جلسة 8 من ديسمبر سنة 1973
برئاسة السيد الأستاذ المستشار علي محسن مصطفى - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة ومحمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية ومحمد نور الدين العقاد - المستشارين.
----------------
(16)
القضية رقم 672 لسنة 16 القضائية
عاملون بالقطاع العام - "تأديب" حرية الإدارة في تقدير الجزاء المناسب - الغلو في تقدير الجزاء - مناطه - مثال.
أصاب الحكم المطعون فيه فيما انتهى إليه من أن ما نسب إلى المدعي من وجود عجز في عهدته وتقديمه بيانات غير صحيحة للتفتيش المالي بقصد تغطية هذا العجز ثابت في حقه ثبوتا يقينياً ولا ينال من ثبوته في حقه ما ذهب إليه من مبررات، إذ الثابت أن المستندات التي قدمها لنفي وجود عجز في عهدته كانت قد استعيضت وصرفت قيمتها للمدعي قبل الجرد أما القول بأنه قدم بيانات هذا المبلغ دون مراجعة فأمر لا يقبل في المسائل المالية التي تتطلب الدقة والحذر خصوصاً وأن المدعي من العاملين بالحسابات منذ تعيينه وعلى دراية كافية بما لهذا البيان من تأثير مباشر على نتيجة الجرد، الأمر الذي يشكل في حقه خروجاً على مقتضى الواجب الوظيفي كان من شأنه المساس بمصلحة مالية للشركة المدعى عليها.
ومن حيث إن القرار التأديبي شأنه شأن أي قرار إداري آخر يجب أن يقوم على سبب يبرره فلا تتدخل الإدارة لتوقيع الجزاء إلا إذا قامت حالة قانونية أو واقعية تبرر تدخلها ولما كان السبب هو ركن من أركان القرار فإن للقضاء الإداري أن يراقب قيام هذه الحالة أو عدم قيامها كركن من أركان القرار، وفي نطاق الرقابة القانونية التي تسلط على تلك القرارات التي غايتها التعرف على مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها للقانون نصاً وروحاً فإذا كان الثابت - على نحو ما تقدم - أن السبب الذي قام عليه القرار المطعون فيه، وهو إخلال المدعي بالتزاماته الجوهرية وخروجه على مقتضى واجبه الوظيفي أمر ثابت في حقه فإن القرار المطعون فيه يكون قد قام على سبب يبرره ومطابقاً للقانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بالرغم مما خلص إليه من ثبوت الاتهام المسند إلى المدعي وإلى أنه يشكل خروجاً على مقتضيات واجبه الوظيفي، وأن من حق المؤسسة مجازاته عنه، انتهى إلى أن هذه المخالفة لا تستوجب أن يجازى عنها بأقصى الجزاءات وهو الفصل من الخدمة، إذ أن الإسراف في الشدة يجعل الجزاء متسماً بعدم المشروعية واكتفى بمجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه، وهذا الذي انتهى إليه الحكم غير صحيح ذلك أنه وإن كانت المخالفات الثابتة في حق المدعي لا تقف عند حد الإهمال بل تتعداه فإن من الأمور المستقرة أن إهمال العامل في المحافظة على عهدته وعدم مراعاته الدقة والحذر في المسائل المالية يعد إخلالاً بالتزاماته الجوهرية وبمقتضيات واجبه الوظيفي يجيز مجازاته بأقصى الجزاءات. ومن ثم فإنه لا يكون ثمت عدم تناسب أو غلو بين ما ثبت في حق المدعي وبين الجزاء الذي وقعته عليه الشركة، ويكون الحكم المطعون فيه قد خالف بما ذهب إليه في هذا الشأن ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة، من أنه إذا انتهت الجهة الإدارية بحسب فهمها الصحيح للعناصر التي استخلصت منها قيام العامل بارتكاب ذنب إداري إلى تكوين اقتناعها بأن مسلك العامل كان معيباً وأن الفعل الذي أتاه أو التقصير الذي وقع منه كان غير سليم أو مخالفاً لما يقضي القانون أو الواجب باتباعه في هذا الشأن كان لها حرية تقدير الخطورة الناجمة عن ذلك وتقدير ما يناسبها من جزاء تأديبي في حدود النصاب القانوني دون أن يخضع اقتناعها أو تقديرها في ذلك لرقابة القضاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق