الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 ديسمبر 2024

الطعن 15342 لسنة 89 ق جلسة 22 / 5 / 2022 مكتب فني 73 ق 41 ص 382

جلسة 22 من مايو سنة 2022
برئاسة السيد القاضي / منصور القاضي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / د. عادل أبو النجا ، وائل صبحي ، حاتم أحمد عبد الباري ومصطفى سيد نواب رئيس المحكمة .
-----------------
(41)
الطعن رقم 15342 لسنة 89 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى وإيراده مؤدى أدلة الإدانة في بيان واف . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون مجموع ما أورده مؤدياً لتَفَهُم الواقعة بأركانها وظروفها .
(٢) اتفاق . مساهمة جنائية . فاعل أصلي . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
الاتفاق على ارتكاب الجريمة . مناط توافره ؟
مساهمة الشخص في الجريمة بفعل من الأفعال المكونة لها . كفايته لاعتباره فاعلاً أصلياً.
تحديد الحكم الأفعال التي أتاها كل متهم على حدة . غير لازم .
مثال .
(3) فاعل أصلي . اشتراك . نقض " المصلحة في الطعن " .
لا مصلحة للطاعن في النعي على الحكم عدم بيان كونه شريكاً في الجريمة أم فاعلاً أصلياً . ما دامت العقوبة المقررة للفاعل الأصلي هي بذاتها المقررة للشريك . أساس ذلك ؟
(4) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(5) إجراءات " إجراءات المحاكمة " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
تعويل المحكمة على الدليل المستمد من تعرُّف المجني عليه على المتهم مع سابقة معرفته إياه . جائز . شرط ذلك ؟
(6) إثبات " بوجه عام " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها . إغفالها بعض الوقائع . مفاده : اطراحها .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(7) استدلالات . دفوع " الدفع بعدم جدية التحريات " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تقدير جدية التحريات . موضوعي .
للمحكمة التعويل على التحريات باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(8) دفوع " الدفع بكيدية الاتهام " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بكيدية الاتهام وأن الطاعن صديق المجني عليه . موضوعي . لا يستوجب رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
(9) دعوى مدنية . قانون " تفسيره " . عقوبة " تطبيقها " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " . محكمة النقض " سلطتها " .
اختصاص القضاء الجنائي استثناءً بالفصل في دعوى التعويض المدنية التابعة حفاظاً على الحقوق ومنعاً لتضارب الأحكام وتعطيل الإجراءات . حد وأساس ذلك ؟
المواد 251 /1 و 266 و 395/ 1 إجراءات جنائية . مفادها ؟
وجوب التحرز في تفسير القوانين الجنائية وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل . البحث في حكمة التشريع ودواعيه تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه . علة ذلك ؟
انصراف لفظ التشديد الوارد بالمادة 395 إجراءات جنائية المستبدلة بالقانون 11 لسنة 2017 للعقوبة والتعويض معاً .
نص المادة 395 إجراءات جنائية بعد تعديله . تضمنه قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بعدم القضاء بعقوبة جديدة وألَّا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي .
القضاء حال إعادة الإجراءات بتعويض مدني على الرغم من خلو الحكم الغيابي من هذا الإلزام . مخالف للقانون . لمحكمة النقض تصحيحه بإلغاء ما قضى به بالدعوى المدنية .
أساس ذلك ؟
----------------------
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة مستمدة من أقوال شاهدي الإثبات ، وتعرف المجني عليه على الطاعن أثناء عرضه عليه بجلسة المحاكمة ، وما ثبت بالتقرير الطبي الصادر من المركز الطبي لسكك حديد مصر ، أورد مؤداها في بيانٍ وافٍ ، وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وكان ما استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها في مجموع ما أوردته هو استخلاص سائغٍ وكافٍ ، فإنه تنحسر عن الحكم المطعون فيه دعوى القصور في التسبيب ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد في غير محله .
2- من المقرر أن الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضي في الواقع أكثر من تقابل إرادات المساهمين فيها ، ولا يشترط لتوافره مضي وقت معين ، بل إنه من الجائز قانوناً أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بين المساهمين فيها وهي الغاية النهائية من الجريمة ، أي أن يكون كل منهم قد قصد قصد الآخر في ارتكاب الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة ، وأنه يكفي في صحيح القانون لاعتبار الشخص فاعلاً أصلياً في الجريمة أن يسهم فيها بفعل من الأفعال المكونة لها ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه بمدوناته من أنه وحال توقف المجني عليه بسيارته بالطريق العام ، قام الطاعن – وآخرون مجهولون – بمحاولة إدارة السيارة لسرقتها ، فتصدى لهم ، فقام الطاعن بطعنه "بمطواة " في بطنه ، كما قام أحد المتهمين المجهولين بضربه بسلاح ناري على رأسه ، محدثين إصاباته الموصوفة بالتقرير الطبي المرفق والمتمثلة في : ( جرح وخذي نافذ بالبطن بجوار السرة من الناحية اليمنى ، وآخر بطول 2 سم ، وجرح قطعي بالجبهة ، وآخر تهتكي بالحاجب الأيمن ) ، وقد أوقف أثر جريمتهم لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو استغاثة المجني عليه بالمارة ، كاف بذاته للتدليل على اتفاق الطاعن مع المتهمين الآخرين – المجهولين – على ارتكاب الواقعة ، والأفعال التي قارفوها على مسرح الجريمة وقت مقارفتها ، واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها وصدور الجريمة عن باعثٍ واحدٍ ، وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه ، ويصح - من ثم - طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين في جريمتي الشروع في السرقة بالإكراه ، وإحراز سلاح أبيض ( مطواة ) دون مسوغ ، ويرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية ، وكان ليس بلازم - والحال كذلك - أن يحدد الحكم الأفعال التي أتاها كل منهم على حدة ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد .
3- لما كانت العقوبة المقررة للفاعل الأصلي هي بذاتها العقوبة المقررة للشريك طبقاً للمادة 41 من قانون العقوبات ، فلا مصلحة للطاعن من القول بأن الحكم المطعون فيه لم يبين ما إذا كان فاعلاً أصلياً أم شريكاً في ارتكاب الواقعة ، فضلاً عن أن الحكم قد دان الطاعن بجريمتي الشروع في السرقة بالإكراه ، وإحراز سلاح أبيض ( مطواة ) دون مسوغ بصفته فاعلاً أصلياً وليس بصفته شريكاً فيهما ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يضحى غير مقبول .
4- من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات ، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وكانت محكمة الموضوع قد وثقت في أقوال المجني عليه – شاهد الإثبات الأول - وعولت عليها ، فإن النعي على الحكم المطعون فيه لأخذه بهذه الأقوال رغم كذبها ، ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض .
5- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ باستعراف المجني عليه على المتهم - كما هو الشأن في أدلة الإثبات كافة - متى اطمأنت إليه ولو كان يعرفه من قبل ، فلا على المحكمة إن هي اعتمدت على الدليل المستمد من تعرف المجني عليه على الطاعن أثناء عرضه عليه بجلسة المحاكمة مع سابقة معرفته به ما دام تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وحدها ، وتكون المجادلة في هذا الخصوص غير مقبولة .
6- لما كان لا يقدح في سلامة الحكم المطعون فيه إغفاله لأقوال زوجة المجني عليه ، لما هو مقرر من أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، وفي إغفالها لبعض الوقائع ما يفيد اطراحها لها ولم تعول عليها ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير المحكمة للدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
7- من المقرر أن تقدير جدية التحريات هو من المسائل الموضوعية التي تخضع لإشراف محكمة الموضوع ، وأن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة مُعززة لما ساقته من أدلة أساسية في الدعوى ، ولا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد على الدفع بعدم جدية التحريات ، وإذ كانت المحكمة في هذه الدعوى قد اطمأنت إلى التحريات وأقوال الضابط مجريها – شاهد الإثبات الثاني - وصحة تصويره للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم جدية التحريات ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل ، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض .
8- من المقرر أن دفع الطاعن بكيدية الاتهام ، وبأنه صديق للمجني عليه بدلالة الصور الفوتوغرافية المقدمة من الطاعن بجلسة المحاكمة ، لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً ، بل الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً .
9- لما كان الأصل أن الدعوى الجنائية من اختصاص القضاء الجنائي ، وأن الدعوى المدنية من اختصاص القضاء المدني ، بيد أن بعض التشريعات - ومنها القانون المصري - لاحظت الطابع الجنائي التبعي لدعوى التعويض المدنية المترتبة على الجريمة وقدرت أن انفصالها عن الدعوى الجنائية وسيرها في طريقها الطبيعي أمام القضاء المدني المختص بنظرها قد يؤدي إلى تعطيل الإجراءات وضياع الحقوق واحتمال تضارب الأحكام فاتجهت إلى تخويل القضاء الجنائي الاختصاص بالفصل في الدعوى المدنية ، هذا بالإضافة إلى أن القضاء الجنائي أكثر قدرة على الفصل في النزاع المدني الناشئ عن الجريمة ، لكن هذا الاختصاص الاستثنائي للقضاء الجنائي مقيد بتبعية الدعوى المدنية للدعوى الجنائية التي حُركت أمامه ، كما أن قبول هذه الدعوى يتوقف على عدم كونها مُعطِلة للفصل في الدعوى الجنائية ، لذلك فقد نص في الفقرة الأولى من المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه : ( لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعياً بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها الدعوى حتى صدور القرار بإقـفـال باب المرافعة طبقاً للمادة 275 ، ولا يقبل منه ذلك أمام المحكمة الاستئنافية ) ، وكان من المقرر أن الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية ، وإنما أباح القانون استثناءً رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية وكان الحق المُدَعَى به ناشئاً عن ضرر وقع للمُدَعِي من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية ، أي أن يكون طلب التعويض ناشئاً مباشرة عن الفعل الخاطئ المُكوِن للجريمة موضوع الدعوى الجنائية المنظورة ، ومتى تقرر أن هذه الإجازة مبناها الاستثناء فقد وجب أن تكون ممارستها في الحدود التي رسمها القانون ، كما ونص في المادة 266 من ذات القانون على أنه : ( يتبع في الفصل في الدعوى المدنية التي ترفع أمام المحاكم الجنائية الإجراءات المقررة بهذا القانون ) . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد صدر في ظل أحكام الفقرة الأولى من المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية المستبدلة بالقانون رقم 11 لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية والتي جرى نصها على أنه : ( إذا حضر المحكوم عليه في غيبته ، أو قبض عليه ، أو حضر وكيله الخاص وطلب إعادة المحاكمة قبل سقوط العقوبة بمضي المدة ، يحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لإعادة نظر الدعوى ، ويُعرض المقبوض عليه محبوساً بهذه الجلسة ، وللمحكمة أن تأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطياً حتى الانتهاء من نظر الدعوى ، ولا يجوز للمحكمة في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي ) وكان الأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل ، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها ، فإنها يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ، ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أياً كان الباعث على ذلك ، ولا الخروج على النص متى كان واضحاً جلي المعنى قاطعاً في الدلالة على المراد منه بدعوى الاستهداء بالحِكمة التي أملته ، لأن البحث في حِكمة التشريع ودواعيه إنما تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه ، إذ تدور الأحكام مع علتها لا مع حِكمتها ، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب تطبيقه ، وإذ جاءت عبارة ( ولا يجوز في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي ) مطلقة من كل قيد في نص الفقرة الأولى من المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية سالف الإشارة إليها ، كما أن لفظ التشديد لا يمكن أن ينصرف إلى غير المدلول العام الوارد في عبارة النص سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو التعويضات ، سيما وقد أورد ذات النص في متنه عدم سقوط الحكم بالنسبة لكليهما إلا بحضور من صدر ضده الحكم الغيابي جلسات المُحاكمة ، وكان نص المادة 395 - المار ذكرها بعد تعديله - وإن كان في ظاهره إجرائي إلا أنه يتضمن قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً ألا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي ، ومن ثم فإنه عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً لا يجوز الإساءة إليه بتشديد العقوبة المقضي بها عليه غيابياً أو القضاء بعقوبة جديدة ، كما لا يجوز بالنسبة للتعويضات الحكم بها ابتداءً في إعادة الإجراءات أو بزيادة مقدارها عما قضى به الحكم الغيابي ، وهذا التعديل جاء متسقاً مع أصول المُحاكمة المنصفة التي تحترم مبدأ أن الأصل في المتهم البراءة إعمالًا للشرعية الإجرائية ، ورغم أن حضور المحكوم عليه أو القبض عليه وإعادة الإجراءات في الحكم الغيابي السابق صدوره لا يعد طعناً على الحكم الغيابي حتى يسري عليه مبدأ عدم جواز إضرار الطاعن بطعنه ، لكن هذا المبدأ في ذاته ينبثق من أن الأصل في المتهم البراءة وينبني على مقتضيات حق الدفاع ، وهذا المعنى المتعلق بحظر التشديد في إعادة الإجراءات أمام محكمة الجنايات سواء في الدعوى الجنائية أو المدنية هو الذي كان قائماً في ذهن المشرع حين أجرى التعديلين للنص سالف البيان بالقانونين رقمي 95 لسنة 2003 ، 74 لسنة 2007 ، بما يقطع بأن حظر التشديد في إعادة الإجراءات مطلقاً ، يستوي في ذلك أن يكون هذا التشديد من ناحية العقوبة الجنائية أو التعويضات ، وهي قاعدة واجبة الإعمال على واقعة الدعوى طالما لم يفصل فيها بحكم بات ، وأصلح للمتهم وفقاً لنص المادة الخامسة من قانون العقوبات . لما كان ذلك ، وكان البين من مطالعة الحكم الغيابي الصادر في الدعوى المطروحة – المرفق بالمفردات المضمومة - أنه خلا من القضاء بإلزام الطاعن بالتعويض المدني ، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بمناسبة إعادة إجراءات محاكمته حضورياً بإلزام الطاعن بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت ، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة النقض طبقاً لنص المادة 35/2 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم إذا تبين مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة القانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله ، فإنه وإعمالاً لنص المادة 39/1 من القانون المذكور يتعين تصحيح الحكم المطعون فيه بإلغاء ما قضى به في الدعوى المدنية ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :
- شرع ومجهولون في سرقة السيارة المملوكة للمجني عليه / .... ، وذلك بأنه وحال توقفه بها بالطريق العام ونزوله منها لشراء احتياجاته ، فوجئ بالمتهمين حال محاولتهم الاستيلاء على السيارة خاصته ، فحاول منعهم والتصدي لهم ، فلما تنبه المتهم لمقاومته أشهر في مواجهته سلاحاً أبيض ( مطواة ) مهدداً به إياه بالإيذاء ، فتمكن بتلك الوسيلة القسرية من بث الرعب في نفسه وشل مقاومته ، وباغته بطعنة نافذة في بطنه فأحدث إصاباته الموصوفة بالتقرير الطبي المرفق بالأواق ، قاصداً من ذلك الاستيلاء على سيارته ، إلا أنه خاب أثر جريمتهم لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو حدوث إصابة المتهم وخشية ضبطهم من المارة بالطريق وافتضاح أمرهم وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
- أحرز سلاحاً أبيض ( مطواة ) دون مسوغ .
وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت غيابياً بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات وألزمته بالمصاريف الجنائية .
وإذ أعيدت إجراءات محاكمته ، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً – بعد أن ادعى الأستاذ / .... بصفته وكيلاً عن المجني عليه أمامها مدنياً قبل المتهم بمبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت - في 21 من مايو سنة 2019 عملاً بالمواد 40/ أولاً وثانياً ، 41/ أولاً ، 45 /1 ، 46 /3 ، 314 ، 315/ أولاً وثانياً وثالثاً من قانون العقوبات ، والمادتين ۱/۱ ، ٢٥مكرراً/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 165 لسنة ١٩٨١ ، والبند رقم (5) من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأول والمعدل بقرار وزير الداخلية رقم 1756 لسنة ٢٠٠٧ ، وقرار رئيس الجمهورية رقم 168 لسنة ٢٠١٨ بشأن إعلان حالة الطوارئ ، مع إعمال المادة ٣٢ من قانون العقوبات ، بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات عما أسند إليه وإلزامه بالمصاريف الجنائية ، وإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت وإلزامه بالمصاريف ومائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الشروع في السرقة بالإكراه الذي ترك أثر جروح بالطريق العام مع التعدد وحمل سلاح ، وإحراز سلاح أبيض (مطواة) دون مسوغ ، قد شابه القصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه جاء قاصراً في بيانه لواقعة الدعوى ، ولم يدلل على اتفاق الطاعن مع المتهمين الآخرين – المجهولين – على ارتكاب الواقعة ، ودور كل منهم في ارتكابها ، وعما إذا كان فاعلاً أصلياً أم شريكاً في ارتكابها ، وعول الحكم على أقوال المجني عليه – شاهد الإثبات الأول – رغم كذبها ، واعتمد على عملية عرض الطاعن على المجني عليه وتعرفه عليه بجلسة المحاكمة وذلك على الرغم من إقراره بسابقة معرفته به ، والتفت عن أقوال زوجة المجني عليه والتي تؤكد كيدية الاتهام ، وعول على التحريات وأقوال مجريها – الضابط شاهد الإثبات الثاني - ملتفتاً إيراداً ورداً عن دفع الطاعن بعدم جديتها ، والتفت عن دفع الطاعن بكيدية الاتهام ، وبأنه صديق للمجني عليه بدلالة الصور الفوتوغرافية المُقدمة من الطاعن بجلسة المحاكمة ، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة مستمدة من أقوال شاهدي الإثبات ، وتعرف المجني عليه على الطاعن أثناء عرضه عليه بجلسة المحاكمة ، وما ثبت بالتقرير الطبي الصادر من المركز الطبي لسكك حديد مصر وأورد مؤداها في بيانٍ وافٍ ، وهي أدلة سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، وكان ما استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها في مجموع ما أوردته هو استخلاص سائغٍ وكافٍ ، فإنه تنحسر عن الحكم المطعون فيه دعوى القصور في التسبيب ، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضي في الواقع أكثر من تقابل إرادات المساهمين فيها ، ولا يشترط لتوافره مضي وقت معين ، بل إنه من الجائز قانوناً أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بين المساهمين فيها ، وهي الغاية النهائية من الجريمة ، أي أن يكون كل منهم قد قصد قصد الآخر في ارتكاب الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة ، وأنه يكفي في صحيح القانون لاعتبار الشخص فاعلاً أصلياً في الجريمة أن يسهم فيها بفعل من الأفعال المكونة لها ، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه بمدوناته من أنه وحال توقف المجني عليه بسيارته بالطريق العام ، قام الطاعن – وآخرون مجهولون – بمحاولة إدارة السيارة لسرقتها ، فتصدى لهم ، فقام الطاعن بطعنه بمطواة في بطنه ، كما قام أحد المتهمين المجهولين بضربه بسلاح ناري على رأسه ، محدثين إصاباته الموصوفة بالتقرير الطبي المرفق والمتمثلة في جرح وخذي نافذ بالبطن بجوار السرة من الناحية اليمنى ، وآخر بطول 2 سم ، وجرح قطعي بالجبهة ، وآخر تهتكي بالحاجب الأيمن ، وقد أوقف أثر جريمتهم لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو استغاثة المجني عليه بالمارة ، كاف بذاته للتدليل على اتفاق الطاعن مع المتهمين الآخرين– المجهولين – على ارتكاب الواقعة ، والأفعال التي قارفوها على مسرح الجريمة وقت مقارفتها ، واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها وصدور الجريمة عن باعثٍ واحدٍ ، وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها بالإضافة إلى وحدة الحق المعتدى عليه ، ويصح - من ثم - طبقاً للمادة 39 من قانون العقوبات اعتبارهم فاعلين أصليين في جريمتي الشروع في السرقة بالإكراه ، وإحراز سلاح أبيض ( مطواة ) دون مسوغ ، ويرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية ، وكان ليس بلازم - والحال كذلك - أن يحدد الحكم الأفعال التي أتاها كل منهم على حدة ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك ، وكانت العقوبة المقررة للفاعل الأصلي هي بذاتها العقوبة المقررة للشريك طبقاً للمادة 41 من قانون العقوبات ، فلا مصلحة للطاعن من القول بأن الحكم المطعون فيه لم يبين ما إذا كان فاعلاً أصلياً أم شريكاً في ارتكاب الواقعة ، فضلاً عن أن الحكم قد دان الطاعن بجريمتي الشروع في السرقة بالإكراه وإحراز سلاح أبيض ( مطواة ) دون مسوغ بصفته فاعلاً أصلياً وليس بصفته شريكاً فيهما ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يضحى غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات ، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه ، وكانت محكمة موضوع قد وثقت في أقوال المجني عليه – شاهد الإثبات الأول - وعولت عليها ، فإن النعي على الحكم المطعون فيه لأخذه بهذه الأقوال رغم كذبها ، ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع أن تأخذ باستعراف المجني عليه على المتهم - كما هو الشأن في أدلة الإثبات كافة - متى اطمأنت إليه ولو كان يعرفه من قبل ، فلا على المحكمة إن هي اعتمدت على الدليل المستمد من تعرف المجني عليه على الطاعن أثناء عرضه عليه بجلسة المحاكمة مع سابقة معرفته به ما دام تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وحدها ، وتكون المجادلة في هذا الخصوص غير مقبولة . لما كان ذلك ، وكان لا يقدح في سلامة الحكم المطعون فيه إغفاله لأقوال زوجة المجني عليه ، لما هو مقرر من أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ، وفي إغفالها لبعض الوقائع ما يفيد اطراحها لها ولم تعول عليها ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير المحكمة للدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات هو من المسائل الموضوعية التي تخضع لإشراف محكمة الموضوع ، وأن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها قرينة مُعززة لما ساقته من أدلة أساسية في الدعوى ، ولا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد على الدفع بعدم جدية التحريات ، وإذ كانت المحكمة في هذه الدعوى قد اطمأنت إلى التحريات وأقوال الضابط مجريها – شاهد الإثبات الثاني - وصحة تصويره للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم جدية التحريات ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل ، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن دفع الطاعن بكيدية الاتهام ، وبأنه صديق للمجني عليه بدلالة الصور الفوتوغرافية المقدمة من الطاعن بجلسة المحاكمة ،لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب رداً صريحاً ، بل الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان الأصل أن الدعوى الجنائية من اختصاص القضاء الجنائي ، وأن الدعوى المدنية من اختصاص القضاء المدني ، بيد أن بعض التشريعات - ومنها القانون المصري - لاحظت الطابع الجنائي التبعي لدعوى التعويض المدنية المترتبة على الجريمة وقدرت أن انفصالها عن الدعوى الجنائية وسيرها في طريقها الطبيعي أمام القضاء المدني المختص بنظرها قد يؤدي إلى تعطيل الإجراءات وضياع الحقوق واحتمال تضارب الأحكام فاتجهت إلى تخويل القضاء الجنائي الاختصاص بالفصل في الدعوى المدنية ، هذا بالإضافة إلى أن القضاء الجنائي أكثر قدرة على الفصل في النزاع المدني الناشئ عن الجريمة ، لكن هذا الاختصاص الاستثنائي للقضاء الجنائي مقيد بتبعية الدعوى المدنية للدعوى الجنائية التي حُركت أمامه ، كما أن قبول هذه الدعوى يتوقف على عدم كونها مُعطِلة للفصل في الدعوى الجنائية ، لذلك فقد نص في الفقرة الأولى من المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه : ( لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعياً بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها الدعوى حتى صدور القرار بإقـفـال باب المرافعة طبقـاً للمادة 275 ، ولا يقبل منه ذلك أمام المحكمة الاستئنافية ) وكان من المقرر أن الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية ، وإنما أباح القانون استثناءً رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية وكان الحق المُدَعَى به ناشئاً عن ضرر وقع للمُدَعِي من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية ، أي أن يكون طلب التعويض ناشئاً مباشرة عن الفعل الخاطئ المُكوِن للجريمة موضوع الدعوى الجنائية المنظورة ، ومتى تقرر أن هذه الإجازة مبناها الاستثناء فقد وجب أن تكون ممارستها في الحدود التي رسمها القانون ، كما ونص في المادة 266 من ذات القانون على أنه : ( يتبع في الفصل في الدعوى المدنية التي ترفع أمام المحاكم الجنائية الإجراءات المقررة بهذا القانون ) لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد صدر في ظل أحكام الفقرة الأولى من المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية المستبدلة بالقانون رقم 11 لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية والتي جرى نصها على أنه : ( إذا حضر المحكوم عليه في غيبته ، أو قبض عليه ، أو حضر وكيله الخاص وطلب إعادة المحاكمة قبل سقوط العقوبة بمضي المدة ، يحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لإعادة نظر الدعوى ، ويُعرض المقبوض عليه محبوساً بهذه الجلسة ، وللمحكمة أن تأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطياً حتى الانتهاء من نظر الدعوى ، ولا يجوز للمحكمة في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي ) وكان الأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل ، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها ، فإنها يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ، ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أياً كان الباعث على ذلك ، ولا الخروج على النص متى كان واضحاً جلي المعنى قاطعًا في الدلالة على المراد منه بدعوى الاستهداء بالحِكمة التي أملته ، لأن البحث في حِكمة التشريع ودواعيه إنما تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه ، إذ تدور الأحكام مع علتها لا مع حِكمتها ، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب تطبيقه ، وإذ جاءت عبارة ( ولا يجوز في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي ) مطلقة من كل قيد في نص الفقرة الأولى من المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية سالف الإشارة إليها ، كما أن لفظ التشديد لا يمكن أن ينصرف إلى غير المدلول العام الوارد في عبارة النص سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو التعويضات ، سيما وقد أورد ذات النص في متنه عدم سقوط الحكم بالنسبة لكليهما إلا بحضور من صدر ضده الحكم الغيابي جلسات المُحاكمة ، وكان نص المادة 395 - المار ذكرها بعد تعديله - وإن كان في ظاهره إجرائي إلا أنه يتضمن قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً ألا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي ، ومن ثم فإنه عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً لا يجوز الإساءة إليه بتشديد العقوبة المقضي بها عليه غيابياً أو القضاء بعقوبة جديدة ، كما لا يجوز بالنسبة للتعويضات الحكم بها ابتداءً في إعادة الإجراءات أو بزيادة مقدارها عما قضى به الحكم الغيابي ، وهذا التعديل جاء متسقـاً مع أصول المُحاكمة المنصفة التي تحترم مبدأ أن الأصل في المتهم البراءة إعمالاً للشرعية الإجرائية ، ورغم أن حضور المحكوم عليه أو القبض عليه وإعادة الإجراءات في الحكم الغيابي السابق صدوره لا يُعد طعناً على الحكم الغيابي حتى يسري عليه مبدأ عدم جواز إضرار الطاعن بطعنه ، لكن هذا المبدأ في ذاته ينبثق من أن الأصل في المتهم البراءة وينبني على مقتضيات حق الدفاع ، وهذا المعنى المتعلق بحظر التشديد في إعادة الإجراءات أمام محكمة الجنايات سواء في الدعوى الجنائية أو المدنية هو الذي كان قائماً في ذهن المشرع حين أجرى التعديلين للنص سالف البيان بالقانونين رقمي 95 لسنة 2003 ، 74 لسنة 2007 ، بما يقطع بأن حظر التشديد في إعادة الإجراءات مطلقاً ، يستوي في ذلك أن يكون هذا التشديد من ناحية العقوبة الجنائية أو التعويضات ، وهي قاعدة واجبة الإعمال على واقعة الدعوى طالما لم يفصل فيها بحكمٍ باتٍ ، وأصلح للمتهم وفقاً لنص المادة الخامسة من قانون العقوبات . لما كان ذلك ، وكان البين من مطالعة الحكم الغيابي الصادر في الدعوى المطروحة – المرفق بالمفردات المضمومة - أنه خلا من القضاء بإلزام الطاعن بالتعويض المدني ، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بمناسبة إعادة إجراءات محاكمته حضورياً بإلزام الطاعن بأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت ، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة النقض طبقاً لنص المادة 35/2 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم إذا تبين مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة القانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله ، فإنه وإعمالاً لنص المادة 39/1 من القانون المذكور يتعين تصحيح الحكم المطعون فيه بإلغاء ما قضى به في الدعوى المدنية ورفض الطعن فيما عدا ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق