحامين لحضور استجواب الطاعنين بأن أرسلت في طلب أحد
الأساتذة المحامين من النقابة لحضور استجواب الطاعنين ولكنها عجزت عن تنفيذ ذلك
بسبب غلق النقابة فصار ندب المحامي أمرا غير ممكن فلا تثريب على النيابة إن هي
استمرت في استجواب الطاعنين ولا يعتبر المحقق قد أخطأ في الإجراءات ، إذ المحقق
غير ملزم بانتظار المحامي أو تأجيل الاستجواب لحين حضوره والقول بغير ذلك فيه
تعطيل للنيابة العامة عن أداء وظيفتها انتظارا لحضور المحامي الذي يتعذر حضوره أو
يتراخى ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر ورد على الدفع في هذا
الشأن ردا سائغا ، فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الشأن يضحى غير قويم ، هذا
فضلا عن أن ما ينعاه الطاعن الثاني في ذلك لا يعدو أن يكون تعييبا للتحقيق الذي
جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سببا للطعن على الحكم ،
وفوق ذلك فإن القانون لم يرتب البطلان جزاء على مخالفة هذه المادة . لما كان ذلك ،
وكان الحكم المطعون فيه قد أوقع على الطاعنين عقوبة جريمة التعامل في النقد
الأجنبي باعتبارها الجريمة الأشد والمؤثمة بالمادة ۲۳۳ فقرة 1 من القانون رقم ١٩٤
لسنة ۲۰۲۰ بشأن إصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي ، وكان البين أن نصها
قد جرى على النحو التالي : " يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد
على عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه أو المبلغ
المالي محل الجريمة أيهما أكبر كل من تعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة
أو الجهات التي رخص لها في ذلك " ، ومؤدى هذا النص أن الغرامة المقررة هي
الغرامة العادية إذ هي محددة بحدين يتعين التزامهما وليست محددة بنسبة الضرر
المترتب على الجريمة أو الفائدة التي تحصل عليها الجاني أو كان يأمل الحصول عليها
، فهي ليست من الغرامات النسبية ، ومن ثم يتعين وفقا للمادة ٤٤ من قانون العقوبات
أن يحكم بها على كل متهم على انفراد ، وكان الحكم قد قضى بتغريم الطاعنين متضامنين
مبلغ مليون جنيه دون تفريد قدر لكل منهم ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما
كان يؤذن لهذه المحكمة بتصحيحه ، إلا أنه لما كان الطاعنان هما المحكوم عليهما ولم
تطعن النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح
هذا الخطأ الذي وقع فيه الحكم حتى لا يضار الطاعنان بطعنهما . لما كان ما تقدم ،
فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة / قبول الطعن شكلا وفي الموضوع برفضه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق