جلسة 13 من يونيه سنة 1960
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل المستشار: وبحضور السادة: أحمد زكي كامل، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.
--------------
(106)
الطعن رقم 124 لسنة 30 القضائية (1)
نقض. أسباب جديدة: اختصاص.
الدفع بوقف الدعوى الجنائية. ماهيته: هو من طرق الدفاع التي لا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه توصل بطريق الاحتيال إلى الاستيلاء على مبلغ 3500 جنيه للمجني عليه باستعمال طرق احتيالية من شأنها الإيهام بوجود مشروع كاذب وإحداث الأمل في الحصول على ربح وهمي، وذلك بأن أوهم المجني عليه بأن في مقدوره نقل ملكية أرض زراعية إليه واستولى منه على هذا المبلغ نظير نقل ملكية الأراضي إليه، ثم تبين أن المتهم قد سبق له أن باع الأراضي موضوع التعاقد بينه وبين المجني عليه إلى شخص آخر بعقد عرفي، وطلبت عقابه بالمادة 336 من قانون العقوبات. وقد ادعى المجني عليه بمبلغ 60 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم. والمحكمة الجزئية قضت حضورياً ببراءة المتهم وبرفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها بالمصروفات. فاستأنف هذا الحكم كل من النيابة العامة والمدعي بالحق المدني. والمحكمة الاستئنافية قضت حضورياً بتأييد الحكم المستأنف وألزمت المدعي بالحق المدني المصروفات المدنية. فطعن المدعي بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى أوجه الطعن هو أن الحكم المطعون فيه انطوى على إخلال بحق الدفاع وعلى خطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب حين قضى بتأييد الحكم الابتدائي القاضي بتبرئة المطعون ضده من تهمة النصب المسندة إليه وبرفض الدعوى المدنية قبله، ذلك أن المحكمة بعد أن استجابت إلى طلب الدفاع عن الطاعن ضم الدعويين المدنيتين المتضمنتين طلب صحة ونفاذ عقدي البيع الصادرين من المطعون ضده - أحدهما للطاعن، والآخر لعوض الله إبراهيم الخاصين بالأطيان موضوع الدعوى المطروحة - بعد أن قررت ضم هاتين الدعويين عدلت عن هذا القرار دون بيان علة عدولها عنه مما يعد إخلالاً بحق الدفاع، ولا يقدح في ذلك ما تعللت به المحكمة من تقديم المطعون ضده الحكمين الصادرين في الدعويين المذكورتين، كما رفضت المحكمة سماع الشاهد.... الذي تمسك الدفاع عن الطاعن بطلب سماع شهادته لتعلقها بموضوع التهمة وأجلت الدعوى مرتين لتنفيذ قرار المحكمة بإعلانه ولكنها فصلت في الدعوى دون سماعه لتخلفه عن الحضور وبررت ذلك بما استخلصته من التحقيق من نفي وقوع طرق احتيالية من جانب المطعون ضده للاستيلاء على المبالغ التي حصل عليها من الطاعن وذلك باعتراف الأخير نفسه مما لم تر معه المحكمة داعياً لتأجيل الدعوى لسماع الشاهد المذكور على واقعة الاحتيال - وهذا الذي ذكره الحكم لا ينهض دليلاً مقنعاً للاستغناء عن سماع الشاهد سالف الذكر لاحتمال أن يكون لديه من الوقائع التي يشهد بها ما يقطع بحصول طرق احتيالية - وقد كان طرفاً في التعاقد الآخر - ولأن الأصل هو وجوب سماع المحكمة الشهود بمعرفتها فإذا تمسك الدفاع بسماع أحد هؤلاء الشهود واستجابت المحكمة إلى ذلك بأن أجلت الدعوى لإعلانه فتخلف عن الحضور فلا يجوز لها أن تفصل في الدعوى دون سماعه، وما كان يسوغ لها أن تقضي بعدم جدوى شهادته قبل سماعه، وقد كان من المتعين على المحكمة أن توقف الفصل في الدعوى الجنائية إلى أن يتم الفصل في الدعويين المدنيتين اللتين هما أساس الدعوى الجنائية لأن الفصل فيهما يمكن المحكمة الجنائية من تقدير ما وقع من المطعون ضده على أساس صحيح ثابت. هذا إلى أن الحكم المطعون فيه لم يبين واقعة الدعوى والأدلة التي اعتمد عليها في قضائه على وجه التفصيل، بل جاءت عبارته عامة مبهمة بما لا يحقق الرقابة على صحة تطبيق القانون على الواقعة. كما التفت الحكم عما تمسك به الطاعن من أن هناك طرق احتيالية أخرى وقعت من المطعون ضده في حق الطاعن ويتوافر بها النصب بهذه الوسيلة - وإن لم تكون جريمة التصرف في عقار لا يملكه المطعون ضده - مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه والمكمل به بين واقعة الدعوى بما مجمله أن اتفاقاً تم بين الطاعن والمطعون ضده بمقتضى عقد بيع ابتدائي حرر بتاريخ 24 مارس سنة 1956 باع الأخير بمقتضاه إلى الطاعن 97 ف و3 ط و21 س مبينة بالعقد بثمن قدره 7840 جنيهاً - دفع منه مبلغ 1500 جنيه بصفة عربون واستلم الأرض وقام بحرثها وزراعتها وسلم المطعون ضده مبالغ أخرى على دفعات آخرها في 17 أبريل سنة 1956 ووصل مجموعها إلى 3500 جنيه، وفي شهر سبتمبر من العام نفسه فوجئ الطاعن بعلمه بأن المطعون ضده سبق أن باع الأطيان ذاتها المبيعة إليه إلى عوض الله إبراهيم مسيحة بمقتضى عقد بيع ابتدائي بتاريخ 27 فبراير سنة 1956 قدم عنه هذا الأخير طلباً إلى الشهر العقاري برقم 193 في 3 مارس سنة 1956، كما أقام دعوى بطلب صحة ونفاذ العقد المذكور أشهر صحيفة افتتاحها برقم 1473 بتاريخ 16 يونيه سنة 1956 - وبذلك حاز أسبقية على الطاعن الذي رفع دعوى مماثلة أشهر صحيفتها برقم 1627 بتاريخ أول يوليه سنة 1956 - وقد انتهى الطاعن إلى اتهام المطعون ضده بارتكاب جريمة النصب ببيعه إياه عقاراً لا يملكه وليس له حق التصرف فيه لسابقة تصرفه فيه بالبيع إلى المشتري الأول، ولدى نظر الدعوى أمام المحكمة الابتدائية نسب الحاضر مع الطاعن إلى المطعون ضده ارتكابه طرقاً احتيالية من شأنها إيهامه بوجود مشروع كاذب وواقعة مزورة وتوصله بذلك إلى الاستيلاء على مبالغ من النقود، وأسس الاحتيال على القول بأن المطعون ضده أوهم الطاعن بأنه مالك للأطيان المبيعة وله حق التصرف فيها وخدعه بتسليمها إليه - وأن ما باعه ليس ملكاً له أصلاً ولا حق له في التصرف فيه، تأسيساً على القول بأن الأرض المبيعة في ملك مصلحة الأملاك ولم تنقل ملكيتها إليه بعد. وبعد أن عرض الحكم إلى مستندات الطرفين ومن بينها سند ملكية المطعون ضده للأطيان المبيعة الذي تلقاه من مصلحة الأملاك بمقتضى عقد بيع مسجل برقم 3197 بتاريخ 3 أبريل سنة 1947 واحتفظت فيه البائعة بحق الامتياز عما يبقى لها من الثمن في ذمته، تناول دفاع الطرفين وأشار إلى إقرار المطعون ضده بتصرفه مرتين في الأطيان موضوع النزاع التي هي في ملكه وتبريره هذا التصرف بزعمه بترخيص المشتري الأول له شفوياً ببيع ما شاء من تلك الأطيان للغير. وخلص الحكم إلى أن الأطيان المبيعة إلى الطاعن كانت في ملكه وقت تصرفه فيها إلى المشتري أخذاً بالعقد الصادر إليه من مصلحة الأملاك - ولا يقدح في ذلك تحميل العين بحق امتياز البائع الذي لا يعدو أن يكون تأميناً على العقار المبيع ولا أثر له على انتقال الملكية إليه، ثم عرض الحكم إلى ما نسبه الطاعن إلى المطعون ضده من ارتكابه طرقاً احتيالية في قوله "فإنه وإن كان لا يوجد في القانون ما يمنع من تصور وقوع النصب في حالة ما إذا اتفق البائع مع المشتري الأول بعقد لم يسجل بعد ثم أوهم المشتري الثاني فباع له وهو يعلم أن المشتري الأول على وشك تسجيل عقده قبل أن يدرك المشتري الثاني تسجيل عقده هو، وأن هذا المشتري الثاني ستضيع عليه القيمة حتماً، في مثل هذه الصورة يكون البائع قد نصب على المشتري الثاني، ولكن جريمته لا تكون مما ينطبق على التصرف في غير المملوك بل تكون من جرائم النصب العادية المنصوص عليها بالعبارة الأولى من المادة 336 من قانون العقوبات ولابد من إثبات الطرق الاحتيالية... ولما كان هذا هو حكم القانون، وكان المجني عليه لم يذكر وقوع طرق احتيالية عليه من المتهم يمكن تحقيقها، فإن دعواه في هذا الخصوص تكون مبنية على غير أساس، وليس في تمكين المتهم له من وضع يده على الأرض ما يمكن أن يعد بذاته من سبل الاحتيال - خاصة إذا ثبت للمحكمة أن هذه الأرض لا زالت في ملكه..." وانتهى الحكم إلى أن الملكية كانت منعقدة للمطعون ضده وقت أن باع الأطيان إلى الطاعن بالعقد الابتدائي الصادر إليه منه، ولا يغير من ذلك سابقة بيعه الأطيان المذكورة للمشتري الأول عوض الله إبراهيم مسيحة لأن عقد البيع لا ينتج سوى مجرد التزامات شخصية بين المتعاقدين وأن نقل الملكية غير مترتب على مجرد العقد بل يتراخى إلى حين شهره، ولا يقدح في ذلك أن يكون المشتري الأول قد سبق الطاعن في شهر صحيفة دعواه المدنية عن طلب الحكم له بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر له من المطعون ضده ما دام هذا الشهر قد حصل في تاريخ لاحق لتاريخ التصرف الذي تم لصالح الطاعن. وقد أضاف الحكم الاستئنافي إلى ذلك أن المحكمة استجابت إلى طلب الدفاع عن المدعي المدني فسمعت باقي شهوده ممن لم يتيسر سماعهم أمام محكمة أول درجة لإثبات ما ادعاه من أن المطعون ضده - علاوة على بيعه الأطيان مرتين - قد استعمل طرقاً احتيالية أخرى لاستيلائه على مبلغ الـ 3500 جنيهاً منه ثمناً للأطيان التي باعها له رغم سبق بيعها إلى عوض الله إبراهيم مسيحة وخلص من ذلك إلى قوله "وحيث إنه لذلك لا يكون التحقيق قد أسفر عن إثبات استعمال المتهم لأي طرق احتيالية في الحصول على المبالغ التي حصل عليها من المجني عليه وذلك باعتراف المجني عليه نفسه - وقوله حجة بهذا الخصوص - لذا لم تر المحكمة داعياً لتأجيل الدعوى لسماع شهادة عوض الله مسيحة - الذي تخلف عن حضور جلسة اليوم - للتدليل بها على الاحتيال الذي وقع على المجني عليه، ما دام هو نفسه قد نفاه. وحيث إن سكوت المتهم عن إخبار المجني عليه بسبق تصرفه في الأطيان - وإن دل على سوء نية من جانبه وقصد الإضرار، فإنه لا يعدو أن يكون غشاً مدنياً مستوجباً مسئوليته عن التعويض ولكنه لا يرقى لدرجة التأثيم الجنائي، ولا يعتبر نصباً طبقاً للمادة 336 من قانون العقوبات لعدم توفر ركن الاحتيال." وانتهى إلى تأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من براءة المطعون ضده. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة الاستئنافية أن المدافع عن الطاعن طلب بجلسة 25 من فبراير سنة 1958 ضم القضيتين رقمي 2696 و2517 سنة 1956 كلي مصر فقررت المحكمة التأجيل لجلسة 6 من مايو سنة 1958 لضمها وصرحت للمطعون ضده بتقديم صور أحكام هذه القضايا، وبعد أن تدوولت الدعوى بالجلسات حجزت للحكم لجلسة 28 أكتوبر سنة 1958 ثم مد أجل الحكم أسبوعين حيث قررت المحكمة إعادة القضية للمرافعة لجلسة 25 نوفمبر سنة 1958 وكلفت النيابة بإعلان شهود الإثبات وإعادة إعلان المتهم والمدعي بالحق المدني وصرحت لهما بإعلان شهود. وعرضت المحكمة لطلب ضم الدعويين المدنيتين في قولها: "وحيث إن المحكمة سبق أن عدلت من قرار ضم القضيتين سالفتي الذكر اكتفاء بتقديم صور الأحكام فيها حيث تبين أنهما متداولتان بالجلسات وقد قدم المتهم فعلاً صورتين من الحكمين الصادرين فيهما من محكمة القاهرة الابتدائية، فلا محل للرجوع للقرار الأول الخاص بضم القضيتين". وقد تكرر تأجيل الدعوى بعد ذلك إلى أن سمعت مرافعة الطرفين بجلسة 20 يناير سنة 1959 حيث ترافع المدافع عن المدعي بالحق المدني دون أن يتمسك بطلب ضم الدعويين سالفتي البيان. لما كان ذلك، وكان قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق، فإذا ما ترافع الدفاع في الدعوى دون الإشارة إلى هذا القرار أو التمسك بتنفيذه - كما هو واقع الحال في الدعوى المطروحة - فإنه لا يحق له بعد ذلك النعي على المحكمة بأنها أخلت بحقه في الدفاع. لما كان ذلك, وكان الأصل أن محكمة ثاني درجة لا تجري تحقيقاً في الجلسة وإنما تبني قضاءها على ما تسمعه من الخصوم وما تستخلصه من التحقيقات التي تجريها محكمة أول درجة ومن سائر الأوراق المعروضة عليها، وهي غير ملزمة بإجراء تحقيق أو سماع شهود إلا استكمالاً لما كان يتعين على محكمة أول درجة أن تجريه أو ما ترى هي ضرورته، وكانت المحكمة قد استمعت إلى الشهود الذين فات محكمة أول درجة سماعهم ووجدت في شهادة من سمعتهم من أولئك الشهود ما يكفي لظهور الحقيقة في الدعوى، فلا يقبل من الطاعن النعي عليها عدم استماعها إلى الشاهد الذي تخلف عن الحضور بعد إذ بررت المحكمة ذلك تبريراً سائغاً ودللت على عدم جدوى الاستشهاد به على أمر غير ظاهر التعلق بموضوع الدعوى. ولما كان الدفع بوقف الدعوى الجنائية انتظاراً للفصل في مسألة فرعية لا يخرج عن كونه طريقاً من طرق الدفاع، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه قد أثار هذا الدفع فلا يقبل منه التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض، فضلاً عن أن القاضي في المواد الجنائية غير مكلف بانتظار حكم تصدره محكمة أخرى فيما عدا الأحوال والمسائل الفرعية التي يوجب عليه القانون ذلك فيها والمشار إليها في المادتين 222 و223 من قانون الإجراءات الجنائية مما يتوقف على الفصل فيها الفصل في الدعوى الجنائية - بأن تتصل بركن من أركان الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية أو بشرط لا يتحقق وجود الجريمة إلا بوجوده - وهو ما لا يتوافر في خصوص الدعوى المطروحة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بياناً كافياً ومحص الأدلة القائمة فيها وانتهى بحق إلى نفي وقوع جريمة النصب كما هي معرفة به في القانون، ومن ثم يكون النعي على الحكم في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
(1) المبدأ ذاته في الطعن 487 لسنة 30 ق (جلسة 27/ 6/ 60).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق