الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 19 أغسطس 2023

الطعن 635 لسنة 34 ق جلسة 27 / 6 / 1993 إدارية عليا مكتب فني 38 ج 2 ق 150 ص 1507

جلسة 27 من يونيه سنة 1993

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ عبد القادر هاشم النشار وادوارد غالب سيفين وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود. منيب محمد ربيع - نواب رئيس مجلس الدولة.

-----------------

(150)

الطعن رقم 635 لسنة 34 القضائية

حريات عامة - حرية التنقل والسفر - طبيعة المنع من السفر.
المواد 50، 51، 52 من الدستور، والمادة 11 من القانون رقم 97 لسنة 1959 بشأن جوازات السفر.
أجاز المشرع لوزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها رفض منع جواز السفر أو تجديده وسحبه بعد إعطائه - قرار وير الداخلية رقم 975 لسنة 1983 حدد الجهات التي يجوز لها طلب الإدراج على قوائم الممنوعين من السفر - المنع من السفر إجراء وقائي لضمان الأمن العام وتامين المصالح القومية والاقتصادية للبلاد - المنع من السفر ليس عقوبة جنائية - أثر ذلك: لا يشترط في المنع من السفر تحقق الاتهام بوقائع محددة وثبوتها يقينياً - يكفي لاتخاذه قيام دلائل جدية على وجود أسباب تدعو إليه - تطبيق (1).


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 30 يناير سنة 1988 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري دائرة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 1/ 12/ 1987 في الدعوى رقم 5193 لسنة 41 ق والذي قضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وبإلزام الجهة الإدارية المصروفات وطلب الطاعن قبول الطعن شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد تم إعلان الطعن قانوناً على النحو المبين بالأوراق.
كما أودع الأستاذ المستشار محمود عادل الشربيني تقريراً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
وعينت جلسة 17/ 12/ 1990 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة، وتدوول نظره أمامها على النحو الموضح بمحاضر الجلسات إلى أن قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) والتي حددت جلسة 26/ 10/ 1991 لنظر الطعن، وتداولت المحكمة نظره، وبجلسة 2/ 5/ 1993 قررت المحكمة النطق بالحكم لجلسة 13/ 6/ 1993 مع التصريح للمطعون ضده بإيداع مذكرة خلال ثلاثة أسابيع، وفات ذلك الأجل ولم تقدم أية مذكرات وبجلسة اليوم 27/ 6/ 1993 صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانوناً.
ومن حيث إن هذه المنازعة تتلخص حسبما يبين من الأوراق في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 5193 لسنة 41 ق أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت قلم كتاب تلك المحكمة بتاريخ 12/ 7/ 1987 طلب في ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار منعه من السفر ووضعه على قوائم الممنوعين من السفر وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار.
وقال شارحاً دعواه أنه مصري الجنسية ويحمل جواز سفر صالح حتى 13/ 4/ 1993 وهو من التجار ويملك مكتب للاستيراد والتصدير وله علاقاته التجارية في الداخل والخارج وأن عمله يتطلب منه إلى السفر إلى الخارج، ولم يشتهر عنه مخالفته للقانون كما أنه يتمتع بسمعة حسنة إلا أنه فوجئ لدى سفره أخيراً أن اسمه مدرج على قوائم الممنوعين من السفر دون سبب ظاهر أو مشروع مما أضر به ضرراً جسيماً.
وقدم الحاضر عن الحكومة حافظة مستندات ومذكرة بالدفاع جاء فيها أن الثابت من الأوراق ومن تقدير الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة من قطاع الأمن الاقتصادي بوزارة الداخلية أن المدعي صاحب ومدير إحدى شركات توظيف الأموال (شركة جولى للاستثمار) وسبق ضبطه بمعرفة الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال في 14/ 11/ 1985 لاتهامه بمخالفة أحكام قانون النقد رقم 97 لسنة 1976، وتحرر عن الواقعة المحضر رقم 1603 لسنة 1985 حصر وارد مالية، وأدرج المدعي على قائمة المنع من السفر ضمن بعض أصحاب شركات توظيف الأموال حماية لاقتصاديات البلاد وأموال المدعين بتلك الشركات ولحين انتهاء اللجنة المشكلة برئاسة محافظ البنك المركزي من أعمالها في ضوء الدراسة التي تجرى حالياً بشأن شركات توظيف الأموال في ضوء التنسيق الكامل بين أجهزة الدولة المختلفة.
وبجلسة 1/ 12/ 1987 قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وأقامت قضاءها على أن مجرد ضبط المدعي واتهامه في جريمة من جرائم الأموال العامة لا ينهض دليلاً على ثبوت الجريمة قبله، وأن الأوراق خلت من صدور أي قرار من جهات التحقيق القضائي المختصة بمنع المدعي من السفر ومن ثم يغدو الادعاء الذي اتخذته الإدارة سبباً لمنع المدعي من السفر واهياً، كما وأنه لا توجد وقائع محددة لها أصل بالأوراق تدعو إلى التخوف من المركز المالي للمدعي يبرر التحوط بمنعه من السفر إلى الخارج حفاظاً على حقوق المساهمين والممولين بشركاته، مما يجعل القرار المطعون فيه غير قائم بحسب الظاهر على سببه الصحيح فضلاً عن توافر ركن الاستعجال.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك لأن المحكمة أهدرت الأسباب التي استند عليها القرار المطعون فيه وقامت ببحث ملاءمة القرار وهي بذلك تكون قد خرجت من دائرة الرقابة القضائية باعتبار أن تقدير ملاءمة إصدار القرار من صميم عمل الجهة الإدارية، وخلص تقرير الطعن إلى أن تنفيذ الحكم يترتب عليه نتائج يتعذر تداركها لأنه سيؤدي إلى الإضرار بمصالح الدولة الاقتصادية مما يحقق معه للطاعن أن يطلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن المادة (50) من الدستور تنص على أنه "لا يجوز أن تحظر على أي مواطن الإقامة في جهة معينة ولا أن يلزم بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون".
وتنص المادة (51) على أن "لا يجوز إبعاد أي مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها" وتنص المادة (52) على أن "للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج وينظم القانون هذا الحق وإجراءات وشروط الهجرة ومغادرة البلاد" وهذه الحقوق المتعلقة بالإقامة والتنقل داخل البلاد أو خارجها من الحقوق الأساسية للإنسان فقد كفلها المشرع الدستوري للإنسان المصري في مواجهة السلطات الإدارية والتنفيذية والسياسية وهي حقوق لا يجوز للمشرع العادي إلغائها أو الانتقاص منها أو تقييدها إلى المدى الذي يصل إلى مصادرتها، وغاية ما هناك أن يتولى المشرع تنظيم هذه الحقوق وتحديد الإجراءات المتعلقة بمباشرتها وممارستها بالقدر الذي يصونها وفي ذات الوقت دون إخلال أو مساس بالمصلحة العامة بوجه عام وبأمن الدولة سياسياً أو اقتصادياً بوجه خاص.
ومن حيث إنه ولئن كان صحيحاً أن حق التنقل والسفر داخل البلاد أو خارجها كغيره من الحقوق ناط الدستور بالسلطة التشريعية تنظيمه بما يحقق المحافظة على سلامة الدولة وأمنها في الداخل والخارج دون إخلال بالحق الدستوري ودون مساس بجوهره ومضمونه وإعمالاً لذلك فقد أجازت المادة 11 من القانون رقم 97 لسنة 1959 الخاص بجوازات السفر لوزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها رفض منح جواز السفر أو تجديده أو جواز سحبه بعد إعطائه وتنفيذاً لذلك فقد أصدر وزير الداخلية قرارات متعاقبة أخرها القرار رقم 975 لسنة 1983 بشأن تنظيم قوائم الممنوعين من السفر وتضمنت مادته الأولى الجهات التي يجوز لها طلب الإدراج على قوائم الممنوعين من السفر بالنسبة للأشخاص الطبيعيين.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده صاحب ومدير إحدى شركات توظيف الأموال (شركة جولي للاستثمار وتوظيف الأموال) وأنه سبق ضبطه بمعرفة الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال بتاريخ 14/ 11/ 1985 لمخالفته أحكام قانون النقد رقم 97 لسنة 1976 الخاص بتنظيم التعامل في النقد الأجنبي، والقانون رقم 163 لسنة 1957 الخاص بالبنوك والائتمان، وأنه تحرر عن تلك الواقعة المحضر رقم 1603 لسنة 1985 حصر وارد مالية وأخطرت وزارة الاقتصاد ونيابة الشئون المالية والتجارية بالواقعة التي لم يتم التصرف فيها حتى صدور الحكم المطعون فيه ومن ثم فقد رأت السلطات المختصة - حفاظاً على حقوق المودعين بشركات توظيف الأموال - تشكيل لجنة وزارية على مستوى عال لبحث موقف هذه الشركات، وأن مقتضيات الحفاظ على حقوق المودعين دعت إلى إصدار القرار المطعون فيه لحين انتهاء اللجنة من أعمالها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه بإدراج اسم المطعون ضده على قوائم الممنوعين من السفر صدر بقصد حماية وتأمين استرداد أموال المدعين التي كانت تتلقاها شركة المطعون ضده وبقصد حماية وتأمين موارد البلاد من النقد الأجنبي وكفالة إجراء البحث والتحقيق اللازم لتحديد أوضاع الشركة التي يديرها المدعي وموقفها المالي وأصولها وخصومها بما يضمن عدم المساس بحقوق المودعين ويضمن ردها إليهم.
ومن حيث إنه إذا ما رأت السلطات المختصة بالدولة بصفتها المسئولة قانوناً عن مراعاة مصالح المجتمع والحفاظ على أمنه الاجتماعي والاقتصادي ضرورة تواجد أصحاب شركات تلقي الأموال داخل البلاد وعدم سفرهم إلى الخارج - ومنهم المطعون ضده - إلى أن يتم حسم الأمر الذي يجعل القرار الصادر من هذه السلطات المختصة بمنع المطعون ضده من السفر لكونه أحد أصحاب شركات توظيف الأموال مشروعاً ومطابقاً للدستور والقانون. ومن حيث إنه لا وجه لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن مجرد ضبط المدعي واتهامه في جريمة من جرائم المال العام لا ينهض دليلاً لثبوت هذه الجريمة قبله، كما أن الأوراق خلت من أي وقائع محددة تدعو إلى التخوف من المركز المالي للمدعي يبرر التحوط بمنعه من السفر إلى الخارج حفاظاً على حقوق المساهمين، لا وجه لذلك لأن المنع من السفر هو - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - إجراء تفرضه طبيعة الغايات والأغراض المبتغاة منه، وهي ضمان الأمن العام وتأمين المصالح القومية والاقتصادية للبلاد، فالمنع من السفر ليس عقوبة جنائية يتعين أن يتحقق الاتهام بيقين ويثبت ثبوتاً لا شك فيه، وإنما هو مجرد إجراء وقائي موقوت بتحقيق الغاية منه ويكفي لاتخاذه أن تقوم الأدلة الجدية على وجود أسباب تدعو إليه وتبرره، وعلى هذا فإن الجهة الإدارية المختصة بحسبانها المسئولة عن الأمن العام للدولة وعن الأمن الاقتصادي أيضاً، قدرت أن وجود المدعي بصفته صاحب ومدير إحدى شركات تلقي الأموال داخل الجمهورية من شأنه أن يبعث الطمأنينة في نفوس المودعين أموالهم بشركته بحكم أن لديه كافة البيانات والمستندات والمعلومات الخاصة بتلك الأموال، فقامت بإدراجه على قوائم الممنوعين من السفر فلا تثريب عليها في ذلك لأن الإدراج على القوائم لا يعدو أن يكون إجراء احتياطياً اقتضته المصلحة العامة للدولة واقتضاه صالح المواطن الاقتصادي.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن القرار المطعون فيه صدر بحسب الظاهر على أساس صحيح من الواقع والقانون، مستهدفاً الصالح العام وخالياً من عيب الانحراف أو إساءة استعمال السلطة، فضلاً عن صدوره ممن يملك سلطة إصداره، وبالتالي فإن الحكم المطعون فيه وقد ذهب مذهباً مخالفاً لصحيح حكم الدستور والقانون حينما قضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإنه يكون من المتعين القضاء بإلغائه ورفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المطعون ضده المصروفات.


(1) راجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 24/ 11/ 1990 في الطعن رقم 1550 لسنة 33 ق - الذي قضى فيه بأن المنع من السفر لا يشترط صدور حكم جنائي بالإدانة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق